باب افتتاح الثانية بالقراءة من غير تعوذ ولا سكتة

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ مباركٍ من دروس "المنتقى".

ضيف اللِّقاء هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

مع مطلع هذا اللِّقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم:

بَابُ افْتِتَاحِ الثَّانِيَةِ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَوُّذٍ وَلَا سَكْتَةٍ

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذا نَهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ افْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ بِـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَمْ يَسْكُتْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: كان عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من السجدة الثانية في الركعة الأولى قام إلى الثانية وشرع في القراءة في المغرب والعشاء والفجر، وهذا هو السنة: إذا نهض من السجدة الثانية إلى الركعة الثانية يشرع في القراءة، لكن يُسمي بينه وبين نفسه؛ لأنَّ التسمية سنة عند قراءة الفاتحة، وعند قراءة كل سورةٍ، وإن استعاذ فلا بأس، وإن كرر الاستعاذة فلا بأس، وإن ترك الاستعاذة فلا بأس، المشروع أن يُسمِّي ثم يقرأ الفاتحة.

س: في هذا الحديث -حديث أبي هريرة- هل فيه إشارة إلى خلافٍ في المسألة؟

الشيخ: بعض أهل العلم يقول: القراءة في الصلاة كأنها شيء واحد، تكفي الاستعاذةُ الأولى؛ لأنَّ القراءة فيها كالشيء الواحد، ومَن كرر فلا بأس؛ لعموم قوله جلَّ وعلا: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل:98]، كل ركعةٍ لها قراءة.

س: سماحة الشيخ، إذا قام إلى الركعة الثانية هل يتعوذ؟

الشيخ: هذا محل البحث، إن تعوَّذ فحسن، وإن ترك فلا بأس، وتكفي التَّسمية، نعم.

س: ومَن حضر والإمام راكع وأدرك الركعةَ الأولى؟

الشيخ: يكفيه، إذا أدركه في الركوع أدرك الركعةَ، مَن أدرك الركوعَ أدرك الركعة.

 

بَابُ الْأَمْرِ بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَسُقُوطِهِ بِالسَّهْوِ

- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إنَّ مُحَمَّدًا ﷺ قَالَ: إذَا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَقُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ لِيَتَخَيَّرَ أَحَدُكُمْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَلْيَدْعُ بِهِ رَبَّهُ  رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

- عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إذَا قُمْتَ فِي صَلَاتك فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ عَلَيْكَ مِنَ الْقُرْآنِ، فَإِذَا جَلَسْتَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَاطْمَئِنَّ وَافْتَرِشْ فَخِذَكَ الْيُسْرَى، ثُمَّ تَشَهَّدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَامَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ، فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، وَسَجَدَهَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ الْجُلُوسِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على شرعية قراءة التحيات بعد كل ركعتين، وهكذا كان يفعل ﷺ، ويقول: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، فإذا صلَّى ركعتين شُرع له الجلوس، يقرأ التحيات، فإذا قرأها: "التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك يا أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله"، إن كان في التشهد الأول قام إلى الثالثة بعد هذا، وإن صلَّى على النبي مع التَّشهد فحسن؛ لعموم الأدلة في الصلاة على النبي ﷺ، أما إن كان في نافلةٍ يُصلي ركعتين، أو في صلاة الفجر أو الجمعة فإنه يأتي بعد الشهادة بالصلاة على النبي ﷺ، ثم بالتَّعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ثم يدعو بما أحبَّ، يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو.

يعني: في التشهد الأخير من الثلاثية والرباعية وتشهد الثنائية -وهي الفجر والجمعة- قبل أن يُسلم يُشرع له الدعاء بعد التشهد وبعد الصلاة على النبي ﷺ، يجتهد في الدعاء.

ومن الدعاء المتأكد: "أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال"، هكذا دلَّت الأحاديثُ، وبعضها يُفسر بعضًا.

