باب مناقب قريش

باب مناقب قريش

3500- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يُحدث: أنه بلغ معاوية وهو عنده في وفدٍ من قريش: أن عبدالله بن عمرو بن العاص يُحدث: أنه سيكون ملكٌ من قحطان، فغضب معاوية، فقام، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنه بلغني أن رجالًا منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تُؤثر عن رسول الله ﷺ، فأولئك جُهَّالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن هذا الأمر في قريشٍ، لا يُعاديهم أحدٌ إلا كبَّه الله على وجهه، ما أقاموا الدين.

الشيخ: وهذا الشرط: إذا أقاموا الدين، وإذا ما أقاموا الدين فغيرهم أولى.

المقصود أنهم هم الأئمة وملوك الناس: الأئمة من قريشٍ ما أقاموا الدين، فإذا وُجد غيرهم ممن يُقيموا الدين وجب السمع والطاعة، كما قال النبي ﷺ: اسمعوا وأطيعوا وإن تأمَّر عليكم عبدٌ، والله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا [التغابن:16].

فعند الاختيار يختار من قريشٍ الصالح الذي يستقيم، الذي يُقيم أمر الله، ويُرجى فيه الخير، وعندما يغلب غيره ولو كان من غير قريشٍ فالسمع والطاعة واجبةٌ له، وإن كان عبدًا حبشيًّا ما أقام الدين؛ ولهذا تولى على الناس أمراء كثيرون من غير قريشٍ، الذين أقاموا الدين واستقاموا على الحق، فهم الأئمة، والسمع والطاعة واجبةٌ لهم في المعروف.

س: معاوية ..... أن هذا إلى يوم القيامة؟

ج: ..... إذا وجدوا، إذا استقاموا، لكن خروج رجلٍ من قحطان في آخر الزمان من أشراط الساعة، هذا ما هو معناه الجواز، معناه: أنه يقع، هذا واقعٌ.

............

س: الرجل صالحٌ أو فاسدٌ؟

ج: مَن هو؟

س: الرجل الذي من قحطان؟

ج: يحتاج إلى تأملٍ في الروايات، لكن في بعض الروايات: يسوق الناس بعصاه، ذكر أنه ليس بشيءٍ، وأنه جبارٌ، لكن بجمع الروايات يتبين هذا، نعم.

3501- حدثنا أبو الوليد: حدثنا عاصم بن محمد، قال: سمعت أبي، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ قال: لا يزال هذا الأمر في قريشٍ ما بقي منهم اثنان.

س: الخبر بمعنى الأمر هنا؟

ج: نعم، بمعنى الأمر، ما هو بمعنى الواقع، من عهدٍ طويلٍ ليس في قريشٍ، أقول: من عهدٍ طويلٍ ليس في قريشٍ.

3502- حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهابٍ، عن ابن المسيب، عن جبير بن مطعم قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان، فقال: يا رسول الله، أعطيت بني المطلب وتركتنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلةٍ واحدةٍ؟! فقال النبي ﷺ: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيءٌ واحدٌ.

الشيخ: لأنهم ناصروهم في الجاهلية، وفي الإسلام، بنو المطلب ناصروا بني هاشم في الجاهلية والإسلام؛ ولهذا جعل لهم فرقةً في بيت المال دون بني نوفل وبني عبد شمس؛ لأن هؤلاء اشتدت عداوتهم للنبي ﷺ وحاربوه كما قال أبو طالب في شعره:

جزى الله عنا عبد شمس ونوفل عقوبة شرٍّ عاجلٍ غير آجل

لعداوتهم لبني هاشم، وإيذائهم للرسول ﷺ، وهم بنو عمهم.

3503- وقال الليث: حدثني أبو الأسود محمد، عن عروة بن الزبير قال: ذهب عبدالله بن الزبير مع أناسٍ من بني زهرة إلى عائشة، وكانت أرقَّ شيءٍ عليهم؛ لقرابتهم من رسول الله ﷺ.

3504- حدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان، عن سعدٍ، قال يعقوب بن إبراهيم: حدثنا أبي، عن أبيه قال: حدثني عبدالرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة : قال رسول الله ﷺ: قريش، والأنصار، وجهينة، ومزينة، وأسلم، وأشجع، وغفار موالي، ليس لهم مولًى دون الله ورسوله.

