مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة:113-114].
قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرزاق: حدثنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاةُ دخل عليه النبي ﷺ وعنده أبو جهل وعبدالله ابن أبي أمية، فقال: أي عمّ، قل: لا إله إلا الله، كلمة أُحاج لك بها عند الله ، فقال أبو جهل وعبدالله ابن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملّة عبد المطلب؟ فقال: أنا على ملّة عبد المطلب. فقال النبي ﷺ: لأستغفرنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك، فنزلت: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ. قال: ونزلت فيه: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]. أخرجاه.
الشيخ: وهذا يُبين أنَّ مَن خُتم له بالكفر فهو من أصحاب الجحيم -نعوذ بالله-، وأنَّ الله هو الذي يهدي مَن يشاء.
وفيه من الفوائد: عرض الإسلام على مَن حضرته الوفاة من الكفار؛ لعله ولعله، وأنَّه لو أسلم عند موته نفعه ذلك؛ لأنَّ الرسول ﷺ قال له: قل: لا إله إلا الله.....
وفيه: أنَّ ملّة عبد المطلب هي الكفر بالله، وعبادة غير الله، هي الشرك وعبادة الأولياء والأصنام .....
س: هل تنفعه ولو عند الغرغرة؟
ج: ما دام عقله معه، قبل الغرغرة، ما دام عقله معه.
س: يكفي القول بها؟
ج: إذا قالها عن إيمانٍ وإسلامٍ كفّر الله ما قبلها.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم: أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الخليل، عن عليٍّ قال: سمعتُ رجلًا يستغفر لأبويه وهما مُشركان، فقلت: أيستغفر الرجلُ لأبويه وهما مُشركان؟ فقال: أولم يستغفر إبراهيمُ لأبيه؟ فذكرتُ ذلك للنبي ﷺ، فنزلت: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ الآية، قال: "لما مات"، فلا أدري: قاله سفيان، أو قاله إسرائيل، أو هو في الحديث: "لما مات".
قلت: هذا ثابتٌ عن مجاهد أنَّه قال: "لما مات".
وقال الإمام أحمد: حدثنا الحسن بن موسى: حدثنا زهير: حدثنا زبيد بن الحارث اليامي، عن محارب بن دثار، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: كنا مع النبي ﷺ ونحن في سفرٍ، فنزل بنا ونحن قريبٌ من ألف راكبٍ، فصلَّى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان، فقام إليه عمرُ بن الخطاب وفداه بالأب والأم، وقال: يا رسول الله، ما لك؟ قال: إني سألتُ ربي في الاستغفار لأمي فلم يأذن لي، فدمعت عيناي رحمةً لها من النار، وإني كنتُ نهيتُكم عن ثلاثٍ: نهيتُكم عن زيارة القبور، فزوروها لتذكركم زيارتها خيرًا. ونهيتُكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثٍ، فكلوا وأمسكوا ما شئتم. ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية، فاشربوا في أي وعاءٍ شئتم، ولا تشربوا مُسكرًا.
وروى ابنُ جرير من حديث علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه: أنَّ النبي ﷺ لما قدم مكة أتى رسم قبرٍ فجلس إليه، فجعل يُخاطب، ثم قام مُستعبرًا، فقلنا: يا رسول الله، إنا رأينا ما صنعتَ.
مداخلة: إنا رابنا.
مداخلة أخرى: في حاشيةٍ -أحسن الله إليك- على نسخة (الشعب) قال: في "تفسير الطبري": إنا رأينا. وما أثبتناه عن مخطوطة الأزهري، ورابه الشيء يريبه.
الشيخ: المعنى مُتقارب.
قال: إني استأذنتُ ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي، فما رُئي باكيًا أكثر من يومئذ.
وقال ابنُ أبي حاتم في "تفسيره": حدثنا أبي: حدثنا خالد بن خداش: حدثنا عبدالله بن وهب ..... قال: إنَّ القبر الذي جلست عنده قبر آمنة، وإني استأذنتُ ربي في زيارتها فأذن لي.
