تفسير قوله تعالى: {..تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ}

وقال محمد بن إسحاق في سياق غزوة تبوك: ثم إنَّ رجالًا من المسلمين أتوا رسول الله ﷺ، وهم البكَّاؤون، وهم سبعة نفرٍ من الأنصار وغيرهم، من بني عمرو بن عوف: سالم بن عمير، وعُلية بن زيد أخو بني حارثة.

مُداخلة: أحسن الله إليك، عندنا: (علبة).

الشيخ: حطّ نسخة، الذي عنده: (علبة) يحطّ نسخة: (علية)، والذي عنده: (علية) يحطّ نسخة: (علبة).

وعلية بن زيد أخو بني حارثة، وأبو ليلى عبدالرحمن بن كعب أخو بني مازن بن النَّجار، وعمرو بن الحمام بن الجموح أخو بني سلمة، وعبدالله بن المغفل المزني، وبعض الناس يقول: بل هو عبدالله بن عمرو المزني، وحرمي بن عبدالله أخو بني واقف، وعياض بن سارية الفزاري.

مُداخلة: أحسن الله إليك، عندنا (عرباض)، يقول: في المخطوطة: "وعياض"، والمثبت عن "سيرة ابن هشام"، و"أسد الغابة"، يعني: أنَّه عرباض.

الشيخ: حطّ نسخة: (عرباض).

الطالب: وبالنسبة للأول: (علبة) و(علية) في "زاد المعاد" -الله يحفظك- قال: فصل: وقام علبة بن زيد فصلَّى من الليل وبكى.

الشيخ: ماشٍ، الأمر سهل، نسخة (علبة)، ونسخة (علية)، نعم.

فاستحملوا رسول الله ﷺ، وكانوا أهل حاجةٍ، فقال: لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ [التوبة:92].

وقال ابنُ أبي حاتم: حدثنا عمر بن الأودي: حدثنا وكيع، عن الربيع، عن الحسن قال: قال رسولُ الله ﷺ: لقد خلَّفتم بالمدينة أقوامًا ما أنفقتُم من نفقةٍ، ولا قطعتُم واديًا، ولا نلتم من عدوٍّ نيلًا إلا وقد شركوكم في الأجر، ثم قرأ: وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ الآية.

وأصل هذا الحديث في "الصحيحين" من حديث أنسٍ: أنَّ رسول الله ﷺ قال: إنَّ بالمدينة أقوامًا ما قطعتم واديًا ولا سرتم مسيرًا إلا وهم معكم، قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: نعم، حبسهم العذر.

الشيخ: وهذا يُبين أنَّ مَن تأخّر عن الجهاد أو عن العمل الصَّالح بسبب العذر يكون له أجر العاملين؛ فضلًا من الله جلَّ وعلا، ومن هذا قوله ﷺ: إذا مرض العبدُ أو سافر كتب اللهُ له ما كان يعمل وهو صحيحٌ مُقيمٌ. رواه البخاري.

وفي هذا الحديث: إنَّ في المدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا إلا وهم معكم، حبسهم العذر، وفي اللَّفظ الآخر: إلا شركوكم في الأجر، قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر.

المقصود أنَّ الذي يتأخّر عن الجهاد وهو يريد الجهاد، ويرغب في الجهاد، لولا العذر، لولا المرض، لولا العجز، يكون له أجر المجاهدين.

وهكذا الذي يتأخّر عن الصلاة والصيام، أو نوافل الصلاة، أو غير ذلك بسبب المرض أو السفر، يكون له أجر مَن فعله؛ فضلًا من الله جلَّ وعلا.

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع: حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابرٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: لقد خلَّفتُم بالمدينة رجالًا ما قطعتم واديًا ولا سلكتم طريقًا إلا شركوكم في الأجر، حبسهم المرض.

ورواه مسلم وابنُ ماجه من طرقٍ عن الأعمش، به.

ثم ردَّ تعالى الملامة على الذين يستأذنون في القعود وهم أغنياء، وأنَّبهم في رضاهم بأن يكونوا مع النِّساء الخوالف في الرِّحال: وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [التوبة:93].

يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لَّا تَعْتَذِرُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۝ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ۝ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [التوبة:94-96].

