باب يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ [الأعراف:138]
مُتَبَّرٌ [الأعراف:139]: خسران.
وَلِيُتَبِّرُوا [الإسراء:7]: يدمروا.
مَا عَلَوْا [الإسراء:7]: ما غلبوا.
3406- حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهابٍ، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن: أن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله ﷺ نجني الكَبَاث، وإن رسول الله ﷺ قال: عليكم بالأسود منه؛ فإنه أطيبه، قالوا: أكنتَ ترعى الغنم؟ قال: وهل من نبيٍّ إلا وقد رعاها؟.
الشيخ: أيش قال الشارح عليه؟
القارئ: قوله: "باب يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ، مُتَبَّرٌ: خسران، وَلِيُتَبِّرُوا: يدمروا، مَا عَلَوْا: ما غلبوا"، ثم ساق حديث جابرٍ: كنا مع رسول الله ﷺ نجني الكَبَاث، وإن رسول الله ﷺ قال: عليكم بالأسود منه؛ فإنه أطيبه، قالوا: أكنتَ ترعى الغنم؟ قال: وهل من نبيٍّ إلا وقد رعاها؟.
والكَبَاث -بفتح الكاف والموحدة الخفيفة، وآخره مُثلثة- هو ثمر الأراك، ويُقال ذلك للنَّضيج منه، كذا نقله النووي عن أهل اللغة.
وقال أبو عبيد: هو ثمر الأراك إذا يبس، وليس له عجم.
وقال القزاز: هو الغَضُّ من ثمر الأراك.
وإنما قال له الصحابة: "أكنتَ ترعى الغنم؟" لأن في قوله لهم: عليكم بالأسود منه دلالةً على تمييزه بين أنواعه، والذي يُميز بين أنواع ثمر الأراك غالبًا مَن يُلازم رعي الغنم على ما ألفوه.
وقوله في الترجمة: "باب يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ" أي: تفسير ذلك، والمراد تفسير قوله تعالى: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ [الأعراف:138].
الشيخ: والمقصود من هذا: أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام رعوا الغنم؛ ولهذا قال: ما من نبيٍّ إلا رعى الغنم.
والحكمة في ذلك -والله أعلم-: أن في رعاية الغنم رفقًا بها وعنايةً بالمرعى المناسب والطريق المناسب؛ لأنها ضعيفةٌ تحتاج إلى عنايةٍ، ما هي مثل الإبل والبقر، فالبقر والإبل أقوى وأصبر على الشدائد، والغنم أضعف، ففي رعايتها عنايةٌ بالرعي المناسب، والمكان المناسب، والطريق المناسب، والعناية بحفظها من الذئاب والسُّرَّاق، فإذا كان يرعى الغنم فإنه يتدرج في ذلك، ويستفيد من ذلك رعاية الأمم، رعاية الناس، تكون هذه الرعاية تمهيدًا لرعاية مَن هو مُكلَّفٌ، ومَن هو مسؤولٌ؛ لأنه قد تدرب على العناية وحفظ الأمانة وتوجيهها إلى ما يُناسبها، وصيانتها مما يضرها، فينتقل من رعي البهائم إلى رعي العُقلاء المكلَّفين، فيستفيد من ذلك فوائد في الرفق بهم، والصبر عليهم، وحمايتهم مما يضرهم، ومُراعاة أسباب الخير والفائدة لهم، نعم.
س: ليس له عجم ......؟
ج: "ليس له عجم" يعني: ما فيه فصمٌ، الكَباث زبدةٌ مثل الشَّحمة، ما فيه عبسٌ، مثل: التين، أشباه التين.
س: مناسبة الحديث للترجمة؟
القارئ: تكلم عن مُناسبته -أحسن الله إليك- فقال: أما حديث جابرٍ في رعي الغنم فمُناسبته للترجمة غير ظاهرةٍ.
وقال شيخنا ابن الملقن: قال بعض شيوخنا: لا مناسبة. قال شيخنا: بل هي ظاهرةٌ؛ لدخول عيسى فيمَن رعى الغنم. كذا رأيتُ في النسخة، وكأنه سبق قلمٍ، وإنما هو موسى، لا عيسى، وهذا مُناسبٌ لذكر المتن في أخبار موسى.
