باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمساكين

باب الدليل على أن الخُمس لنوائب رسول الله ﷺ والمساكين، وإيثار النبي ﷺ أهل الصُّفَّة والأرامل حين سألته فاطمة وشكت إليه الطَّحن والرَّحى: أن يخدمها من السَّبي، فوكلها إلى الله.

3113- حدثنا بدل بن المحبر: أخبرنا شعبة، قال: أخبرني الحكم، قال: سمعتُ ابن أبي ليلى: حدثنا علي: أن فاطمة عليها السلام اشتكت ما تلقى من الرَّحى مما تطحن، فبلغها أن رسول الله ﷺ أُتي بسبيٍ، فأتته تسأله خادمًا، فلم تُوافقه، فذكرت لعائشة، فجاء النبي ﷺ، فذكرت ذلك عائشةُ له، فأتانا وقد دخلنا مضاجعنا، فذهبنا لنقوم فقال: على مكانكما، حتى وجدتُ برد قدميه على صدري، فقال: ألا أدلُّكما على خيرٍ مما سألتُماه؟ إذا أخذتُما مضاجعكما فكبِّرا الله أربعًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وسبِّحا ثلاثًا وثلاثين، فإن ذلك خيرٌ لكما مما سألتُماه.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فإن الخمس من الغنيمة قد أوضح الله حكمه في سورة الأنفال بقوله جلَّ وعلا: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ [الأنفال:41]، فالخمس يتصرف فيه ولي الأمر في مصالح المسلمين وشؤونهم، وفي حياة النبي ﷺ لشؤونه، ونوائبه، وحاجته، وحاجة أهله، والمساكين من أهل الصُّفَّة، وغيرهم، وما يرد عليه من الوفود والضيوف، إلى غير ذلك؛ ولهذا سألته فاطمة الخادم فاعتذر إليها بسبب ما ذكر من حاجة المسلمين، وما ينزل عليه، وما ينوبه، ثم أخدمها بعد ذلك، لما وسَّع الله أخدمها.

وأخبرهما ﷺ لما أتاهما في البيت وقد أخذا مضاجعهما: أن خيرًا لهما من الخادم أن يُكبرا الله عند النوم أربعًا وثلاثين، ويُسبِّحاه ثلاثًا وثلاثين، ويحمداه ثلاثًا وثلاثين، هذه سنةٌ عند النوم، يقول: "سبحان الله" ثلاثًا وثلاثين، و"الحمد لله" ثلاثًا وثلاثين، و"الله أكبر" أربعًا وثلاثين، قال: فذلك خيرٌ لكما من خادمٍ، قالت رضي الله عنها في روايةٍ أخرى: فما اشتكيتُ بعد ذلك. لما استعملت هذا الذكر قالت: فما اشتكيتُ بعد ذلك ألم التعب. وكانت تتعب في بيتها، وتطحن حاجتها، وتطبخ، وتفعل حاجات البيت، وبعدما استعملت هذا الذكر لم تشعر بتعبٍ بعد ذلك، فهذا الذكر مما يُقوي الله به العبد على طاعته، وعلى أمور بيته وشؤونه، فالذكر كله خيرٌ.

فالذكر عبادةٌ عظيمةٌ عامَّةٌ يُستعان بها على كل خيرٍ، وعلى دفع كل شرٍّ؛ ولهذا كان ﷺ يذكر الله على كل أحيانه، قالت عائشة: كان النبي ﷺ يذكر الله على كل أحيانه. وشرع هذا الذكر أيضًا بعد الصلوات الخمس، إذا صلَّى الصلوات الخمس يأتي بهذا الذكر: "سبحان الله" ثلاثًا وثلاثين، و"الحمد لله" ثلاثًا وثلاثين، و"الله أكبر" أربعًا وثلاثين، وإن كبَّر ثلاثًا وثلاثين، وأتى بـ: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ" كان أيضًا سنةً، جاء هذا وهذا، الجميع مئة: ثلاثٌ وثلاثون تسبيحةً، وثلاثٌ وثلاثون تحميدةً، وأربعٌ وثلاثون تكبيرةً بعد كل صلاةٍ، وإن جعلها ثلاثًا وثلاثين تكبيرةً، وختم بـ: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ" فهو أيضًا سنةٌ، قال فيها النبي ﷺ: غُفِرَتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر.