ثم أورده من وجهٍ آخر، ثم ذكر من حديث ابن مسعود قريبًا منه، وفيه: وإني استأذنتُ ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي، وأنزل عليَّ: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا الآية، فأخذني ما يأخذ الولد للوالد، وكنتُ نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها؛ فإنَّها تذكر الآخرة.
الشيخ: وفي هذا دلالة على أنَّ مَن مات في الجاهلية لا يُستغفر له؛ ولهذا لم يُؤذن له أن يستغفر لأمِّه؛ لأنها ماتت في الجاهلية، ولم يُؤذن له أن يستغفر لأبي طالب، فدلّ على أنَّ مَن مات على ظاهر الكفر من الجاهلية لا يُستغفر له، أما الزيارة فلا بأس بها، زيارة قبور الكفَّار للعِظة والذِّكرى .....: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ.
وكان نهاهم عن زيارة القبور لما أسلموا؛ خشيةً عليهم من الوقوع في شيءٍ من الكفر، فلمَّا استقر الإسلامُ في قلوب الناس أذن لهم في الزيارة؛ لما فيها من الذكرى: زوروا القبور؛ فإنها تُذكّركم الآخرة، ونهاهم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثٍ من أجل دافَّةٍ دفّت بالمدينة من الفقراء، ثم قال لهم: كلوا، وأطعموا، وادَّخروا، ونهاهم عن الانتباذ في الأوعية التي من الدّباء والحنتم والنَّقير والمزفت، ثم رخّص أن ينتبذوا في كل وعاءٍ، وأن يحذروا شربَ مُسكرٍ.
المقصود من النهي عن الدّباء والحنتم؛ لأنه قد يشتدّ النَّبيذ فيها، ولا يفطنون له، فيشربون المسكر، فنهاهم النبي ﷺ، ثم أذن لهم في ذلك، ولكن مع الحذر من شرب المسكر .....
س: يشفع فيهم يوم القيامة؟
ج: لا، لا، الكافر ما فيه شفاعة: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28].
س: الفداء بالأب والأم؟
ج: للنبي ﷺ لا بأس، أما غيره فما أراها، نعم.
س: ولو كان والداه كافرين؟
ج: ما أرى أن يفعل هذا إلا للنبي ﷺ.
حديثٌ آخر في معناه: قال الطَّبراني: حدثنا محمد بن علي المروزي: حدثنا أبو الدَّرداء عبدالعزيز بن منيب: حدثنا إسحاق بن عبدالله بن كيسان، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ: أنَّ رسول الله ﷺ لما أقبل من غزوة تبوك واعتمر، فلمَّا هبط من ثنية عسفان أمر أصحابه أن استندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم، فذهب فنزل على قبر أمِّه، فناجى ربه طويلًا، ثم إنَّه بكى فاشتدّ بكاؤه، وبكى هؤلاء لبُكائه، وقالوا: ما بكى نبي الله بهذا المكان إلا وقد أحدث اللهُ في أمّته شيئًا لا تُطيقه. فلمَّا بكى هؤلاء قام فرجع إليهم، فقال: ما يُبكيكم؟ قالوا: يا نبي الله، بكينا لبُكائك، فقلنا: لعله أحدث في أمّتك شيء لا تُطيقه. قال: لا، وقد كان بعضه، ولكن نزلتُ على قبر أمي، فسألتُ الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة، فأبى الله أن يأذن لي، فرحمتها وهي أمي فبكيتُ، ثم جاءني جبريلُ فقال: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ، فتبرأ أنت من أمِّك كما تبرأ إبراهيمُ من أبيه، فرحمتها وهي أمي، ودعوتُ ربي أن يرفع عن أمّتي أربعًا، فرفع عنهم اثنتين، وأبى أن يرفع عنهم اثنتين، ودعوتُ ربي أن يرفع عنهم الرجم من السَّماء، والغرق من الأرض، وأن لا يلبسهم شيعًا، وأن لا يُذيق بعضَهم بأس بعضٍ، فرفع اللهُ عنهم الرجم من السماء، والغرق من الأرض، وأبى الله أن يرفع عنهم القتل والهرج، وإنما عدل إلى قبر أمِّه لأنها كانت مدفونةً تحت كداء، وكانت عسفان لهم. وهذا حديثٌ غريبٌ وسياقٌ عجيبٌ.
