باب قصة زمزم

باب قصة إسلام أبي ذر باب قصة زمزم

مداخلة: عندنا: قصة إسلام أبي ذر، ثم الحديث مباشرةً، ما في: باب قصة زمزم.

الشيخ: وأيش عندك يا شيخ عبدالعزيز؟

.....: باب قصة إسلام أبي ذر، باب قصة زمزم، وتكلم عليه الشارح، يقول: هكذا في رواية أبي ذر عند الحموي وحده، وسقط للباقين، وكأنه أولى؛ لأن هذه الترجمة ستأتي بعد إسلام أبي بكر وسعد وغيرهما، ووقع للأكثر هنا: قصة زمزم، ووجه تعلقها بقصة أبي ذر ما وقع له من الاكتفاء بماء زمزم في المدة التي أقام فيها بمكة.

الشيخ: .....، نعم.

حدثنا زيد -هو ابن أخزم- قال: حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة: حدثني مثنى بن سعيد القصير، قال: حدثني أبو جمرة، قال: قال لنا ابن عباسٍ: ألا أُخبركم بإسلام أبي ذر؟ قال: قلنا: بلى. قال: قال أبو ذر: كنت رجلًا من غفار، فبلغنا أن رجلًا قد خرج بمكة يزعم أنه نبيٌّ، فقلت لأخي: انطلق إلى هذا الرجل كلِّمه وأتني بخبره. فانطلق فلقيه، ثم رجع، فقلت: ما عندك؟ فقال: والله لقد رأيت رجلًا يأمر بالخير، وينهى عن الشر. فقلت له: لم تشفني من الخبر. فأخذت جرابًا وعصًا، ثم أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه، وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم، وأكون في المسجد، قال: فمر بي عليٌّ، فقال: كأن الرجل غريبٌ؟ قال: قلت: نعم. قال: فانطلق إلى المنزل. قال: فانطلقت معه، لا يسألني عن شيءٍ، ولا أُخبره، فلما أصبحت غدوتُ إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحدٌ يُخبرني عنه بشيءٍ، قال: فمر بي عليٌّ، فقال: أما نال للرجل يعرف منزله بعد؟ قال: قلت: لا. قال: انطلق معي. قال: فقال: ما أمرك؟ وما أقدمك هذه البلدة؟ قال: قلت له: إن كتمت عليَّ أخبرتك. قال: فإني أفعل. قال: قلت له: بلغنا أنه قد خرج هاهنا رجلٌ يزعم أنه نبيٌّ، فأرسلت أخي ليُكلمه، فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه، فقال له: أما إنك قد رشدت، هذا وجهي إليه فاتبعني، ادخل حيث أدخل، فإني إن رأيت أحدًا أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أُصلح نعلي، وامضِ أنت.

فمضى ومضيتُ معه، حتى دخل ودخلتُ معه على النبي ﷺ، فقلت له: اعرض عليَّ الإسلام، فعرضه؛ فأسلمت مكاني، فقال لي: يا أبا ذر، اكتم هذا الأمر، وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل، فقلت: والذي بعثك بالحق لأصرخنَّ بها بين أظهرهم. فجاء إلى المسجد وقريشٌ فيه، فقال: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فقاموا، فضربتُ لأموت، فأدركني العباس فأكبَّ عليَّ، ثم أقبل عليهم فقال: ويلكم! تقتلون رجلًا من غفار، ومتجركم وممركم على غفار! فأقلعوا عني، فلما أن أصبحت الغد رجعتُ فقلتُ مثلما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فصُنع بي مثلما صُنع بالأمس، وأدركني العباس فأكبَّ عليَّ، وقال مثل مقالته بالأمس، قال: فكان هذا أول إسلام أبي ذر، رحمه الله.

الشيخ: ، وهذا واضحٌ فيما أصاب المسلمين من الشدة في أول الإسلام، ولكن الله فرَّج ويسَّر جلَّ وعلا، يبتلي عباده بالسراء والضراء، ويُنجي الصادقين، ويجعل لهم العاقبة الحميدة، نعم، الله المستعان.