وقد علَّم النبي ﷺ هذا الذكر فُقراء المهاجرين لما اشتكوا إليه أنهم ليس عندهم مالٌ يتصدقون به، وأن إخوانهم الأغنياء عندهم مالٌ يتصدقون ويُنفقون، قالوا: ونحن فقراء، ما عندنا مالٌ. قال: فسألوه أن يدلهم على شيءٍ يتصدقون به، فقال: ألا أدلكم على شيءٍ تُدركون به مَن سبقكم، وتسبقون به مَن بعدكم، ولا يكون أحدٌ أفضل منكم إلا مَن عمل مثلما عملتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: تُسبحون وتحمدون وتُكبرون دبر كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، فلما سمع الأغنياء ما علَّم الفقراء فعلوا مثلهم، وهذا مع صدقاتهم وإحسانهم، فرجع الفقراء من المهاجرين إلى الرسول ﷺ فقالوا: فعل إخواننا مثلما فعلنا، لما سمعوا ما علَّمتنا فعلوا مثل ذلك. فقال النبي ﷺ: ذلك فضل الله يُؤتيه مَن يشاء.

فلو جمع الله للعبد الخير المتنوع فهذا فضله ، والعاجز عن الخير إذا كانت له نيةٌ صالحةٌ فيما عجز عنه كتب الله له أجر ما عجز عنه، إذا كان الإنسان له نيةٌ صالحةٌ في عملٍ صالحٍ، لكن عجز، ولو قدر لفعل؛ كتب الله له أجره، كما قال ﷺ: إن العبد إذا مرض أو سافر كتب الله له ما كان يعمل وهو صحيحٌ مُقيمٌ.

ولما غزا غزوة تبوك -غزوة العسرة- قال للصحابة ذات يومٍ وهم في غزوهم: إنا بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا وهم معكم، قالوا: وهم في المدينة؟! قال: وهم في المدينة؛ حبسهم العذر يعني: العجز، وفي اللفظ الآخر: إلا شركوكم في الأجر، قالوا: وهم في المدينة؟! قال: وهم في المدينة؛ حبسهم العذر، هذا فضله جلَّ وعلا، فالمريض الذي كان يتهجد بإحدى عشرة ركعةً، أو بثلاث عشرة إذا عجز كتب الله له أجر عادته التي كان يتهجدها، والمريض الذي كان يُصلي ضحًى، ويُصلي نوافل كثيرةً، ثم عجز؛ يكتب الله له أجر ذلك، والذي يتصدق ثم عجز؛ يكتب له أجر صدقاته، وهكذا، فضله واسعٌ .

س: يُؤخذ من هذا جواز اتِّخاذ الخادم للمرأة؟

ج: نعم، جائزٌ، لكن لا يخلو بها الرجل، إن تيسرت له السلامة فهو أحوط، وإلا إذا كان مُضطرًّا لا يخلو بها.

س: هل يصح ما ورد من التسبيح والتحميد والتكبير .....؟

ج: نعم، لكن الأفضل ثلاثٌ وثلاثون، هذا الكمال، نعم.

باب قول الله تعالى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال:41]

يعني: للرسول قسم ذلك.

قال رسول الله ﷺ: إنما أنا قاسمٌ وخازنٌ، والله يُعطي.

3114- حدثنا أبو الوليد: حدثنا شعبة، عن سليمان ومنصور وقتادة، سمعوا سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: وُلِدَ لرجلٍ منا من الأنصار غلامٌ، فأراد أن يُسميه: محمدًا. قال شعبة في حديث منصور: إن الأنصاري قال: حملتُه على عنقي، فأتيتُ به النبي ﷺ. وفي حديث سليمان: وُلِدَ له غلامٌ، فأراد أن يُسميه: محمدًا، قال: سمُّوا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي، فإني إنما جُعلت قاسمًا أقسم بينكم، وقال حصين: بُعِثْتُ قاسمًا أقسم بينكم.

