باب قول الله تعالى {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله}

باب قول الله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ

إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان:12- 18]

وَلَا تُصَعِّرْ [لقمان:18]: الإعراض بالوجه.

3428- حدثنا أبو الوليد: حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله قال: لما نزلت: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82] قال أصحاب النبي ﷺ: أينا لم يلبس إيمانه بظلمٍ؟! فنزلت: لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].

3429- حدثني إسحاق: أخبرنا عيسى بن يونس: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله قال: لما نزلت: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ شقَّ ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، أينا لا يظلم نفسه؟! قال: ليس ذلك، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه: يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ؟.

الشيخ: وهذا يدل على أن الإيمان إنما يُبطله ويُنافيه الشرك الأكبر، وهو الظلم الأكبر، فإن العبد متى بُلي بالشرك الذي هو الظلم الأكبر ذهب إيمانه، ولم يحصل له الأمن ولا الهداية يوم القيامة؛ ولهذا قال سبحانه: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] يعني: الذين آمنوا بالله إلهًا ومعبودًا بالحق، وآمنوا برسوله محمدٍ ﷺ، وأنه رسول الله حقًّا إلى جميع الثقلين، وآمنوا بكل ما أخبر الله به ورسوله من أمر الجنة والنار، والحساب والجزاء، وغير هذا.

وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ يعني: يخلطوا، اللبس: الخلط، يخلطوا إيمانهم بظلمٍ، يعني: إيمانًا صادقًا، يعني: آمنوا إيمانًا صادقًا، ليس فيه شركٌ؛ ولهذا وضَّح ﷺ للصحابة هذا المعنى، فإنهم لما نزلت الآية جثوا عنده على الركب، وقالوا: يا رسول الله، أينا لم يظلم نفسه؟! ظنوا أنه ما قد يُبتلى به الإنسان من بعض المعاصي، قال: ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ؟ أعظم الظلم: الشرك بالله ، هو أعظم الظلم.

فمَن وُجِدَ منه الظلم الأكبر -وهو الشرك- فلا إيمانَ، ولا هدًى، ولا أمن، وله النار يوم القيامة.

أما مَن سلم من الشرك الأكبر -من الظلم الأكبر- فهو مؤمنٌ، وله الأمن والهداية إن سلم من الظلم الآخر: ظلم النفس، ومن ظلم الناس، فإن لم يسلم فاته من الأمن والهدى بقدر ما عنده من الظلم، يكون أمنه ناقصًا، واهتداؤه ناقصًا حسبما عنده من الظلم للناس، أو الظلم لنفسه بالمعاصي، فيكون تحت المشيئة، ويدخل في قوله جلَّ وعلا: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، لكن مَن سلم من أنواع الظلم الثلاثة: الظلم الأكبر، وظلم المعاصي، وظلم الناس، مَن سلم من هذه الثلاثة كان أمنه كاملًا، وهدايته كاملةً، فله الأمن يوم القيامة: الأمن الكامل، والهداية الكاملة.

ومَن سلم من الظلم الأكبر -وهو الشرك- فله أصل الأمن، وأصل الهداية، وأصل النجاة، ولكنه تحت مشيئة الله فيما يتعلق بالظلم الأصغر؛ وهو ظلم الناس، وظلم النفس، صاحبه تحت مشيئة الله، ولكن مصيره إلى الجنة، ولو جرت عليه محنٌ فمصيره إلى الجنة؛ لسلامته من الشرك الأكبر الذي هو الظلم الأكبر، نعم.

س: آيات لقمان في كتاب "الأنبياء" مما يدل على أن البخاري يرى أنه نبيٌّ؟

ج: لا، لعله من أجل مسألة الشرك؛ للآية الكريمة: يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]؛ لأن الرسول ﷺ قال: ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح ...، ما قال: النبي، قال: العبد الصالح.

س: في الحديث: ..... إلا ويده مغلولة إلى عنقه .....؟

ج: نسأل الله العافية، نسأل الله العافية.

باب وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ الآية [يس:13]

فَعَزَّزْنَا [يس:14] قال مجاهد: شددنا.

وقال ابن عباسٍ: طَائِرُكُمْ [يس:19] مصائبكم.

باب قول الله تعالى: ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ۝ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ۝ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا إلى قوله: لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا [مريم:2- 7]

قال ابن عباسٍ: مثلًا.

يقال: رَضِيًّا [مريم:6] مرضيًّا.

عِتِيًّا [مريم:8] عصيًّا، عتا، يعتو.

قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ إلى قوله: ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا [مريم:8- 10]، ويقال: صحيحًا.

فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم:11]، فَأَوْحَى: فأشار.

يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ إلى قوله: وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا [مريم:12- 15].

