القسامة في الجاهلية

القسامة في الجاهلية

3845- حدثنا أبو معمر: حدثنا عبدالوارث: حدثنا قطن أبو الهيثم: حدثنا أبو يزيد المدني، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: إن أول قسامةٍ كانت في الجاهلية لفينا بني هاشم؛ كان رجلٌ من بني هاشم استأجره رجلٌ من قريشٍ من فَخِذٍ أخرى، فانطلق معه في إبله، فمرَّ رجلٌ به من بني هاشم قد انقطعت عروة جَوَالِقه، فقال: أغثني بعِقالٍ أشد به عروة جوالقي؛ لا تنفر الإبل. فأعطاه عِقالًا فشدَّ به عروة جوالقه، فلما نزلوا عقلت الإبل إلا بعيرًا واحدًا، فقال الذي استأجره: ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل؟ قال: ليس له عِقالٌ. قال: فأين عِقاله؟ قال: فحذفه بعصا كان فيها أجله، فمرَّ به رجلٌ من أهل اليمن، فقال: أتشهد الموسم؟ قال: ما أشهد، وربما شهدته. قال: هل أنت مُبلغٌ عني رسالةً مرةً من الدهر؟ قال: نعم. قال: فكتب إذا أنت شهدت الموسم فنادِ: يا آل قريش، فإذا أجابوك فنادِ: يا آل بني هاشم، فإن أجابوك فسل عن أبي طالب فأخبره: أن فلانًا قتلني في عِقالٍ. ومات المستأجَر.

فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال: ما فعل صاحبنا؟ قال: مرض، فأحسنتُ القيام عليه، فوليتُ دفنه. قال: قد كان أهل ذاك منك. فمكث حينًا، ثم إن الرجل الذي أوصى إليه أن يُبلغ عنه وافى الموسم، فقال: يا آل قريش. قالوا: هذه قريش. قال: يا آل بني هاشم. قالوا: هذه بنو هاشم. قال: أين أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب. قال: أمرني فلانٌ أن أُبلغك رسالةً: أن فلانًا قتله في عِقالٍ. فأتاه أبو طالب فقال له: اختر منا إحدى ثلاثٍ: إن شئتَ أن تُؤدي مئةً من الإبل؛ فإنك قتلتَ صاحبنا، وإن شئتَ حلف خمسون من قومك: إنك لم تقتله، فإن أبيتَ قتلناك به.

فأتى قومه فقالوا: نحلف. فأتته امرأةٌ من بني هاشم كانت تحت رجلٍ منهم، قد ولدت له، فقالت: يا أبا طالب، أُحب أن تُجيز ابني هذا برجلٍ من الخمسين، ولا تصبر يمينه حيث تُصبر الأيمان. ففعل، فأتاه رجلٌ منهم فقال: يا أبا طالب، أردتَ خمسين رجلًا أن يحلفوا مكان مئةٍ من الإبل، يُصيب كل رجلٍ بعيران، هذان بعيران فاقبلهما عني، ولا تصبر يميني حيث تُصبر الأيمان. فقبلهما، وجاء ثمانيةٌ وأربعون فحلفوا.

قال ابن عباسٍ: فوالذي نفسي بيده، ما حال الحول ومن الثمانية وأربعين عينٌ تطرف.

الشيخ: الله المستعان، الترجمة باب؟

القارئ: باب القسامة في الجاهلية.

الشيخ: نعم، قد أقرَّها الإسلام لما فيها من المصالح العظيمة، نعم.

وهذه القسامة هي: أن يُقتل إنسانٌ ويُشتبه في أمر قاتله، فلأولياء المقتول أن يحلفوا، إذا لم يحلف المتهمون خمسين يمينًا، في الأول يبدأ بالمتهمين أن يحلفوا خمسين يمينًا أنهم ما قتلوا، ولا يعلمون قاتلًا، فإن نكلوا حلف المدعون خمسين يمينًا، واستحقوا دم صاحبهم إذا كان هناك لوث تهمةٍ لها أسبابٌ.