الشيخ: لإيمانهم، فكل مؤمنٍ هو وليٌّ لله ورسوله ﷺ، كل مؤمنٍ من الأنصار، ومن قريش، ومن غفار، ومن أسلم، ومن جميع المسلمين هم أولياء الله، وأولياء رسوله ﷺ: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62، 63]، هؤلاء هم أولياء الله، وأولياء رسوله ﷺ، هم أهل الإيمان والتقوى.

ولهذا في الحديث الصحيح يقول النبي ﷺ: إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين، كل مَن آمن بالله، واتَّقاه، واستقام على دينه؛ فهو ولي الله، وإن لم تكن له كرامةٌ، يعني: خارقة، فأولياء الله هم أهل الإيمان والتقوى والاستقامة على الحق، أما أهل الشعوذة والخرافات فهؤلاء هم أولياء الشيطان الذين يلبسون على الناس دينهم بالدعاوى الباطلة، والإعراض عن شريعة الله، والدعوة إلى أن يعبدوا من دون الله، هؤلاء هم ضلال هذه الأمة، وهم أعداؤها، نسأل الله العافية.

س: زيادة: "ومزينة"؟

ج: في عندك: مزينة؟

القارئ: في بعض النسخ.

الشيخ: ما يخالف، مزينة وغيرها، كل مؤمنٍ، نعم.

3505- حدثنا عبدالله بن يوسف: حدثنا الليث، قال: حدثني أبو الأسود، عن عروة بن الزبير قال: كان عبدالله بن الزبير أحبَّ البشر إلى عائشة بعد النبي ﷺ وأبي بكر، وكان أبرَّ الناس بها، وكانت لا تُمسك شيئًا مما جاءها من رزق الله إلا تصدقت، فقال ابن الزبير: ينبغي أن يُؤخذ على يديها. فقالت: أيُؤخذ على يدي؟! عليَّ نذرٌ إن كلَّمته. فاستشفع إليها برجالٍ من قريشٍ، وبأخوال رسول الله ﷺ خاصةً، فامتنعت، فقال له الزهريون -أخوال النبي ﷺ، منهم عبدالرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، والمسور بن مخرمة-: إذا استأذنا فاقتحم الحجاب. ففعل، فأرسل إليها بعشر رقابٍ فأعتقتهم، ثم لم تزل تُعتقهم حتى بلغت أربعين، فقالت: وددت أني جعلت حين حلفت عملًا أعمله فأفرغ منه.

الشيخ: لأن هذا المال ..... أساء إليها بقوله: ينبغي أن يُحجر عليها؛ لأنه رأى أن كثرة صدقاتها نوعٌ من السَّفه، يُحجر عليها، وهذه زلَّةٌ من عبدالله، وعبدالله هو ابن أختها، ابن أسماء، ابن أختها أسماء، وهذه زلَّةٌ منه، لما رأى كثرة عطائها، وما جاءها من بيت المال تصدقت به على الفقراء، وتُعطي، وتُحسن؛ فزلَّ لسانه بقوله: ينبغي أن يُحجر عليها. فلما سمعت هذا نذرت أنها لا تُكلمه أبدًا، يعني: هجرًا له؛ لسوء ما فعل، ثم إنه تشفع فيها الأخيار حتى رضيت، وأعتقت عن يمينها.

س: النذر الآن غير محددٍ؟

ج: أنها لا تُكلمه، في حكم اليمين.

س: أعتقت أربعين؟

ج: رقبةٌ واحدةٌ تكفي، لكن هذا من اجتهادها رضي الله عنها، واستعظامها الأمر، مع أن الهجر لا يجوز أكثر من ثلاثة أيامٍ في حق الإنسان، لكن من شدة غضبها عليه استمرت، وإلا فالهجر في حق المسلم لا يجوز أكثر من ثلاثة أيامٍ إلا إذا كان لطاعة الله، إذا كان في معصيةٍ أو في بدعةٍ يُهجر حتى يتوب؛ لقصة الثلاثة.

س: لو نذرت تُكفِّر؟

ج: تُكفِّر كفَّارة يمينٍ، نعم.