حَفِيًّا [مريم:47] لطيفًا.

عَاقِرًا [مريم:5] الذكر والأنثى سواء.

3430- حدثنا هدبة بن خالد: حدثنا همام بن يحيى: حدثنا قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة: أن نبي الله ﷺ حدَّثهم عن ليلة أُسري به: ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح، قيل: مَن هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومَن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، فلما خلصت فإذا يحيى وعيسى، وهما ابنا خالةٍ، قال: هذا يحيى وعيسى، فسلِّم عليهما، فسلمتُ، فردَّا، ثم قالا: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح.

الشيخ: وهذا الشاهد: يحيى وعيسى في السماء الثانية في المنزلة، هذه منقبةٌ عظيمةٌ ليحيى عليه الصلاة والسلام، وعيسى، والله رفعهما إلى هناك، واجتمعا بالنبي ﷺ ليلة المعراج.

باب قول الله تعالى وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا [مريم:16]

إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ [آل عمران:45]، إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ إلى قوله: يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:33- 37].

قال ابن عباسٍ: وآل عمران المؤمنون من آل إبراهيم، وآل عمران، وآل ياسين، وآل محمدٍ ﷺ، يقول: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ [آل عمران:68] وهم المؤمنون، ويقال: آل يعقوب: أهل يعقوب، فإذا صغروا "آل" ثم ردُّوه إلى الأصل قالوا: أهيل.

الشيخ: يقال: آل، وأهل، ويُطلق "الآل" على الأتباع أيضًا: آل فرعون: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] يعني: أتباعه، فالآل يُطلق على الأهل والذرية، ويُطلق على الأتباع، نعم.

س: المراد بآل ياسين؟

ج: يعني: من أهل بيته، ويصلح: من أتباعه أيضًا، ممكن هذا وهذا، كله مستقيمٌ.

س: آل ياسين مثلًا نبيٌّ؟

ج: كأنه، هذا ظاهر سياق القرآن.

س: تخصيصه من بين الأنبياء مع أنه من السلالة؟

ج: لإظهار شرفهم وفضلهم، اللهم صلِّ عليهم وسلم.

س: لكن آل ياسين من سلالة إبراهيم؟

ج: كل الأنبياء بعده من سلالته، كل الأنبياء من بعده من سلالة إبراهيم إلى آخرهم محمدٍ، كلهم من سلالة إبراهيم.

س: كأنه خصصه هنا، جعله مع آل إبراهيم، وآل عمران، وآل محمدٍ؟

ج: الظاهر لإظهار الفضل، والله أعلم.

س: ما أراد البخاري بقوله: "آل ياسين" الآية الكريمة: سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ [الصافات:130]؟

ج: سلام التحية والدعاء، كله: وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ [الصافات:181] ثناءٌ عليهم، وتحيةٌ لهم.

س: ياسين نبي؟

ج: ظاهر القرآن أنه نبيٌّ.

س: أيش معنى: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12] ما هي القوة؟

ج: القوة في التنفيذ، يعني: التنفيذ والصبر، تنفيذ ما دلَّ عليه الكتاب من الأوامر والنواهي، ولا يكون بضعفٍ، يُنفذ ما أمره الله بقوةٍ حسب الطاقة، ما يكون بضعفٍ وتساهلٍ، نعم.

س: طيب، المخافتة بالقرآن: أغلب قراء هذا الزمان يُخافتون بالقرآن، يقولون: نخاف أن نُشوش؟

ج: هذا فيه تفصيلٌ، ما هو من هذا الباب، هذا فيه تفصيلٌ؛ إذا كان إنسانٌ يستمع له يرفع الصوت، وإذا كان حوله مَن يقرأ أو يُصلي يخفض الصوت، إنما لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أناسٍ في المسجد جماعةً يجهرون قال لهم: لا يُؤذِ بعضكم بعضًا، كلكم يُناجي الله، فلا يجهر بعضكم على بعضٍ، هذا يختلف على حسب الأحوال، فإذا كان القارئ يُستمع له -حوله مَن يستمع له ويستفيد منه- رفع صوته بقدرهم، وإذا كان حوله مُصلون وقرَّاء خفض صوته حتى لا يشغلهم.

.............

3431- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: حدثني سعيد بن المسيب، قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من بني آدم مولودٍ إلا يمسه الشيطان حين يُولد، فيستهل صارخًا من مس الشيطان، غير مريم وابنها»، ثم يقول أبو هريرة: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران:36].

باب وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ۝ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ۝ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:42- 44].

يقال: "يكفل" يضم، "كفلها" ضمَّها، مُخففة، ليس من كفالة الديون وشبهها.