طالب: عندي حديثٌ قبل هذا بسندٍ آخر يُشابهه؟

الشيخ: أشار له الشارح؟ وأيش الذي عندك؟

الطالب: السند: حدثني عمرو بن عباس: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي: حدثنا المثنى، عن أبي جمرة، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: لما بلغ أبا ذر مبعث النبي ﷺ قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبيٌّ يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني. فانطلق الأخ حتى قدمه، وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلامًا ما هو بالشعر. فقال: ما شفيتني مما أردت.

فتزود وحمل شنةً له فيها ماء حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس النبي ﷺ ولا يعرفه، وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه بعض الليل، فاضطجع، فرآه عليٌّ، فعرف أنه غريبٌ، فلما رآه تبعه، فلم يسأل واحدٌ منهما صاحبه عن شيءٍ حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، وظل ذلك اليوم، ولا يراه النبي ﷺ حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به عليٌّ، فقال: أما نال للرجل أن يعلم منزله؟ فأقامه، فذهب به معه، لا يسأل واحدٌ منهما صاحبه عن شيءٍ، حتى إذا كان يوم الثالث، فعاد عليٌّ على مثل ذلك، فأقام معه، ثم قال: ألا تُحدثني ما الذي أقدمك؟ قال: إن أعطيتني عهدًا وميثاقًا لترشدني فعلتُ. ففعل، فأخبره، قال: فإنه حقٌّ، وهو رسول الله ﷺ، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئًا أخاف عليك قمتُ كأني أُريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي. ففعل، فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي ﷺ، ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه، فقال له النبي ﷺ: ارجع إلى قومك فأخبرهم، حتى يأتيك أمري، قال: والذي نفسي بيده، لأصرخنَّ بها بين ظهرانيهم. فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله. ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكبَّ عليه، قال: ويلكم! ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجاركم إلى الشأم؟! فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها، فضربوه وثاروا إليه، فأكبَّ العباس عليه.

الشيخ: هذا عندك سقط؟

القارئ: هذا ما هو بموجودٍ.

الشيخ: ما أشار إلى أنه سيأتي في مكانٍ آخر؟

القارئ: إي، نعم، سيأتي شرح ذلك في مكانه، إن شاء الله.

الشيخ: ماشٍ، نعم.

س: أحسن الله إليك يا شيخ، هذا ما يُنافي قوله تعالى: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]؛ لأنه عرض نفسه للخطر؟

ج: هذا اجتهادٌ منه ، وما يلزمه هذا. نعم.

باب قصة زمزم وجهل العرب

حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا حماد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة قال: قال: أسلم، وغفار، وشيءٌ من مزينة، وجهينة -أو قال: شيءٌ من جهينة أو مُزينة- خيرٌ عند الله -أو قال: يوم القيامة- من أسد، وتميم، وهوازن، وغطفان.

حدثنا أبو النعمان: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: إذا سرَّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومئة في سورة الأنعام: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ إلى قوله: قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [الأنعام:140].

باب مَن انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية

وقال ابن عمر وأبو هريرة: عن النبي ﷺ: إن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله.

وقال البراء: عن النبي ﷺ: أنا ابن عبد المطلب.

حدثنا عمر بن حفص: حدثنا أبي: حدثنا الأعمش: حدثنا عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] جعل النبي ﷺ يُنادي: يا بني فهر، يا بني عدي ببطون قريش.

وقال لنا قبيصة: أخبرنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ جعل النبي ﷺ يدعوهم قبائل، قبائل.

حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب: أخبرنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة ﷺ: أن النبي ﷺ قال: يا بني عبد مناف، اشتروا أنفسكم من الله، يا بني عبد المطلب، اشتروا أنفسكم من الله، يا أم الزبير بن العوام، عمَّة رسول الله، يا فاطمة بنت محمدٍ، اشتريا أنفسكما من الله، لا أملك لكما من الله شيئًا، سلاني من مالي ما شئتما.

الشيخ: والمعنى: اشتروها بالتوحيد والإيمان، لا أملك لكم من الله شيئًا، فالرسل لا يملكون هداية الناس، ولا نجاة الناس، وهكذا أتباعهم من الدعاة والمبلغين، إنما عليهم البلاغ: فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ [الرعد:40]، إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ [الرعد:7]، فالرسل عليهم الصلاة والسلام عليهم البلاغ، وهكذا أتباعهم.