وأغرب منه وأشدّ نكارةً: ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب "السابق واللاحق" بسندٍ مجهولٍ عن عائشةَ في حديثٍ فيه قصة: أنَّ الله أحيا أمَّه فآمنت ثم عادت.
وكذلك ما رواه السُّهيلي في "الروض" بسندٍ فيه جماعة مجهولون: أنَّ الله أحيا له أباه وأمّه فآمنا به.
وقد قال الحافظُ ابن دحية: هذا الحديث موضوع، يردّه القرآن والإجماع، قال الله تعالى: وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ [النساء:18].
وقال أبو عبدالله القرطبي: إنَّ مُقتضى هذا الحديث ... وردّ على ابن دحية في هذا الاستدلال بما حاصله: أنَّ هذه حياة جديدة، كما رجعت الشمسُ بعد غيبوبتها، فصلَّى عليٌّ العصر.
قال الطحاوي: وهو حديثٌ ثابتٌ، يعني: حديث الشمس.
قال القرطبي: فليس إحياؤهما يمتنع عقلًا، ولا شرعًا.
قال: وقد سمعتُ أنَّ الله أحيا عمَّه أبا طالب فآمن به.
قلت: وهذا كلّه مُتوقّف على صحّة الحديث، فإذا صحَّ فلا مانع منه، والله أعلم.
الشيخ: وكلّها أحاديث غير صحيحةٍ، كلها باطلة، وإنما الثابت أنَّه مات على دين قومه، وهكذا أمّه، ولم يثبت إحياؤهما، بل هما على حالهما، نسأل الله السلامة والعافية، نعم.
وقال العوفي: عن ابن عباسٍ في قوله: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ الآية: أنَّ النبي ﷺ أراد أن يستغفر لأمّه فنهاه الله عن ذلك، فقال: إنَّ إبراهيم خليل الله قد استغفر لأبيه، فأنزل الله: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ الآية.
وقال علي ابن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ في هذه الآية: كانوا يستغفرون لهم حتى نزلت هذه الآية، فأمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم، ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا، ثم أنزل الله: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ الآية.
وقال قتادةُ في الآية: ذكر لنا أنَّ رجالًا من أصحاب النبي ﷺ قالوا: يا نبيّ الله، إنَّ من آبائنا مَن كان يُحسن الجوار، ويصل الأرحام، ويفك العاني، ويوفي بالذّمم، أفلا نستغفر لهم؟ قال: فقال النبي ﷺ: بلى والله، إني لأستغفر لأبي كما استغفر إبراهيمُ لأبيه، فأنزل الله: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ حتى بلغ قوله: الْجَحِيمِ، ثم عذر الله تعالى إبراهيم فقال: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ الآية.
قال: وذكر لنا أنَّ نبي الله قال: قد أوحى الله إليَّ كلمات فدخلن في أذني، ووقرن في قلبي: أمرت ألا أستغفر لمن مات مشركًا، ومَن أعطى فضلَ ماله فهو خيرٌ له، ومَن أمسك فهو شرٌّ له، ولا يلوم الله على كفافٍ.
وقال الثوري: عن الشَّيباني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ قال: مات رجلٌ يهودي، وله ابنٌ مسلمٌ، فلم يخرج معه، فذُكر ذلك لابن عباسٍ، فقال: فكان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه، ويدعو له بالصلاح ما دام حيًّا، فإذا مات وكله إلى شأنه. ثم قال: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إلى قوله: تَبَرَّأَ مِنْهُ لم يدع.
ويشهد له بالصحّة ما رواه أبو داود وغيره، عن عليٍّ : لما مات أبو طالب قلتُ: يا رسول الله، إنَّ عمَّك الشيخ الضَّال قد مات. قال: اذهب فواره، ولا تحدثنَّ شيئًا حتى تأتيني، فذكر تمام الحديث.
