باب إذا بعث الإمام رسولا في حاجة، أو أمره بالمقام هل يسهم له

باب إذا بعث الإمام رسولًا في حاجةٍ، أو أمره بالمقام، هل يُسهم له؟

3130- حدثنا موسى: حدثنا أبو عوانة: حدثنا عثمان بن موهب، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إنما تغيَّب عثمان عن بدرٍ، فإنه كانت تحته بنت رسول الله ﷺ، وكانت مريضةً، فقال له النبي ﷺ: إن لك أجر رجلٍ ممن شهد بدرًا وسهمه.

الشيخ: هذا يُبين أن ولي الأمر إذا رأى أن يخص إنسانًا لم يحضر بشيءٍ فلا بأس لمصلحةٍ شرعيةٍ؛ لأن عثمان بقي في المدينة يُمَرِّض زوجته رقية بنت الرسول ﷺ يوم بدرٍ، فجعل له النبيُّ ﷺ سهم مَن حضر؛ تقديرًا لما يقوم به من العمل المهم، وهكذا إذا بعثه في حاجةٍ ورأى أن يجعل له سهمًا، أو يُعطيه شيئًا آخر في مقابل تعبه، كل ذلك لا بأس به.

باب: ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين

ما سأل هوازن النبي ﷺ برضاعه فيهم، فتحلل من المسلمين، وما كان النبي ﷺ يعد الناس أن يُعطيهم من الفيء والأنفال من الخمس، وما أعطى الأنصار، وما أعطى جابر بن عبدالله تمر خيبر.

3131- حدثنا سعيد بن عُفَير، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهابٍ قال: وزعم عروة أن مروان بن الحكم ومسور بن مخرمة أخبراه: أن رسول الله ﷺ قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوه أن يردَّ إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسول الله ﷺ: أحب الحديث إليَّ أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي، وإما المال، وقد كنتُ استأنيتُ بهم، وقد كان رسول الله ﷺ انتظر آخرهم بضع عشرة ليلةً حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن رسول الله ﷺ غير رادٍّ إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا: فإنا نختار سبينا. فقام رسول الله ﷺ في المسلمين، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإن إخوانكم هؤلاء قد جاءونا تائبين، وإني قد رأيتُ أن أردَّ إليهم سبيهم، مَن أحبَّ أن يطيب فليفعل، ومَن أحبَّ منكم أن يكون على حظِّه حتى نُعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل، فقال الناس: قد طيَّبنا ذلك يا رسول الله لهم. فقال لهم رسول الله ﷺ: إنا لا ندري مَن أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عُرَفاؤكم أمرَكم، فرجع الناس، فكلَّمهم عُرَفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول الله ﷺ فأخبروه أنهم قد طيَّبوا وأذنوا، فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن.

الشيخ: وكانت هوازن أعلنت الحرب ضد رسول الله ﷺ في غزوة الطائف حينما فتح الله عليه مكة، وجمعوا لذلك جمعًا كثيرًا، وقدَّموا الإماء أمامهم، والنساء خلفهم؛ لئلا يفرُّوا يوم حنين، فقال النبي ﷺ -ما معناه-: "نرجو أن تكون غنيمةً للمسلمين"، فهزمهم الله يوم حنين، واستولى المسلمون على أموالهم، وفيها نَعَمٌ كثيرةٌ: إبلٌ وغنمٌ كثيرةٌ، واستولى على نسائهم أيضًا.

