تفسير قوله تعالى: {..وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}

وروى ابنُ ماجه، عن هارونَ الحَمَّال، عن هاشم بن القاسم، عن زياد بن عبدالله بن عُلَاثَةَ.

الشيخ: انظر "التقريب": زياد بن عبدالله بن علاثة.

عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أنس وجابر، عن رسول الله ﷺ: أنَّه كان إذا دعا على الجراد قال: اللَّهُمَّ أَهْلِكْ كِبَارَهُ، وَاقْتُلْ صِغَارَهُ، وَأَفْسِدْ بَيْضَهُ، وَاقْطَعْ دَابِرَهُ، وَخُذْ بِأَفْوَاهِهِ عَنْ مَعَايِشِنَا وَأَرْزَاقِنَا، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ، فقال له جابر: يا رسول الله، أتدعو على جندٍ من أجناد الله بقطع دابره؟! فقال: إِنَّمَا هُوَ نَثْرَةُ حوتٍ في البحر. قال هشام: أخبرني زياد أنَّه أخبره مَن رآه ينثره الحوتُ. تفرّد به ابنُ ماجه.

الشيخ: عندك عليه شيء في الحاشية؟

الطالب: يقول: وهو ضعيفٌ؛ موسى بن محمد بن إبراهيم مُنكر الحديث. قاله الحافظ في "الفتح".

الشيخ: انظر: زياد.

الطالب: زياد بن عبدالله بن علاثة -بضم المهملة وفتح المثلثة-، العقيلي –بالضم-، أبو سهل، الحراني، عن عبدالكريم الجزري، وعنه هاشم بن القاسم، وثَّقه ابنُ معين، له عنده فرد حديثٍ.

الشيخ: انظر: موسى بن محمد بن إبراهيم.

الطالب: موسى بن محمد بن إبراهيم، التيمي، أبو محمد، المدني، عن أبيه، وعنه الدّراوردي، ضعّفه ابنُ معين، مات سنة إحدى وخمسين ومئة. (الترمذي، وابن ماجه).

س: ضعيف الحديث؟

ج: نعم، ضعيفٌ لا شكّ، وهو من صيد البر، يعيش في البر، ويأكل في البر، نعم.

وقد روى الشافعي عن سعيدٍ، عن ابن جُريج، عن عطاء، عن ابن عباسٍ: أنَّه أنكر على مَن يصيد الجراد في الحرم. وقد احتجّ بهذه الآية الكريمة مَن ذهب من الفُقهاء إلى أنَّه تُؤكل دواب البحر، ولم يستثنِ من ذلك شيئًا، وقد تقدّم عن الصّديق أنَّه قال: "طعامه كلّ ما فيه".

وقد استثنى بعضُهم الضّفادع، وأباح ما سواها؛ لما رواه الإمام أحمد وأبو داود والنَّسائي من رواية ابن أبي ذئب، عن سعيد بن خالد، عن سعيد بن المسيب، عن عبدالرحمن بن عثمان التيمي: أنَّ رسول الله ﷺ نهى عن قتل الضّفدع.

وللنَّسائي عن عبدالله بن عمرو قال: نهى رسولُ الله ﷺ عن قتل الضّفدع، وقال: نقيقها تسبيح.

وقال آخرون: يُؤكل من صيد البحر السَّمك، ولا يُؤكل الضّفدع. واختلفوا فيما سواهما، فقيل: يُؤكل سائر ذلك. وقيل: لا يُؤكل. وقيل: ما أُكل شبهه من البرِّ أُكل مثله في البحر، وما لا يُؤكل شبهه لا يُؤكل. وهذه كلّها وجوهٌ في مذهب الشَّافعي رحمه الله تعالى.

وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا يُؤكل ما مات في البحر، كما لا يُؤكل ما مات في البرِّ؛ لعموم قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة:3]، وقد ورد حديثٌ بنحو ذلك، فقال ابنُ مردويه: حدثنا عبدالباقي -هو ابن قانع-: حدثنا الحسين بن إسحاق التّستري، وعبدالله بن موسى ابن أبي عثمان، قالا: حدثنا الحسين بن يزيد الطّحان: حدثنا حفص بن غياث، عن ابن أبي ذئب، عن أبي الزبير، عن جابرٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: ما صدتُموه وهو حيٌّ فمات فكلوه، وما ألقى البحرُ ميتًا طافيًا فلا تأكلوه. ثم رواه من طريق إسماعيل بن أمية، ويحيى ابن أبي أنيسة، عن أبي الزبير، عن جابرٍ، به، وهو مُنكر.