والمقصود أنه يُشرع للمؤمن في التَّشهد الأخير الدُّعاء، بعد الصلاة على النبي ﷺ يجتهد في الدعاء قبل أن يُسلم، أما في التشهد الأول فإنه بعدما يتشهد يقوم إلى الثالثة، وإن صلَّى على النبي فهو أفضل، يُصلي على النبي ثم يقوم إلى الثالثة؛ لعموم قوله ﷺ لما قالوا: يا رسول الله، أمرنا الله أن نُصلي عليك، فكيف نُصلي عليك في صلاتنا؟ قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمدٍ، يعني: أُمرنا أن نُصلي عليه عند ذكره عليه الصلاة والسلام، فيُصلي عليه بعد قوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.

وهذه الصلاة واجبة في التَّشهد الأخير، وذهب جماعةٌ إلى أنها ركن في التشهد الأخير، وتُستحب أيضًا في التشهد الأول إذا كان مُنفردًا، أو خلف الإمام وتأخَّر الإمامُ ولم يعجل في الرفع.

والسنة كما جاء في الأحاديث أنه يعتني بهذا التَّشهد -وهو التشهد الأول- فإن تركه ناسيًا سجد للسَّهو، إذا ترك هذا التَّشهد الأول سجد للسَّهو قبل أن يُسلم سجدتين، كما في حديث ابن بحينة: النبي قام في بعض الصَّلوات عن التَّشهد الأول في صلاة الظهر، فلما أراد أن يُسلم سجد سجدتين ثم سلَّم عليه الصلاة والسلام، فهذا هو الحجة في أن مَن ترك التشهد الأول ساهيًا يسجد سجدتين قبل أن يُسلم، سواء كان في الظهر، أو في العصر، أو في المغرب، أو في العشاء.

س: سماحة الشيخ، الحقيقة هناك مسألتان يسأل عنهما كثيرٌ من الإخوة، وهما: لو قام الشخصُ ولم يستتم قائمًا، هل يرجع لقراءة التَّشهد الأول؟

الشيخ: إذا انتبه قبل أن يستتم قائمًا أو نُبِّه يرجع ويأتي بالتَّشهد الأول، أما إذا استتم قائمًا يستمر ويسجد للسهو قبل أن يُسلم.

س: وما الحكم لو استتم قائمًا ثم رجع، وهذا يحصل كثيرًا؟

الشيخ: إن رجع لا حرج، لكن إذا شرع في القراءة لا يرجع.

بَابُ صِفَةِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ

وَمَا جَاءَ فِي التَّوَرُّكِ وَالْإِقْعَاءِ

- عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي: فَسَجَدَ، ثُمَّ قَعَدَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

وَفِي لَفْظٍ لِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلمَّا قَعَدَ وَتَشَهَّدَ فَرَشَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى عَلَى الْأَرْضِ وَجَلَسَ عَلَيْهَا.

- وَعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: إذَا سَجَدْتَ فَمَكِّنْ لِسُجُودِكَ، فَإِذَا جَلَسْتَ فَاجْلِسْ عَلَى رِجْلِكَ الْيُسْرَى رَوَاهُ أَحْمَدُ.

- وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ: أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ رَأَيْتُهُ إذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ، وَلَا قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ الْيُمْنَى، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ سَبَقَ لِغَيْرِهِ بِلَفْظٍ أَبْسَطَ مِنْ هَذَا.

- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ بِـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَكَانَ إذَا رَكَعَ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلكن بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا، وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ، وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ، وَكَانَ يَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ، وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ، وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على شرعية الجلوس مُفترشًا رجله اليسرى، ناصبًا اليمنى بين السجدتين، وفي التشهد الأول، يجلس على رجله اليسرى وينصب اليمنى في حال جلوسه للتشهد الأول وبين السجدتين، أما في التشهد الأخير فإنه يقعد على مقعدته، ويجعل رجله اليسرى من جهة يمينه، يُخرجها من تحت رجله اليمنى، هذا هو السنة من فعله عليه الصلاة والسلام.

وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى عن إقعاء كإقعاء الكلب، وإقعاء الكلب وعقبة الشيطان كونه ينصب ساقيه وفخذيه، ويعتمد على يديه في الجلوس، هذا إقعاء الكلب. وعقبة الشيطان: ينصب فخذيه وساقيه، ويعتمد على يديه في الأرض، هذا هو عقبة الشيطان، وهذا إقعاء الكلب، ينهى عن هذا، ينبغي له إن جلس في التَّشهد الأول أو بين السَّجدتين أن يجلس على رجله اليسرى وينصب اليمنى، هذا هو السنة.