وقد قضى بهذا النبي ﷺ في أهل خيبر -اليهود في خيبر- لما وُجد عبدالله بن سهل قتيلًا طالب أولياؤه به: أخوه عبدالرحمن بن سهل، وابنا عمه: مُحيِّصَة وحُوَيِّصَة، فقال: تُبرئكم يهود بخمسين يمينًا، قالوا: يا رسول الله، قومٌ كفَّارٌ. لما قال لهم: تحلفون؟ قالوا: ما نحلف. قال: يُقسم خمسون منكم على رجلٍ منهم فيُدْفَع برُمَّته، قالوا: كيف نحلف ولم نشهد ولم نلقَ؟! قال: تُبرئكم يهود بخمسين يمينًا.

والحاصل: إذا كان المقتول بينه وبين القاتل لوثٌ، متَّهمون به بالعداوة ونحوها مما يغلب الظن؛ فإن أصحاب القتيل يحلفون خمسين يمينًا فيستحقون دم صاحبهم، تكون بمقام البينة، فإن نكلوا حلف لهم المدَّعى عليهم خمسين يمينًا وبرئوا.

واللَّوث يكون بالعداوة المعروفة، ويكون بأسبابٍ أخرى، مثل: يشهد عليه نساءٌ، جماعةٌ من النساء أنه قتله، أو صبيانٌ يشهدون أنه قتله، أو يشهد ناسٌ أنهم رأوه قتيلًا، وبيد الشخص المتهم سكينٌ أو سيفٌ أو شيءٌ مما يُقتل به، كل هذه من أسباب التُّهمة، ومما يغلب الظن أنه قاتلٌ؛ حتى يتسنى لهم أن يحلفوا.

س: إذا حلف الجميع، هؤلاء وهؤلاء كلهم حلفوا؟

ج: لا، يبدأ بأيمان المدَّعين، فإذا نكلوا ينتقل إلى المدَّعى عليهم.

س: ويثبت القصاص لو حلف خمسون؟

ج: نعم، يثبت القصاص، قال النبي ﷺ: يُقسم خمسون منكم على رجلٍ منهم فيُدْفَع برُمَّته. نعم.

س: خمسون يمينًا من خمسين رجلًا؟

ج: خمسون يمينًا من خمسين رجلًا إذا كان العصبة كثيرين، وإذا كانوا قليلين فعلى قدرهم: إن كانوا اثنين فكل واحدٍ خمسًا وعشرين، وإن كانوا أربعةً فكل واحدٍ ثلاثة عشر، ويجبر الكسر .....، وإذا كانوا عشرةً فكل واحدٍ يحلف خمس أيمانٍ، وهكذا.

س: يحلف أصحاب القتيل؟

ج: أولياء القتيل، العصبة.

س: إذا كان أولياء المقتول كفارًا، فهل يحلفون ويُقبل منهم الحلف؟

ج: إيه، ليس لهم إلا هذا، إذا لم يحلف المدَّعون حلف المدَّعى عليهم، مثل: لو ادَّعيت عليه بعيرًا أو شاةً، ما يُقبل يمينه؟ لو ادَّعى إنسانٌ على كافرٍ -يهودي أو نصراني أو غيرهما- قال: إنه سرق مني شاةً أو بعيرًا. ما له إلا يمينٌ إذا كان ما عنده بينةٌ. نعم.

س: لو كان العصبة كثيرين، لكن لم يقم بالدعوى إلا عشرةٌ فقط، يُكلَّفون بخمسين يمينًا؟

ج: إيه، خمسون يمينًا.

س: إذا كان المدَّعى عليهم كفارًا، ولهم دينٌ يدينون به ويُعظِّمونه، هل يحلفون بهذا الدين الذي يدينونه؟

ج: لا، يحلفون بالله، لا يمين إلا بالله.