أيش قال الشارح على "الأئمة من قريش" أول الباب؟

القارئ: قوله: "باب مناقب قريش" هم ولد النضر بن كنانة، وبذلك جزم أبو عبيدة، أخرجه ابن سعد عن أبي بكر بن الجهم، وروى عن هشام بن الكلبي، عن أبيه: كان سكان مكة يزعمون أنهم قريش دون سائر بني النضر حتى رحلوا إلى النبي ﷺ، فسألوه: مَن قريش؟ قال: من ولد النضر بن كنانة.

الشيخ: النضر بن كنانة هو جدّ النبي ﷺ الثاني عشر، فإنه محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر، وفهر هو العاشر، والمشهور أنه جد قريش، والنضر بن كنانة جد فهر، وهو الثاني عشر، نعم.

والمحفوظ من أجداده عشرون إلى معد بن عدنان، وما زاد مُختلفٌ في ضبطه، لكنهم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم بين معد بن عدنان، وإسماعيل ستة آباء، أو سبعة، ينتهون إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام.

القارئ: وقيل: إن قريشًا هم ولد فهر بن مالك بن النضر.

الشيخ: يعني: حفيد النضر، الجد العاشر.

القارئ: وهذا قول الأكثر، وبه جزم مصعب، قال: ومَن لم يلده فهر فليس قرشيًّا. وقد قدمت مثله عن ابن الكلبي.

وقيل: أول مَن نُسب إلى قريش قصي بن كلاب، فروى ابن سعد: أن عبدالملك بن مروان سأل محمد بن جبير: متى سُميت قريش: قريشًا؟ قال: حين اجتمعت إلى الحرم بعد تفرقها. فقال: ما سمعت بهذا، ولكن سمعت أن قصيًّا كان يُقال له: القرشي، ولم يُسمّ أحدٌ: قريشًا قبله.

وروى ابن سعد من طريق المقداد: لما فرغ قصي من نفي خزاعة من الحرم تجمعت إليه قريش، فسُميت يومئذٍ: قريشًا؛ لحال تجمعها، والتقرش: التجمع، وقيل: لتلبسهم بالتجارة. وقيل: لأن الجد الأعلى جاء في ثوبٍ واحدٍ مُتجمعًا فيه فسُمي: قريشًا. وقيل: من التقرش، وهو أخذ الشيء أولًا فأولًا.

وقد أكثر ابن دحية من نقل الخلاف في سبب تسمية قريش: قريشًا، ومَن أول مَن تسمَّى به.

وحكى الزبير بن بكار عن عمِّه مصعب: أن أول مَن تسمَّى قريشًا: قريش بن بدر بن مخلد بن النضر بن كنانة، وكان دليل بني كنانة في حروبهم، فكان يقال: قدمت عير قريش، فسُميت قريش به: قريشًا، وأبوه صاحب بدر، الموضع المعروف.

وقال المطرزي: سُميت قريش بدابةٍ في البحر هي سيدة الدواب البحرية، وكذلك قريش سادة الناس، قال الشاعر:

وقريش هي التي تسكن البحـ ـر بها سميت قريشٌ قريشا
تأكل الغثَّ والسمين ولا تتـ ـرك فيه لذي جناحين ريشا
هكذا في البلاد حي قريش يأكلون البلاد أكلًا كميشا
ولهم آخر الزمان نبيٌّ يُكثر القتل فيهم والخموشا

وقال صاحب "المحكم": قريشٌ دابَّةٌ في البحر لا تدع دابَّةً في البحر إلا أكلتها، فجميع الدواب تخافها. وأنشد البيت الأول.

قلت: والذي سمعته من أفواه أهل البحر: "القِرْش" بكسر القاف، وسكون الراء، لكن البيت المذكور شاهدٌ صحيحٌ، فلعله من تغيير العامة.

الشيخ: الذي بعده، أخاف أن يطول، الذي بعده، الكلام في ولايتهم.

القارئ: قوله: "كان محمد بن جبير بن مطعم يُحدث" سيأتي في "الأحكام" الرد على مَن زعم أن الزهري لم يسمعه من المذكور، وأذكر -إن شاء الله- شرح هذه المسألة هناك.