قال عمرو: أخبرنا شعبة، عن قتادة قال: سمعتُ سالـمًا، عن جابرٍ: أراد أن يُسميه: القاسم، فقال النبي ﷺ: سمُّوا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي.

الشيخ: وهذا فيه جواز التسمية بمحمدٍ، لا حرج أن يُسمي الإنسان ولده: محمدًا، باسم النبي ﷺ، وفي الصحابة: محمد بن مسلمة الأنصاري، ومحمد بن أبي بكر، قال: سموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي؛ لأن الله بعثه قاسمًا يقسم بينهم فيئهم وغنائمهم.

وجاء في بعض الأحاديث: أنه كان يمشي ذات يومٍ في السوق فسمع إنسانًا يقول: "يا أبا القاسم" فالتفت إليه، فقال: يا رسول الله، أردتُ غيرك. فقال: تسموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي، ثم رخَّص النبي ﷺ في هذا، بعد وفاته ﷺ لا بأس، فقد استأذنه عليٌّ فأذن في التَّسمي باسمه، والتَّكني بكُنيته؛ لأن العلة زالت بعد وفاته، زالت العلة .....؛ ولهذا سمَّى عليٌّ : محمد ابن الحنفية، ولا مانع بالتَّكني بعد وفاته ﷺ بأبي القاسم، وفي العلماء "أبو القاسم" كثيرون، نعم.

3115- حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: وُلِدَ لرجلٍ منا غلامٌ فسمَّاه: القاسم، فقالت الأنصار: لا نُكنِّيك: أبا القاسم، ولا ننعمك عينًا. فأتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، وُلِدَ لي غلامٌ فسميته: القاسم، فقالت الأنصار: لا نُكنِّيك: أبا القاسم، ولا ننعمك عينًا. فقال النبي ﷺ: أحسنت الأنصار، سمُّوا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي، فإنما أنا قاسمٌ.

3116- حدثنا حبان بن موسى: أخبرنا عبدالله، عن يونس، عن الزهري، عن حميد بن عبدالرحمن، أنه سمع معاوية يقول: قال رسول الله ﷺ: مَن يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين، والله المعطي، وأنا القاسم، ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على مَن خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون.

الشيخ: وهذا فيه فضل الفقه في الدين، وأن من علامات السعادة، وأن الله أراد بالعبد خيرًا: أن يُفقهه في الدين: مَن يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين يعني: في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

ومن علامات الشقاء والهلاك: الإعراض، والجهل، وعدم المبالاة.

والله سبحانه هو المعطي، والعبد قاسمٌ؛ ولهذا قال: الله المعطي، وإنما أنا قاسمٌ، يقسم بين الناس غنائمهم وفيئهم، ولا تزال هذه الأمة ظاهرين، لا يضرهم مَن خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهذه بشارةٌ، وهذه الأمة لا تزال على الحق قائمةً، على الحق ظاهرةً حتى يأتي أمر الله، والمعنى: أي طائفةٍ منهم، كما في الرواية الأخرى: لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق منصورةً، لا يضرهم مَن خذلهم حتى يأتي أمر الله.

والمراد بأمر الله: الريح الطيبة التي يقبض الله بها أرواح المؤمنين في آخر الزمان، فلا يبقى إلا الأشرار، فعليهم تقوم الساعة.

ولا تزال هذه الأمة فيها طائفةٌ، فيها أمةٌ قائمةٌ على دين الله، على الحقِّ، لا يضرها مَن خذلها، ولا مَن خالفها حتى يأتي أمر الله، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.