أخبر تعالى عن المنافقين بأنَّهم إذا رجعوا إلى المدينة أنَّهم يعتذرون إليهم: قُل لَّا تَعْتَذِرُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ أي: لن نُصدّقكم، قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ أي: قد أعلمنا الله أحوالكم، وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ أي: سيظهر أعمالكم للناس في الدنيا، ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ أي: فيُخبركم بأعمالكم: خيرها وشرّها، ويجزيكم عليها.

ثم أخبر عنهم أنَّهم سيحلفون مُعتذرين لتُعرضوا عنهم، فلا تُؤنّبوهم، فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ احتقارًا لهم، إِنَّهُمْ رِجْسٌ أي: خُبث، نجس بواطنهم واعتقاداتهم، وَمَأْوَاهُمْ في آخرتهم جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ.

الشيخ: هذا فيه تحذير من النِّفاق والاعتراض على ما أوجب الله بغير حقٍّ، وهذا عند الله سببٌ لغضبه والعاقبة الوخيمة.

هكذا المنافقون يعتذرون وهم كاذبون، فهذه عاقبتهم، نسأل الله العافية: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ يعني: نجس، وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ، نسأل الله العافية، وما ذاك إلا لعدم إيمانهم، وتظاهرهم بالإسلام كذبًا وزورًا، نسأل الله العافية.

والواجب على المؤمن الصّدق في قوله وعمله، هذا هو الإيمان: أن يكون صادقًا في قوله وعمله، وفي جهاده، وفي صلاته، وفي صومه، وفي نفقاته، في كل شيءٍ يكون صادقًا، يرجو ثوابَ الله والدار الآخرة، لا رياء، ولا سمعة، نسأل الله العافية: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]، نسأل الله العافية.

س: أحسن الله إليك يا شيخ، هذا رجلٌ في أسرةٍ كلها نساء، ليس فيهم إلا هو رجل، وهو الذي يعولهم، فهل يكون هذا من الأعذار عن التَّخلف عن الجهاد؟

ج: نعم، نعم، إذا كانت عنده عائلة يقوم عليها هذا من العذر، في بعض الغزوات النبي ﷺ أمر أن يخرج من كل ثلاثةٍ اثنين، وواحد يبقى عند العائلة.

س: هذا ثابتٌ يا شيخ؟

ج: نعم.

أي: من الآثام والخطايا، وأخبر أنَّهم إن رضوا عنهم بحلفهم لهم، فإنَّ الله لا يرضى عن القوم الفاسقين، أي: الخارجين عن طاعة الله وطاعة رسوله، فإنَّ الفسق هو الخروج، ومنه سُميت الفأرة: فُويسقة؛ لخروجها من جحرها للإفساد، ويُقال: فسقت الرّطبة، إذا خرجت من أكمامها.

الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ۝ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۝ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [التوبة:97-99].

أخبر تعالى أنَّ في الأعرابِ كفَّارًا ومنافقين ومؤمنين، وأنَّ كفرَهم ونفاقَهم أعظمُ من غيرهم وأَشَدُّ وأَجْدَرُ أي: أحرى أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، كما قال الأعمشُ، عن إبراهيم قال: جلس أعرابيٌّ إلى زيدِ بن صُوحان وهو يُحدِّث أصحابَه، وكانت يدُه قد أُصِيبَتْ يوم نَهَاوَنْدَ، فقال الأعرابيُّ: والله إنَّ حديثَك ليُعْجِبُنِي، وإنَّ يَدَكَ لَتُرِيبُنِي. فقال زيدٌ: ما يُرِيبُكَ من يدي، إنَّها الشِّمال؟ فقال الأعرابيُّ: والله ما أدري: اليمين يقطعون أو الشِّمال؟ فقال زيدُ بن صُوحَانَ: صدق الله: الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ.

وقال الإمام أحمدُ: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي: حدثنا سفيان، عن أبي موسى، عن وهب بن منبه، عن ابن عباس، عن رسول الله ﷺ قال: مَن سكن الباديةَ جَفَا، ومَن اتَّبع الصيد غَفَلَ، ومَن أتى السُّلْطَانَ افْتُتِنَ.

الشيخ: ومَن أتى السلطان افتَتَن، وفي روايةٍ أخرى: ومَن لزم السلطان افتتن، نعم.