مُداخلة: حدثنا الحسين بن زيد الطّحان، وليس ابن يزيد.

الشيخ: نعم، السند الأول أيش؟

حدثنا عبدالباقي -هو ابن قانع-: حدثنا الحسين بن إسحاق التّستري، وعبدالله بن موسى ابن أبي عثمان، قالا: حدثنا الحسين بن يزيد الطّحان.

الشيخ: عندك: ابن زيد.

الطالب: إيه، نعم.

الشيخ: حطّ نسخة.

مُداخلة: ابن يزيد، بارك الله فيك.

الشيخ: أيش عندك؟

الطالب: الحسين بن يزيد، الأنصاري، الكوفي، الطّحان، عن المطلب بن زياد ومحمد بن فضيل، وعنه أبو داود والنَّسائي، قال أبو حاتم: لين. ووثَّقه ابنُ حبان .....، مات سنة 244. (أبو داود، والنَّسائي).

الشيخ: ابن يزيد، نعم.

وقد احتجّ الجمهورُ من أصحاب مالك والشَّافعي وأحمد بن حنبل بحديث العنبر المتقدّم ذكره، وبحديث: هو الطَّهور ماؤه، الحلّ ميتته، وقد تقدّم أيضًا.

الشيخ: هذا هو الصواب: أنَّ البحر صيده حلال، وميتته حلال؛ لقصة العنبر -كما تقدّم في الصحيح- الذي أقام عليه الصحابة نحو شهرٍ، ولحديث: هو الطهور ماؤه، الحلّ ميتته، وهو حديثٌ صحيحٌ أيضًا، نعم.

وروى الإمام أبو عبدالله الشَّافعي عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر قال: قال رسولُ الله ﷺ: أُحلّت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان: فالحوت والجراد، وأما الدَّمان: فالكبد والطّحال.

ورواه أحمد، وابن ماجه، والدارقطني، والبيهقي، وله شواهد، ورُوي موقوفًا، والله أعلم.

وقوله: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا [المائدة:96] أي: في حال إحرامكم يحرم عليكم الاصطياد، ففيه دلالة على تحريم ذلك، فإذا اصطاد المحرمُ الصيدَ متعمدًا أثم وغرم، أو مُخطئًا غرم وحرم عليه أكله؛ لأنَّه في حقِّه كالميتة، وكذا في حقِّ غيره من المحرمين والمحلّين عند مالك والشافعي في أحد قوليه، وبه يقول عطاء، والقاسم، وسالم، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وغيرهم، فإن أكله أو شيئًا منه فهل يلزمه جزاء ثانٍ؟

فيه قولان للعلماء:

أحدهما: نعم، قال عبدالرزاق: عن ابن جريج، عن عطاء قال: إن ذبحه ثم أكله فكفَّارتان. وإليه ذهب طائفةٌ.

والثاني: لا جزاءَ عليه في أكله، نصَّ عليه مالك بن أنس.

قال أبو عمر ابن عبدالبر: وعلى هذا مذاهب فُقهاء الأمصار وجمهور العلماء.

ثم وجّهه أبو عمر بما لو وطئ، ثم وطئ، ثم وطئ قبل أن يُحدّ، فإنما عليه حدٌّ واحدٌ.

وقال أبو حنيفة: عليه قيمة ما أكل.

وقال أبو ثور: إذا قتل المحرمُ الصيدَ فعليه جزاؤه، وحلال أكل ذلك الصيد، إلا أنني أكرهه للذي قتله؛ للخبر عن رسول الله ﷺ: صيد البرِّ لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه، أن يُصد لكم، وهذا الحديث سيأتي بيانه، وقوله بإباحته للقاتل غريبٌ، وأما لغيره ففيه خلافٌ قد ذكرنا المنع عمَّن تقدّم.

الشيخ: الصواب أنَّ ما قتله المحرم ميتة يحرم عليه وعلى غيره؛ لأنَّه ذبح غير شرعي، فما قتله المحرمُ من الصيود كان ميتةً في حقِّه وحقِّ غيره، عليه جزاؤه، نعم، ولا يلزمه شيء آخر في أكله، عليه جزاؤه فقط، ولا يجوز له أكله، وليس عليه جزاؤه، نعم.

