باب ما جاء في قوله {وهو الذي أرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته}

باب ما جاء في قوله: وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [الفرقان:48]

قَاصِفًا [الإسراء:69] تقصف كل شيءٍ.

لَوَاقِحَ [الحجر:22] ملاقح مُلقحة.

إِعْصَارٌ [البقرة:266] ريحٌ عاصفٌ تهب من الأرض إلى السماء كعمودٍ فيه نارٌ.

صِرٌّ [آل عمران:117] برد.

نَشْرًا [المرسلات:3] متفرقة.

3205- حدثنا آدم: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ قال: نُصرت بالصبا، وأُهلكت عادٌ بالدبور.

3206- حدثنا مكي بن إبراهيم: حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي ﷺ إذا رأى مخيلةً في السماء أقبل وأدبر، ودخل وخرج، وتغير وجهه، فإذا أمطرت السماء سري عنه، فعرفته عائشة ذلك، فقال النبي ﷺ: ما أدري، لعله كما قال قومٌ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} الآية [الأحقاف:24].

الشيخ: والمقصود من هذا أن الواجب على أهل الإيمان الحذر والخوف وعدم الأمن، وأن يكونوا أبدًا في خوفٍ من الله وحذرٍ، واستقامةٍ على طاعة الله، وألا يأمنوا، قال جلَّ وعلا: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك:12]، وقال تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] يخافون ربهم من فوقهم.

فالمؤمن أبدًا في خشية الله، وفي حذرٍ، من غير قنوطٍ، بل خشيةٌ وخوفٌ مع رجاءٍ وحُسن ظنٍّ بالله ، ومما يدل على هذا كونه ﷺ إذا رأى غيمًا أقبل وأدبر، وخرج ورجع، فإذا أمطرت السماء سري عنه، زال عنه الكرب والشدة، وسألته عائشة عن ذلك فقال: إن الله جلَّ وعلا أخبر عن عادٍ قال: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الأحقاف:24]، يخاف أن يُصيبنا ما أصاب غيرنا، وهكذا يكون الخوف من الله والحذر، فمَن استقام على الحذر فعل ما يجب، وترك ما يحرم، وجاهد نفسه في الخير، ومَن أمن أسرف على نفسه، وتساهل بأمر الله، وربما نزلت به الكارثة وهو على غِرَّةٍ وغفلةٍ؛ ولهذا مدح الله الخائفين، وذمَّ الآمنين، وحذَّر من القنوط، وأمر بالرجاء، فالمراتب أربعٌ: رجاءٌ، وأمنٌ، وخوفٌ، وقنوطٌ.

فالمشروع الرجاء من غير أمنٍ، والخوف من غير قنوطٍ، ترجو ربك بحُسن الظن بالله، مع الحذر، ومع الخوف من عقابه، وهذان الأمران يُوجبان أداء ما أوجب، وترك ما حرَّم: الخوف والرجاء يُوجبان عليك أن تدع محارمه، وأن تؤدي فرائضه، وأن تُراقبه سبحانه، بخلاف الأمن والقنوط؛ فالآمن قد أسرف على نفسه، وتعرَّض لغضب الله والخسارة الأبدية، والقانط قد أساء ظنه بربه، وهو سبحانه أرحم الراحمين؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53]، وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:56]، وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87]، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99]، فذمَّ الطرفين، ودعا إلى الوسط؛ ذمَّ الطرفين: الأمن والقنوط، ودعا إلى الوسط، ومدح الوسط، وأمر بالوسط، وهو الخوف والرجاء؛ خوفٌ من غير قنوطٍ، ورجاءٌ من غير أمنٍ.

وهذان الأمران يحملان على أداء الفرائض، وترك المحارم: الرجاء الصادق، والخوف الصادق يحملان على أداء الفرائض، وترك المحارم، والوقوف عند حدود الله، والمسارعة إلى مراضي الله، هكذا يكون الراجي الخائف، بخلاف الآمن فقد هلك؛ لإسرافه على نفسه، وبخلاف القانط فقد ساء ظنه وهلك، نسأل الله السلامة.

س: ما الفرق بين الخشية والخوف؟

ج: الخشية أشد الخوف، خلاصة الخوف، نعم.