واستأنى النبي ﷺ في قسم الغنائم بضعة عشر يومًا لعلهم يُسلمون، ثم قسمها، ثم جاءوا مسلمين، فطلبوا أن يردَّ إليهم أموالهم وسبيهم، فقال النبي ﷺ: أحب الحديث إليَّ أصدقه، ما يملك ردَّ الجميع، بل يختاروا: إما هذا، وإما هذا؛ تأليفًا لقلوبهم، فاختاروا السَّبي، اختاروا نساءهم وذرياتهم، فخطب النبي ﷺ الناس وأخبرهم بما عزم عليه، وقال: مَن شاء منكم أن يُطيب نفسه فليُطيب نفسه، ومَن لم تطب نفسه برد ما حصل من السَّبي نُعطيه من أول ما يفيء الله علينا. فطيَّبوا نفوسهم بذلك، وقالوا: قد طيبنا؛ تأليفًا لإخوانهم، وعطفًا عليهم، وقال ﷺ: إنا لم نعرف مَن طيَّب نفسًا ممن لم .....؛ لأن القوم كثيرون، كان الجيش اثني عشر ألفًا يوم فتح مكة .....، كان عشرة آلاف، وانضم إليه ألفان في قتال هوازن؛ فصار اثني عشر ألفًا، حتى يرفع إلينا عُرَفاؤكم مَن طيَّب ممن لم يُطيِّب، عُرَفاؤهم يعني: رؤساءهم، وكل جماعةٍ لهم رئيسٌ، عليهم مسؤولٌ، فسألهم عُرَفاؤهم ..... طيَّبوا، وردَّ إليهم سبيهم عليه الصلاة والسلام.

والمقصود مما ذكر المؤلف هنا: أنه يجوز للإمام إذا رأى ردَّ السبي على مَن أسلم، أو رأى ردَّ المال، أو رأى شيئًا من المساعدة لهم من نفس الغنيمة، أو من نفس الخمس، نعم.

س: ..... قبل القسم أو بعده؟

ج: لأنه قد وصلهم نصيبهم، كلٌّ وصله نصيبه، وقد قسم عليه الصلاة والسلام، كلٌّ وصله نصيبه، والظاهر حتى قبل القسم؛ لأن المسلمين ملكوها، لكن قبل القسم أسهل، ما بعد جاءهم شيءٌ .....، وإلا فالحكم فيما يظهر؛ لأنه شيءٌ ملكوه من الظهور على أعداء الله .....، نعم.

س: ...............؟

ج: أيش قال الشارح عليه؟

الظاهر أن هذا شيءٌ من العلل، ولكن المهم تأليف القلوب على الإسلام، وترغيبهم في الثبات، نعم.

س: حليمة أليست من هوازن؟

ج: سعدية، حليمة من بني سعد.

س: وبني سعد من هوازن؟

ج: ما أدري والله، انظر أيش قال الشارح؟

القارئ: قوله: "ما سأل هوازن النبي ﷺ برضاعه فيهم، فتحلل من المسلمين"، "هوازن" فاعل، والمراد القبيلة، وأطلقها على بعضهم مجازًا، و"النبي" بالنصب على المفعولية.

وقوله: "برضاعه" أي: بسبب رضاعه؛ لأن حليمة السعدية مُرضعته كانت منهم.

وقد ذكر قصة سؤال هوازن من طريق المسور بن مخرمة ومروان.

الشيخ: يكفي، يكفي، نصَّ على أنها منهم.

س: يعني: مراعاةً لرضاعه؟

ج: من باب الشكر بسبب ابنتهم، لكن المهم التأليف بهذا ..... كأنه من استنباط المؤلف أو بعض الرواة، والأظهر في هذا أن السبب هو التأليف: تأليف القلوب.

3133- حدثنا عبدالله بن عبدالوهاب: حدثنا حماد: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة قال: وحدثني القاسم بن عاصم الكليبي.

س: الكليبي، أو الكليني؟

ج: وأيش قال؟ ضبطه؟

القارئ: قوله: "حدثني القاسم بن عاصم الكليبي" بموحدة، مُصغر، والقائل ذلك هو أيوب، بيَّن ذلك عبدالوهاب الثقفي، عن أيوب كما سيأتي في "الأيمان والنذور".

الشيخ: والعيني أيش قال؟ الكليبي؟

الطالب: في المتن: الكليبي.

الشيخ: إذن صريحٌ بأنه الكليبي، صلِّحه بالباء الموحدة.

