باب (الأرواح جنود مجندة)

باب: الأرواح جنودٌ مُجنَّدةٌ

3336– قال: وقال الليث: عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ النبي ﷺ يقول: الأرواح جنودٌ مُجنَّدةٌ، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.

وقال يحيى بن أيوب: حدثني يحيى بن سعيد بهذا.

الشيخ: أيش قال على التعليق الأول: وقال الليث؟

القارئ: قوله: "وقال الليث" وصله المصنف في "الأدب المفرد" عن عبدالله بن صالح، عنه.

الشيخ: طيب، ماشٍ، نعم.

س: قال: "وقال" زيادةٌ، وقال في المتن؟

ج: لعله المؤلف، الراوي عن المؤلف محمد بن يوسف الفربري، "قال" يعني: البخاري، وقال الليث، الفربري يقول: "وقال" يعني: البخاري، وقال الليث.

س: في الشرح .....؟

ج: هذا مُراده، يعني: نفس المؤلف، نفس الفربري الراوي عن البخاري، نعم.

س: في الشرح: قوله: "قال الليث" فقط، وما ذكر "وقال"؟

ج: الأمر سهلٌ، يعني: وقال الليث، يعني: المؤلف البخاري قال: وقال الليث، والتي فيها: قال: وقال، يعني: الراوي عن المؤلف.

وفي هذا الحديث الدلالة على مثلما قال ﷺ: الأرواح جنودٌ مُجنَّدةٌ أصنافٌ مُصنَّفةٌ، أقسامٌ: هذا مؤمن، وهذا منافق، وهذا مخلوطٌ، قلبه مُشوش، وهذا يغلب عليه كذا، وهذا يغلب عليه كذا، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، فما تعارف منها على شيءٍ اتَّفقا عليه، ائتلفا عليه، فمَن تعارف على الإيمان والهدى والمحبة في الله تآلفت القلوب، ولو تباعدت الأقطار، وما تناكر منها اختلف بحسب عقائدها، وما تنطوي عليه من الأسرار والمقاصد، فالمحبة في الله والعمل الصالح يجمع الأرواح وإن تباعدت، والكفر والمعاصي والبدع والأهواء تجمع وإن تباعدت، نسأل الله السلامة.

أيش قال الشارح عليه؟

القارئ: قوله: الأرواح جنودٌ مُجنَّدةٌ ... إلخ، قال الخطابي: يحتمل أن يكون إشارةً إلى معنى التَّشاكل في الخير والشر، والصلاح والفساد، وأن الخيِّر من الناس يَحِنُّ إلى شكله، والشرير نظير ذلك؛ يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جُبلت عليها من خيرٍ وشرٍّ، فإذا اتَّفقت تعارفت، وإذا اختلفت تناكرت.

ويحتمل أن يُراد الإخبار عن بدء الخلق في حال الغيب على ما جاء أن الأرواح خُلقت قبل الأجسام، وكانت تلتقي فتتشاءم، فلما حلَّت بالأجسام تعارفت بالأمر الأول، فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم.

الشيخ: المعنى الأول أظهر، المعنى الأول هو المقصود، وهي: أنها جنودٌ مُؤلَّفةٌ، مُصنَّفةٌ، مُقسَّمةٌ على حسب عقائدها، وأخلاقها، وما تهواه، وما ترمي إليه، فما تعارف منها على شيءٍ ائتلف: أهل الإيمان على إيمانهم وتقواهم، وأهل الشر على شرِّهم وفسقهم.

والمقصود من هذا الحث على تعاون المؤمنين، وترابطهم، وتآلفهم، وأن الواجب على كل مؤمنٍ أن يحنَّ إلى أخيه، ويكون معه معينًا ومساعدًا في الخير، وإن تباعدت الأقطار والأنساب، وأن يبتعد عن الشر وأهله، وإن قربت الأقطار، وقربت الأنساب.

وأيش قال العيني؟

القارئ: توجد تكملةٌ.

الشيخ: نعم.

القارئ: وقال غيره: المراد أن الأرواح أول ما خُلقت خُلقت على قسمين، ومعنى تقابلها: أن الأجساد التي فيها الأرواح إذا التقت في الدنيا ائتلفت أو اختلفت على حسب ما خُلقت عليه الأرواح في الدنيا، إلى غير ذلك بالتعارف.