س: إذا حلفوا إذا علموا شخصًا بعينه، أو يقولون: قتيلنا عندكم؟

ج: لا بد أن يُعيِّنوا شخصًا، مثلما قال: على رجلٍ منهم واحد.

س: عند وجود شبه بينةٍ؟

ج: إذا كانت بينةٌ ما يُحتاج إلى أيمانٍ، إذا كانت بيناتٌ يا ولدي ما يُحتاج إلى أيمانٍ، هذا عند عدم البينات. نعم.

س: إذا كان المعلوم على مَن يتقدم بالحلف أنهم يكذبون في الأيمان، فهل تُقبل منهم؟

ج: تُقبل منهم أيمانهم ولو كانوا كفارًا، هذه من رحمة الله بعباده؛ حتى لا تقع فتنةٌ، إذا لم تُقبل منهم قد تقع فتنةٌ ويقتتلون جميعًا، تقع دماءٌ كثيرةٌ، فالله جلَّ وعلا حكيمٌ عليمٌ، في القسامة حقنٌ للدماء، يُقتل واحدٌ أحسن من فتنةٍ تقوم بينهم فيُقتل فيها عشراتٌ أو مئاتٌ. نعم.

3846- حدثني عبيد بن إسماعيل: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم بُعاث يومًا قدَّمه الله لرسوله ﷺ، فقدم رسول الله ﷺ وقد افترق ملؤهم، وقُتلت سَرَوَاتهم، وجُرحوا، قدَّمه الله لرسوله ﷺ في دخولهم في الإسلام.

الشيخ: وهذا من رحمة الله؛ إرهاصًا وتسهيلًا وتيسيرًا لهم وللنبي ﷺ، الأنصار: الأوس والخزرج كانت بينهم عداواتٌ وحَزَازاتٌ وفتنٌ، وكان يوم بُعاث يومًا لهم قبل الهجرة بمدةٍ يسيرةٍ، صارت فيه مقتلةٌ عظيمةٌ بينهم: يوم بُعاث، فصار هذا إرهاصًا لمجيئه ﷺ، ومن أسباب قبولهم له ﷺ، وإيوائهم له، واجتماعهم على نُصرته، وأزال الله ما بينهم من الشر. نعم.

تكلم عندك على يوم بُعاث؟

القارئ: تقدم شرحه في أول مناقب الأنصار، وأنه كان قبل البعث على الراجح.

الشيخ: أيش عندك في العيني؟

الطالب: قال: تقدم.

س: القسامة كانوا يعرفونها، أو هي من أبي طالب؟

ج: هم يعرفونها في الجاهلية، نعم.

س: في القسامة متى يُنصح الرجل أن يقسم؟ كيف يقسم الرجل إذا صارت فيه شبهةٌ؟

ج: يقول: والله إن القاتل فلانٌ.

س: لكن متى يُقسم؟

ج: عند الحاكم.

س: وإذا كان غير مُتأكدٍ؟

ج: إذا غلب على ظنه بالعلامات يُقسم ولا بأس.

س: وإذا صار مُخطئًا ما عليه ذنبٌ؟

ج: إذا أقسم على غلبة الظن ما عليه شيءٌ. نعم.

الطالب: أحسن الله إليك، ذكر العيني: قوله: "بُعاث" بضم الباء الموحدة، وتخفيف العين المهملة، وفي آخره ثاءٌ مُثلثةٌ، وهو يومٌ من أيام الأوس والخزرج معروفٌ.

وقال العسكري: روى بعضهم عن الخليل بن أحمد بالغين المعجمة.

وقال أبو منصور الأزهري: صحَّفه ابن المظفر، وما كان الخليل ليخفى عليه هذا اليوم؛ لأنه من مشاهير أيام العرب، وإنما صحَّفه الليث وعزاه إلى الخليل نفسه، وهو لسانه.

وذكر النووي أن أبا عبيدة معمر بن المثنى ذكره أيضًا بغينٍ مُعجمةٍ.