وأما مناسبة الترجمة للحديث فلا، والذي يهجس في خاطري أنه كان بين التفسير المذكور وبين الحديث بياضٌ أُخلي لحديثٍ يدخل في الترجمة، ولترجمةٍ تصلح لحديث جابرٍ، ثم وصل ذلك كما في نظائره.
ومناسبة حديث جابرٍ لقصص موسى من جهة عموم قوله: وهل من نبيٍّ إلا وقد رعاها؟ فدخل فيه موسى كما أشار إليه شيخنا، بل وقع في بعض طرق هذا الحديث: ولقد بُعث موسى وهو يرعى الغنم، وذلك فيما أخرجه النسائي في "التفسير" من طريق أبي إسحاق، عن نصر بن حزن قال: افتخر أهل الإبل والشاه، فقال النبي ﷺ: بُعث موسى وهو راعي غنمٍ الحديث، ورجال إسناده ثِقاتٌ.
ويُؤيد هذا الذي قلتُ: أنه وقع في رواية النسفي بابٌ بغير ترجمةٍ، وساق فيه حديث جابرٍ، ولم يذكر ما قبله، وكأنه حذف الباب الذي فيه التفاسير الموقوفة، كما هو الأغلب من عادته، واقتصر على الباب الذي فيه الحديث المرفوع.
وقد تكلَّف بعضهم وجه المناسبة -وهو الكرماني- فقال: وجه المناسبة بينهما: أن بني إسرائيل كانوا مُستضعفين، جُهَّالًا، ففضَّلهم الله على العالمين، وسياق الآية يدل عليه، أي: فيما يتعلق ببني إسرائيل، فكذلك الأنبياء كانوا أولًا مُستضعفين، بحيث إنهم كانوا يرعون الغنم. انتهى.
والذي قاله الأئمة: إن الحكمة في رعاية الأنبياء للغنم: ليأخذوا أنفسهم بالتواضع، وتعتاد قلوبهم بالخلوة، ويترقوا من سياستها إلى سياسة الأمم، وقد تقدم إيضاح هذا في أوائل "الإجارة".
ولم يذكر المصنف من الآيات بالعبارة والإشارة إلا قوله: مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ [الأعراف:139]، ولا شكَّ أن قوله: وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [الأعراف:140] إنما ذُكر بعد هذا، فكيف يُحمل على أنه أشار إليه دون ما قبله؟! فالمعتمد ما ذكرته.
ونقل الكرماني عن الخطابي قال: أراد أن الله لم يضع النبوة في أبناء الدنيا والمترفين منهم، وإنما جعلها في أهل التواضع: كرُعاة الشاة وأصحاب الحرف.
قلت: وهذه أيضًا مناسبةٌ للمتن، لا لخصوص الترجمة.
وقد نقل القطب الحلبي هذا عن الخطابي، ثم قال: وينظر في وجه مناسبة هذا الحديث للترجمة.
الشيخ: المناسبة ظاهرةٌ؛ موسى وأشباهه من الأنبياء رعوا الأمم، وأنكروا عليهم الشرك بالله، وقالوا لهم: إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:139]، وأوضحوا لهم الطريق، وصبروا عليهم، وكان ذلك أيضًا من فوائد رعاية الغنم، وموسى من جملتهم، فقد تعلموا التواضع، والرفق، والصبر، وتتبع المرعى المناسب، والطريق المناسب، إلى غير ذلك من الفوائد؛ ولهذا في الحديث الصحيح قال: تجدون الفخر والخُيلاء عند أصحاب الإبل، وتجدون السَّكينة عند أصحاب الغنم، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فالمقصود أن السكينة والرِّفق والهدوء والتواضع في أصحاب الغنم واضحٌ، والتَّكبر والخُيلاء والتَّعاظم في أصحاب الإبل واضحٌ؛ ولهذا صار الأنبياء يرعون الغنم، لا الإبل؛ لما في ذلك من الفوائد الواضحة. نعم.