مداخلة: في حاشيةٍ في القراءة السابقة أنه في "التقريب" بدل الموحدة.

الشيخ: هنا الشارح ضبطه بالموحدة، انظر "التقريب".

الطالب: هذا "التقريب" يقول: القاسم بن عاصم التميمي، ويقال: "الكليني" بنون بعد التحتانية، مقبولٌ، من الرابعة. (البخاري، ومسلم، والترمذي في "الشمائل"، والنسائي).

الشيخ: هذا غريبٌ!

الطالب: العيني -أحسن الله إليك- يقول: القاسم بن عاصم التيمي، الكليبي، منسوبٌ إلى مُصغر الكلب، البصري.

الشيخ: صريحٌ هنا، كلامه صريحٌ بأنه كليبي بالباء الموحدة، واكتب على "التقريب": أن المؤلف في "الفتح" ذكر أنه بالباء الموحدة، وهكذا العيني.

س: ما صرَّح بالباء، قال: بالموحدة فقط؟

ج: وأيش الموحدة، جزاك الله خيرًا؟! هذه الموحدة هي الباء.

س: والنون، عفا الله عنك؟

ج: النون يُصرح، يقول: بالنون، ما يقال: مُوحدة، قاعدة: إذا قال: مُثناة للياء تحت، والمثناة فوق: التاء، والموحدة: الباء. هذه قاعدةٌ، والمثلثة: الثاء، هذه قاعدة الضبط عند أئمة اللغة وأئمة الحديث، أما النون يُصرحون: بالنون، بالميم، بالثاء المثلثة، بالجيم.

مداخلة: في "الخلاصة": بالنون.

الشيخ: حطَّ عليه حاشيةً: ضبطه في الشرح الحافظ في "الفتح" بالموحدة، وهكذا العيني، نعم.

س: ..............؟

وحدثني القاسم بن عاصم الكليبي -وأنا لحديث القاسم أحفظ-، عن زهدم قال: كنا عند أبي موسى، فأُتي -ذكر دجاجة- وعنده رجلٌ من بني تيم الله أحمر، كأنه من الموالي، فدعاه للطعام، فقال: إني رأيتُه يأكل شيئًا فقذرته، فحلفتُ لا آكل. فقال: هَلُمَّ فلأُحدثكم عن ذاك، إني أتيتُ النبي ﷺ في نفرٍ من الأشعريين نستحمله، فقال: والله لا أحملكم، وما عندي ما أحملكم، وأُتي رسول الله ﷺ بنَهْبِ إبلٍ، فسأل عنا، فقال: أين النفر الأشعريون؟ فأمر لنا بخمس ذودٍ غُرِّ الذُّرَى، فلما انطلقنا قلنا: ما صنعنا؟ لا يُبارَك لنا. فرجعنا إليه، فقلنا: إنا سألناك أن تحملنا، فحلفتَ ألَّا تحملنا، أفنسيتَ؟ قال: لستُ أنا حملتكم، ولكن الله حملكم، وإني والله -إن شاء الله- لا أحلف على يمينٍ، فأرى غيرها خيرًا منها؛ إلا أتيتُ الذي هو خيرٌ، وتحللتها.

الشيخ: وهذا هو المشروع: الإنسان إذا حلف على يمينٍ، ورأى غيرها أصلح؛ يتحللها بالكفارة، كما في اللفظ الآخر: إذا حلفتَ على يمينٍ، فرأيتَ غيرها خيرًا منها؛ فائتِ الذي هو خير، هذا هو السنة، لا يلج في يمينه، فإذا قال: والله ما أصل فلانًا، أو: والله ما أُسلم عليه. ثم رأى المصلحة في صِلته والسلام عليه، أو: والله ما أُسافر، أو: والله ما أُعطي فلانًا كذا وكذا، وما أشبه ذلك، نعم.