الشيخ: وهذا يدلّ على أنَّ الكافر يدفنه أهله: أبوه، وولده، وإخوته، يدفنونه، الدَّفن لا بأس به، لكن ممنوع الصلاة عليه والاستغفار، ولكن يُوارى هذا .....، لا يُترك على وجه الأرض للسّباع، ولكن يُوارى؛ لقوله ﷺ لعليٍّ: اذهب فواره لأبيه أبي طالب.
الشيخ: "وصلتك رحمة"؛ لأنَّ أبا طالب وصل الرحم، واجتهد في نصر الدين، ولكن لم يُكتب له الإسلام، الله المستعان.
س: ..............؟
ج: ما يُغسل، أما التَّكفين ما فيه مانع، التَّغسيل ما ينفعه، النبي ﷺ قال: اذهب فواره.
س: ..............؟
ج: لا يُدفن مع المسلمين، يُدفن في مقبرةٍ أخرى مع الكفَّار، أو في محلٍّ ما فيه أحدٌ، ما يُدفن مع المسلمين.
س: ..............؟
ج: المشهور عند الجمهور أنَّه لا يكفر إلا بالجحد، وظاهر الأحاديث أنَّه يكفر بمجرد التَّرك؛ لقوله ﷺ: بين الرجل وبين الكفر والشِّرك ترك الصلاة، العهد الذي بيننا وبينهم الصَّلاة، فمَن تركها فقد كفر، فظاهر الأحاديث أنَّه يُدفن في محلٍّ وحده، لا يُدفن مع المسلمين.
س: مَن صلَّى على تارك الصَّلاة هل يأثم؟
ج: ظاهر الحديث أنه يأثم، نعم.
س: والذي يتهاون في الصلاة ولا يُؤدّيها في وقتها؟
ج: إذا كان يُصلي ولكن يتأخّر عن الجماعة ما يكفر، يكفر بالتّرك الكلي، نسأل الله العافية، أما مجرد التَّخلف عن الجماعة فهذه معصية، تشبّه بالمنافقين، ولا يكفر بذلك، إن كان يُصلي في البيت فهذا من علامات النِّفاق.
س: إن كان يُصلي ويترك؟
ج: يكفر، إن ترك وصار معروفًا بالترك يكفر، نسأل الله العافية.
وقال عطاء ابن أبي رباح: ما كنتُ لأدع الصلاة على أحدٍ من أهل القبلة، ولو كانت حبشيَّةً حبلى من الزنا؛ لأني لم أسمع الله حجب الصلاة إلا عن المشركين، يقول الله : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ الآية.
وروى ابنُ جرير، عن ابن وكيع، عن أبيه، عن عصمة بن رامل.
مُداخلة: ابن زامل، الصحيح: زامل، هكذا في "اللسان".
الشيخ: بالزاي: ابن زامل، نعم.
عن عصمة بن زامل، عن أبيه قال: سمعتُ أبا هريرة يقول: رحم الله رجلًا استغفر لأبي هريرة ولأمّه. قلت: ولأبيه. قال: لا. قال: إنَّ أبي مات مُشركًا.
وقوله: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ قال ابنُ عباسٍ: ما زال إبراهيمُ يستغفر لأبيه حتى مات: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ. وفي روايةٍ: لما مات تبين له أنَّه عدو لله.
وكذا قال مجاهد والضَّحاك وقتادة وغيرهم رحمهم الله.
س: الإسناد هذا، قوله: وروى ابنُ جرير، عن ابن وكيع، عن أبيه، عن عصمة بن زامل، عن أبيه؟
............
الشيخ: وروى أيش؟
وروى ابنُ جرير، عن ابن وكيع، عن أبيه، عن عصمة بن زامل، عن أبيه قال: سمعتُ أبا هريرة يقول: رحم الله رجلًا استغفر لأبي هريرة ولأمّه. قلتُ: ولأبيه. قال: لا. قال: إنَّ أبي مات مُشركًا.