س: الذي يكون من الحيوانات يعيش في البحر والبر .....؟

ج: صيد البحر ما عاش في البحر فقط.

س: حديث: أُحلّ لنا ميتتان؟

ج: صحيحٌ، لا بأس به، موقوف، لكن معناه بمعنى المرفوع؛ لأنَّ المحلل هو الله جلَّ وعلا ورسوله، وهو موقوفٌ بمعنى المرفوع.

س: إذا أكل من الصيد ليس عليه جزاء؟

ج: لا، يكفي جزاؤه في قتله، جزاؤه بقتله كافٍ، ما في جزاء ثانٍ.

وقال آخرون بإباحته لغير القاتل، سواء المحرمون والمحلّون؛ لهذا الحديث، والله أعلم.

وأمَّا إذا صاد حلالٌ صيدًا، فأهداه إلى مُحرمٍ، فقد ذهب ذاهبون إلى إباحته مطلقًا، ولم يستفصلوا بين أن يكون قد صاده من أجله أم لا. حكى هذا القول أبو عمر ابن عبدالبر، عن عمر بن الخطاب، وأبي هريرة، والزبير بن العوام، وكعب الأحبار، ومجاهد، وعطاء في روايةٍ، وسعيد بن جبير، وبه قال الكوفيون.

الشيخ: والصواب أنَّ صيد البر حرامٌ على المحرم إذا صاده أو صِيد لأجله؛ لحديث الصّعب بن جثامة: إنما رددناه عليك لأنا حُرُمٌ، وحديث: صيد البر حلالٌ ما لم تصيدوه أو يُصاد لكم، نعم.

قال ابنُ جرير: حدثنا محمد بن عبدالله بن بزيع: حدثنا بشر بن الفضل: حدثنا سعيد، عن قتادة: أنَّ سعيد بن المسيب حدّثه عن أبي هريرة: أنه سُئل عن لحم صيدٍ صاده حلال، أيأكله المحرم؟ قال: فأفتاهم بأكله، ثم لقي عمر بن الخطاب فأخبره بما كان من أمره، فقال: لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعتُ لك رأسك.

وقال آخرون: لا يجوز أكل الصيد للمُحرم بالكلية، ومنعوا من ذلك مطلقًا؛ لعموم هذه الآية الكريمة.

وقال عبدالرزاق: عن معمر، عن ابن طاوس، وعبدالكريم، عن ابن أبي آسية، عن طاوس، عن ابن عباسٍ: أنَّه كره أكل الصيد للمُحرم، وقال: هي مُبهمة، يعني: قوله: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا.

قال: وأخبرني معمر، عن الزهري، عن ابن عمر: أنه كان يكره للمُحرم أن يأكل من لحم الصيد على كل حالٍ.

قال معمر: وأخبرني أيوب، عن نافع، عن ابن عمر مثله.

قال ابنُ عبدالبر: وبه قال طاوس، وجابر بن زيد، وإليه ذهب الثوري، وإسحاق بن راهويه في روايةٍ، وقد رُوي نحوه عن علي بن أبي طالب، رواه ابنُ جرير من طريق سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: أنَّ عليًّا كره أكل لحم الصيد للمُحرم على كل حالٍ.

وقال مالك والشَّافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه في روايةٍ والجمهور: إن كان الحلالُ قد قصد المحرم بذلك الصيد لم يجز للمُحرم أكله؛ لحديث الصَّعب بن جثامة: أنَّه أهدى للنبي ﷺ حمارًا وحشيًّا وهو بالأبواء، أو بودان، فردّه عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: إنا لم نردّه عليك إلا أنا حرم، وهذا الحديث مُخرَّجٌ في "الصحيحين"، وله ألفاظ كثيرة.

قالوا: فوجهه أنَّ النبي ﷺ ظنَّ أنَّ هذا إنما صاده من أجله، فردّه لذلك.