س: أحسن الله إليك، قوله: «..... من مس الشيطان غير مريم وابنها» يدل على أن عيسى ليس له ذُرية ...؟

ج: هو الظاهر؛ لأنه ما تُعرف له ذُرية عليه الصلاة والسلام، قال: وَذُرِّيَّتَهَا [آل عمران:36]، وفسر الذرية بعيسى، ليس لها إلا عيسى، وليس لعيسى ذُرية فيما نُقل.

س: وهذا يدخل فيه الأنبياء أيضًا: عدم مس الشيطان؟

ج: الله أعلم، يحتاج إلى دليلٍ.

س: يعني: عيسى له ذُرية؟

ج: ما بلغنا شيءٌ، أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36] يعني: مريم وعيسى.

س: وإذا نزل في آخر الزمان ما يُولد له؟

ج: ما ورد فيه شيءٌ، ما أعلم فيه شيئًا، ما أعلم أنه ورد أنه يتزوج، وقد قيل في يحيى: حصور: لا يأتي النساء، ويحتمل أن عيسى كذلك، نعم، الله سبحانه أعلم.

وهذه من المناقب، فالمناقب قسمان: مناقب عامَّة، ومناقب خاصَّة، ومناقب الذرية لا تقضي على المناقب العامة، كل نبيٍّ له مناقب، وله فضائل، لكن أفضلهم على الإطلاق أولو العزم، وأفضل أولي العزم محمدٌ ﷺ، ثم إبراهيم عليهم الصلاة والسلام.

س: الوحي لمريم مثل الوحي للأنبياء، أو .....؟

ج: إلهامٌ، معنى الوحي لمريم وللحواريين: إلهام الله لهم أن يفعلوا: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى [القصص:7] كذلك، نعم.

3432- حدثني أحمد ابن أبي رجاء: حدثنا النضر، عن هشامٍ قال: أخبرني أبي، قال: سمعت عبدالله بن جعفر، قال: سمعت عليًّا يقول: سمعت النبي ﷺ يقول: خير نسائها مريم ابنة عمران، وخير نسائها خديجة.

الشيخ: وتقدم ذكر آسية بنت مزاحم كذلك، امرأة فرعون، وأفضل نساء العالم خمسٌ: مريم، وخديجة، وآسية بنت مزاحم -امرأة فرعون- وعائشة، وفاطمة بنت النبي ﷺ، هؤلاء الخمس هن أفضل نساء العالم رحمة الله عليهن.

س: هل صحيحٌ ما ورد أن آسية ومريم تكونان زوجتين للرسول ﷺ في الجنة؟

ج: الله أعلم، ما بلغني شيءٌ يُعتمد عليه.

باب قوله تعالى: إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ إلى قوله: فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:45- 47].

"يَبْشُرُكِ" و"يُبَشِّرُكِ" واحدٌ.

وَجِيهًا شريفًا.

وقال إبراهيم: المسيح: الصديق.

وقال مجاهد: الكهل: الحليم.

الشيخ: أيش قال الشارح على: "يَبْشُرُكِ ويُبَشِّرُكِ"؟ تكلم عليه بشيءٍ؟

القارئ: قوله: "يَبْشُرُكِ ويُبَشِّرُكِ واحدٌ" يعني: بفتح أوله، وسكون الموحدة، وضم المعجمة، وبضم أوله، وفتح الموحدة، وتشديد المعجمة، والأولى -وهي بالتخفيف- قراءة يحيى بن وثاب، وحمزة، والكسائي.

والبشير هو الذي يُخبر المرء بما يسره من خيرٍ، وقد يُطلق في الشر مجازًا.

الشيخ: يكفي، يكفي.

وَجِيهًا شريفًا.

وقال إبراهيم: المسيح: الصديق.

وقال مجاهد: الكهل: الحليم.

والأكمه: مَن يُبصر بالنهار، ولا يُبصر بالليل.

وقال غيره: مَن يُولد أعمى.

3433- حدثنا آدم: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة قال: سمعت مرة الهمداني يُحدث عن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي ﷺ: فضل عائشة على النساء كفضل الثَّريد على سائر الطعام، كمل من الرجال كثيرٌ، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون.

3434- وقال ابن وهب: أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ قال: حدثني سعيد بن المسيب: أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نساء قريشٍ خير نساءٍ ركبن الإبل؛ أحناه على طفلٍ، وأرعاه على زوجٍ في ذات يده، يقول أبو هريرة على إثر ذلك: ولم تركب مريم بنت عمران بعيرًا قط.

تابعه ابن أخي الزهري وإسحاق الكلبي، عن الزهري.

الشيخ: يعني: لم يفضلن عليها؛ لأن مريم لم تركب الإبل، إنما فُضلن على مَن ركب الإبل، هذا مقصود أبي هريرة، فمريم لها فضلها، وهكذا آسية، نعم.