وقوله: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ قال ابنُ عباسٍ: ما زال إبراهيمُ يستغفر لأبيه حتى مات: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ. وفي روايةٍ: لما مات تبين له أنَّه عدو لله.
وكذا قال مجاهد والضَّحاك وقتادة وغيرهم رحمهم الله.
وقال عبيد بن عمير وسعيد بن جبير: إنَّه يتبرأ منه يوم القيامة حتى يلقى أباه، وعلى وجه أبيه القترة والغبرة، فيقول: يا إبراهيم، إني كنتُ أعصيك، وإني اليوم لا أعصيك. فيقول: أي ربّ، ألم تعدني ألا تُخزني يوم يُبعثون؟ فأيّ خزيٍ أخزى من أبي الأبعد؟ فيُقال: انظر إلى ما وراءك، فإذا هو بذيخٍ مُتلطخٍ، أي: قد مُسخ ضبعًا، ثم يُسحب بقوائمه ويُلقى في النار.
وقوله: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ قال سفيان الثوري وغير واحدٍ: عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عبدالله بن مسعود أنَّه قال: الأواه: الدعاء.
وكذا رُوي من غير وجهٍ عن ابن مسعودٍ.
وقال ابنُ جرير: حدثني المثنى: حدثنا الحجاج بن منهال: حدثني عبدالحميد بن بهرام: حدثنا شهر بن حوشب، عن عبدالله بن شداد بن الهاد قال: بينما النبي ﷺ جالسٌ قال رجلٌ: يا رسول الله، ما الأوَّاه؟ قال: المتضرع، قال: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ.
ورواه ابنُ أبي حاتم من حديث ابن المبارك، عن عبدالحميد بن بهرام، به، ولفظه: قال: الأوَّاه: المتضرع؛ الدعاء.
وقال الثوري: عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن أبي الغدير: أنَّه سأل ابن مسعودٍ عن الأوَّاه، فقال: هو الرحيم.
وبه قال مجاهد، وأبو ميسرة عمر بن شرحبيل، والحسن البصري، وقتادة، وغيرهم، أي: الرحيم، أي: بعباد الله.
وقال ابنُ المبارك: عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ قال: الأوَّاه: الموقن بلسان الحبشة.
وكذا قال العوفي، عن ابن عباسٍ: أنَّه الموقن.
وكذا قال مجاهد، والضَّحاك.
وقال علي ابن أبي طلحة ومجاهد: عن ابن عباسٍ: الأوَّاه: المؤمن.
زاد علي ابن أبي طلحة عنه: هو المؤمن التَّواب.
وقال العوفي عنه: هو المؤمن بلسان الحبشة.
وكذا قال ابنُ جريج: هو المؤمن بلسان الحبشة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا موسى: حدثنا ابنُ لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن علي بن رباح، عن عقبة بن عامر: أنَّ رسول الله ﷺ قال لرجلٍ يُقال له: ذو البجادين: إنَّه أوَّاه، وذلك أنَّه رجلٌ كان إذا ذُكر الله في القرآن رفع صوته بالدعاء. ورواه ابنُ جرير.
وقال سعيد بن جبير والشَّعبي: الأوَّاه: المسبّح.
وقال ابنُ وهب: عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أبي الدَّرداء قال: لا يُحافظ على سبحة الضُّحى إلا الأوَّاه.
وقال شفي بن مانع: عن أبي أيوب: الأوَّاه: الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها.
وعن مجاهد: الأوَّاه: الحفيظ، الوجل، يُذنب الذنبَ سرًّا، ثم يتوب منه سرًّا.
ذكر ذلك كلّه ابنُ أبي حاتم رحمه الله.
وقال ابنُ جرير: حدثنا ابنُ وكيع: حدثنا المحاربي، عن حجاج، عن الحكم، عن الحسن بن مسلم بن بيان.
الشيخ: ابن يناق.
مُداخلة: في حاشيةٍ -أحسن الله إليك- في نسخة (الشعب): ابن يمان، قال في المخطوطة: ابن هانئ، والمثبت عن "تفسير الطبري"، وهو يحيى بن يمان العجفي، يروي عن المنهال بن خليفة، وعنه أبو كريب. "التهذيب".