فأمَّا إذا لم يقصده بالاصطياد فإنَّه يجوز له الأكل منه؛ لحديث أبي قتادة حين صاد حمارَ وحشٍ، وكان حلالًا لم يُحرم، وكان أصحابه مُحرمين، فتوقفوا في أكله، ثم سألوا رسول الله ﷺ، فقال: هل كان منكم أحدٌ أشار إليها، أو أعان في قتلها؟ قالوا: لا. قال: فكلوا، وأكل منها رسولُ الله ﷺ. وهذه القصّة ثابتة أيضًا في "الصحيحين" بألفاظٍ كثيرةٍ.

وقال الإمام أحمد: حدثنا سعيد بن منصور، وقتيبة بن سعيد، قالا: حدثنا يعقوب بن عبدالرحمن، عن عمرو ابن أبي عمرو، عن المطلب بن عبدالله بن حنطب، عن جابر بن عبدالله قال: قال رسولُ الله ﷺ. وقال قتيبة في حديثه: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: صيد البرِّ لكم حلالٌ -قال سعيد: وأنتم حرم- ما لم تصيدوه، أو يُصد لكم.

وكذا رواه أبو داود، والترمذي، والنَّسائي، جميعًا عن قتيبة. وقال الترمذي: لا نعرف للمطلب سماعًا من جابر.

ورواه الإمام محمد بن إدريس الشَّافعي من طريق عمرو ابن أبي عمرو، عن مولاه المطلب، عن جابر. ثم قال: وهذا أحسن حديثٍ رُوي في هذا الباب وأقيس.

وقال مالك : عن عبدالله ابن أبي بكر، عن عبدالله بن عامر بن ربيعة قال: رأيتُ عثمان بن عفان بالعرج وهو مُحرم في يومٍ صائف، قد غطَّى وجهه بقطيفة أرجوان، ثم أُتي بلحم صيدٍ، فقال لأصحابه: "كلوا"، فقالوا: أولا تأكل أنت؟ فقال: "إني لستُ كهيئتكم؛ إنما صيد من أجلي".

الشيخ: المقصود أنَّ الصواب ما دلَّت عليه السنة، وقصة ..... لا وجهَ لها، السنة الثابتة في أنَّ ما صاده المحرمُ فهو حرام على المحرم وغيره، وما صاده الحلالُ فهو حلالٌ للمُحرم وغيره، إلا أن يصيده لأجل المحرم، أو يُعينه المحرم، فإن أعانه أو صيد لأجله فهو حرامٌ عليه؛ ولهذا قال ﷺ في حديث أبي قتادة: هل منكم أحدٌ أشار إليه؟ قالوا: لا. قال: فكلوا.

وقال في حديث الصّعب بن جثامة: إنا حرم، وردّه عليه؛ لأنَّه صاده لأجله، وهكذا حديث جابر: صيد البر لكم حلالٌ ما لم تصيدوه أو يُصد لكم، نعم، جاءت به السنة، فارتفع به الخلاف، نعم.

س: إذا صاده من أجل مُحرمٍ حرم على الجميع: الحلال والمحرم؟

ج: على المحرم فقط، حرم على المحرم؛ لأنَّه صاده لأجله.

وقد نقل ابنُ جرير خلافًا في صفة الصيد الذي حرَّمه الله على المحرم، فقال بعضُهم: كلّ ما كان يعيش في البرِّ والبحر، وإنما صيد البحر ما كان يعيش في الماء دون البرِّ ويأوي إليه.

روى عمران بن حدير، عن أبي مجلز: أنَّه قال في قوله تعالى: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا قال: ما كان يعيش في البرِّ والبحر فلا تصده، وما كانت حياته في الماء فذاك.

وعن عطاء قال: ما كان يعيش في البرِّ فأصابه المحرمُ فعليه جزاؤه، نحو: السلحفاء، والسرطان، والضفادع.

وقال بعضُهم: صيد البرِّ ما كان كونه في البرِّ أكثر من كونه في البحر.

وروى ابنُ جريج قال: سألتُ عطاء عن ابن الماء: أصيد برٍّ أم بحر؟ وعن أشباهه، فقال: حيث يكون أكثر فهو صيده.

وعن عطاء ابن أبي رباح قال: أكثر ما يكون حيث يفرخ فهو منه.

س: والصواب، أحسن الله إليك؟

ج: الصواب: ما كان في البحر فهو صيد البحر، وما كان يعيش في البرِّ، أو يعيش فيهما؛ فهو صيد برٍّ.