س: عائشة أفضل من خديجة، سلمك الله؟

ج: ظاهر الحديث: فضل عائشة على النساء كفضل الثَّريد على سائر الطعام، ظاهر الخمس أن أفضلهن عائشة.

س: قوله: نساء قريشٍ خير نساءٍ ركبن الإبل، ولم تركب مريم؟

ج: المقصود أنهن لا يفضلن عليها، هي أفضل منهن؛ لأنهن فُضلن على مَن ركب الإبل.

س: هذا يُشعر بأن أبا هريرة يرى أن مريم أفضل؟

ج: هذا مقصوده، مقصوده أن هذا الحديث لا يقتضي تفضيلهن على مريم، وعلى آسية.

س: ..... التفضيل العام يعني؟

ج: ..... نساء قريشٍ خير نساءٍ ركبن المطايا، يعني: مقتضاه أنه يعم مريم وآسية، ولكن ليس بعامٍّ، ثم التفضيل الخاص يقضي على الفضائل العامَّة.

س: جزمه بأنها لم تركب الإبل؟

ج: لعله جاءه من جهةٍ اطمأن إليها.

مداخلة: موجودٌ في شرح الحديث: أنها لم تركب الإبل.

الشيخ: نعم.

باب قوله: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء:171].

قال أبو عبيد: كَلِمَتُهُ كن، فكان.

وقال غيره: وَرُوحٌ مِنْهُ أحياه فجعله روحًا، وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ.

3435- حدثنا صدقة بن الفضل: حدثنا الوليد، عن الأوزاعي قال: حدثني عمير بن هانئ، قال: حدثني جنادة بن أبي أمية، عن عبادة ، عن النبي ﷺ قال: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبدالله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه، والجنة حقٌّ، والنار حقٌّ؛ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل.

قال الوليد: حدثني ابن جابر، عن عمير، عن جنادة. وزاد: من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء.

الشيخ: وهذا يدل على فضل هذه الشهادة العظيمة، وأنها من أسباب دخول الجنة من أي بابٍ شاء، وما ذاك إلا لأن هذه الشهادة تقتضي قيامه بالحق الذي عليه، وتقتضي تركه لما نهى الله عنه؛ فلهذا يستحق هذا الأجر العظيم، والثواب الجزيل، والعاقبة الحميدة: مَن شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعني: شهادةً صادقةً، يعلم أنه لا معبودَ حقّ إلا الله، واستقام على ذلك، وشهد أن محمدًا عبده ورسوله، واستقام على هذه الشهادة بأداء فرائض الله التي جاء بها، وترك المحارم التي نهى عنها، وشهد أن عيسى عبدالله ورسوله، وكلمته، وروحٌ منه، وشهد أن الجنة حقٌّ، والنار حقٌّ؛ أدخله الله الجنة، فالشهادة الصادقة تقتضي العمل.

وهكذا النصوص الأخرى في فضل التوحيد من هذا الباب؛ لأن الشهادة اليقينية الصادقة تقتضي العمل، فيكون أهلها من أهل الجنة والسبق إلى الخيرات، فإذا أصرَّ صاحبها على المعاصي دلَّ على أنه غير صادقٍ فيها الصدق المطلوب، أتى بها ناقصةً؛ فصار تحت المشيئة، ولم يحصل له هذا الوعد: يدخل من أبواب الجنة أيها شاء؛ لكونه انتقصها، ولم يُعطها حقَّها، فمَن أعطى الشهادة حقَّها الذي قال فيه النبي ﷺ: إلا بحقها فاز بالكرامة والسعادة، ومَن أنقصها حقَّها نقص وصار تحت المشيئة، نعم.

س: قوله: أدخله الله الجنة على ما كان من العمل؟

ج: «على ما كان من العمل» يعني: عملًا عظيمًا أو قليلًا، إذا كان سلم من الشرك والمعاصي، نعم، ولو كانت أعماله قليلةً في التطوعات: من صومٍ، وصلاةٍ، ونحو ذلك، إذا سلم من المعاصي، وسلم من الشرك، نعم.

س: بعض الناس إذا نصحناهم قالوا: التقوى هاهنا. يعني: في قلوبهم؟

ج: هذا من الجهل، هذا من الجهل، إذا استقر الإيمان في القلب انقادت الجوارح للأعمال الصالحات، كلما عظمت التقوى في القلب والإيمان انقادت الجوارح، فإذا فعل المعاصي دلَّ على ضعف الإيمان في القلب، نعم.

كلما قوي الإيمان في القلب انقادت الجوارح للعمل الصالح، وكفَّت عن المعاصي.