وحكى القزاز في "الجامع": أنه يُقال بفتح أوله أيضًا.

وذكر عياض: أن الأصيلي رواه بالوجهين، يعني: بالعين المهملة والمعجمة، وأن الذي وقع في رواية أبي ذرٍّ بالغين المعجمة وجهًا واحدًا، وهو مكانٌ، ويُقال: إنه حصنٌ على ميلين من المدينة.

وقال ابن قرقول: يجوز صرفه وتركه.

قلتُ: إذا كان اسم يومٍ يجوز صرفه، وإذا كان اسم بقعةٍ يُترك صرفه؛ للتأنيث والعلمية.

وقال أبو موسى المديني: "بُعَاث" حصنٌ للأوس.

وقال ابن قرقول: وهو على ليلتين من المدينة، وكانت به وقعةٌ عظيمةٌ بين الأوس والخزرج، قُتل فيها كثيرٌ منهم، وكان رئيس الأول فيه حُضير والد أُسَيد بن حُضير، وكان يُقال له: حُضير الكتائب، وكان فارسهم، ويقال: إنه ركز الرمح في قدمه يوم بُعاث، وقال: أترون أني أفر؟! فقُتل يومئذٍ، وكان له حصنٌ منيعٌ يُقال له: واقم.

وكان رئيس الخزرج يومئذٍ عمرو بن النعمان البياضي، وكان ذلك قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل: بأربعين سنةً. وقيل: بأكثر من ذلك.

وقال في "الواعي": بقيت الحرب بينهم قائمةً مئةً وعشرين سنةً حتى جاء الإسلام.

وفي "الجامع": كأنه سُمي "بُعاثًا" لنهوض القبائل بعضها إلى بعضٍ.

وقال أبو الفرج الأصبهاني: إن سبب ذلك أنه كان من قاعدتهم: أن الأصيل لا يُقتل بالحليف، فقتل رجلٌ من الأوس حليفًا للخزرج، فأرادوا أن يقيدوه فامتنعوا، فوقعت بينهم الحرب لأجل ذلك.

قوله: "يومًا قدَّمه الله لرسوله" أي: قدَّم ذلك اليوم لأجل رسول الله ﷺ، إذ لو كان أشرافهم أحياء لاستكبروا عن مُتابعة رسول الله ﷺ، ولمنع حُب رياستهم عن دخول رئيسٍ عليهم، فكان ذلك من جملة مُقدمات الخير.

وذكر أبو أحمد العسكري في كتاب "الصحابة": قال بعضهم: كان يوم بُعَاث قبل قدوم النبي ﷺ بخمس سنين.

قوله: "فقدم رسول الله ﷺ" أي: المدينة، "وقد افترق".

الشيخ: يكفي، يكفي، الأقرب -والله أعلم- أنه قريبٌ؛ ولهذا صار توطئةً وتهيئةً لاجتماعهم، فقول مَن قال أنها خمس سنين قد يكون أقرب. نعم.

3847- وقال ابن وهب: أخبرنا عمرو، عن بكير بن الأشج: أن كُريبًا -مولى ابن عباسٍ- حدَّثه: أن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: ليس السعي ببطن الوادي بين الصفا والمروة سنة، إنما كان أهل الجاهلية يسعونها ويقولون: لا نُجِيز البطحاء إلا شَدًّا.

3848- حدثنا عبدالله بن محمد الجعفي: حدثنا سفيان: أخبرنا مطرف: سمعتُ أبا السفر يقول: سمعتُ ابن عباسٍ رضي الله عنهما يقول: يا أيها الناس، اسمعوا مني ما أقول لكم، وأسمعوني ما تقولون، ولا تذهبوا فتقولوا: قال ابن عباسٍ، قال ابن عباسٍ. مَن طاف بالبيت فليطُف من وراء الحجر، ولا تقولوا: الحطيم؛ فإن الرجل في الجاهلية كان يحلف فيُلقي سَوطه، أو نعله، أو قوسه.