س: نصر بن حزن: بإسكان الزاي؟
ج: الأقرب -والله أعلم- أنه بالتسكين، مثل: المسيب بن حزن، والد سعيد بن المسيب بن حزن، ضد السهل، سهل وحزن بالتسكين، ضد السهل.
والحزن مصدر حزن: إذا تألم على الميت ونحوه، أما الحزن فضد السهل.
س: هل الغالب على أهل الإبل أنهم كانوا جُفاةً؟
ج: هذا الغالب عليهم، الغالب على البادية عمومًا، يغلب عليهم هذا، لكن أهل الإبل أكثر جفاءً وصلفًا وتكبُّرًا وخيلاء؛ لأن عندهم دوابًّا تحملهم وتُقلهم، وتُقلّ أثاثهم، ويشربون من ألبانها، ويركبون ظهورها؛ فيعجبون بأنفسهم، ويتكبرون على الضُّعفاء.
باب وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً الآية [البقرة:67]
قال أبو العالية: العوان: النصف بين البكر والهرمة، فَاقِعٌ [البقرة:69]: صافٍ، لَا ذَلُولٌ [البقرة:71]: لم يذلها العمل، تُثِيرُ الْأَرْضَ [البقرة:71]: ليست بذلولٍ تُثير الأرض، ولا تعمل في الحرث، مُسَلَّمَةٌ [البقرة:71]: من العيوب، لَا شِيَةَ [البقرة:71]: بياض، صَفْرَاءُ [البقرة:69]: إن شئت سوداء، ويُقال: صَفْرَاءُ كقوله: جِمَالَتٌ صُفْرٌ [المرسلات:33]، {فَادَّارَأْتُمْ} [البقرة:72]: اختلفتم.
باب وفاة موسى وذكره بعد
3407- حدثنا يحيى بن موسى: حدثنا عبدالرزاق: أخبرنا معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: أُرسِل ملكُ الموت إلى موسى عليه الصلاة والسلام، فلما جاءه صَكَّه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبدٍ لا يريد الموت. قال: ارجع إليه فقل له: يضع يده على متن ثورٍ، فله بما غطَّت يده بكل شعرةٍ سنةٌ. قال: أي رب، ثم ماذا؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن. قال: فسأل الله أن يُدنيه من الأرض المقدسة رميةً بحجرٍ.
قال أبو هريرة: فقال رسول الله ﷺ: لو كنتُ ثَمَّ لأريتُكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكَثيب الأحمر.
قال: وأخبرنا معمر، عن همام: حدثنا أبو هريرة، عن النبي ﷺ نحوه.
س: الأول موقوفٌ على أبي هريرة ..... ما رفعه؟
ج: هو بكل حالٍ مرفوعٌ، لكن تساهل عند الرواية من التابعي، أو أبي هريرة؛ لأنه شيءٌ معلومٌ، وهو مرفوعٌ إلى النبي ﷺ.
وفي قصة موسى هذه دلالةٌ على أنه جلَّ وعلا يعفو للأنبياء والرسل ما لا يعفو لغيرهم، ولهم من المنزلة العظيمة عنده، فهذا موسى عليه السلام صَكَّ الملك، ولم يُعاتَب على ذلك، فدلَّ ذلك على أنه جلَّ وعلا يرفق بأنبيائه ورسله، ويمنحهم من المنزلة العظيمة والعفو والإحسان ما ليس لغيرهم؛ فإن ضربة الملك ضربةٌ لها شأنٌ، ومع هذا عفا الله عنه، ولم يُذكر في الحديث أنه عاتبه على ذلك، وإنما قال: ارجع إليه فقل له: يضع يده على متن ثورٍ، فله بكل شعرةٍ سنةٌ، يعني: يُمهل، فقال: يا رب، ثم ماذا؟ قال: ثم الموت. قال: الآن.