فالواجب على المكلف أن يشتري نفسه بطاعة الله وتوحيده قبل أن يهلك، الواجب أن يشتريها بالتوحيد والإيمان قبل أن يحلَّ عليه أمر الله، وهذا من البلاغ الذي أمر به، قال الله تعالى: وَأَنْذِرِ النَّاسَ [إبراهيم:44]، فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ [الحجر:94]، فقد بلَّغهم عليه الصلاة والسلام في مواضع كثيرةٍ: على الصفا، وفي المسجد الحرام، وفي مواضعهم في منى، وفي مُخيماتهم، وفي كل مكانٍ عليه الصلاة والسلام، نعم.

.............

باب: ابن أخت القوم ومولى القوم منهم

حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنسٍ قال: دعا النبي ﷺ الأنصار فقال: هل فيكم أحدٌ من غيركم؟ قالوا: لا، إلا ابن أختٍ لنا. فقال رسول الله ﷺ: ابن أخت القوم منهم.

باب قصة الحبش، وقول النبي ﷺ: يا بني أرفدة

3529- حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهابٍ، عن عروة، عن عائشة: أن أبا بكر دخل عليها، وعندها جاريتان في أيام منى تُغنيان، وتدففان، وتضربان، والنبي ﷺ مُتَغَشٍّ بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف النبي ﷺ عن وجهه، فقال: دعهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيدٍ، وتلك الأيام أيام منى.

3530- وقالت عائشة: رأيت النبي ﷺ يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم، فقال النبي ﷺ: دعهم، أمنا بني أرفدة يعني: من الأمن.

س: قوله: أمنا يعني: تأمينًا لهم؟

ج: نعم، نعم، والمقصود من هذا: أنه لا بأس باللعب أيام العيد لمصلحة الجهاد وإظهار القوة والنشاط الإسلامي، وكذا للنساء في أيام العيد، الشيء الذي ليس فيه مُحرَّمٌ؛ ولهذا أذن لهؤلاء الحبشة أن يلعبوا بحرابهم ورماحهم ودرقهم؛ لما فيه من الاستعداد للحرب، وإظهار الفرح والسرور بالعيد.

وهكذا ما فيه من جواز الضرب بالدف يوم العيد، هذا من سعة الإسلام، ومن رحمة الله جلَّ وعلا؛ ولهذا في بعض الروايات قال: لتعلم اليهود أن في ديننا فُسحةً، ليس فيه آصارٌ وأغلالٌ.

المقصود أن اللعب بالشيء المباح من الرماح، والدرق، والرمي، وأشباه ذلك؛ كل هذا مما يُستعان به في الجهاد.

س: ..............؟

ج: يعني: أنه لا حرج عليهم، ليعلم عمر أنه لا مكان للإنكار، قصده البيان لعمر وغيره أنه لا إنكار عليهم في مثل هذه الأمور.

س: عائشة تنظر من حُجرتها أو أتت المسجد؟

ج: من وراء النبي ﷺ، خلف النبي ﷺ.

س: في المسجد؟

ج: نعم.

س: يقول الشارح: استدل به قومٌ من الصوفية على جواز الرقص .....؟

ج: هذا من جهلهم، أقول: هذا من جهلهم، المباح ما كان من جنس فعل الحبشة؛ كانوا يلعبون بحرابهم ودرقهم، وهذه مما يُستعان بها في الجهاد، وهكذا الرماح والسيوف والرمي، وهكذا ما يلتحق بالحرب .....، أما الأغاني المنكرة، أو ضرب الطبول فهذا الذي يُمنع عند جمعٍ من أهل العلم، وبعض أهل العلم قال: الطبل لا بأس به؛ لأنه يُستعان به في الحرب في جمع الجيوش وجمع الجنود إذا ضرب. ولكن الأقرب أن تركه أولى.

س: يُستدل بالحديث على جواز استماع الرجال للدف في أيام العيد؟

ج: إذا كان من النساء لا بأس، الرسول ﷺ أقرَّ الجواري، قال لأبي بكرٍ: دعهم، وهو ﷺ يسمع، فإذا كانت الجواري ينشدن أشعارًا طيبةً، وكن يُنشدن أشعار يوم بعاث، أشعار الأنصار، نعم.