الشيخ: أيش قال عليه؟

ويُسمى "الحطيم" لأنه محطومٌ من الكعبة، لما قصرت بهم النَّفقة حطموه، أخرجوه، أي: الحجر، وكانت قريش جمعت مالًا طيبًا لعمارة البيت، وقالوا: لا يدخل فيه ربا، ولا مهور البغايا، ولا غيرها من الأكساب الرديئة. وجمعوا أموالًا طيبةً لعمارة البيت، فقصرت النفقة؛ فأخرجوا الحجر، وكان ذلك قبل المبعث بخمس سنين، قبل أن يُوحى إلى النبي ﷺ بخمس سنين؛ ولهذا قال ﷺ: صلوا في الحجر؛ فإنه من البيت، وطاف من وراء الحجر عليه الصلاة والسلام؛ لأنه من البيت، مُعظمه من البيت من عند المنحنى، نعم.

القارئ: قوله: "ولا تقولوا: الحطيم" في رواية سعيد بن منصور، عن خديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن أبي السفر في هذه القصة: فقال رجلٌ: ما الحطيم؟ فقال ابن عباسٍ: إنه لا حطيم، كان الرجل ... إلخ.

زاد أبو نُعيم في "المستخرج" من طريق خالد الطحان، عن مطرف: فإن أهل الجاهلية كانوا يُسمونه –أي: الحجر- الحطيم، كانت فيه أصنام قريشٍ.

وللفاكهي من طريق يونس بن أبي إسحاق، عن أبي السفر نحوه، وقال: كان أحدهم إذا أراد أن يحلف وضع مِحْجَنه ثم حلف، فمَن طاف فليطُف من ورائه.

قوله: "كان يحلف" بالحاء المهملة الساكنة، وتخفيف اللام المكسورة، وفي رواية خالد الطحان المذكورة: "كان إذا حُلِّف" بضم المهملة، وتشديد اللام، والأول أوجه، والمعنى: أنهم كانوا إذا حالف بعضهم بعضًا ألقى الحليف في الحِجْر نعلًا، أو سوطًا، أو قوسًا، أو عصًا؛ علامةً لقصد حِلفهم، فسمّوه: "الحطيم" لذلك؛ لكونه يحطم أمتعتهم، وهو فعيل بمعنى: فاعل.

ويحتمل أن يكون ذلك كان شأنهم إذا أرادوا أن يحلفوا على نفي شيءٍ.

وقيل: إنما سُمي "الحطيم" لأن بعضهم كان إذا دعا على مَن ظلمه في ذلك الموضع هلك.

وقال ابن الكلبي: سُمي الحِجْر حطيمًا لما تحجر عليه، أو لأنه قصر به عن ارتفاع البيت وأُخرج عنه، فعلى هذا فعيل بمعنى: مفعول، أو لأن الناس يحطم فيه بعضهم بعضًا من الزحام عند الدعاء فيه.

وقال غيره: "الحطيم" هو بئر الكعبة التي كان يُلقى فيها ما يُهدى لها.

وقيل: "الحطيم" بين الركن الأسود والمقام.

وقيل: من أول الركن الأسود إلى أول الحِجْر يُسمَّى: الحطيم.

وحديث ابن عباسٍ حُجَّة في ردِّ أكثر هذه الأقوال.

زاد في رواية خديج: "ولكنه الجَدْر" بفتح الجيم، وسكون المهملة، وهو من البيت.

ووقع عند الإسماعيلي والبرقاني في آخر الحديث عن ابن عباسٍ: وأيما صبيٍّ حجَّ به أهله فقد قضى حجَّه ما دام صغيرًا، فإذا بلغ فعليه حجَّةٌ أخرى، وأيما عبدٍ حجَّ به أهله. الحديث.