وفي هذا أن من طبيعة البشر كراهة الموت، ولا سيما مَن كان في نعمةٍ، ومَن كان في دعوةٍ إلى الله، ومَن كان في علمٍ، ومَن كان في خيرٍ يُحب أن تطول المدة؛ حتى يزداد أجرًا، ويزداد خيرًا، وإن كان في نعمةٍ يُحب أن يتمتع بها، فمن طبيعة الإنسان كراهة الموت، ولا بد له منه؛ ولهذا لما جاء الملك لموسى فعل ما فعل.
وإنما يود الموتَ أناسٌ لأسبابٍ، وإلا فالأصل أن ابن آدم يكره الموت: إما لنِعَمٍ هو فيها، وإما لطلب العمل الصالح والمزيد من الخير، وإما لأسبابٍ أخرى، نعم.
س: كان ملك الموت يأتي الناس علانيةً، أو هذا خاصٌّ بموسى؟
ج: الظاهر -والله أعلم- أن هذا خاصٌّ بموسى؛ رفعًا لمنزلته، وبيانًا لمقامه عند الله ، فما بلغنا أنه يأتي الناس ويُشاورهم.
س: تخيير الأنبياء؟
ج: النبي ﷺ خُيِّر فاختار الرفيق الأعلى عليه الصلاة والسلام، وفي الحديث الصحيح: ما من نبيٍّ إلا خُيِّرَ، لكن كون ملك الموت يأتيه هذا محل البحث.
س: يعني: يأتيه بصورة إنسانٍ؟
ج: قد يُخيَّر من جهة الله، دون ملك الموت.
القارئ: ذكر روايةً -أحسن الله عملك- قال: كان ملك الموت يأتي الناس عيانًا، فأتى موسى فلطمه؛ ففقأ عينه. قال: عند أحمد والطبري.
الشيخ: فقط؟ ولم يتكلم عن إسناده؟
القارئ: ما ذكر الإسناد.
الشيخ: انظر العيني، ما ذكر شيئًا، ولا قال صحابِيَّه؟
القارئ: قال: وفي رواية عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة -عند أحمد والطبري-: كان ملك الموت يأتي الناس عيانًا، فأتى موسى فلطمه؛ ففقأ عينه.
الشيخ: يراجع .....، تُراجعونه في "مسند أحمد": عند أحمد والطبري، انظر مَن خرَّجه غيرهم، جزاك الله خيرًا.
وتقدم غير مرةٍ: إذا قلنا لواحدٍ فالمطلوب أن يُلاحظ الكل الفائدة، فليس خاصًّا بواحدٍ، لكن المقصود أن الواحد ..... يعتني.
س: أحسن الله عملك يا شيخ، .....؟
ج: مُؤجلة بآجالها، ومن آجالها أنه يُخَيَّر ويختار كذا.
س: التخيير خاصٌّ بالأنبياء أو عامٌّ؟
ج: ظاهر الحديث الصحيح أنه يُخير الأنبياء؛ فالنبي ﷺ يقول: ما من نبيٍّ إلا خُيِّر .....
س: هل يجوز تمني الموت خوفًا من الفتن، أو طمعًا في الشهادة؟
ج: الرسول ﷺ نهى عن تمني الموت، قال: لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍّ نزل به، فإن كان لا محالة فليقل: اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي، متفقٌ على صحته من حديث أنسٍ .
وفي حديث عمار بن ياسر عند النسائي بإسنادٍ جيدٍ: أن النبي عليه السلام كان يقول: اللهم بعلمك الغيب، وقُدرتك على الخلق، أحيني ما علمتَ الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي، هكذا مُعلّقًا، ما يقول: "اللهم أمتني"، بل اللهم بعلمك الغيب، وقُدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي.
س: حديث: إذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضني .....؟
ج: هذا مُعلَّقٌ، مُعلَّقٌ.