قوله: "من قحطان" هو جماع اليمن، وفي إنكار معاوية ذلك نظر؛ لأن الحديث الذي استدل به مقيدٌ بإقامة الدين، فيحتمل أن يكون خروج القحطاني إذا لم تُقم قريشٌ أمر الدين، وقد وُجد ذلك؛ فإن الخلافة لم تزل في قريشٍ، والناس في طاعتهم إلى أن استخفوا بأمر الدين؛ فضعف أمرهم وتلاشى إلى أن لم يبقَ لهم من الخلافة سوى اسمها المجرد في بعض الأقطار دون أكثرها، وسيأتي مصداق قول عبدالله بن عمرو بعد قليلٍ من حديث أبي هريرة.

وقول عبدالله بن عمرو: "يكون ملكٌ من قحطان" بيَّن نعيم بن حماد في كتاب "الفتن" من وجهٍ قويٍّ عن عمرو بن عقبة بن أوس، عن عبدالله بن عمرو: أنه ذكر الخلفاء، ثم قال: ورجلٌ من قحطان. وأخرجه بإسنادٍ جيدٍ أيضًا من حديث ابن عباسٍ، قال فيه: "ورجلٌ من قحطان"، كلهم صالح.

وروى أحمد والطبراني من حديث ذي مخمر الحبشي مرفوعًا: كان الملك قبل قريشٍ في حمير، وسيعود إليهم.

وقال ابن التين: إنكار معاوية على عبدالله بن عمرو؛ لأنه حمله على ظاهره، وقد يخرج القحطاني في ناحيةٍ، لا أن حكمه يشمل الأقطار. وهذا الذي قاله بعيدٌ من ظاهر الخبر.

الحديث الثاني: قوله: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيءٌ واحدٌ.

الشيخ: يكفي، بركة.

المقصود مثلما تقدم: إنما يأتيهم حيث أمكن ذلك وأقاموا الدين، فإن لم يتيسر ذلك انتقل إلى غيرهم، والله المستعان.

الطالب: القحطاني تكلم عليه المؤلف بعد بابين أو ثلاثة، سيأتي الكلام على القحطاني.

الشيخ: ..... نعم، نعم.

القارئ: باب نزل القرآن بلسان قريش.

الطالب: في بحثٍ -أحسن الله إليك- في الحديث الثالث: لا يزال هذا الأمر في قريشٍ ما بقي منهم اثنان.

الشيخ: يعني: حسب الإمكان.

الطالب: ذكر كلامًا للكرماني.

الشيخ: مَن تكلم؟

الطالب: الشارح.

الشيخ: أيش يقول؟

الطالب: الحديث الثالث حديث ابن عمر: لا يزال هذا الأمر في قريشٍ ما بقي منهم اثنان قال الكرماني: ليست الحكومة في زمننا لقريشٍ، فكيف يُطابق الحديث؟

وأجاب عن ذلك: بأن في بلاد الغرب خليفةً من قريشٍ، وكذا في مصر.

وتُعقب بأن الذي في الغرب هو الحفصي صاحب تونس وغيرها، وهو منسوبٌ إلى أبي حفص رقيق عبد المؤمن صاحب ابن تومرت الذي كان على رأس المئة السادسة ادعى أنه المهدي، ثم غلب أتباعه على معظم الغرب، وسموا بالخلافة، وهم عبد المؤمن وذريته، ثم انتقل ذلك إلى ذرية أبي حفص، ولم يكن عبد المؤمن من قريش، وقد تسمى بالخلافة هو وأهل بيته، وأما أبو حفص فلم يكن يدعي أنه من قريش في زمانه، وإنما ادعاه بعض ولده لما غلبوا على الأمر.

الشيخ: المقصود: "لا يزال فيهم" يعني: هذا خبرٌ معناه الوجوب، يعني: يجب أن تكون فيهم إذا أمكن ذلك، وليس معناه الواقع ..... تغيرت الأحوال، فهذا الأمر من قريش: "لا يزال الأمر في قريشٍ كلها" بمعنى الأمر، خبر بمعنى الأمر، يعني: يجب أن يولوا إذا وُجدوا وصلحوا، يعني: أقاموا الدين، يجب أن تكون فيهم، أما إذا لم يتيسروا، أو لم يُقيموا الدين انتقلت إلى غيرهم، هذا كثيرٌ في النصوص: يأتي الخبر بمعنى الأمر، أو بمعنى النهي، قد يوجد المخبر، وقد لا يوجد، نعم.