باب ذكر الملائكة

وقال أنسٌ: قال عبدالله بن سلام للنبي ﷺ: إن جبريل عليه السلام عدو اليهود من الملائكة. وقال ابن عباسٍ: لَنَحْنُ الصَّافُّونَ [الصافات:165] الملائكة.3207- حدثنا هدبة بن خالد: حدثنا همام، عن قتادة. ح، وقال لي خليفة: حدثنا يزيد بن زريع: حدثنا سعيد وهشام، قالا: حدثنا قتادة: حدثنا أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما قال: قال النبي ﷺ:

بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان -وذكر يعني: رجلًا بين الرجلين- فأُتيت بطستٍ من ذهبٍ، مُلئ حكمةً وإيمانًا، فشق من النحر إلى مراق البطن، ثم غسل البطن بماء زمزم، ثم مُلئ حكمةً وإيمانًا، وأُتيت بدابةٍ أبيض، دون البغل، وفوق الحمار: البراق، فانطلقت مع جبريل حتى أتينا السماء الدنيا، قيل: مَن هذا؟ قال: جبريل. قيل: مَن معك؟ قال: محمدٌ. قيل: وقد أُرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به، ولَنِعْم المجيء جاء. فأتيت على آدم، فسلَّمتُ عليه، فقال: مرحبًا بك من ابنٍ ونبيٍّ.

فأتينا السماء الثانية، قيل: مَن هذا؟ قال: جبريل. قيل: مَن معك؟ قال: محمدٌ. قيل: أُرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء. فأتيت على عيسى ويحيى، فقالا: مرحبًا بك من أخٍ ونبيٍّ.

فأتينا السماء الثالثة، قيل: مَن هذا؟ قيل: جبريل. قيل: مَن معك؟ قيل: محمدٌ. قيل: وقد أُرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء. فأتيت على يوسف، فسلَّمتُ عليه، قال: مرحبًا بك من أخٍ ونبيٍّ.

فأتينا السماء الرابعة، قيل: مَن هذا؟ قال: جبريل. قيل: مَن معك؟ قيل: محمدٌ. قيل: وقد أُرسل إليه؟ قيل: نعم. قيل: مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء. فأتيت على إدريس، فسلَّمتُ عليه، فقال: مرحبًا بك من أخٍ ونبيٍّ.

فأتينا السماء الخامسة، قيل: مَن هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومَن معك؟ قيل: محمدٌ. قيل: وقد أُرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء. فأتينا على هارون، فسلَّمتُ عليه، فقال: مرحبًا بك من أخٍ ونبيٍّ.

فأتينا على السماء السادسة، قيل: مَن هذا؟ قيل: جبريل. قيل: مَن معك؟ قيل: محمدٌ. قيل: وقد أُرسل إليه؟ مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء. فأتيت على موسى، فسلَّمتُ عليه، فقال: مرحبًا بك من أخٍ ونبيٍّ. فلما جاوزتُ بكى، فقيل: ما أبكاك؟ قال: يا رب، هذا الغلام الذي بُعث بعدي يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتي.

فأتينا السماء السابعة، قيل: مَن هذا؟ قيل: جبريل. قيل: مَن معك؟ قيل: محمدٌ. قيل: وقد أُرسل إليه؟ مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء. فأتيت على إبراهيم فسلَّمتُ عليه، فقال: مرحبًا بك من ابنٍ ونبيٍّ.

فرُفع لي البيت المعمور، فسألت جبريل، فقال: هذا البيت المعمور، يُصلي فيه كل يومٍ سبعون ألف ملكٍ، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم.

ورُفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها كأنه قِلال هجر، وورقها كأنه آذان الفيول، في أصلها أربعة أنهارٍ: نهران باطنان، ونهران ظاهران، فسألت جبريل، فقال: أما الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران: النيل، والفرات.

ثم فُرضت عليَّ خمسون صلاةً، فأقبلت حتى جئتُ موسى، فقال: ما صنعتَ؟ قلت: فُرضت عليَّ خمسون صلاةً. قال: أنا أعلم بالناس منك، عالجتُ بني إسرائيل أشد المعالجة، وإن أمتك لا تطيق، فارجع إلى ربك فسله. فرجعت، فسألته، فجعلها أربعين، ثم مثله، ثم ثلاثين، ثم مثله، فجعل عشرين، ثم مثله، فجعل عشرًا، فأتيت موسى، فقال مثله، فجعلها خمسًا، فأتيت موسى فقال: ما صنعتَ؟ قلت: جعلها خمسًا. فقال مثله، قلت: وسلمت، فنُودي: إني قد أمضيتُ فريضتي، وخففت عن عبادي، وأجزي الحسنة عشرًا

.

وقال همام: عن قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ في البيت المعمور.

الشيخ: وهذا الحديث العظيم حديث المعارج، وهو معروفٌ من طرقٍ كثيرةٍ عن النبي ﷺ، حديث الإسراء والمعراج، وهنا ذكر المعراج، وفي الروايات الأخرى الإسراء الذي قال فيه جلَّ وعلا: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الإسراء:1]، وقد أُسري به من مكة إلى المسجد الأقصى، ثم عُرج به إلى السماء على ما ذُكر في هذا الحديث.