وهذه الزيادة عند البخاري أيضًا في غير "الصحيح"، وحذفها منه عمدًا؛ لعدم تعلُّقها بالترجمة، ولكونها موقوفةً، وأما أول الحديث فهو وإن كان موقوفًا من حديث ابن عباسٍ، إلا أن الغرض منه حاصلٌ بالنسبة لنقل ابن عباسٍ ما كان في الجاهلية مما رآه النبي ﷺ فأقرَّه أو أزاله، فمهما لم يُنكره واستمرت مشروعيته فيكون له حكم المرفوع، ومهما أنكره فالشرع بخلافه.

الشيخ: العيني أيش قال في الحطيم؟

الطالب: نفس الكلام، أحسن الله إليك.

الشيخ: المقصود أن تسميته بالحطيم أراد ابن عباسٍ ألا يُشبه بما يفعله الجاهليون، وإلا فمعنى "الحطيم" معروفٌ؛ لأنه حطم من الكعبة بسبب تقصير النفقة، والنبي ﷺ سمَّاه "الحِجْر"، قال لعائشة: صلِّي في الحِجْر؛ فإنه من البيت؛ لأنه محجورٌ تابعٌ للبيت، "حجر" بمعنى: محجور.

الطالب: العيني ذكر قال: وقيل: "الحطيم" ما بين الحجر الأسود والمقام. وقيل: من زمزم إلى الحجر يُسمَّى: حطيم.

الشيخ: هذا يُسمَّى لأنها تحطم به الذنوب بالتوبة والاستغفار، لكن المشهور أن الحطيم نفس الحجر.

س: مَن لم يطُف من وراء الحجر هل يُعيد الطواف؟

ج: يُعيد، نعم، ما صحَّ الطواف، نعم.

س: قول ابن عباسٍ: "ليس السعي ببطن الوادي بين الصفا والمروة سنة"؟

ج: هذا رأيه، والصواب أنه سنة، مثلما قال فيما تقدم: صدقوا وكذبوا؛ صدقوا أنه سعي، وكذبوا أنه سنة، والصواب أنه سنة؛ لأن النبي ﷺ سعى في بطن الوادي، خفي على ابن عباسٍ رضي الله عنهما، نعم.

س: هل حصل مقصود النبي ﷺ من جعل بابين للكعبة ..... الحجر؟

ج: قال: لولا أن قومك حديثو عهدٍ بكفرٍ لنقضتُ الكعبة، وترك ذلك تأليفًا للقلوب، ولم يفعله ﷺ، بل أقرَّها على ما كانت في الجاهلية، ولما تولى ابن الزبير هدم ما يتعلق بالحجر، وأدخل الحجر؛ عملًا بحديث عائشة، لكن لما تولى عبدالملك بن مروان، وقُتل ابن الزبير، أعادها على حالتها في الجاهلية، وبقي على حاله الآن، وكره العلماء أن يُتعرض له؛ لئلا يكون لعبةً للناس، للملوك، وبقي على حاله، نعم.

س: الصلاة داخل البيت؟

ج: سنة، مُستحبة.

س: ولو فريضة؟

ج: الفريضة من خارج، النبي ﷺ صلَّى الفرائض من خارج، والصحيح أنها تصح لو صلَّى الفريضة، لكن الذي ينبغي أن تكون صلاة الفريضة في الخارج -خارج الكعبة-؛ خروجًا من الخلاف، نعم.

س: إذا صلَّاها داخل الكعبة تصح؟

ج: الصواب أنها تصح، لكن الأولى أن يُصليها خارجًا، إنما يُصلي النافلة في الحجر وفي الكعبة، النافلة.

مداخلة: عفا الله عنك، الحافظ ذكر هنا أن ابن عباسٍ لم يرد أصل السعي، وإنما أراد شدة العدو؟

الشيخ: هذا هو مراده، لكن خفيت عليه السنة، غلط في هذا ابن عباسٍ، فالسنة ثابتةٌ أنه سعى ﷺ كما في حديث جابرٍ وغيره.