س: بعضهم يستدل بالآية ويقول: أن مريم عليها السلام حينما جاءها المخاض: قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا [مريم:23]، فيستشهد بهذا ..... بين الفتنة التي تنزل في الدين، والفتنة التي تنزل بمرضٍ أو نحوه؟
ج: هذا من كلام مريم، تمنَّت الموت لأجل الخوف من الفضيحة؛ لأن الناس ما يعذرونها، ما يقولون أنها صادقةٌ، يتَّهمونها بالزنا؛ ولهذا: قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [مريم:23]، وليس لنا التَّأسي بها؛ لأن الرسول ﷺ نهانا، وهذا في شرع مَن قبلنا، والرسول ﷺ نهانا عن تمني الموت، والاعتبار بما قاله نبينا عليه الصلاة والسلام، لا بما قالته مريم وغيرها.
س: سعد بن معاذ دعا بالموت فقال: "فافجرها واجعل موتي فيها" في "الصحيحين"؟
ج: يُروى عن سعدٍ أنه قال هكذا، لكن ما أتذكر الآن، وهل سمعه النبي ﷺ؟ وهل أقرَّه النبي ﷺ؟
ثم سؤال الشهادة في سبيل الله مطلوبٌ، هذا ما هو بتمني الموت، تمني الشهادة في سبيل الله: أن يُقتل مجاهدًا، مثل: أن يقول: اللهم أمتني مسلمًا، اللهم أمتني على الإسلام، اللهم أمتني على الاستقامة.
س: جماعةٌ من السلف تمنوا الموت .....؟
ج: على كل حالٍ ما هم بحجةٍ، تمنيهم ما هو بحجةٍ: إما لم يبلغهم، وإما لشدة ما أصابهم من البلاء، أو لم يبلغهم النهي.
س: حملوا الضرَّ على أنه الضر في الدنيا؟
ج: على كل حالٍ سنة النبي ﷺ كافيةٌ.
الشيخ: هذه منقبةٌ، ومن باب التواضع، وقد أخبر النبي ﷺ أنه سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، وقال في إبراهيم: ذاك خير البرية، هذا من باب التواضع، ومن باب التحذير من التعصب والتفضيل من أجل التعصب.
أما كون المؤمن يُبين الفضائل بأدلتها من غير تعصبٍ لأحدٍ فهذا لا بأس به؛ ولهذا قال ﷺ: أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وحديث: لا تُفضلوا بين الأنبياء؛ حذرًا من التعصب الذي لا وجهَ له، والله قال: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [البقرة:253]، فبعضهم مُفَضَّلٌ على بعضٍ.
س: الصَّعقة هذه؟
ج: الظاهر أنها صعقةٌ خاصَّةٌ لها أسبابٌ: عند مجيء الله يوم القيامة، في بعض الروايات: عند مجيء الله يوم القيامة، يصعق الناس عند مجيء الله لفصل القضاء، أيش قال الشارح عليها؟
س: الصَّعقة هل هي استثناءٌ؟
ج: هذه صعقة يوم القيامة، إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [الزمر:68] يعني: صعقة الموت.
س: قال في الحديث: أو كان ممن استثنى الله؟
ج: يعني: صعقة الموت إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، لكن هذه صعقةٌ أخرى، أيش قال عليها المحشي؟
لأنه قال: أول من يفيق، ما قال: أول مَن يُبعث، وفي الحديث الصحيح: أنا أول مَن يُبعث يوم القيامة ولا فخر، فهو أول مَن يُبعث يوم القيامة، لكن هذه صعقةٌ خاصَّةٌ غير الصعقة المعروفة: صعقة الموت، وصعقة البعث، هذه معروفةٌ، لكن هذه صعقةٌ خاصةٌ في نفس المجمع يوم القيامة، هل تكلم عليها بشيءٍ؟
القارئ: قوله: فإن الناس يُصعقون، فأكون أول مَن يفيق، في رواية إبراهيم بن سعد: فإن الناس يُصعقون يوم القيامة، فأُصعق معهم.
الشيخ: هذا واضحٌ يوم القيامة.
القارئ: فأكون أول من يفيق لم يُبين في رواية الزهري من الطريقين محل الإفاقة من أي الصَّعقتين؟
ووقع في رواية عبدالله بن الفضل: فإنه يُنفخ في الصور فيصعق مَن في السماوات ومَن في الأرض إلا مَن شاء الله، ثم يُنفخ فيه أخرى فأكون أول مَن بُعث، وفي رواية الكشميهني: أول مَن يُبعث.