س: وإذا كان من رجلٍ؟

ج: لا، هذا في الجواري، أو بين الرجال في لعبٍ لا يقدح في الدين: كالأشعار الحماسية، الأشعار التشجيعية، وأشعار في الجود والكرم، لا في الفواحش والخمر ونحو ذلك.

باب مَن أحبَّ ألا يُسبّ نسبه

3531- حدثني عثمان بن أبي شيبة: حدثنا عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن حسان النبي ﷺ في هجاء المشركين، قال: كيف بنسبي؟ فقال حسان: لأسلنك منهم كما تسلّ الشعرة من العجين.

وعن أبيه قال: ذهبتُ أسبّ حسان عند عائشة، فقالت: لا تسبَّه؛ فإنه كان يُنافح عن النبي ﷺ.

الشيخ: ر، نعم.

باب ما جاء في أسماء رسول الله ﷺ

وقول الله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ [الفتح:29]، وقوله: مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6].

3532- حدثني إبراهيم بن المنذر، قال: حدثني معن، عن مالك، عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ: لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب.

3533- حدثنا علي بن عبدالله: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريشٍ ولعنهم؟ يشتمون مُذَمَّمًا، ويلعنون مُذَمَّمًا، وأنا محمدٌ.

الشيخ: يعني: في الظاهر هم يقصدونه، لكن الله صرف عنهم اسمه، وجعلوا يسبونه: مُذَمَّمًا، من شدة حقدهم ما يقولون: محمدًا.

باب خاتم النبيين ﷺ

3534- حدثنا محمد بن سنان: حدثنا سليم بن حيان: حدثنا سعيد بن ميناء، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال النبي ﷺ: مثلي ومثل الأنبياء كرجلٍ بنى دارًا، فأكملها، وأحسنها، إلا موضع لبنةٍ، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون ويقولون: لولا موضع اللبنة!.

3535- حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن عبدالله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجلٍ بنى بيتًا، فأحسنه، وأجمله، إلا موضع لبنةٍ من زاويةٍ، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟! قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين.

الشيخ: كمَّل الله به الرسل، وسدَّ به الفُرجة، وجعله خاتمًا ورسولًا إلى الجميع عليه الصلاة والسلام، وهذا من رحمة الله: أكمل النبيين وأتمهم بأفضلهم، وبرسالةٍ عامَّةٍ لأهل الأرض إلى يوم القيامة.

باب وفاة النبي ﷺ

3536- حدثنا عبدالله بن يوسف: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ توفي وهو ابن ثلاثٍ وستين.

وقال ابن شهابٍ: وأخبرني سعيد بن المسيب مثله.

الشيخ: نعم.

باب كنية النبي ﷺ

3537- حدثنا حفص بن عمر: حدثنا شعبة، عن حميدٍ، عن أنسٍ قال: كان النبي ﷺ في السوق، فقال رجلٌ: يا أبا القاسم. فالتفت النبي ﷺ، فقال: سمُّوا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي.

3538- حدثنا محمد بن كثير: أخبرنا شعبة، عن منصورٍ، عن سالم، عن جابرٍ ، عن النبي ﷺ قال: تسمَّوا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي.

3539- حدثنا علي بن عبدالله: حدثنا سفيان، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم ﷺ: سمُّوا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي.

الشيخ: لئلا يحصل التباسٌ عند النداء والكلام، لكنه رخص في هذا بعد وفاته ﷺ، كما قال لعليٍّ ، وكان هذا في حياته، أما بعد وفاته فلا بأس.

هل تكلم الشارح على: سمُّوا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي؟

القارئ: قوله: "باب كنية النبي ﷺ" الكُنْية -بضم الكاف وسكون النون- مأخوذةٌ من الكناية، تقول: "كنيت عن الأمر بكذا" إذا ذكرته بغير ما يُستدل به عليه صريحًا، وقد اشتهرت الكُنى للعرب، حتى ربما غلبت على الأسماء: كأبي طالب، وأبي لهب، وغيرهما.

وقد يكون للواحد كنيةٌ واحدةٌ فأكثر، وقد يشتهر باسمه وكُنيته جميعًا، فالاسم والكنية واللقب يجمعها العَلَم –بفتحتين-، وتتغاير بأن اللقب ما أشعر بمدحٍ أو ذمٍّ، والكنية: ما صدرت بأبٍ أو أمٍّ، وما عدا ذلك فهو اسمٌ.