س: ما دليل المانعين من صلاة الفريضة في الكعبة؟

ج: يقولون: لأن الواجب استقبالها في الفريضة، لا الصلاة فيها، الواجب استقبالها، هذه شُبهتهم، والذي صلَّى فيها مُستقبلًا لجزءٍ منها ما يضر، مثلما صحَّت النافلة. نعم.

س: لو قال قائلٌ: إن هاجر ..... السعي بين الصفا بين العلمين؟

ج: لا، ما هي بالأسوة، الأسوة النبي ﷺ، الله قال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ ما قال: في هاجر، قال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فالنبي ﷺ سعى لما هبطت قدمُه في بطن الوادي فقط، ومشى في البقية.

س: ولا تقولوا: الحطيم؟

ج: يعني: لا تُشبهوه بما يحطمه الجاهلية، هذا قصده، وإذا سمَّاه "الحطيم" بمعنى: أنه محطومٌ من الكعبة؛ ما فيه بأسٌ هذا المعنى. نعم.

س: تسميته "بحِجْر إسماعيل" له أصلٌ؟

ج: ما أعرف له أصلًا، أقول: ما أعرف له أصلًا، وقد يكون ممن وهم في بعض التأريخ: أن إسماعيل دُفن فيه، لكنه لا أصلَ له، لا صحةَ له، بعض التأريخ يقول: إن إسماعيل دُفن في الحِجْر، لكنه لا أصلَ له؛ لأن الحِجْر من البيت، وإنما أُخرج في عهد قريشٍ، قد يكون هذا هو .....، ولكن نقول: لا صحةَ له، نعم.

إسماعيل وغيره من الأنبياء لا تُعرف قبورهم، جميع الأنبياء لا تُعرف قبورهم، ما عدا قبر نبينا محمدٍ ﷺ، والبقية جميع الأنبياء أخفى الله قبورهم رحمةً من الله؛ حتى لا يقع غلوٌّ ..... قبر النبي ﷺ هو المعروف، وقبر إبراهيم في مغارةٍ هناك، لكنه غير مُعينٍ، في الخليل، لكن غير مُعينٍ، غير معروفٍ بعينه. نعم.

3849- حدثنا نعيم بن حماد: حدثنا هشيم، عن حصين، عن عمرو بن ميمون قال: رأيت في الجاهلية قِرْدَةً اجتمع عليها قِرَدةٌ، قد زنت، فرجموها، فرجمتُها معهم.

الشيخ: الله المستعان، الله أكبر، أيش قال المحشي عليه: الشارح؟ وأيش يدري عمرو بن ميمون أنها زنت؟!

القارئ: قوله: "رأيتُ في الجاهلية قِرْدَةً" بكسر القاف، وسكون الراء، واحدة: القرود.

وقوله: "اجتمع عليها قِرَدَةٌ" بفتح الراء، جمع قردٍ.

وقد ساق الإسماعيلي هذه القصة من وجهٍ آخر مُطولة من طريق عيسى بن حطان، عن عمرو بن ميمون قال: كنتُ في اليمن في غنمٍ لأهلي، وأنا على شرفٍ، فجاء قردٌ مع قردةٍ فتوسد يدها، فجاء قردٌ أصغر منه فغمزها؛ فسلَّت يدها من تحت رأس القرد الأول سلًّا رقيقًا، وتبعته، فوقع عليها وأنا أنظر، ثم رجعتْ فجعلت تُدخل يدها تحت خدِّ الأول برفقٍ؛ فاستيقظ فزعًا، فشمَّها، فصاح؛ فاجتمعت القرود، فجعل يصيح ويُومئ إليها بيده، فذهب القرود يمنةً ويسرةً، فجاءوا بذلك القرد أعرفه، فحفروا لهما حفرةً، فرجموهما، فلقد رأيتُ الرجم في غير بني آدم.