س: لغو اليمين ما هو؟

ج: ما يجري على اللسان من غير قصدٍ: لا والله، وبلى والله، في عرض الحديث، ما يقصد، أو يمين ظنٍّ حلف على أنه صادقٌ فيها، فبان غير صادقٍ؛ تُعتبر من لغو اليمين: والله إن فلانًا وصل، صار مشبهًا، ظنَّ أنه صادقٌ، فصار مشبهًا، هذا من لغو اليمين على الصحيح، وهكذا في عرض الكلام: والله ما صار كذا، والله صار كذا، ما قصدها، نعم.

س: يعني: إذا أخطأ في ظنِّه وحلف أنه .....؟

ج: تُعتبر من لغو اليمين؛ لأنه ما تعمد الكذب، ولا قصد الكذب، ولا عقد اليمين قاصدًا لها.

3134- حدثنا عبدالله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ بعث سريةً فيها عبدالله بن عمر قِبَل نجدٍ، فغنموا إبلًا كثيرةً، فكانت سهامهم اثني عشر بعيرًا، أو أحد عشر بعيرًا، ونفلوا بعيرًا بعيرًا.

الشيخ: هذا فيه جواز النفل، فإذا بُعثت سريةٌ وغنمت؛ قسم بينها الأربعة الأخماس، فلولي الأمر أن ينفلهم من الخمس زيادةً، كما نفلوا بعيرًا بعيرًا في هذه السرية.

س: إذا كررت الأيمان يُكفِّر كفارةً واحدةً؟

ج: إذا كانت على فعلٍ واحدٍ كفارةٌ واحدةٌ، أما إذا كانت على عدة أفعالٍ؛ فكل يمينٍ لها كفارةٌ، إذا قال: والله ما أزور عبدالمحسن، والله ما أزور عبدالمحسن، والله ما أزور عبدالمحسن، والله ما أزور عبدالمحسن؛ كفارةٌ واحدةٌ إذا زاره؛ لأنه فعلٌ واحدٌ، أما إذا قال: والله ما أزور عبدالمحسن، والله ما أزور زيدًا، والله ما أزور عمرًا، والله ما أزور خالدًا. كل واحدةٍ لها كفارةٌ، نعم.

3135- حدثنا يحيى بن بُكير: أخبرنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهابٍ، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ كان يُنفل بعض مَن يبعث من السرايا لأنفسهم خاصةً، سوى قسم عامَّة الجيش.

3136- حدثنا محمد بن العلاء: حدثنا أبو أسامة: حدثنا بريد بن عبدالله، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: بلغنا مخرج النبي ﷺ ونحن باليمن، فخرجنا مُهاجرين إليه أنا وأخوان لي -أنا أصغرهم-، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم -إما قال: في بضعٍ، وإما قال: في ثلاثةٍ وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلًا من قومي-، فركبنا سفينةً، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، ووافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: إن رسول الله ﷺ بعثنا هاهنا، وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا. فأقمنا معه حتى قدمنا جميعًا، فوافقنا النبيَّ ﷺ حين افتتح خيبر، فأسهم لنا، أو قال: فأعطانا منها، وما قسم لأحدٍ غاب عن فتح خيبر منها شيئًا إلا لمن شهد معه، إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه؛ قسم لهم معهم.

الشيخ: وهذا من تأليف القلوب، والتقليل من التعب الذي أصابهم والحاجة، فأسهم لهم مع مَن حضر وقعة خيبر، وهذا يدل على التوسعة من ولي الأمر إذا رأى مثل هذا.