وكان النبي ﷺ يُكنى: أبا القاسم، بولده القاسم، وكان أكبر أولاده، واختُلف: هل مات قبل البعثة أو بعدها؟ وقد وُلد له إبراهيم في المدينة من مارية، ومضى شيءٌ من أمره في الجنائز، وفي حديث أنسٍ: أن جبريل قال للنبي ﷺ: السلام عليك يا أبا إبراهيم.

وأورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث:

أحدها: حديث أنسٍ، أورده مختصرًا، وقد مضى في "البيوع" بأتم منه، وفيه أن الرجل قال له: لم أعنك. وحينئذٍ نهى عن التكني بكنيته.

ثانيها: حديث جابر وسالم، الراوي عنه هو ابن الجعد، وأورده أيضًا مختصرًا، وقد مضى في "الخمس" بأتم منه أيضًا.

وقوله في أوله: "حدثنا محمد بن كثير: حدثنا شعبة" كذا للأكثر، وفي رواية أبي علي بن السكن: "سفيان" بدل "شعبة"، ومال الجياني إلى ترجيح الأكثر؛ فإن مسلمًا أخرجه من طريق شعبة، عن منصور.

ثالثها: حديث أبي هريرة.

قوله: "قال أبو القاسم ﷺ" كذا وقع في هذه الطريق، وهو لطيفٌ، وتقدم في العلم بلفظ: "قال رسول الله ﷺ".

وقد اختُلف في جواز التكني بكنيته ﷺ: فالمشهور عن الشافعي المنع على ظاهر هذه الأحاديث، وقيل: يختص ذلك بزمانه. وقيل: بمَن تسمَّى باسمه. وسيأتي بسط ذلك وتوجيه هذه المذاهب في كتاب "الأدب"، إن شاء الله تعالى.

الشيخ: والعيني زاد شيئًا؟

الطالب: ما في زيادة، أحسن الله إليك.

الشيخ: نعم، نعم.

..............

باب

3540- حدثني إسحاق بن إبراهيم: أخبرنا الفضل بن موسى، عن الجعيد بن عبدالرحمن: رأيت السائب بن يزيد ابن أربع وتسعين، جلدًا، معتدلًا، فقال: قد علمت: ما متعت به سمعي وبصري إلا بدعاء رسول الله ﷺ؛ إن خالتي ذهبت بي إليه، فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي شاكٍ، فادعُ الله له. قال: فدعا لي.

باب خاتم النبوة

3541- حدثنا محمد بن عبيدالله: حدثنا حاتم، عن الجعيد بن عبدالرحمن قال: سمعت السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله ﷺ، فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وقع. فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة، وتوضأ فشربتُ من وضوئه، ثم قمتُ خلف ظهره فنظرتُ إلى خاتمٍ بين كتفيه.

قال ابن عبيدالله: الحجلة من حجل الفرس: الذي بين عينيه. قال إبراهيم بن حمزة: مثل زر الحجلة.

باب صفة النبي ﷺ

الشيخ: بركة، سمِّ.

س: ...............؟

ج: الأمر في هذا واسعٌ، بين النساء الأمر واسعٌ، فيما بين النساء وحدهن، إذا كان ما فيه اختلاطٌ، والصوت قد يرتفع في بعض الأحيان، فينبغي أن تكون أصواتهن بينهن إذا تيسر ذلك، الأمر واسعٌ فيما بينهن، لا ينبغي التشديد في هذا؛ لأنهن قد يحتجن إلى صوتٍ حتى يسمع بقيتهن، قد يكن كثيراتٍ.

مداخلة: كلامه في التكني بأبي القاسم.

الشيخ: وأيش يقول؟

الطالب: قال النووي: اختُلف في التكني بأبي القاسم على ثلاثة مذاهب:

الأول: المنع مطلقًا، سواءٌ كان اسمه: محمدًا أم لا، ثبت ذلك عن الشافعي.

والثاني: الجواز مطلقًا، ويختص النهي بحياته ﷺ.

والثالث: لا يجوز لمن اسمه: محمد، ويجوز لغيره. قال الرافعي: يُشبه أن يكون هذا هو الأصح؛ لأن الناس لم يزالوا يفعلونه في جميع الأعصار من غير إنكارٍ.