وهذه من مناقبه العظيمة عليه الصلاة والسلام، خصَّه الله بهذا الخير العظيم حتى جاوز السبع الطِّباق، ورُفع إلى مستوى أرفع من فوق السماء السابعة، وفي اللفظ الآخر: سمع فيه صريف الأقلام، وفرض الله عليه الصلوات الخمس، وكانت أولًا فُرضت خمسينًا، فلم يزل يُراجع ربه لما أشار عليه موسى بذلك، فشاور جبريل في ذلك فأشار، فلم يزل يُراجع ربه حتى جعلها خمسًا فضلًا منه ، ثم نادى منادٍ: إني قد أمضيتُ فريضتي، قال جلَّ وعلا: إني قد أمضيتُ فريضتي، وخففتُ عن عبادي، فهي خمسٌ، وهي خمسون في أم الكتاب في الفضل والأجر، فهذا من رحمة الله سبحانه وإحسانه وجوده.

وفي هذا بيان أن الأنبياء ردُّوا الرد الحسن؛ آدم قال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح، ويحيى وعيسى ويوسف وإدريس وهارون وموسى كلهم قالوا: مرحبًا بك من نبيٍّ وأخٍ، وفي اللفظ الآخر: بالنبي الصالح والأخ الصالح، وأما إبراهيم فقال مثل آدم: مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح؛ لأنه من ذرية آدم، ومن ذرية إبراهيم.

وفيه فضل هؤلاء الأنبياء والرسل الذين خصَّهم الله برفعهم إلى السماء، هذه الفضائل الخاصة يختص بها من يشاء .

وفيه بيان علو الله وفوقيته سبحانه، فهو فوق العرش، فوق جميع الخلق، وعلمه معهم في كل مكانٍ، لا تخفى عليه خافيةٌ، وهو معهم أينما كانوا بعلمه واطِّلاعه، كما قال تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4] يعني: بعلمه واطِّلاعه ورؤيته وقدرته جلَّ وعلا، وهو فوق العرش، وهو مع أوليائه مع العلم بالحفظ والكلاءة والتأييد والتوفيق، كما قال جلَّ وعلا لموسى وهارون: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، وقال عن نبيه ﷺ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، وقال: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46].

فهو مع أوليائه ورسله المعية الخاصة بالتأييد والنصر والتوفيق والإعانة، مع علمه وإحاطته بأحوالهم من أهل السنة والجماعة، فهما معيتان: معيةٌ عامَّةٌ تقتضي العلم والإحاطة والقدرة، وأنه لا تخفى عليه خافيةٌ، ومعيةٌ خاصةٌ لأولياء الله من الرسل وأتباعهم تقتضي النصر والتأييد والحفظ والكلاءة.

وفيه من الفوائد: فضل جبرائيل، وأنه مُقدَّمٌ على الملائكة في النزول إلى الرسل والرفع عليه الصلاة والسلام.

وفيه الرد على اليهود أعدائه من بني آدم، وأن معاداة الملائكة معاداةٌ لله ، معاداة أوليائه معاداةٌ لله ، ومَن أحب أولياءه فقد أحبه، ومَن عادى أولياءه فقد عاداه.

وفيه من الفوائد: أن هذه السماوات محفوظةٌ، يستأذن جبرائيل -وهو صفوة الملائكة- ويُسأل: لماذا؟ فيقول: معي محمدٌ. ويقولون: قد أُرسل إليه؟ فيقول: نعم، قد أُرسل إليه. فيفتحون، فيقولون: مرحبًا بالنبي الصالح، مرحبًا به، فنعم المجيء جاء.

وفيه فضل البيت المعمور، وأنه بيتٌ عظيمٌ، جاء في الرواية الأخرى: أنه على وزان الكعبة في جهة السماء، لكنه على وزان الكعبة، لو سقط سقط عليها، في السماء السابعة، يدخله كل يومٍ سبعون ألف ملكٍ للعبادة، ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم، وبهذا كم يكون عدد الملائكة؟

كل يومٍ سبعون ألف ملكٍ في هذا البيت يتعبدون، ثم يخرجون ولا يعودون إليه، بل يأتي غيرهم كل يومٍ، كل يومٍ سبعون ألفًا غير الذين جاءوا بالأمس، وهكذا.

فهذا العدد العظيم لا يعلم مقداره إلا الله : ملايين الملايين، وألوف الملايين، لا يُحصيهم إلا الله جلَّ وعلا، هو الذي خلقهم، ويعلم عدتهم .