قلت: ولا يُعكر عليه أن بعض المتنافرين ربما ائتلفا؛ لأنه محمولٌ على مبدأ التلاقي، فإنه يتعلق بأصل الخلقة بغير سببٍ، وأما في ثاني الحال فيكون مُكتسبًا؛ لتجدد وصفٍ يقتضي الأُلفة بعد النفرة: كإيمان الكافر، وإحسان المسيء.

وقوله: جنودٌ مُجنَّدةٌ أي: أجناسٌ مُجنَّسةٌ، أو جموعٌ مُجمَّعةٌ.

قال ابن الجوزي: ويُستفاد من هذا الحديث: أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرةً ممن له فضيلةٌ أو صلاحٌ فينبغي أن يبحث عن المقتضي لذلك؛ ليسعى في إزالته، حتى يتخلص من الوصف المذموم، وكذلك القول في عكسه.

وقال القرطبي: الأرواح وإن اتَّفقت في كونها أرواحًا، لكنها تتمايز بأمورٍ مختلفةٍ تتنوع بها، فتتشاكل أشخاص النوع الواحد وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع للمناسبة؛ ولذلك نشاهد أشخاص كل نوعٍ تألف نوعها، وتنفر من مُخالفها، ثم إنا نجد بعض أشخاص النوع الواحد يتآلف، وبعضها يتنافر، وذلك بحسب الأمور التي يحصل الاتِّفاق والانفراد بسببها.

الشيخ: نعم، والعيني زاد شيئًا؟

الطالب: ذكر أثرًا عن عليٍّ، قال: ولما نزل علي بن أبي طالب الكوفة قال: "يا أهل الكوفة، قد علمنا خيِّركم من شريركم"، فقالوا: لم ذلك؟! قال: "كان معنا ناسٌ من الأخيار، فنزلوا عند ناسٍ؛ فعلمنا أنهم من الأخيار، وكان معنا ناسٌ من الأشرار، فنزلوا عند ناسٍ؛ فعلمنا أنهم من الأشرار"، وكان كما قال الشاعر:

عن المرء لا تسأل وسَلْ عن قرينه فكل قرينٍ بالمقارن يقتدي

الشيخ: هذا من المعنى، داخلٌ في المعنى، كلٌّ يصبو إلى ما يُناسبه، كلٌّ يميل إلى شكله وما يُناسبه في العقيدة والأخلاق.

س: والمثل المشهور: نزلنا الكوفة بليلٍ فنزل الأخيار؟

ج: هو من هذا الباب، نعم.

س: ما يختص بالكافرين على أنهم يتآلفون، وأن التنافر بين الكفار والمؤمنين؟

ج: لا، هو عام: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:73].

س: ..... ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف؟

ج: لا، المعنى فوق ذلك من جهة العقائد والأخلاق، فهي على حسب عقائدها وأخلاقها وما تميل إليه.

................

باب قول الله : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ [هود:25]

قال ابن عباسٍ: بَادِيَ الرَّأْيِ [هود:27]: ما ظهر لنا.

أَقْلِعِي [هود:44]: أمسكي.

وَفَارَ التَّنُّورُ [هود:40]: نبع الماء.

وقال عكرمة: وجه الأرض.

وقال مجاهد: الْجُودِيِّ [هود:44]: جبلٌ بالجزيرة.

دَأْبِ [غافر:31]: مثل حال.

باب قول الله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [نوح:1] إلى آخر السورة، وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ إلى قوله: مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:71، 72].

3337- حدثنا عبدان: أخبرنا عبدالله، عن يونس، عن الزهري، قال سالم: وقال ابن عمر رضي الله عنهما: قام رسول الله ﷺ في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدَّجال فقال: إني لأُنذركموه، وما من نبيٍّ إلا أنذره قومه، لقد أنذر نوحٌ قومه، ولكني أقول لكم فيه قولًا لم يقله نبيٌّ لقومه: تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور.

3338- حدثنا أبو نعيم: حدثنا شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة: سمعت أبا هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ألا أُحدثكم حديثًا عن الدجال، ما حدَّث به نبيٌّ قومه: إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار، فالتي يقول: إنها الجنة، هي النار، وإني أُنذركم كما أنذر به نوحٌ قومه.