وهذا الأمر هو: أن الله سبحانه في آخر الزمان يبعث ريحًا طيبةً، مسّها مسّ الحرير، يقبض الله بها أرواح المؤمنين والمؤمنات، حتى لو كان المؤمن في غارٍ في جبلٍ، أو في أي مكانٍ دخلت عليه وقبضت روحه، فلا يبقى إلا الأشرار، فعليهم تقوم الساعة، يبقون في خِفَّة الطير، وأحلام السِّباع، لا يعرفون معروفًا، ولا يُنكرون منكرًا.

ففي هذا الحديث الحث على التَّفقه في الدين، والاستقامة على طاعة الله؛ حتى تكون من هذه الطائفة الطيبة.

وفيه الحذر من الإعراض والغفلة وعدم التَّفقه في الدين، فأنت مخلوقٌ لعبادة الله، لماذا خُلقت؟ مخلوقٌ لعبادة الله، وهذه العبادة لا طريقَ إلى معرفتها إلا بالتَّفقه في الدين، من أين تعرف هذه العبادة: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]؟ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، فأنت مخلوقٌ لها، ومأمورٌ بها، والرسل بُعثوا بها، فلا بد من تعلمها، لا طريقَ إلى معرفتها إلا بالتعلم: بالتَّفقه في الدين والتَّبصر من طريق القرآن والسنة؛ حتى تعرف هذه العبادة التي هي الإسلام، هي دين الله، هي الإيمان، هي التقوى، هي البر، هي الهدى، هذه هي العبادة التي أنت مخلوقٌ لها: طاعة الله ورسوله.

وتُسمَّى هذه العبادة: إيمانًا، وتُسمَّى: إسلامًا، وتُسمَّى: تقوى، وتُسمَّى: هدًى، وتُسمَّى: برًّا: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23]، إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار:13]، وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة:177]، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر:45]، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19].

فجديرٌ بكل مؤمنٍ وبكل مؤمنةٍ بذل الوسع في التفقه في الدين من طريق حضور حلقات العلم، ومن طريق السؤال، ومن طريق تدبر القرآن والإكثار من تلاوته، ومن طريق حفظ السنة وما تيسر منها، والتَّفقه فيها، ومن طريق المكاتبة بسؤال أهل العلم، كان أهل العلم يتكاتبون، ومن طريق الهاتف الآن، جاءت وسيلةٌ أخرى: هذا الهاتف الآن، يسأل ويتفاهم مع المسؤول كأنه حاضرٌ لديه.

يبذل وسعه بكل وسيلةٍ لطلب العلم، فالذي لا يستطيع حضور حلقات العلم، أو السفر إلى حلقات العلم، يستطيع المكاتبة والمكالمة بالهاتف، يسأل عن دينه، وعما أهمَّه، يتفقه في الدين ولو كان في أقصى الأرض، فالدنيا صارت كالمنزل الواحد بسبب ما يسَّر الله من وسائل الاتصالات، فالحجة حينئذٍ أكثر إقامةً وأقوى على الناس في كل مكانٍ؛ ليسألوا عن دينهم، وليتفقوا، ويتعلموا، ويتبصروا، وليس هناك رسولٌ آخر، ولا كتابٌ آخر، هذا الكتاب هو آخر الكتب، وهذا الرسول هو آخر الرسل عليه الصلاة والسلام، ولا بد من تعلم هذا الدين الذي جاء به محمدٌ عليه الصلاة والسلام، ودلَّ عليه القرآن، وهو العبادة التي أنت مأمورٌ بها، ومخلوقٌ لها، فليس لك عذرٌ أن تُعرض وتغفل وتقول: ما عندي علمٌ! اسأل، وتفقه، وسافر إذا استطعت لطلب العلم، واكتب في طلب العلم، وافعل كل ما تستطيع من الوسائل حتى تعرف ما يجب عليك، وما يحرم عليك، وهكذا مع أهلك، ومع جيرانك: تسأل، تتفقه؛ حتى تُؤدي الحقوق التي عليك لله ولعباده، أما الإعراض والغفلة ودعوى أنك لا تعلم فهذا عذر المفرطين، وليس بعذرٍ، يقول جلَّ وعلا: وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف:3]، والله سبحانه يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، ويقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

وفي هذا الحديث الصحيح: مَن يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين، متفقٌ على صحته: رواه البخاري هنا، ورواه مسلمٌ أيضًا رحمهما الله.