وفيه من الفوائد: فضل هؤلاء الأنبياء، فضلٌ خاصٌّ: فضل آدم، ويحيى، وعيسى، ويوسف، وإدريس، وموسى، وهارون عليهم الصلاة والسلام، نعم.

مداخلة: أنا عندي في الحديث: فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء: افتح.

الشيخ: نعم، ما هو عندكم؟

القارئ: ما هو بموجودٍ؟

الشيخ: ما تعرَّض له الشارح؟ أول ما وصل إلى السماء؟ الذي عندك أنت أيش؟ قال، أول ما قال، الذي عندك أنت شيخ عبدالعزيز في المتن، أول حاجةٍ.

القارئ: فانطلقت مع جبريل حتى أتينا السماء الدنيا، قيل: مَن هذا؟ قال: جبريل.

الشيخ: فقط؟ هذا الذي عندك؟ هل عندك أنت الزيادة؟

الطالب: إي، نعم: فلما جاء إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء: افتح. قال: مَن هذا؟.

الشيخ: وأيش عندك يا شيخ عمر؟

الشيخ عمر: أحسن الله إليك، قال: وفي رواية أبي ذرٍّ التي مرت في أول الكتاب: فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء: افتح.

الشيخ: صارت روايةً، رواية مَن؟

الشيخ عمر: أبي ذر، أحسن الله إليك.

الشيخ: روايةٌ، نعم.

3208- حدثنا الحسن بن الربيع: حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، قال عبدالله: حدثنا رسول الله ﷺ -وهو الصادق المصدوق- قال: إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مُضغةً مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا، فيُؤمَر بأربع كلماتٍ، ويُقال له: اكتب عمله، ورزقه، وشقيٌّ أو سعيدٌ. ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراعٌ، فيسبق عليه كتابه؛ فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب؛ فيعمل بعمل أهل الجنة.

الشيخ: وهذا هو التقدير العمري؛ لأن التقادير أربعةٌ:

التقدير العام الذي ثبت في حديث عبدالله بن عمرو: أن الله قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء.

وهذا التقدير العمري الذي يُكتب في كتاب العبد وهو في بطن أمه، فالله يخلقه أولًا نطفةً من ماءٍ مهينٍ أربعين يومًا -كما في الرواية الأخرى- ثم تنتقل هذه النطفة إلى علقة دمٍ -قطعة من الدم- ثم بعد الأربعين الثانية تنتقل إلى مُضغةٍ ولحمةٍ، ثم يكون فيها التخطيط هذه اللحمة، فإذا تمَّ خلقه أرسل الله إليه الملك، فينفخ فيه الروح على رأس مئةٍ وعشرين، ويكتب رزقه وأجله وعمله، وشقيًّا أو سعيدًا، فهذا تفصيلٌ من القدر السابق.

وهكذا ما ورد في حديث آدم -إخراج ذريته- هو من التقدير السابق، ولكن هذا التقدير لا ينافي العمل، فالعبد مأمورٌ بالعمل، والقدر ماضٍ عليه.

فعلى المكلَّف أن يؤمن بالقدر، وأن الله قدَّر الأشياء وعلمها، ولا يكون .....، وقد علم كل شيءٍ، وأحصى كل شيءٍ : لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12]، قد علم كل شيءٍ، وأحصى كل شيءٍ، وقدَّر الأشياء جلَّ وعلا، ولكن هذا كله لا يمنع من العمل، بل يجب العمل والجد وطلب الآخرة، وترك ما حرَّم الله، هذا هو الواجب على العبد، والقدر إلى الله: كلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلق له؛ ولهذا لما ذكر النبي ﷺ القدر قال الصحابة: يا رسول الله، ففيمَ العمل؟ إذا كان كل شيءٍ قُدِّر، قالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ وفي اللفظ الآخر: ففيم العمل يا رسول الله؟ قال: اعملوا، فكلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلق له، أما أهل السعادة فيُيسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فيُيسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم تلا النبي ﷺ قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ۝ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ۝ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10].

فالعبد مأمورٌ بالعمل، وقد مضى في علم الله نهايته، ولن يخرج عما قدَّر الله عليه، ولكنه مأمورٌ بالعمل والجد، فيتَّقي الشر ويحذره، ويعمل بالخير ويُسارع إليه، ويلتزم أمر الله، ويحذر مساخط الله، وقد أعطاه الله مشيئةً وإرادةً وقدرةً وعملًا، فعليه أن يعمل: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105]، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة:8]، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:3]، فلهم فعلٌ، ولهم عملٌ، ولهم صنعٌ، ولهم إراداتٌ، فعليهم أن يتَّقوا الله، ويُجاهدوا أنفسهم، ويسألوه التوفيق والهداية.