قال النووي: هذا مخالفٌ لظاهر الحديث، وأما إطباق الناس عليه ففيه تقويةٌ للمذهب الثاني، وكأن مستندهم ما وقع في حديث أنسٍ المشار إليه، قيل: أنه ﷺ كان في السوق فسمع رجلًا يقول: يا أبا القاسم. فالتفت إليه، فقال: لم أعنِك. فقال: سموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي.

قال: ففهموا من النهي الاختصاص بحياته للسبب المذكور، وقد زال بعده ﷺ. انتهى مُلخصًا.

وهذا السبب ثابتٌ في الصحيح، فما خرج صاحب القول المذكور عن الظاهر إلا بدليلٍ.

ومما نُنبه عليه: أن النووي أورد المذهب الثالث مقلوبًا فقال: يجوز لمن اسمه: محمد، دون غيره. وهذا لا يُعرف به قائلٌ، وإنما هو سبق قلمٍ، وقد حكى المذاهب الثلاثة في "الأذكار" على الصواب، وكذا هي في الرافعي.

ومما تعقبه السبكي عليه: أنه رجح منع التكنية بأبي القاسم مطلقًا، ولما ذكر الرافعي في خطبة "المنهاج" كنَّاه فقال: "المحرر" للإمام أبي القاسم الرافعي. وكان يُمكنه أن يقول: للإمام الرافعي فقط، أو يُسميه باسمه، ولا يُكنيه بالكنية التي يعتقد المصنف منعها!

وأُجيب باحتمال أن يكون أشار بذلك إلى اختيار الرافعي الجواز، أو إلى أنه مُشتهرٌ بذلك، ومَن شُهر بشيءٍ لم يمتنع تعريفه به، ولو كان بغير هذا القصد فإنه لا يسوغ، والله أعلم.

وبالمذهب الأول قال الظاهرية، وبالغ بعضهم فقال: لا يجوز لأحدٍ أن يُسمي ابنه: القاسم؛ لئلا يُكنى: أبا القاسم.

وحكى الطبري مذهبًا رابعًا، وهو المنع من التسمية بمحمدٍ مطلقًا، وكذا التكني بأبي القاسم مطلقًا، ثم ساق من طريق سالم بن أبي الجعد: كتب عمرُ: لا تُسموا أحدًا باسم نبيٍّ.

واحتج لصاحب هذا القول بما أخرجه من طريق الحكم بن عطية، عن ثابتٍ، عن أنسٍ –رفعه-: يُسمونهم: محمدًا، ثم يلعنونهم!، وهو حديثٌ أخرجه البزار وأبو يعلى أيضًا، وسنده لينٌ.

قال عياض: والأشبه أن عمر إنما فعل ذلك إعظامًا لاسم النبي ﷺ؛ لئلا يُنتهك، وقد كان سمع رجلًا يقول لمحمد بن زيد بن الخطاب: يا محمد، فعل الله بك وفعل. فدعاه وقال: لا أرى رسول الله ﷺ يُسبّ بك! فغيَّر اسمه.

الشيخ: ما ذكر حديث عليٍّ؟ أو العيني؟ أن الرسول ﷺ أذن له وقال: تسموا باسمي، واكتنوا بكنيتي بعد وفاتي، وفي الصحابة: محمد بن مسلمة، ومحمد بن أبي بكر الصديق، فالتسمية بمحمدٍ لا إشكالَ فيها، ما ينبغي أن يكون فيها خلافٌ؛ أقرَّها النبي ﷺ، لكن الكلام في الكنية.

الطالب: تكلم هنا: واحتج للمذهب الثاني.

الشيخ: يعني: بالجواز بعد وفاته ﷺ، بالجواز بعد وفاته مطلقًا، نعم.

الطالب: واحتج للمذهب الثاني بما أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"، وأبو داود، وابن ماجه، وصححه الحاكم من حديث عليٍّ قال: قلت: يا رسول الله، إن وُلد لي من بعدك ولدٌ أُسميه باسمك، وأُكنيه بكُنيتك؟ قال: نعم، وفي بعض طرقه: فسمَّاني: محمدًا، وكنَّاني: أبا القاسم.