ويقول ﷺ: مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة، ويقول: خيركم مَن تعلم القرآن وعلَّمه، ويقول ﷺ: ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله: يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمَن عنده، إذا اجتمع جماعةٌ في البيت يدرسون القرآن: الرجل مع أهل بيته، مع زملائه، مع جيرانه، كلما يسَّر الله لهم وقتًا اجتمعوا وتدارسوا القرآن، وتذاكروا، وقرأوا بعض الأحاديث، كل هذا من طريق الخير، من طريق العلم، نعم.

س: أحسن الله عملك يا شيخ، في كلمة "ظاهرين" يعني: ظاهرين بالدين والعلم، أو بالقوة والحكم؟

ج: ظاهرين بالدين والعلم، ظاهرين على غيرهم بالدين والعلم، ما هو بلزومٍ أنهم قهروا الناس، ظاهرين: معروفين، قد صانهم الله وحماهم، نعم.

3117- حدثنا محمد بن سنان: حدثنا فليح: حدثنا هلال، عن عبدالرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: ما أُعطيكم، ولا أمنعكم، إنما أنا قاسمٌ أضع حيث أُمرتُ.

3118- حدثنا عبدالله بن يزيد: حدثنا سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثني أبو الأسود، عن ابن أبي عياش -واسمه نعمان-، عن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي ﷺ يقول: إن رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حقٍّ، فلهم النار يوم القيامة.

الشيخ: وهذا وعيدٌ عظيمٌ يدل على وجوب التقيد بشرع الله في التصرف في الأموال: إن رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حقٍّ، فلهم النار يوم القيامة، سواءٌ كان أميرًا، أو ملكًا، أو وزيرًا، أو غير ذلك، يجب أن تكون التصرفات على الوجه الشرعي، لا من طريق الإسراف والتبذير والتلاعب، بل يجب أن تُصرف الأموال في الطريق الشرعي المباح: إن رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حقٍّ، فلهم النار، فالمال مال الله، هو الذي أعطاك، فالواجب التقيد بما شرع الله وأباح، فتصريف الأموال في الخمور والمعاصي والقمار وغير هذا مما حرَّم الله، تصرف فيها بغير حقٍّ، فمَن فعل هذا فقد توعد بالنار؛ لعمله هذا الباطل، وهو صرف الأموال في غير وجهها.

فالمؤمن يتحرى في صرف الأموال؛ حتى تُصرف في جهاتها، وفي وجوهها التي أباحها الله أو شرعها .

باب قول النبي ﷺ: أُحلَّت لكم الغنائم

وقال الله تعالى: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ [الفتح:20]، وهي للعامَّة حتى يُبينه الرسول ﷺ.

3119- حدثنا مسدد: حدثنا خالد: حدثنا حصين، عن عامر، عن عروة البارقي ، عن النبي ﷺ قال: الخيل معقودٌ في نواصيها الخير: الأجر والمغنم إلى يوم القيامة.

3120- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده، لتُنفقنَّ كنوزهما في سبيل الله.

الشيخ: وقد وقع هذا: هلك كسرى، وهلك قيصر، وأغنم الله المسلمين أموالهم، وقسموها في وجوه البرِّ والخير على يد الصحابة في زمن عمر وعثمان، وفي آخر خلافة الصديق، كل هذا وعدٌ حققه الله للمسلمين، وله الحمد والمنة .

3121- حدثنا إسحاق، سمع جريرًا، عن عبدالملك، عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله ﷺ: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده، لتنفقنَّ كنوزهما في سبيل الله.

3122- حدثنا محمد بن سنان: حدثنا هشيم: أخبرنا سيار: حدثنا يزيد الفقير: حدثنا جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: أُحلَّت لي الغنائم.