مداخلة: عندي: ويقال له: اكتب عمله، ورزقه، وأجله.

الشيخ: نعم، عندهم كذلك؟

القارئ: ساقطٌ "أجله"، أحسن الله إليك.

الشيخ: أيش عندك؟

القارئ: عمله، ورزقه، وشقيٌّ أو سعيدٌ.

الشيخ: ساقطٌ عندك "أجله"؟

القارئ: نعم.

الشيخ: لا، هي ثابتةٌ في الحديث، أيش عندك في نسخة العيني؟

الطالب: اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقيٌّ أو سعيدٌ.

الشيخ: تعرَّض لها الشارح هذه النسخة؟ تعرَّض لهذه الرواية، أو ما تعرَّض لها؟ نسخة المتن، المتن في الشرح، الحافظ.

القارئ: قال: سيأتي شرحه في كتاب "القدر".

الشيخ: ضع "نسخة" هنا، وراجعها، وإلا صححها، فهي ثابتةٌ في الحديث.

س: الحديث السابق هل يدل على أن الملائكة أكثر من البشر؟

ج: يظهر منه أنهم أكثر بكثيرٍ، نعم.

3209- حدثنا محمد بن سلام: أخبرنا مخلد: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني موسى بن عقبة، عن نافع قال: قال أبو هريرة : عن النبي ﷺ.

وتابعه أبو عاصم، عن ابن جريج قال: أخبرني موسى بن عقبة، عن نافع، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: إذا أحبَّ الله العبد نادى جبريل: إن الله يُحب فلانًا فأحببه، فيُحبه جبريل، فيُنادي جبريل في أهل السماء: إن الله يُحب فلانًا فأحبوه، فيُحبه أهل السماء، ثم يُوضع له القبول في الأرض.

الشيخ: والضد كذلك، والبغضاء كذلك، كما في الرواية الأخرى، كذا عندك اقتصر على هذا الشق؟ كلكم عندكم هذا؟ ما ذكر: أبغض فلانًا؟

الطالب: لا، ما ذكر.

الشيخ: وكذا عندك في العيني؟

الطالب: ............

الشيخ: الشق الثاني ما نبَّه عليه الشارح؟

الطالب: تكلم عليه، وهو في رواية غيره، يقول -أحسن الله إليك-: وقال الطوفي: ذكر البخاري الحبَّ في كتابه، ولم يذكر البغض، وهو في رواية غيره: وإذا أبغض عبدًا نادى جبريل عليه الصلاة والسلام: إني أبغض فلانًا فأبغضه، قال: فيُبغضه جبريل، ثم يُنادي في أهل السماء: إن الله يُبغض فلانًا فأبغضوه، فيُبغضوه، ثم يُوضع له البغض في الأرض.

قلت: هذا أخرجه الإسماعيلي من طريق روح بن عبادة، عن ابن جريج.

الشيخ: نعم، فقط؟

الطالب: نعم، أحسن الله إليك.

الشيخ: والحافظ ما تعرَّض له؟

الطالب: تكلم عليه.

الشيخ: أيش قال؟

الطالب: قوله: إذا أحب الله العبد ... إلخ، زاد روح بن عبادة، عن ابن جريج في آخره عند الإسماعيلي: وإذا أبغض فمثل ذلك.

وقد أخرجه أحمد، عن روح بدون الزيادة، وسيأتي تمام شرحه في كتاب "الأدب"، إن شاء الله تعالى.

الشيخ: نعم.

3210- حدثنا محمد: حدثنا ابن أبي مريم: أخبرنا الليث: حدثنا ابن أبي جعفر، عن محمد بن عبدالرحمن، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها -زوج النبي ﷺ- أنها سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الملائكة تنزل في العنان -وهو السحاب- فتذكر الأمر قُضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه، فتُوحيه إلى الكهَّان.

الشيخ: قف على هذا.

س: أحسن الله إليك، حديث: سيحون وجيحون والنيل والفرات كلٌّ من أنهار الجنة، ما معناه؟

ج: أنهارٌ في الجنة .....، وهذه الأسماء الأربع على اسمها: النيل، والفرات، وسيحون، وجيحون، على اسمها، وقال جماعةٌ من أهل العلم: إنها منها مما في الجنة، فالله جلَّ وعلا أنزل منها في الأرض .....: سيحون، وجيحون، والنيل، والفرات. وقال بعضهم: إنها وافقتها في الأسماء، وليست منها. وهو محتملٌ، لكنها أنهارٌ عظيمةٌ في الأرض أيضًا.

.............