ولا ينقرها كنقرة الغراب: بالعجلة وعدم الطُّمأنينة، ولا يلتفت، يُكثر الالتفات بلا موجبٍ: كالتفات الثعلب، يكون خاشعًا مُطمئنًّا غير مُلتفتٍ إلا إذا دعت الحاجةُ إلى الالتفات، هذا هو المشروع للمُصلي، كما فعله النبيُّ ﷺ.

وإذا ركع اطمأنَّ وسوَّى ظهره، وجعل رأسه حيال ظهره حال ركوعه، هذا هو السنة، ويُمكن يديه من ركبتيه حال الركوع، يعتمد على ركبتيه، ويُمكن يديه من ركبتيه، وفي السُّجود يرفع ذراعيه، يعتمد على كفَّيه في الأرض، ويرفع ذراعيه عن الأرض حال سجوده.

وإذا رفع يديه في حال الركوع وحال تكبيرة الإحرام تكون حيال منكبيه، أو حيال أذنيه، فعل النبي هذا وهذا: تارة يرفعهما حيال منكبيه، وتارة يرفعهما حيال أذنيه عليه الصلاة والسلام؛ عند الركوع، وعند الإحرام، وعند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة، وعند الرفع من الركوع، هذه مواضع رفع اليدين، في أربعة مواضع: عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة.

وكان يختم صلاته بالتَّسليم، التسليم هو النهاية، هو نهايتها: تحريمها التكبير، وتحليلها التَّسليم.

س: يسأل كثيرٌ من الإخوان عن الافتراش والتَّورك: متى يكون الافتراش؟ ومتى يكون التَّورك؟

الشيخ: الافتراش بين السَّجدتين وفي التشهد الأول، والتَّورك يكون في التشهد الأخير في الرباعية والثلاثية، في الأخير يقعد على مقعدته، ويُخرج رجله اليسرى تحت رجله اليمنى، في المغرب والظهر والعصر والعشاء، في التشهد الأخير، أما الافتراش فيكون بين السَّجدتين: يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها في التشهد الأول، وهكذا في تشهد الجمعة والفجر، فإنه ليس لهما إلا تشهد واحد، فيفرش رجله اليسرى ويجلس عليها، وهكذا بين السَّجدتين.

س: ما حكم الجلوس بين القدمين؟

الشيخ: وإذا جلس على عقبيه هذه ذكر ابنُ عباسٍ أنها سنة، والأفضل الافتراش، هذا هو الأفضل، كما في حديث عائشة، وحديث أبي حميد، وإن فرش رجليه وجلس على عقبيه، قال ابن عباسٍ أنها سنة، ولا بأس بها بين السجدتين، ولكن الأفضل أن يفترش اليسرى وينصب اليمنى بين السَّجدتين، هذا هو الثابت في الأحاديث الصَّحيحة.

 

بَابُ ذِكْرِ تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ

- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ التَّشَهُّدَ كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُل: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَذَكَرَهُ، وَفِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَفِي آخِرِهِ: ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ التَّشَهُّدَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَذَكَرَهُ.

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، فَكَانَ يَقُولُ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظِ.

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ كَذَلِكَ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ السَّلَامَ مُنْكَرًا.

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ كَمُسْلِمٍ، لَكِنَّهُ قَالَ: وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بِتَنْكِيرِ السَّلَامِ، وَقَالَا فِيهِ: وَأَنَّ مُحَمَّدًا، وَلَمْ يَذْكُرَا: أَشْهَدُ، وَالْبَاقِي كَمُسْلِمٍ.