الشيخ: وفتنته من أعظم الفتن، نسأل الله العافية؛ ولهذا شرع الله التَّعوذ من فتنته في كل صلاةٍ؛ لعظم فتنته، وكثرة ما معه من الشُّبَه التي يضل بها الأكثرون، ولكن هذه العلامة العظيمة: أنه أعور، مكتوبٌ بين عينيه: كافر: ك، ف، ر، يقرأها كل مؤمنٍ، فينبغي لمن أدركه أن ينتبه لهذا الأمر، وأن يحذر أن يغترَّ به وبفتنته، نسأل الله السلامة.

س: يقرأها -سلمك الله- كل قارئٍ وغير قارئٍ؟

ج: نعم.

3339- حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا عبدالواحد بن زياد: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول الله ﷺ: يجيء نوحٌ وأمته، فيقول الله تعالى: هل بلَّغتَ؟ فيقول: نعم، أي رب. فيقول لأمته: هل بلَّغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبيٍّ. فيقول لنوحٍ: مَن يشهد لك؟ فيقول: محمدٌ ﷺ وأمته. فنشهد أنه قد بلَّغ، وهو قوله جلَّ ذكره: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143]، والوسط: العدل.

الشيخ: نشهد ببلاغ الله: أن الله بلَّغنا على يد نبيه ﷺ، والله هو الصادق، ونبيه صادقٌ، فنشهد يوم القيامة أن نوحًا بلَّغ، وهودًا بلَّغ، وصالحًا بلَّغ، وشعيبًا بلَّغ، ولوطًا بلَّغ، وموسى بلَّغ، وهكذا بتصديق الله بما أخبر عنهم عليهم الصلاة والسلام.

3340- حدثني إسحاق بن نصر: حدثنا محمد بن عبيد: حدثنا أبو حيان، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: كنا مع النبي ﷺ في دعوةٍ، فرُفِعَ إليه الذراع -وكانت تُعجبه- فنهس منها نهسةً وقال: أنا سيد القوم يوم القيامة، هل تدرون بمَن؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ، فيُبصرهم الناظر، ويسمعهم الدَّاعي، وتدنو منهم الشمس، فيقول بعض الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه، إلى ما بلغكم؟ ألا تنظرون إلى مَن يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس: أبوكم آدم، فيأتونه، فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: ربي غضب غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن الشجرة فعصيتُه، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوحٍ. فيأتون نوحًا، فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسمَّاك الله: عبدًا شكورًا، أما ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربك؟ فيقول: ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، نفسي، نفسي، ائتوا النبي ﷺ. فيأتوني، فأسجد تحت العرش، فيُقال: يا محمد، ارفع رأسك، واشفع تُشفع، وسَلْ تُعطه. قال محمد بن عبيد: لا أحفظ سائره.

الشيخ: هذا مُختصرٌ، الرواية الكاملة أنهم يأتون نوحًا، ثم نوحٌ يُحيلهم إلى إبراهيم، ثم إبراهيم يُحيلهم إلى موسى، ثم يُحيلهم موسى إلى عيسى، ثم يُحيلهم عيسى إلى محمدٍ، ثم يتقدم عليه الصلاة والسلام ليشفع، نعم.

س: قوله هنا: هل تدرون بمَن .....؟

الشيخ: عندك: ب، م، ن؟

الطالب: إي، نعم: هل تدرون بمَن؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ.

الشيخ: المعروف: هل تدرون لِمَ؟ يعني: لِمَ أكون سيد ولد آدم؟ العيني كذلك عندك في نسخة العيني؟

الطالب: نعم، أحسن الله إليك.

الشيخ: بمَن؟

الطالب: إي، نعم.

الشيخ: علَّق عليها بشيءٍ؟

ما هو بظاهرٍ، الظاهر بالمعنى .....: أتدرون بمَن؟ ..... يُقال: أتدرون بمَن؟ يعني: بمَن يشفعون؟ أو بمَن يتولى .....؟ أو بمَن يشفع لأولئك أو يسأل؟ المعروف: أتدرون لِمَ؟ يعني: لِمَ كنتُ سيد ولد آدم؟

الطالب: في الرواية الأخرى: هل تدرون مم ذلك؟.