مُداخلة: هذه الزيادة كلّها ما هي عندنا؟

الشيخ: أيش الزيادة؟

الطالب: الذي قُرئ أخيرًا.

الشيخ: ساقط عندكم؟

الطالب: نعم.

الشيخ: حط نسخة.

س: إذا أشار المحرمُ أو أعان على الصيد فهل يُؤكل أو لا يُؤكل؟

ج: يحرم على المحرم فقط، أما الحلال فلا بأس.

س: إذا صيد لأجل المحرم، والمحرم لم يُشر إليه، ولم يُعن عليه؟

ج: إذا صيد لأجله لم يحلّ له، ويحلّ لغيره، نعم.

س: لو كان يعيش في البرِّ .....؟

ج: يغلب على جانب البرِّ، نعم.

س: يحلّ لمحرمٍ آخر؟

ج: لا، ما صيد لأجل المحرم حرم على المحرم.

وقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [المائدة:96].

قال ابنُ جرير: يقول تعالى ذكره: واخشوا الله أيُّها الناس، واحذروه بطاعته فيما أمركم به من فرائضه، وفيما نهاكم عنه في هذه الآيات التي أنزلها على نبيِّكم ﷺ من النَّهي عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، وعن إصابة صيد البرِّ وقتله في حال إحرامكم، وفي غيرها، فإنَّ لله مصيركم ومرجعكم، فيُعاقبكم بمعصيتكم إياه، ويُجازيكم فيُثيبكم على طاعتكم له.

وقوله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ [المائدة:97].

يقول تعالى ذكره: صير الله الكعبة البيت الحرام قوامًا للناس الذين لا قوامَ لهم، من رئيسٍ يحجز قويَّهم عن ضعيفهم، ومُسيئهم عن مُحسنهم، وظالمهم عن مظلومهم: وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ، فحجز بكل واحدٍ من ذلك بعضهم عن بعضٍ، إذ لم يكن لهم قيامٌ بغيره، وجعلها معالم لدينهم ومصالح أمورهم.

وقد رُوي عن مجاهد، قال: إنما سُميت الكعبةُ لأنها مُربعة. ورُوي مثله عن عكرمة.

قال ابنُ جرير: وأما الكعبة فالحرم كلّه، وسمَّاها الله تعالى "حرامًا" لتحريمه إياها أن يُصاد صيدها، أو يُختلى خلاها، أو يُعضد شجرها.

وقد فسر ابنُ جرير: قِيَامًا لِلنَّاسِ بالقوام، وروى في ذلك آثارًا، منها: حدثنا هناد قال: حدثنا ابنُ أبي زائدة قال: أخبرنا مَن سمع خصيفًا يُحدِّث عن مجاهدٍ في: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ قال: قوامًا للناس.

وقال سعيد بن جبير: قِيَامًا لِلنَّاسِ قال: صلاحًا لدينهم. وعنه أيضًا: شدّة لدينهم.

وعن ابن عباسٍ قال: قِيَامًا لِلنَّاسِ أن يأمن مَن توجّه إليها. وعنه أيضًا: قِيَامًا لدينهم ومعالم لحجِّهم.

وقال السدي: جعل الله هذه الأربعة: قِيَامًا لِلنَّاسِ هو قوام أمرهم.

قال ابنُ جرير: وهذه الأقوال وإن اختلفت من ألفاظ قائليها ألفاظها، فإنَّ معانيها آيلة إلى ما قلنا من ذلك، من أنَّ القوام للشَّيء هو الذي به صلاحه، كما أنَّ الملك الأعظم قوام رعيَّته ومَن في سلطانه؛ لأنَّه مُدبر أمرهم، وحاجز ظالمهم عن مظلومهم، والدَّافع عنهم مكروه مَن بغاهم وعاداهم، وكذلك كانت الكعبةُ والشهر الحرام والهدي والقلائد قومًا لأمر العرب الذي كان به صلاحهم في الجاهلية، وهي في الإسلام لأهله معالم حجّهم ومناسكهم، ومُتوجههم لصلاتهم، وقبلتهم التي باستقبالها يتمّ فرضهم.

ثم قال ابنُ جرير: وبنحو الذي قلنا في ذلك قالت جماعةُ أهل التَّأويل.

حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا جامع بن حماد: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ حواجز أبقاها اللهُ بين الناس في الجاهلية، فكان الرجلُ لو جرَّ كل جريرةٍ، ثم لجأ إلى الحرم؛ لم يتناول، ولم يقرب، وكان الرجلُ لو لقي قاتل أبيه في الشهر الحرام لم يعرض له، ولم يقرب، وكان الرجلُ إذا أراد البيتَ تقلد قلادةً من شعرٍ، فأحمته ومنعته من الناس حتى يأتي أهله. حواجز أبقاها اللهُ بين الناس في الجاهلية.

ورُوي نحوه عن ابن زيد وابن عباسٍ رضي الله عنهما.

وقد مضى في أول السورة ذكر الشهر الحرام والهدي والقلائد.

وقوله: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:98].

قال ابنُ جرير: يقول تعالى ذكره: اعلموا أيّها الناس أنَّ ربَّكم الذي يعلم ما في السماوات وما في الأرض، ولا يخفى عليه شيء من سرائر أعمالكم وعلانيتها، وهو يُحْصِيها عليكم ليُجازيكم بها، شديدٌ عقابُه مَن عصاه وتمرَّد عليه، على معصيته إياه، وهو غفورٌ لذنوب مَن أطاعه وأنابَ إليه، فساترٌ عليه، وتاركٌ فضيحته بها، رحيمٌ به أن يُعاقبه على ما سلف من ذنوبه بعد إنابته وتوبته منها.

وقوله: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ [المائدة:99].

وهذا من الله تعالى ذكره تهديدٌ لعباده ووعيدٌ، يقول تعالى ذكره: ليس على رسولنا الذي أرسلناه إليكم أيها الناس بإنذاركم عقابَنا بين يدي عذابٍ شديدٍ، وإعذارنا إليكم بما فيه قطع حُججكم، إلا أن يُؤدِّي إليكم رسالتنا، ثم إلينا الثواب على الطَّاعة، وعلينا العقاب على المعصية.

وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ يقول: وغير خفيٍّ علينا المطيعُ منكم، القابلُ رسالتنا، العاملُ بما أمرته بالعمل به، من العاصي الآبي رسالتنا، التَّارك العمل بما أمرته بالعمل به؛ لأنا نعلم ما عمله العامل منكم فأظهره بجوارحه، ونطق به بلسانه، وَمَا تَكْتُمُونَ يعني: ما تُخفونه في أنفسكم من إيمانٍ وكفرٍ، أو يقينٍ وشكٍّ ونفاقٍ.

يقول تعالى ذكره: فمَن كان كذلك لا يخفى عليه شيءٌ من ضمائر الصُّدور، وظواهر أعمال النُّفوس مما في السَّماوات، وما في الأرض، وبيده الثواب والعقاب؛ فحقيقٌ أن يُتَّقى، وأن يُطاع فلا يُعصى.

الشيخ: وهذا ..... الوعيد والتَّحذير؛ لأنَّ الله يقول: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ فهو تحذيرٌ للأمّة أن تُخالف رسولها، وأنَّ عليهم الاستجابة والاستقامة، والله يعلم أحوالهم: سرّهم وجهرهم، فهو وعيدٌ وتحذيرٌ لمخالفة ما جاء به الرسول ﷺ، وأنَّ الواجب على الأمّة اتِّباعه، والانقياد لشرعه، والحذر من مُخالفة أمره: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ويقول جلَّ وعلا: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ [الشورى:48]، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67]، فالله جلَّ وعلا أمره بالبلاغ، وعلى العباد السمع والطاعة والانقياد والمبادرة إلى الخير، والله يعلم أسرارهم، ولا تخفى عليه خافية جلَّ وعلا. نعم.

س: حديث النَّهي عن قتل الضّفادع صحيح؟

ج: صحيحٌ، حديثٌ صحيحٌ، يحرم قتلها.

س: حديث عثمان السابق: "كلوا، فإنما صيد لأجلي" .....؟

ج: الذي يظهر لي أنَّ هذا رأيه ، الظاهر أنَّه متى صاده لأجل المحرم حرم عليه وعلى المحرمين جميعًا، مثلما قتله المحرم، نعم، عليه وعلى غيره، نعم.

س: هذا اجتهاده؟

ج: هو الظاهر، ظنَّ أنه يخصّه هو، نعم.