والمراد بالصعق: غشي يلحق مَن سمع صوتًا أو رأى شيئًا يفزع منه.
وهذه الرواية ظاهرةٌ في أن الإفاقة بعد النفخة الثانية.
وأصرح من ذلك رواية الشعبي عن أبي هريرة في تفسير الزمر بلفظ: «إني أول مَن يرفع رأسه بعد النفخة الأخيرة».
وأما ما وقع في حديث أبي سعيدٍ: فإن الناس يُصعقون يوم القيامة، فأكون أول مَن تنشق عنه الأرض كذا وقع بهذا اللفظ في كتاب "الإشخاص"، ووقع في غيرها: فأكون أول من يفيق، وقد استشكل، وجزم المزي فيما نقله عنه ابن القيم في كتاب "الروح" أن هذا اللفظ وهمٌ من راويه، وأن الصواب ما وقع في رواية غيره: فأكون أول من يفيق، وأن كونه ﷺ أول مَن تنشق عنه الأرض صحيحٌ، لكنه في حديثٍ آخر ليس فيه قصة موسى. انتهى.
ويمكن الجمع بأن النفخة الأولى يعقبها الصَّعق من جميع الخلق: أحيائهم وأمواتهم، وهو الفزع كما وقع في سورة النمل: فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [النمل:87]، ثم يعقب ذلك الفزع للموتى زيادةً فيما هم فيه، وللأحياء موتًا، ثم يُنفخ الثانية للبعث فيفيقون أجمعين، فمَن كان مقبورًا انشقَّت عنه الأرض فخرج من قبره، ومَن ليس بمقبورٍ لا يحتاج إلى ذلك، وقد ثبت أن موسى ممن قُبِرَ في الحياة الدنيا؛ ففي "صحيح مسلم" عن أنسٍ: أن النبي ﷺ قال: مررتُ على موسى ليلة أُسري بي عند الكَثِيب الأحمر، وهو قائمٌ يُصلي في قبره، أخرجه عقب حديث أبي هريرة وأبي سعيدٍ المذكورين، ولعله أشار بذلك إلى ما قررته.
وقد استشكل كون جميع الخلق يُصعقون، مع أن الموتى لا إحساسَ لهم!
فقيل: المراد أن الذين يُصعقون هم الأحياء، وأما الموتى فهم في الاستثناء في قوله تعالى: إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [النمل:87] أي: إلا مَن سبق له الموت قبل ذلك فإنه لا يُصعق.
وإلى هذا جنح القرطبي، ولا يُعارضه ما ورد في هذا الحديث: أن موسى ممن استثنى الله؛ لأن الأنبياء أحياء عند الله، وإن كانوا في صورة الأموات بالنسبة إلى أهل الدنيا، وقد ثبت ذلك للشهداء، ولا شك أن الأنبياء أرفع رُتبةً من الشهداء، وورد التصريح بأن الشهداء ممن استثنى الله؛ أخرجه إسحاق بن راهويه وأبو يعلى من طريق زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي هريرة.
وقال عياض: يحتمل أن يكون المراد صعقة فزعٍ بعد البعث حين تنشق السماء والأرض.
وتعقبه القرطبي بأنه صرَّح ﷺ بأنه حين يخرج من قبره يلقى موسى وهو مُتعلِّقٌ بالعرش، وهذا إنما هو عند نفخة البعث. انتهى.
ويرده قوله صريحًا كما تقدم: إن الناس يُصعقون، فأُصعق معهم ... إلى آخر ما تقدم.
قال: ويُؤيده أنه عبَّر بقوله: أفاق؛ لأنه إنما يُقال: أفاق من الغشي، وبُعث من الموت. وكذا عبر عن صعقة الطور بالإفاقة؛ لأنها لم تكن موتًا بلا شكٍّ.
وإذا تقرر ذلك كله ظهر صحة الحمل على أنها غشيةٌ تحصل للناس في الموقف. هذا حاصل كلامه.