وكان رخصةً من النبي ﷺ لعلي بن أبي طالب، روينا هذه الرخصة في "أمالي الجوهري"، وأخرجها ابن عساكر في الترجمة النبوية من طريقه، وسندها قويٌّ.

قال الطبري: في إباحة ذلك لعليٍّ، ثم تكنية عليٍّ ولده: أبا القاسم؛ إشارةٌ إلى أن النهي عن ذلك كان على الكراهة، لا على التحريم.

قال: ويؤيد ذلك أنه لو كان على التحريم لأنكره الصحابة، ولما مكَّنوه أن يُكني ولده: أبا القاسم أصلًا، فدل على أنهم إنما فهموا من النهي التنزيه.

وتعقب بأنه لم ينحصر الأمر فيما قال، فلعلهم علموا الرخصة له دون غيره، كما في بعض طرقه، أو فهموا تخصيص النهي بزمانه ﷺ، وهذا أقوى؛ لأن بعض الصحابة سمَّى ابنه: محمدًا، وكنَّاه: أبا القاسم، وهو طلحة بن عبيدالله، وقد جزم الطبراني أن النبي ﷺ هو الذي كنَّاه، وأخرج ذلك من طريق عيسى بن طلحة، عن ظِئر محمد بن طلحة.

وكذا يقال لكنية كلٍّ من المحمدِين: ابن أبي بكر، وابن سعد، وابن جعفر بن أبي طالب، وابن عبدالرحمن بن عوف، وابن حاطب بن أبي بلتعة، وابن الأشعث بن قيس أبو القاسم، وأن آباءهم كنُّوهم بذلك.

قال عياض: وبه قال جمهور السلف والخلف وفُقهاء الأمصار.

الشيخ: هذا هو الأظهر؛ لأن العلة زالت بوفاته ﷺ، الاشتباه زال بوفاته عليه الصلاة والسلام.

الطالب: وأما ما أخرجه أبو داود من حديث عائشة: أن امرأةً قالت: يا رسول الله، إني سميتُ ابني: محمدًا، وكنيته: أبا القاسم، فذُكر لي أنك تكره ذلك؟ قال: ما الذي أحلَّ اسمي، وحرَّم كُنيتي؟! فقد ذكر الطبراني في "الأوسط": أن محمد بن عمران الحجبي تفرد به عن صفية بنت شيبة عنها، ومحمد المذكور مجهولٌ، وعلى تقدير أن يكون محفوظًا فلا دلالةَ فيه على الجواز مطلقًا؛ لاحتمال أن يكون قبل النهي.

وفي الجملة أعدل المذاهب المذهب المفصل المحكي أخيرًا مع غرابته.

وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة بعد أن أشار إلى ترجيح المذهب الثالث من حيث الجواز: لكن الأولى الأخذ بالمذهب الأول؛ فإنه أبرأ للذمة، وأعظم للحرمة، والله أعلم.

الشيخ: المقصود أن الصواب: أنه لا حرج بعد وفاته ﷺ، هو الصواب: التسمية باسمه، والتكني بكنيته؛ لأن العلة زالت.

س: يقول: "هذا أعدل المذاهب مع غرابته" ..... وجه الغرابة؟

ج: ظاهر كلام عياض: أن الجمهور على الجواز مطلقًا، سواءٌ في اسمه، أو كنيته، نعم، وهو الأظهر؛ لأن العلة مفقودةٌ، وإذنه لعليٍّ إذنه للناس، ليس خاصًّا بعليٍّ.

.............

س: الشارح يقول: وفي الجملة أعدل المذاهب المذهب المفصل المحكي أخيرًا مع غرابته؟

ج: ما هو المفصل؟

س: المذهب الثالث؟

ج: أعدل المذاهب وأولاها جواز الأمرين، نعم.

س: ما يقصد أن مَن اسمه غير محمدٍ .....؟

ج: ما هو بظاهرٍ، ما هو بظاهرٍ.

س: في حياته .....؟

ج: الصواب -إن شاء الله- أنه لا حرج في التسمية بمحمدٍ، والتكنية بأبي القاسم؛ لأن العلة زالت، ولم يزل العلماء مُطبقون على هذا، لا يُحصى مَن اسمه: محمد، ويُكنى: أبا القاسم.