الشيخ: مم ذلك؟ هذا المحفوظ، و"بمَن" الظاهر أنها تصحفت على بعض الرواة.

س: النص على الخمسة فقط؟

ج: هذا الذي جاء في النص؛ لأنهم أولو العزم.

س: وآدم السادس؟

ج: آدم أولهم، نعم، لكن أحالهم آدم إلى نوحٍ، ثم نوحٌ أحال إلى مَن بعده: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب:7].

3341- حدثنا نصر بن علي بن نصر: أخبرنا أبو أحمد، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأسود بن يزيد، عن عبدالله : أن رسول الله ﷺ قرأ: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:15] مثل قراءة العامة.

الشيخ: "مدكر" بالدال والكاف، نعم.

باب وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ۝ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ ۝ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ۝ اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ۝ فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ۝ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ۝ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ قال ابن عباسٍ: يُذكر بخيرٍ، سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ۝ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ۝ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ [الصافات:123- 132]، يُذكر عن ابن مسعودٍ وابن عباسٍ: أن إلياس هو إدريس.

باب ذكر إدريس عليه السلام

وهو جد أبي نوح، ويُقال: جد نوح عليهما السلام، وقول الله تعالى: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا [مريم:57].

3342- حدثنا عبدان: أخبرنا عبدالله: أخبرنا يونس، عن الزهري. ح، حدثنا أحمد بن صالح: حدثنا عنبسة: حدثنا يونس، عن ابن شهابٍ قال: قال أنس بن مالك: كان أبو ذرٍّ يُحدِّث: أن رسول الله ﷺ قال: فُرِّجَ عن سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل، ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطستٍ من ذهبٍ مُمتلئٍ حكمةً وإيمانًا، فأفرغها في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء، فلما جاء إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء: افتح. قال: مَن هذا؟ قال: هذا جبريل. قال: معك أحدٌ؟ قال: معي محمدٌ. قال: أُرسل إليه؟ قال: نعم، فافتح. فلما علونا السماء الدنيا إذا رجلٌ عن يمينه أسودةٌ، وعن يساره أسودةٌ، فإذا نظر قِبَل يمينه ضحك، وإذا نظر قِبَل شماله بكى، فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح. قلت: مَن هذا يا جبريل؟ قال: هذا آدم، وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نَسَمُ بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر قِبَل يمينه ضحك، وإذا نظر قِبَل شماله بكى. ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية، فقال لخازنها: افتح. فقال له خازنها مثلما قال الأول، ففتح.

قال أنسٌ: فذكر أنه وجد في السماوات: إدريس، وموسى، وعيسى، وإبراهيم، ولم يثبت لي كيف منازلهم؟ غير أنه قد ذكر: أنه وجد آدم في السماء الدنيا، وإبراهيم في السادسة.

وقال أنسٌ: فلما مرَّ جبريل بإدريس قال: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح، فقلت: مَن هذا؟ قال: هذا إدريس. ثم مررتُ بموسى، فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح. قلت: مَن هذا؟ قال: هذا موسى. ثم مررت بعيسى، فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح. قلت: مَن هذا؟ قال: عيسى. ثم مررتُ بإبراهيم، فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح. قلت: مَن هذا؟ قال: هذا إبراهيم.

قال: وأخبرني ابن حزمٍ: أن ابن عباسٍ وأبا حية الأنصاري.

الشيخ: وأبا حبة الأنصاري.

قال: وأخبرني ابن حزمٍ: أن ابن عباسٍ وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان: قال النبي ﷺ: ثم عُرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع صريف الأقلام.

قال ابن حزمٍ وأنس بن مالك رضي الله عنهما: قال النبي ﷺ: ففرض الله عليَّ خمسين صلاةً، فرجعتُ بذلك حتى أمرَّ بموسى، فقال موسى: ما الذي فرض على أمتك؟ قلت: فرض عليهم خمسين صلاةً. قال: فراجع ربك؛ فإن أمتك لا تُطيق ذلك. فرجعت، فراجعت ربي، فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك. فذكر مثله، فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى فأخبرته، فقال: راجع ربك؛ فإن أمتك لا تُطيق ذلك. فرجعت، فراجعت ربي، فقال: هي خمسٌ، وهي خمسون، لا يُبدل القول لديَّ. فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك. فقلت: قد استحييتُ من ربي. ثم انطلق حتى أتى بي السدرة المنتهى، فغشيها ألوانٌ لا أدري ما هي؟ ثم أُدخلتُ الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك.