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ كَذَلِكَ، لَكِنْ بِتَعْرِيفِ السَّلَامِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ كَمُسْلِمٍ، لَكِنَّهُ نَكَّرَ السَّلَامَ وَقَالَ: وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

الشيخ: هذه الأحاديث تدل على شرعية قراءة التَّحيات في الصلاة في كل ركعتين كما تقدم، وأصحّها حديث ابن مسعود في "الصحيحين"، ولفظه: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ -بالتعريف، تعريف السلام، السلام- عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

ثم يقوم للثالثة في الرباعية والثلاثية، وإن صلَّى على النبي ثم قام فلا بأس، أما في الرباعية وفي الثلاثية -كالمغرب- يُكمل، يُصلي على النبيِّ ﷺ، ثم يدعو: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال"، ويجتهد في الدعاء قبل أن يُسلم في الركعة الأخيرة: الثالثة من المغرب، والرابعة من الظهر والعصر والعشاء، وهكذا في قراءة التَّحيات في الفجر والجمعة؛ لأنَّها ما فيها إلا تشهد واحد بعد الصلاة على النبيِّ ﷺ، يجتهد في الدعاء، ويتعوذ بالله من أربعٍ.

وفي حديث ابن عباسٍ زيادة: المباركات، التَّحيات لله، الصلوات الطيبات المباركات، ولعله فعله النبيُّ في بعض الأحيان، فإنَّ حديث ابن مسعودٍ وما جاء في معناه أصحّ، فإذا لم يذكرها فلا بأس، وإن ذكرها كما في حديث ابن عباسٍ: التحيات المباركات، الصلوات الطيبات فلا بأس بذلك، زيادة ثقة مقبولة؛ ولأنَّ النبي فعلها بعض الأحيان عليه الصلاة والسلام.

وفيه السلام عليك أيها النبي، وفي بعضها تنكير السلام: سلام، هذا مع تنكيره: سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، ولكن التَّعريف كما في حديث ابن مسعودٍ أفضل: السلام يعني: السلام المعروف، وهو السلام من الله جلَّ وعلا: السلام عليك أيها النبي بالتعريف بأل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، هذا هو الأفضل.

وفي التشهد الأخير يُكثر من الدُّعاء بعد الصلاة على النبيِّ ﷺ، وبعد التَّعوذ بالله من أربعٍ يُكثر من الدعاء، يقول: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك، اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم"، كل هذا كان علَّمه النبيُّ أصحابه، وأمرهم ألا يدعوا في كل تشهد: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك"، وقال للصديق لما قال الصديقُ: يا رسول الله، علِّمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوبَ إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم.

وكان ﷺ في التَّشهد الأخير يقول: اللهم اغفر لي ما قدمتُ وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ، وما أسرفتُ وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.

ويقول أيضًا في التشهد الأخير قبل أن يُسلم: اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أُرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر.

وإن دعا بغير هذا فكله حسن؛ لقوله في حديث ابن مسعودٍ: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو، فلو دعا بقوله: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم أصلح قلبي وعملي، اللهم اغفر لي ولوالدي"، إذا دعا بدعوات طيبة فلا بأس قبل أن يُسلم.

س: إذًا الإنسان مُخير بأن يدعو بهذه الصيغ، يقول هذا تارةً، وهذا تارة؟

الشيخ: نعم، نعم.

س: يسأل كثير من الإخوان حول التَّشهد الأول: هل يقف عندما يقول: "وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله" في التشهد الأول؟

الشيخ: إن شاء قام، وإن شاء صلَّى على النبي ﷺ، والصلاة على النبي أفضل.

 

بَابٌ فِي أَنَّ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ فَرْضٌ

- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَقُولُوا هَكَذَا، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَذَكَرَهُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

وهذا يدل على أنه فرض عليهم.

- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إلَّا بِتَشَهُّدٍ. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي "سُنَنِهِ"، وَالْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ".

الشيخ: هذا يدل على وجوب التَّشهد، وأنه لا بدّ منه، وأنه فرضٌ من فروض الصلاة؛ لقوله ﷺ: صلوا كما رأيتُموني أُصلي، وقول ابن مسعودٍ: "كنا نقول قبل أن يُفرض علينا التَّشهد"، فالتَّشهد فرض، التشهد الأول والتشهد الأخير، والتشهد الأخير آكد، فالواجب على المصلي أن يأتي بهما جميعًا؛ لأنَّ الرسول ﷺ أتى بهما وقال: صلوا كما رأيتُموني أُصلي، ولما ترك التَّشهد الأول نسيانًا سجد للسهو عليه الصلاة والسَّلام.