3123- حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: تكفل الله لمن جاهد في سبيله -لا يُخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته- بأن يُدخله الجنة، أو يُرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، مع ما نال من أجرٍ أو غنيمةٍ.

3124- حدثنا محمد بن العلاء: حدثنا ابن المبارك، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: غزا نبيٌّ من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني رجلٌ ملك بضع امرأةٍ.

الشيخ: قف على هذا، وانظر كلامه على تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي .....، أيش قال الشارح؟

.............

الطالب: أحسن الله إليك، قال: سيأتي في "الأدب"، البحث قال: سيأتي في "الأدب".

الشيخ: لا بأس.

الطالب: موجودٌ كتاب "الأدب"، أقرأ البحث؟

الشيخ: موجودٌ؟

الطالب: نعم.

الشيخ: نعم.

الطالب: قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: قال النووي: اختُلف في التَّكني بأبي القاسم على ثلاثة مذاهب:

الأول: المنع مطلقًا، سواءٌ كان اسمه: محمدًا، أم لا، ثبت ذلك عن الشافعي.

والثاني: الجواز مطلقًا، ويختص النهي بحياته ﷺ.

والثالث: لا يجوز لمن اسمه: محمد، ويجوز لغيره، قال الرافعي: يُشبه أن يكون هذا هو الأصح؛ لأن الناس لم يزالوا يفعلونه في جميع الأعصار من غير إنكارٍ.

قال النووي: هذا مخالفٌ لظاهر الحديث، وأما إطباق الناس عليه ففيه تقويةٌ للمذهب الثاني، وكأن مُستندهم ما وقع في حديث أنسٍ المشار إليه قبل: أنه ﷺ كان في السوق، فسمع رجلًا يقول: يا أبا القاسم، فالتفت إليه، فقال: لم أعنك. فقال: سموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي، قال: ففهموا من النهي الاختصاص بحياته للسبب المذكور، وقد زال بعده ﷺ. انتهى مُلخصًا.

وهذا السبب ثابتٌ في الصحيح، فما خرج صاحب القول المذكور عن الظاهر إلا بدليلٍ.

ومما نُنبه عليه: أن النووي أورد المذهب الثالث مقلوبًا فقال: يجوز لمن اسمه: محمد، دون غيره. وهذا لا يُعرف به قائل، وإنما هو سبق قلمٍ، وقد حكى المذاهب الثلاثة في "الأذكار" على الصواب، وكذا هي في الرافعي.

ومما تعقبه السبكي عليه: أنه رجح منع التكنية بأبي القاسم مطلقًا، ولما ذكر الرافعي في خطبة "المنهاج" كنَّاه فقال: "المحرر" للإمام أبي القاسم الرافعي. وكان يُمكنه أن يقول: للإمام الرافعي فقط. أو يُسميه باسمه، ولا يُكنيه بالكنية التي يعتقد المصنف منعها.

وأجيب: باحتمال أن يكون أشار بذلك إلى اختيار الرافعي الجواز، أو إلى أنه مُشتهرٌ بذلك، ومَن شُهِرَ بشيءٍ لم يمتنع تعريفه به، ولو كان بغير هذا القصد فإنه لا يسوغ، والله أعلم.

وبالمذهب الأول قال الظاهرية، وبالغ بعضهم فقال: لا يجوز لأحدٍ أن يُسمِّي ابنه: القاسم؛ لئلا يُكنى: أبا القاسم.

وحكى الطبري مذهبًا رابعًا، وهو: المنع من التسمية بمحمدٍ مطلقًا، وكذا التَّكني بأبي القاسم مطلقًا، ثم ساق من طريق سالم بن أبي الجعد كتب عمر.

الشيخ: البحث طويلٌ؟

الطالب: والله طويلٌ، نعم.

الشيخ: صفحة كم؟

الطالب: (588) المجلد العاشر.

الشيخ: المقصود أن الصواب أنه جائزٌ بعد وفاته ﷺ؛ لأن العلة زالت، نعم.