3137- حدثنا علي: حدثنا سفيان: حدثنا محمد بن المنكدر، سمع جابرًا قال: قال رسول الله ﷺ: لو قد جاءني مال البحرين لقد أعطيتُك هكذا وهكذا وهكذا، فلم يجئ حتى قُبض النبي ﷺ، فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكرٍ مُناديًا فنادى: مَن كان له عند رسول الله ﷺ دَينٌ أو عِدَةٌ فليأتنا. فأتيتُه، فقلت: إن رسول الله ﷺ قال لي: كذا وكذا، فحثا لي ثلاثًا -وجعل سفيان يحثو بكفيه جميعًا، ثم قال لنا: هكذا قال لنا ابن المنكدر- وقال مرةً: فأتيت أبا بكرٍ، فسألتُ، فلم يُعطني، ثم أتيتُه فلم يُعطني، ثم أتيتُه الثالثة فقلت: سألتك فلم تُعطني، ثم سألتك فلم تُعطني، ثم سألتك فلم تُعطني! فإما أن تُعطيني، وإما أن تبخل عني. قال: قلتَ: تبخل عني؟! ما منعتُك من مرةٍ إلا وأنا أريد أن أُعطيك.

قال سفيان: وحدثنا عمرو، عن محمد بن علي، عن جابرٍ: فحثا لي حثيةً، وقال: عدَّها. فوجدتها خمسمئةٍ، قال: فخذ مثلها مرتين. وقال –يعني: ابن المنكدر-: وأي داءٍ أدوأ من البُخل؟!

الشيخ: وهذا يدل على فضل الصديق ، وعنايته واهتمامه بما أقرَّه الرسول ﷺ وبيَّنه ووعد به، فقال: "مَن له عِدَةٌ أو دَينٌ فليأتنا"؛ حتى يُبرئ ذمَّة النبي ﷺ من الديون؛ حتى يجود على مَن وعدهم النبيُّ ﷺ، ويبرر وعده عليه الصلاة والسلام، وهذا من كمال فقهه وعنايته.

وفيه تصديق الثقة؛ فإن في هذا ما بيَّنه جابر، وأن الرسول ﷺ وعده إذا جاء مال البحرين أن يُعطيه هكذا وهكذا وهكذا، وحثا بيديه.

ومال البحرين هي جزية البحرين؛ لأن الرسول ﷺ ضرب الجزية على مجوس هجر بالبحرين، فحثا له الصديقُ بيديه حثيةً وقال: عدّها. فإذا هي خمسمئةٍ، فقال: خذ مثلها مرتين. يعني: الجميع ألف وخمسمئة.

وفي هذا حثٌّ على الوفاء بالوعد ولو من الميت، فإن ظاهر هذا أن الميت يُوفى عنه؛ لأن العِدَة دَينٌ، والنبي ﷺ أخبر أن من صفات المنافقين: عدم الوفاء بالوعد، من خصالهم الذَّميمة: إذا وعدوا أخلفوا.

وهذا محل نظرٍ في كلام أهل العلم، والأقرب -والله أعلم- أنه يكون له حكم الدَّين، ويكون من الثلث.

أيش قال الشارح على قوله: "من كان له عِدَةٌ"؟ أو العيني تكلم في الموضوع؟ ما تعرض؟

الطالب: يقول: وقيل: إنما فعله أبو بكرٍ على سبيل التطوع، ولم يكن يلزمه قضاء ذلك.

الشيخ: مَن؟

الطالب: الشارح.

الشيخ: "قيل" بصيغة التَّمريض؟ قبله قال شيئًا؟

القارئ: وقد تقدم في الكفالة توجيه وفاء أبي بكرٍ لعِدات النبي ﷺ، وكذا في كتاب "الهبة"، وأن وعده ﷺ لا يجوز إخلافه، فنزل منزلة الضمان في الصحة.

وقيل: إنما فعله أبو بكرٍ على سبيل التطوع، ولم يكن يلزمه قضاء ذلك.

الشيخ: الأول هو المقدم، ذكر أن الثاني بصيغة التَّمريض، وأن الأول هو الصواب، يعني: بمثابة الدَّين، بمثابة الضمان، الشيء المضمون، والعيني ذكر شيئًا؟

الطالب: يقول: مرَّ شرحه.