 

بَابُ الْإِشَارَةِ بِالسَّبَّابَةِ وَصِفَة وَضْعِ الْيَدَيْنِ

- عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّهُ قَالَ فِي صِفَةِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ثُمَّ قَعَدَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ وَرُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَجَعَلَ حَدَّ مِرْفَقِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ قَبَضَ ثِنْتَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ، وَحَلَّقَ حَلقَةً، ثُمَّ رَفَعَ أُصْبُعَهُ، فَرَأَيْتُهُ يُحَرِّكُهَا يَدْعُو بِهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَرَفَعَ أُصْبُعَهُ الْيُمْنَى الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ فَدَعَا بِهَا، وَيَدُهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ، بَاسِطُهَا عَلَيْهَا.

وَفِي لَفْظٍ: كَانَ إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ، وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

الشيخ: هذه السنة في جلوسه للتَّشهد: يضع يديه على فخذيه، أو على ركبتيه، النبي ﷺ كان يفعل هذا تارة، وهذا تارة: إما وضع يده اليسرى على طرف فخذه وعلى ركبته، وبسطها عليها، وربما بسطها على فخذه، وربما قبض بها على ركبته اليسرى عليه الصلاة والسلام، أما اليمنى بين السَّجدتين فيضعها على ركبته اليمنى، وأما في حال التَّشهد فيضعها على فخذه، ويقبض الخنصر والبنصر، ويُحلق الإبهام والوسطى، ويُشير بالسبابة في بعض الأحيان، وفي بعض الأحيان يقبضها كلها، كما في حديث ابن عمر، ويُشير بالسبابة عند التَّشهد، كله سنة: إذا قبضها كلها إلا السبابة سنة، وإن حلَّق الإبهام مع الوسطى وأشار بالسبابة سنة، فعل النبي هذا وهذا، أما اليسرى فيجعلها على فخذه اليسرى، أو على فخذه وركبته، أطرافها على ركبته اليسرى؛ لفعله عليه الصلاة والسلام، هذا هو المشروع.

س: سماحة الشيخ، تحريك الأصبع تُثير جدلًا بين بعض الناس؟

الشيخ: السنة يُحركها عند الدعاء: كان إذا دعا حرَّكها -أصبعه- كما قال ابن الزبير.

 

بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ

- عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْك، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وَلِأَحْمَدَ فِي لَفْظٍ آخَرَ نَحْوُهُ، وَفِيهِ: فَكَيْف نُصَلِّي عَلَيْك إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا فِي صَلَاتِنَا؟

- وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا أَوْ عَرَفْنَا كَيْفَ السَّلَامُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، إلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ فِيه: "عَلَى إبْرَاهِيمَ" فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُر: "آله".

- وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: عَجِلَ هَذَا، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ مَا شَاءَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على شرعية الصلاة على النبي ﷺ بعد التشهد؛ لأن بشير بن سعد سأل النبيَّ عن ذلك، قال: كيف نُصلي عليك في صلاتنا؟ قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما صليتَ على آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما باركت على آل إبراهيم، في العالمين، إنك حميد مجيد.

ولما سأله سكت النبيُّ ﷺ، ولعله سكت حتى يُوحى إليه، في انتظار الوحي.

وفي حديث كعب بن عجرة: قولوا: اللهم صلِّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما صليتَ على آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

وجاء في الصحيح جمعًا بين الآل: بين إبراهيم وآله، كما قال: اللهم صلِّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما صليتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما باركتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وهذه أكملها، أكمل الصلاة أن تجمع بين محمدٍ وآله، وبين إبراهيم وآله، كما جاء في "صحيح مسلم"، وفي رواية البخاري أيضًا.

وفي رواية أبي حميدٍ عند البخاري: اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى أزواجه وذُريته، كما صليتَ على آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ وعلى أزواجه وذريته، كما باركتَ على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وكله حقٌّ، هذا نوعٌ، وهذا نوعٌ، والمهم أن يأتي بالصلاة على النبي ﷺ بعد الشَّهادتين، بعد قوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبد الله ورسوله. يأتي بالصلاة، ثم يأتي بالتَّعوذ من الأربع: أعوذ بالله من عذاب جهنم .. إلى آخره، ويجتهد في الدعاء بعد ذلك قبل أن يُسلم، هكذا شرع الله لنبيه ﷺ.

المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.