الشيخ: ابن مسلم بن يناق، نعم.
عن الحسن بن مسلم بن يناق: أنَّ رجلًا كان يُكثر ذكر الله ويُسبّح، فذُكر ذلك للنبي ﷺ، فقال: إنَّه أوَّاه.
وقال أيضًا: حدثنا أبو كريب: حدثنا ابنُ هانئ: حدثنا المنهال بن خليفة، عن حجاج بن أرطاة، عن عطاء، عن ابن عباسٍ: أنَّ النبي ﷺ دفن ميتًا، فقال: رحمك الله، إن كنت لأوَّاهًا يعني: تلّاء للقرآن.
وقال شعبة: عن أبي يونس الباهلي قال: سمعتُ رجلًا بمكّة، وكان أصله روميًّا، وكان قاصًّا، يُحدِّث عن أبي ذرٍّ، قال: كان رجلٌ يطوف بالبيت الحرام ويقول في دُعائه: أوه، أوه. فذُكر ذلك للنبي ﷺ، فقال: إنَّه أوَّاه. قال: فخرجتُ ذات ليلةٍ، فإذا رسول الله ﷺ يدفن ذلك الرجل ليلًا ومعه المصباح. هذا حديثٌ غريبٌ، رواه ابنُ جرير.
ورُوي عن كعب الأحبار أنَّه قال: سمعتُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ قال: كان إذا ذكر النار قال: أوه من النار.
وقال ابنُ جريج: عن ابن عباسٍ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ قال: فقيه.
قال الإمامُ أبو جعفر ابن جرير: وأولى الأقوال قول مَن قال: إنَّه الدُّعاء. وهو المناسب للسياق؛ وذلك أنَّ الله تعالى لما ذكر أنَّ إبراهيم إنما استغفر لأبيه عن موعدةٍ وعدها إياه، وقد كان إبراهيمُ كثير الدُّعاء، حليمًا عمَّن ظلمه وأناله مكروهًا؛ ولهذا استغفر لأبيه مع شدّة أذاه له في قوله: أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا [مريم:46-47]، فحلم عنه مع أذاه له، ودعا له واستغفر؛ ولهذا قال تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ.
الشيخ: وهذا من كمال إيمانه عليه الصلاة والسلام، وحرصه على برِّ والده، ولكن الله لم يُقدّر له الإسلام، كان عليه الصلاة والسلام أوَّاه، أي: كثير العبادة والتَّضرع إلى الله، واللُّجْأَ إليه وسؤاله ، سمِّ.
س: يعني: الأوَّاه يشمل هذه الأشياء؟
ج: المتعبد، كثير الدعاء، كثير الضَّراعة إلى الله، كثير اللجأ إليه، والتوبة إليه.
س: بالنسبة لترجمة عصمة بن زامل الطَّائي في نفس الترجمة، يقول: قال البرقاني: قلتُ للدارقطني: جميلٌ، عن حماد، عن عصمة بن زامل. فذكر هذا الإسناد، فقال: إسناد بدوي يخرج الاعتبار عنه، ما المقصود بذلك؟
ج: من سُكَّان البادية، بدوي من سُكَّان البادية.
س: يصحّ يعني؟
ج: الله أعلم.
س: وصلتك رحمة يا عمّ ما معناه؟
ج: لو صحَّ: تصل الرحم في حياتك، أما بعد وفاته فالصّلة لأقاربه، لا له، فهو مات، لو صحّ معناه الدُّعاء: أنَّ أرحامه تصله، نعم، وصلة أقاربه صلته.
س: بعض المفسرين المتأخرين كالألوسي وغيره يقول: إنَّ الخوض في موت أبي طالب على غير الإسلام مما يُنافي تعظيم مقام النبوة، والأولى الكفّ عنه؟
ج: هذا جهلٌ، الإخبار بما أخبر به النبيُّ ﷺ ودلَّ عليه القرآنُ هو الحقّ.