الشيخ: وفي هذا فضل الله جلَّ وعلا: أن الفريضة خمسٌ، والأجر أجر خمسين، الحسنة بعشر أمثالها، وهذا من فضله جلَّ وعلا وكرمه .

وفيه أنه رُفِعَ إلى مستوى فوق السماء السابعة، يسمع فيه صريف الأقلام، وهذه كلها من مناقبه ﷺ وفضائله، اللهم صلِّ عليه وسلم.

أيش قال على إدريس: أنه جد نوح، أو أبو جده؟ تكلم عليه بشيءٍ؟

القارئ: قوله: "باب ذكر إدريس" سقط لفظ "باب" من رواية أبي ذر، وزاد في رواية الحفصي: وهو جد أبي نوح. وقيل: جد نوح.

قلت: الأول أولى من الثاني كما تقدم، ولعل الثاني أطلق ذلك مجازًا؛ لأن جدَّ الأب جدٌّ.

ونقل بعضهم الإجماع على أنه جدٌّ لنوحٍ، وفيه نظر؛ لأنه إن ثبت ما قال ابن عباسٍ: أن إلياس هو إدريس؛ لزم أن يكون إدريس من ذُرية نوح، لا أن نوحًا من ذريته؛ لقوله تعالى في سورة الأنعام: وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إلى أن قال: وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ [الأنعام:84، 85]، فدلَّ على أن إلياس من ذُرية نوح، سواءٌ قلنا: إن الضمير في قوله: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ لنوحٍ أو لإبراهيم؛ لأن إبراهيم من ذُرية نوحٍ، فمَن كان من ذُرية إبراهيم فهو من ذرية نوحٍ لا محالة.

وذكر ابن إسحاق في المبتدأ: أن إلياس هو ابن نسي بن فنحاص بن العيزار بن هارون أخي موسى بن عمران، فالله أعلم.

وذكر وهبٌ في المبتدأ: أن إلياس عمَّر كما عمَّر الخضر، وأنه يبقى إلى آخر الدنيا في قصةٍ طويلةٍ.

وأخرج الحاكم في "المستدرك" من حديث أنسٍ: أن إلياس اجتمع بالنبي ﷺ، وأكلا جميعًا، وأن طوله ثلاثمئة ذراعٍ، وأنه قال: إنه لا يأكل في السنة إلا مرةً واحدةً. أورده الذهبي في ترجمة يزيد بن يزيد البلوي، وقال: إنه خبرٌ باطلٌ.

الشيخ: والعيني علَّق عليه بشيءٍ؟

الطالب: ذكر -أحسن الله إليك-: إلياس هو ابن نسبي بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران.

الشيخ: لا، لا، على إدريس، إدريس جد نوح، أو أبو جده؟

الطالب: كلامٌ قريبٌ، قال: أي: إدريس جد أبي نوح؛ لأن نوحًا ابن لمك بن متوشلخ بن خنوخ، وهو إدريس.

قوله: "ويقال: جد نوح" هذا ليس بشيءٍ؛ لأن جد نوح هو متوشلخ، اللهم إلا إذا أطلق على جد أبي نوح، فإنه جد نوحٍ مجازًا، وهذا ليس بموجودٍ في غالب النسخ.

الشيخ: فقط؟

الطالب: نعم.

الشيخ: نعم.

س: أحسن الله إليك، يثبت أنه جدٌّ لنوحٍ، مع نوحٍ في الشفاعة، يقال له: أنت أول الأنبياء؟

ج: أول الرسل، وإدريس نبيٌّ فقط، وهو أول رسولٍ أُرسل إلى أهل الأرض بعدما وقع فيهم الشرك، والقول بأن إدريس جد نوحٍ محل نظرٍ، والأقرب -والله أعلم- أنه من ذُريته، لا من أجداده، وأن ما بين آدم وبين نوحٍ أحدٌ من الأنبياء، نوحٌ هو أول رسولٍ وأول نبيٍّ بعد آدم عليه الصلاة والسلام.