القارئ: وما تقدم في باب "من أمر بإنجاز الوعد" من كتاب "الشهادات" أولى، وأن جابرًا لم يدَّعِ أن له دَينًا في ذمَّة النبي ﷺ، فلم يُطالبه أبو بكرٍ ببينةٍ، ووفى ذلك له من بيت المال الموكول الأمر فيه إلى اجتهاد الإمام، وعلى ذلك يحوم المصنف، وبه ترجم، وإنما أخَّر أبو بكرٍ إعطاء جابرٍ حتى قال له ما قال: إما لأمرٍ أهم من ذلك، أو خشية أن يحمله ذلك على الحرص على الطلب، أو لئلا يكثر الطالبون لمثل ذلك، ولم يُرد به المنع على الإطلاق؛ ولهذا قال: "ما من مرةٍ إلا وأنا أريد أن أُعطيك". وسيأتي في أوائل "الجزية" بيان الخلاف في مصرفها، وظاهر إيراد البخاري هذا الحديث هنا أن مصرفها عنده مصرف الخمس، والله أعلم.

الشيخ: طيب، مصرفها من بقية الأموال، الجزية والخراج والخمس كلها مصرفها مصرفٌ عامٌّ لمصالح المسلمين.

لعلك تُلاحظ بحث الوعد في كلام "المغني" أو غيره في الهبة: هل يُعتبر دَينًا، أو من الديون على الميت؟ والأقرب هنا أنه مُلحقٌ بالدَّين، أو بالضمان.

س: يعني: يكون من الوفاء الواجب؟

ج: كونه يجب الوفاء به من الثلث، أو من رأس المال قبل ..... كالدَّين محل نظرٍ، وتشبيهه بالدَّين يقتضي أنه يكون من رأس المال، وإن نزل عن الدَّين فلا أقلّ من أن يكون من الثلث؛ لأن الرسول ﷺ عظَّم أمر الوعد، وجعل إخلافه من خصال أهل النفاق، نعم.

س: ما يُقال: أنه لا يلزم لعدم القبض؟

ج: الضمان يلزم، أو ما يلزم؟!

س: قصدي: إذا وهب إنسانٌ شيئًا، لكنه ما قبضه إلى الآن، ما صار شيءٌ؟

ج: هكذا الضمان يلزم أو ما يلزم؟ والوعد هل يُذمّ على إخلافه أو يُمدح؟

س: ..............؟

ج: النبي ﷺ لا يُورَث، ما تركه فهو صدقةٌ، النبي ﷺ ما له تركةٌ، ما وراءه فهو لبيت المال، للمسلمين، نعم.

س: قوله: وقيل: إنما فعله أبو بكرٍ على سبيل التطوع، ولم يكن يلزمه قضاء ذلك؟

ج: هذا القول بصيغة التَّمريض.

س: يقول: ظاهر إيراد المؤلف أن مصرفها عنده مصرف الخمس؟

ج: يعني: الجزية، نعم.

ومُقتضى كلام العلماء فيما أعلم: استحباب الوفاء، وأنه ينبغي للورثة أن يوفوا بهذا الشيء، لكن فقط يُنظر: هل قال أحدٌ بالوجوب؟ وإلا استحقاق الوفاء لا شكَّ فيه، كون الورثة يوفون، ويطيبون به نفسًا؛ هذا لا شكَّ فيه، لكن هل قيل بالوجوب كالدَّين؟ هذا محل النظر.

ولعل أحدكم ينظر في كلام أهل العلم في مسألة الوعد: ثبت على الميت وعدٌ لبعض أقاربه أو غيرهم، ثم مات، هل قال أحدهم بوجوبه، أو مجرد الاستحباب؟ نعم.

3138- حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا قُرَّة بن خالد: حدثنا عمرو بن دينار، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله ﷺ يقسم غنيمةً بالجعرانة، إذ قال له رجلٌ: اعدل. فقال له: لقد شقيت إن لم أعدل.