باب نزل القرآن بلسان قريش

3506- حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهابٍ، عن أنسٍ: أن عثمان دعا زيد بن ثابت، وعبدالله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيءٍ من القرآن، فاكتبوه بلسان قريشٍ؛ فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا ذلك.

الشيخ: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:195]، الله أكبر، نعم.

باب نسبة اليمن إلى إسماعيل، منهم أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة

3507- حدثنا مسدد: حدثنا يحيى، عن يزيد بن أبي عبيد: حدثنا سلمة قال: خرج رسول الله ﷺ على قومٍ من أسلم يتناضلون بالسوق، فقال: ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميًا، وأنا مع بني فلان لأحد الفريقين، فأمسكوا بأيديهم، فقال: ما لهم؟ قالوا: وكيف نرمي وأنت مع بني فلان؟! قال: ارموا وأنا معكم كلكم.

الشيخ: وهذا فيه دلالةٌ على شرعية النضال والرمي، يتبارون على ذلك، ويتدربون على ذلك؛ لأن الله يقول: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، ويقول النبي ﷺ: ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي.

فالواجب على الشباب والرجال تعلم هذا الشيء، وأن يكونوا أهل بصيرةٍ في هذا الشيء؛ لأن الحاجة قد تدعو، قد تهجم، فيكون عندهم استعدادٌ وأهبةٌ؛ ولهذا قال ﷺ: ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميًا، وقال في تفسير قوله: مِنْ قُوَّةٍ قال: ألا إن القوة الرمي يعني: معظمها وأهمها الرمي: الرمي بالبندق، بالمدفع، بجميع أنواع الرمي، يتعلم أنواع الرمي بكل زمانٍ بحسبه، كل زمانٍ بحسبه، في كل زمانٍ بحسب القوة التي يتعاطونها، في زمن الرسول ﷺ له حالٌ، وفي زماننا له حالٌ.

فالواجب على ولاة أمر المسلمين وعلى المسلمين أن يتعلموا من القوة ما يُعينهم على جهاد أعداء الله، ولا سيما أن العدو قد يهجم، فالإعداد للعدو والإعداد للجهاد أمرٌ لازمٌ؛ ليكونوا على أهبةٍ وعلى استعدادٍ لعدوهم إذا أرادوا الجهاد، أو إذا هجم.

س: الإعداد للوجوب، سلمك الله؟

ج: هذا الظاهر، على الوجوب هذا الأصل، لكن وجوب كفايةٍ.

س: ورد حديثٌ بالأمر لمَن مرَّ بالسوق أن يحمي نبله، وهؤلاء .....؟

ج: وفي المسجد كذلك إذا مرَّ يأخذ بنصالها؛ حتى لا يخدش أحدًا، بل يُمسك أطرافها.

س: والسوق ما ورد؟

ج: والسوق كذلك، السوق والمسجد، الجميع.

س: لكن هؤلاء ينتضلون بالسوق؟

ج: يعني: محلًّا في السوق ما يضر أحدًا، محمولٌ على محلٍّ في الأسواق تكون فيه مجالاتٌ واسعةٌ.

النصوص إذا ورد فيها شيءٌ مُشكلٌ يُحمل على أحد الأمور وأحسنها على الوجه السليم؛ لأنها ما تتناقض، النصوص ما تتناقض، ولا يردّ بعضها بعضًا.

باب

3508- حدثنا أبو معمر: حدثنا عبدالوارث، عن الحسين، عن عبدالله بن بريدة قال: حدثني يحيى بن يعمر: أن أبا الأسود الديلي حدَّثه عن أبي ذرٍّ : أنه سمع النبي ﷺ يقول: ليس من رجلٍ ادَّعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومَن ادَّعى قومًا ليس له فيهم فليتبوأ مقعده من النار.

الشيخ: هذا وعيدٌ عظيمٌ، نسأل الله العافية، نعم.

3509- حدثنا علي بن عياش: حدثنا حريز، قال: حدثني عبدالواحد بن عبدالله النصري، قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: قال رسول الله ﷺ: إن من أعظم الفِرَى أن يدَّعي الرجل إلى غير أبيه، أو يُري عينه ما لم تَرَ، أو يقول على رسول الله ﷺ ما لم يقل.