س: شيث؟

ج: ما ثبت فيه شيءٌ.

س: .................؟

ج: ما أعلم أنه ثبت فيه شيءٌ.

س: إدريس هو إلياس؟

ج: ما هو بالظاهر، إلياس غير إدريس.

س: ألا يشهد لهذا قوله للنبي ﷺ: والأخ الصالح بدل قوله: والابن؟

ج: قد يشهد له هذا؛ لأن نوحًا أبٌ، فإذا كان نوحٌ أبًا فجدّه أبٌ.

س: لكن وجود أنبياء بعد آدم قبل وقوع الشرك لا يُنافي أن يكون نوحٌ هو أول رسولٍ؟

ج: لا، ما ينافي؛ لأن نوحًا أرسل إليهم بعد وقوع الشرك.

س: عروج النبي ﷺ من بيت المقدس، أو من بيته؟

ج: الروايات يُفسر بعضها بعضًا: أُسْرِيَ به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عُرج به من هناك، وهنا يُوهم أنه من مسجد مكة، ولكن الروايات الأخرى تُفسره، فهو أُسري به من مكة، ثم عُرج به من الشام إلى فوق، كلها في ليلةٍ.

س: عُرِجَ بروحه أو بجسده؟

ج: بروحه وجسده جميعًا، عُرِجَ بروحه وجسده عليه الصلاة والسلام.

س: الدجال في حديث: أنه يخرج من خلة بين الشام والعراق .....؟

ج: الحديث صحيحٌ: خلة بين الشام والعراق، يأتي من خراسان من جهة الشرق، أم الخبائث، فيها الشر كله، هو يأتي من جهة الشر.

س: معنى قوله: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا [مريم:57]؟

ج: جاء في خبرٍ: أنه في السماء الرابعة إدريس عليه الصلاة والسلام.

مداخلة: في الترجمة السابقة في قوله: يُذكر عن ابن مسعودٍ وابن عباسٍ: أن إلياس هو إدريس .....

الشيخ: أيش فيه؟

الطالب: فيه كلامٌ.

الشيخ: إيه، ما هو؟

الطالب: قوله: "قال ابن عباسٍ" وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباسٍ في قوله تعالى: سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ [الصافات:130]: يُذكر بخيرٍ.

قوله: "ويُذكر عن ابن مسعودٍ وابن عباسٍ: أن إلياس هو إدريس" أما قول ابن مسعودٍ فوصله عبد بن حميد وابن أبي حاتم بإسنادٍ حسنٍ عنه، قال: إلياس هو إدريس، ويعقوب هو إسرائيل.

وأما قول ابن عباسٍ فوصله جُويبير في "تفسيره" عن الضحاك، عنه، وإسناده ضعيفٌ؛ ولهذا لم يجزم به البخاري.

وقد أخذ أبو بكر بن العربي من هذا أن إدريس لم يكن جدًّا لنوحٍ، وإنما هو من بني إسرائيل؛ لأن إلياس قد ورد أنه من بني إسرائيل، واستدل على ذلك بقوله عليه السلام للنبي ﷺ: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح، ولو كان من أجداده لقال له كما قال له آدم وإبراهيم: والابن الصالح، وهو استدلالٌ جيدٌ، إلا أنه قد يُجاب عنه بأنه قال ذلك على سبيل التواضع والتلطف، فليس ذلك نصًّا فيما زعم.

وقد قال ابن إسحاق في أول السيرة النبوية لما ساق النَّسب الكريم، فلما بلغ إلى نوحٍ قال: إنه ابن لمك بن متوشلخ بن خنوخ، وهو إدريس النبي فيما يزعمون.

الشيخ: الأمر سهلٌ، يكفي، الله أعلم.

باب قول الله تعالى: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ [الأعراف:65]

وقوله: إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ إلى قوله: كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ [الأحقاف:21- 25]، فيه عن عطاء وسليمان، عن عائشة، عن النبي ﷺ.

باب قول الله : وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ [الحاقة:6]

الشيخ: قف على قصة عاد، سَمِّ.