س: شقيتَ أم شقيتُ؟

ج: يحتمل هذا وهذا: "شقيتَ" يعني: إن ظننت بنبيك هذا الظن السوء، و"شقيتُ" إن عدلتُ عن أمر ربي، وخالفت أمر ربي ولم أعدل، فذلك من الشقاء؛ لأن الرسول ﷺ عليه أن يمتثل -كغيره من الناس- أمر الله، أيش قال الشارح؟

القارئ: وقوله في هذه الرواية: لقد شقيتُ بضم المثناة للأكثر، ومعناه ظاهرٌ، ولا محذور فيه، والشرط لا يستلزم الوقوع؛ لأنه ليس ممن لا يعدل حتى يحصل له الشَّقاء، بل هو عادلٌ؛ فلا يشقى.

وحكى عياض فتحها، ورجحه النووي، وحكاه الإسماعيلي عن رواية شيخه المنيعي من طريق عثمان بن عمر، عن قرة، والمعنى: لقد شقيتَ أي: ضللتَ أنت أيها التابع؛ حيث تقتدي بمَن لا يعدل، أو حيث تعتقد في نبيك هذا القول الذي لا يصدر عن مؤمنٍ.

الشيخ: نعم، السياق يقتضي القول الأول، وهو الأكثر: شقيتُ، وهو معصومٌ من ذلك عليه الصلاة والسلام، لكن لو قُدِّر لكان شقاء، نعم، وهو ﷺ معصومٌ من ذلك؛ معصومٌ في إبلاغ الرسل، والعدل بين الأمة، نعم.

وفي اللفظ الآخر: لقد خبت وخسرت إن لم أعدل، وفي اللفظ الآخر: لقد خبت وخسرت إن لم أعدل مثل هذا، نعم.

باب ما مَنَّ النبي ﷺ على الأسارى من غير أن يُخمس

3139- حدثنا إسحاق بن منصور: أخبرنا عبدالرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن محمد بن جبير، عن أبيه : أن النبي ﷺ قال في أسارى بدرٍ: لو كان المطعم بن عدي حيًّا، ثم كلَّمني في هؤلاء النَّتْنَى لتركتهم له.

الشيخ: وهذا حثٌّ على مكافأة أهل الأعمال الطيبة، وأهل المعروف، وتقدير أعمالهم، وجواز عفو الإمام عن الأسير: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً [محمد:4]، فلولي الأمر أن يَمُنَّ على الأسرى، وله أن يأخذ الفداء على ما يراه من المصلحة.

والمطعم بن عدي والد جبير، مات على دين قومه، وكان ﷺ دخل في جواره لما خرج إلى الطائف بعد عمه أبي طالب، وأساء أهل الطائف مُقابلته عليه الصلاة والسلام، ولم يستفيدوا من مجيئه إليهم؛ فرجع مُتأثرًا بردهم الخبيث، فطلب الجوار من بعض أعيان أهل مكة، فلم يستجيبوا، وأجابه المطعم إلى ذلك، ودخل في جواره؛ فشكر له النبي ﷺ هذا العمل، وقال: لو كان حيًّا ثم كلَّمني في هؤلاء الأسرى لتركتهم له، نعم.

س: وفي حالة كفره؟!

ج: نعم، مات على كفره.

س: يعني: حتى ولو كان على دين قومه؟

ج: ولو كان على دينهم، من باب المكافأة؛ لأن المطعم قَبِلَ الجوار، وخرج ومعه أبناؤه مُتقلدي السلاح، ودخلوا الحرم، وأذنوا للنبي ﷺ أن يطوف، فسألت قريش المطعم: أمُجيرٌ أم مسلمٌ؟ قال: بل مُجيرٌ. قالوا: قد أجرنا مَن أجرتَ.

س: في قوله: هؤلاء النتنى؟

ج: يعني: الأسرى.

باب: ومن الدليل على أن الخمس للإمام، وأنه يُعطي بعض قرابته دون بعضٍ:

ما قسم النبيُّ ﷺ لبني المطلب وبني هاشم من خمس خيبر

الشيخ: بركة، سمِّ.