الشيخ: إشارةٌ على الكذب، ..... الكذب، كونه يدَّعي إلى غير أبيه، أو يُري عينيه ما لم تريا، يقول: رأيت كذا، وهو كاذبٌ، أو يفتري على الرسول ﷺ، هذا من أعظم الجرائم؛ ولهذا يقول ﷺ: مَن قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار، وفي اللفظ الآخر: مَن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار، مَن حدَّث عني بحديثٍ وهو يرى أنه كذبٌ؛ فهو أحد الكاذبين، نسأل الله السلامة.

س: قراءة القرآن كلها على لغة قريش: الأحرف السبعة؟

ج: هو ظاهر ما قال عثمان ، هم خلاصة العرب، والرسول ﷺ منهم، بلسانه، ولسانه لسان قريش.

س: حديث: مَن تعلم الرمي ثم تركه فليس منا يدل على التحريم؟

ج: نعم، نعم.

3510- حدثنا مسدد: حدثنا حماد، عن أبي جمرة قال: سمعت ابن عباسٍ رضي الله عنهما يقول: قدم وفد عبد القيس على رسول الله ﷺ، فقالوا: يا رسول الله، إنا من هذا الحي من ربيعة، قد حالت بيننا وبينك كفار مضر، فلسنا نخلص إليك إلا في كل شهرٍ حرامٍ، فلو أمرتنا بأمرٍ نأخذه عنك ونُبلغه مَن وراءنا. قال: آمركم بأربعٍ، وأنهاكم عن أربعٍ: الإيمان بالله؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تُؤدوا إلى الله خُمس ما غنمتم، وأنهاكم عن الدباء، والحنتم، والنقير، والمزفت.

الشيخ: وهذا كان قبل صلح الحديبية، قبل فرض الحج، وفي الرواية الأخرى: وصيام رمضان، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، هذه أربعٌ، وأداء الخُمس الخامسة.

وكذلك الدباء والحنتم كان هذا أولًا ثم نُسخ، نُسخ ذلك؛ قال ﷺ: كنت نهيتكم عن الانتباذ في الدباء والحنتم، فانتبذوا في كل وعاءٍ، ولا تشربوا مُسكرًا، فأباح الانتباذ بكل وعاءٍ، مع الحذر من شرب المسكر، نعم.

3511- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: حدثني سالم بن عبدالله: أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول وهو على المنبر: ألا إن الفتنة هاهنا يُشير إلى المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان.

الشيخ: وقد صدق عليه الصلاة والسلام، جاءت الفتن من الشرق، غالبها جاء من الشرق، نسأل الله العافية، وجاء من كفار العرب في الجزيرة، والجزيرة من الشرق أيضًا، من أدنى الشرق، كما تقدم: كفار مضر أتباع الإبل عندهم الفخر والخيلاء، وقد نجم فيهم الشرك، ونجم فيهم مسيلمة الكذاب، وحصل منهم ما حصل من الشرور، حتى قاتلهم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.

وهكذا جاءت من المشرق الأقصى غالب الفتن وأكثرها، وقد تأتي من المغرب، ومن الشمال، ومن الجنوب، لكن أكثرها وأساسها من المشرق كما قال عليه الصلاة والسلام: الشيوعية، الجهمية، المعتزلة، القدرية، كلها من هذه الجهات الشرقية، ثم وصلت إلى المسلمين في بغداد، وفي الكوفة، وفي بقية بلاد المسلمين، نعم.

انظر كلامه على بني أسلم من قريش .....

القارئ: أي حديثٍ، أحسن الله إليك؟

الشيخ: بعض المجرمين يعيبون على دعوة الوهابية بأنها من الشرق، وهذا من جهلهم، فالشرق جاء فيه شرٌّ، وجاء فيه خيرٌ، بغداد من الشرق، وبُخارى من الشرق، وكذلك نيسابور ..... من الشرق، لكن المقصود أنها طلعت منه الفتن والشرور، وأخرج الله فيه مَن دعا إلى الهدى ونصر الحق: كالبخاري، ومسلم، وأهل السنن، وغيرهم من أئمة الإسلام، وهكذا مَن خرج من نجدٍ من أهل العلم: كالشيخ محمد بن عبدالوهاب، وغيرهم من أهل العلم ..... من خرج في الكوفة والعراق وبغداد وخراسان من أهل العلم.