ورواه أبو داود والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ من طرقٍ، عن سفيان الثَّوريِّ، به، وقال التِّرمذيُّ: حسنٌ غريبٌ لا نعرفُه إلَّا من حديثِ الثَّوريِّ.

ولَمَّا كانت الغِلْظَةُ والجَفَاءُ في أهل البَوَادِي لم يبعث اللهُ منهم رسولًا، وإنَّما كانت البعثةُ من أهل القرى، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى [يوسف:109].

ولما أهدى ذلك الأعرابي تلك الهدية لرسول الله ﷺ، فردَّ عليه أضعافها حتى رضي، قال: لقد هممتُ أن لا أقبل هديةً إلا من قُرشي، أو ثقفي، أو أنصاري، أو دوسي؛ لأنَّ هؤلاء كانوا يسكنون المدن: مكّة، والطائف، والمدينة، واليمن، فهم ألطف أخلاقًا من الأعراب؛ لما في طباع الأعراب من الجفاء.

س: الحديث السابق ما صحّة سنده؟

ج: ظاهر الإسناد أنَّه لا بأسَ به، تكلّم عليه شيخُ الإسلام في "اقتضاء الصراط المستقيم" عن أبي موسى، سنده؟ حدثنا؟

القارئ: وقال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي: حدثنا سفيان، عن أبي موسى، عن وهب بن مُنَبّه.

الشيخ: أبو موسى هذا هو محلّ النَّظر، هل عليه حاشية؟

الطالب: ما في يا شيخ.

الشيخ: انظر: أبا موسى في "التقريب".

الطالب: إسرائيل بن موسى، أبو موسى، البصري، نزيل الهند، ثقة، من السادسة. (خ، د، ت، س).

الشيخ: و"الخلاصة"؟ أبو موسى.

الطالب: موسى الكبير في "التقريب" أحسن الله إليك.

الشيخ: انظر: إسرائيل بن موسى.

الطالب: هناك أبو موسى الحذّاء، اسمه: صهيب المكي، عن عبدالله بن عمرو، وعنه حبيب ابن أبي ثابت.

وأبو موسى، الهلالي، عن أبيه، وعنه سليمان بن المغيرة، أبو هلال، وثَّقه ابنُ حبان.

وأبو موسى، عن جابر، هو علي بن رباح، أبو موسى، عن أبي مريم، وعنه معاوية بن صالح، مجهول.

طالب: في "التقريب": أبو موسى، عن وهب بن منبه، مجهول، من السادسة، ووهم مَن قال: إنَّه إسرائيل بن موسى. أبو داود والترمذي والنَّسائي.

الشيخ: هذا هو الراوي، وهذه عِلّته، وظاهر كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله ..... في "اقتضاء الصراط المستقيم"، ولو صحَّ معناه: "مَن تبع الصيد" يعني: أكثر من تتبع الصيود، وَبَعُدَ عن التَّفقه في دينه.

كذلك مَن سكن البادية يبعد عن العلم، وعن مجالس العلم، وتحصل له الغفلة، وكذلك مَن لزم السلطان قد يفتتن بالدنيا وشهواتها. لو صحَّ الحديث، نعم.

س: يعني: يضعف بأبي موسى؟

ج: بأبي موسى نعم.

س: ...............؟

ج: ما أذكر إلا هذا الطريق، نعم ....، تكلّم عليه، يُراجع في "اقتضاء الصراط المستقيم" رحمه الله.

س: بعض الناس إذا جالس الأعراب يذكر الآية؟

ج: الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا من باب التَّحذير، إذا رأى منهم الظلمَ والسَّبَّ، نعم.

س: ...............؟

ج: نعم، ما هم كلّهم، نعم.

س: يعني: يأثم؟

ج: إذا رأى منهم شرًّا لا يأثم.

س: ...............؟

ج: إذا رأى منهم الشَّر؛ للتَّحذير والتَّرهيب.

س: لكن تحصل خصومة بيننا وبينه بسبب الآية؟

ج: المقصود إذا رأى منه الشَّر، إذا كان .....، أو تعدى عليه، وإلا فالواجب الحذر، لا يرميه بما ليس منه.

س: تسمية إسرائيل؟

ج: لا بأس، نعم.