الشيخ: وهذا هو الأقرب؛ قول عياض هو الأقرب: أنها غشيةٌ تُصيب الناس يوم القيامة في الموقف، ويغلب على ظني أنه جاء في بعض الروايات: أنه عند مجيء الله لفصل القضاء يحصل للناس شيءٌ يُوجب الغشية: الصعقة.
هل زاد العيني شيئًا؟
الطالب: نفس الكلام السابق.
القارئ: قوله: فأكون أول مَن يفيق.
الشيخ: الإفاقة غير البعث، أول مَن ينشق عنه القبر يوم القيامة محمدٌ ﷺ، وليس فيه ذكر موسى، أول مَن ينشق عنه القبر، وأول مَن يُبعث محمدٌ عليه الصلاة والسلام، لكن هذه صعقةٌ تكون والناس موجودون، قد بُعثوا، موجودون في المحشر، موجودون في القيامة على ظهر الأرض، صعقةٌ خاصةٌ لأسبابٍ اقتضتها: إما مجيء الله يوم القيامة لفصل القضاء، وإما لأسبابٍ أخرى، لكن فيما يغلب على ظني أنه جاء في روايةٍ: عند مجيء الله يوم القيامة لفصل القضاء يُصعقون.
س: قوله: يُصلي في قبره، مرَّ على موسى وهو يُصلي؟
ج: هذا الله أعلم به: كيف يُصلي؟ صلاةٌ خاصةٌ من أعمال البرزخ، مثل: مَن رآهم في السماوات، هذه أعمالٌ برزخيةٌ على كيفيةٍ قد قضاها الله سبحانه غير الحياة الدنيا.
س: أليست خصيصةً لموسى؟
ج: هذا شيءٌ خاصٌّ، منقبةٌ خاصةٌ، الله أعلم بكيفيتها، حياةٌ خاصةٌ، حياة البرزخ حياةٌ خاصةٌ.
مداخلة: تعقيبٌ للحافظ ابن القيم في الجمع: بأن الصَّعق يكون للأحياء والأموات .....
الشيخ: كلام القاضي عياض أظهر وأقرب.
س: ...............؟
ج: الإفاقة غير البعث، ما قال: أول مَن يُبعث. هذا حديثٌ آخر في البعث: أول مَن تنشق عنه الأرض يوم القيامة هو ﷺ، وهو أول مَن يُبعث يوم القيامة، لكن هذه إفاقةٌ من أحياء، هم أحياء، قائمون، موجودون، نعم.
س: هو قال: أول مَن يفيق، ثم قال في آخر الحديث: أو كان ممن استثنى الله؟
ج: دخل حديثٌ في حديثٍ، يمكن من بعض الرواة زاد هذه الكلمة؛ فدخل حديثٌ في حديثٍ.
س: لكن الكلام على قوله: فأكون أول مَن يفيق؟
ج: على كل حالٍ الله أعلم، نعم.
الشيخ: يعني: خصمه في الحجة؛ لأنه لامه على أمرٍ ليس من فعله؛ إخراجه من الجنة ليس من فعله، إنما فعله الأكل من الشجرة، فلامه على شيءٍ ليس من أسبابه.
والجواب الثاني: أنه لامه بعد التوبة، والإنسان لا يُلام على المصيبة، ولا على التوبة، يُلام على الذنب فقط؛ فلهذا حجَّ آدمُ موسى؛ لأن الذنب -وهو الأكل من الشجرة- يستحق اللوم عليه قبل أن يتوب، أما بعد التوبة فلا يُلام؛ التوبة تمحو ما قبلها: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:121، 122]، الحمد لله؛ ولهذا خصم آدمُ موسى وغلبه.
س: الأول: لامه على المصيبة: الإخراج؟
ج: الإخراج من الجنة ليس من عمله، مصيبةٌ ترتبت على عمله.
س: ...............؟
ج: يمكن في السماء؛ لأن آدم في السماء الدنيا، وموسى في السماء السادسة، التقيا.
الشيخ: هذا فيه الدلالة على كثرة مَن أسلم من بني إسرائيل، ومَن هداه الله من بني إسرائيل، نعم.