فمجيء الفتن من الشرق ليس معناه: أن كل أهل الشرق ضالون، لا، صدرت من عندهم الفتن، وقد وقع في المدينة وفي مكة من الشرور ما وقع، فما ضرَّ أهل المدينة، وما ضرَّ أهل مكة، فوجود كفار قريش في مكة وعداؤهم للنبي ﷺ، وكذلك اليهود في المدينة، وكفار المشركين في المدينة، ثم هدى الله مَن هدى، لكن الجهل والضلال والعناد للحق يحمل أهله على الشر الكثير والكلام الذي لا وجهَ له، نعم.

كذلك كون النبي ﷺ قال: قرن الشيطان من الشرق، وكون من هاهنا من أتباع وأذناب الإبل من ربيعة ومضر، كل هذا واقعٌ، ما هو معناه: كلهم، معناه: وقع فيهم. نعم.

القارئ: قوله: "باب نسبة اليمن إلى إسماعيل" أي: ابن إبراهيم الخليل، ونسبة مضر وربيعة إلى إسماعيل متفقٌ عليها.

وأما اليمن فجماع نسبهم ينتهي إلى قحطان، واختُلف في نسبه؛ فالأكثر أنه ابن عابر بن شالخ بن أرفشخذ بن سام بن نوح، وقيل: هو من ولد هود . وقيل: ابن أخيه. ويقال: إن قحطان أول مَن تكلم بالعربية، وهو والد العرب المتعربة، وأما إسماعيل فهو والد العرب المستعربة، وأما العرب العاربة فكانوا قبل ذلك: كعاد، وثمود، وطسم، وجديس.

الشيخ: وطسم.

س: ينصرف؟

ج: نعم.

القارئ: وعمليق، وغيرهم. وقيل: إن قحطان أول مَن قيل له: أبيت اللعن، وعم صباحًا.

الشيخ: وأنعم صباحًا.

القارئ: وعم.

الشيخ: المعروف: أنعم، ويمكن بعض الناس يختصرها، والأصل: أنعم.

القارئ: وزعم الزبير بن بكار أن قحطان من ذرية إسماعيل، وأنه قحطان بن الهميسع بن تيم بن نبت بن إسماعيل عليه السلام، وهو ظاهر قول أبي هريرة المتقدم في قصة هاجر، حيث قال وهو يُخاطب الأنصار: "فتلك أمكم يا بني ماء السماء"، هذا هو الذي يترجح في نقدي.

الشيخ: ما هو بالحديث هذا، حديث بني سلمة وبني إسماعيل، وهم قحطانيون من جهة أسلم، نعم.

س: "في نقدي" يعني: في نظري؟

ج: في اجتهاده، يعني: اجتهاد الحافظ، يعني: يقول الزبير بن بكار: أنه من بني إسماعيل قحطان، أرجح عند الحافظ.

القارئ: وذلك أن عدد الآباء بين المشهورين من الصحابة وغيرهم وبين قحطان متقاربٌ من عدد الآباء بين المشهورين من الصحابة وغيرهم وبين عدنان، فلو كان قحطان هو هودًا أو ابن أخيه أو قريبًا من عصره لكان في عداد عاشر جدٍّ لعدنان على المشهور أن بين عدنان وبين إسماعيل أربعة آباء أو خمسة.

وأما على القول بأن بين عدنان وإسماعيل نحوًا من أربعين أبًا فذاك أبعد، وهو قولٌ غريبٌ عند الأكثر، مع أنه حكاه كثيرون، وهو أرجح عند مَن يقول: إن معد بن عدنان كان في عصر بختنصر، وقد وقع في ذلك اضطرابٌ شديدٌ واختلافٌ متفاوتٌ، حتى أعرض الأكثر عن سياق النسب بين عدنان وإسماعيل، وقد جمعتُ مما وقع لي من ذلك أكثر من عشرة أقوالٍ.

الشيخ: المقصود أن ظاهر هذا الحديث: "وهم بنو إسماعيل" يؤيد ما قاله الزبير بن بكار، وأن قحطان من جملة بني إسماعيل من العرب المستعربة، وأنهم من مضر، أما ربيعة ..... أنهم من ذرية ..... ربيعة ومضر كلهم يرجعون إلى إسماعيل، يكفي.