قال ابن التين: لعل هؤلاء كانوا من نسل الذين مُسِخُوا، فبقي فيهم ذلك الحكم. ثم قال: إن الممسوخ لا ينسل.

قلت: وهذا هو المعتمد؛ لما ثبت في "صحيح مسلم": أن الممسوخ لا نسلَ له، وعنده من حديث ابن مسعودٍ مرفوعًا: إن الله لم يُهلك قومًا فيجعل لهم نسلًا.

وقد ذهب أبو إسحاق الزجاج وأبو بكر بن العربي إلى أن الموجود من القردة من نسل الممسوخ، وهو مذهبٌ شاذٌّ، اعتمد مَن ذهب إليه على ما ثبت أيضًا في "صحيح مسلم": أن النبي ﷺ لما أُتي بالضَّبِّ قال: لعله من القرون التي مُسِخَت، وقال في الفأر: فُقدت أُمَّةٌ من بني إسرائيل، لا أراها إلا الفأر.

وأجاب الجمهور عن ذلك بأنه ﷺ قال ذلك قبل أن يُوحى إليه بحقيقة الأمر في ذلك.

الشيخ: ولهذا ثبت أنه ﷺ أخبر أن الممسوخ لا يعيش أكثر من ثلاثة أيام، المسخ يموت، ما يبقى، ولا ينسل، والقردة أمةٌ من الأمم، والخنازير، والكلاب، كلها أمةٌ من الأمم التي خلقها الله جلَّ وعلا.

والقردة أشبه الناس ببني آدم، ولهم عجائب وغرائب، وعندهم غيرةٌ، حدَّثني بعض أبناء غامد بأشياء عجيبةٍ عن أحوال القردة هناك؛ منها: أن قردًا مع قردةٍ كبار السن، كانت في محلٍّ مُعينٍ، فجاء القرد الذي هو صاحبها فشمَّها -شمَّ فرجها- فأحس أنها قد أُتيت؛ فضربها وقتلها، ثم جعل يتبع الأثر الذي جاءها، فلم يزل يتبع أثره حتى وجده وقتله، نعم، بعضها أَغْيَر من بعض بني آدم، نسأل الله السلامة.

س: الحديث يقول: "كل واحدٍ منكم في ثغرٍ من ثغور الإسلام، فالله الله أن يُؤتى الإسلام من قِبَله"، ثابتٌ؟

ج: نعم، نسأل الله أن يجعلنا ممن يغار على دين الله وينصره، نعم.

3850- حدثنا علي بن عبدالله: حدثنا سفيان، عن عبيدالله، سمع ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: خِلالٌ من خِلال الجاهلية: الطعن في الأنساب، والنياحة. ونسي الثالثة، قال سفيان: ويقولون: إنها الاستسقاء بالأنواء.

الشيخ: قد جاء في حديث أبي مالك الأشعري: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: أربعٌ في أمتي من أمور الجاهلية: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة.

وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ أنه قال: ثنتان في الناس هما بهم كفرٌ: الطعن في النَّسب، والنياحة على الميت، نعم.

باب مبعث النبي ﷺ

محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مُرَّة بن كعب بن لُؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

الشيخ: هذا هو النسب المضبوط، هذا المحفوظ من نسبه ﷺ، والبقية فيه اختلافٌ إلى إسماعيل، لكنهم أجمعوا على أنه من ولد إسماعيل، إلا أنهم اختلفوا فيما بين عدنان وإسماعيل من الأجداد، فهو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. عشرون جدًّا، ثم حصل الاختلاف فيما بعد ذلك، نعم، وكلهم مُجمعون على أنه من ولد إسماعيل بن إبراهيم، بين عدنان وبين إسماعيل قيل: خمسة. وقيل: ستة. وقيل غير ذلك. نعم.

3851- حدثنا أحمد ابن أبي رجاء: حدثنا النضر، عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: أُنزل على رسول الله ﷺ وهو ابن أربعين، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنةً، ثم أُمِرَ بالهجرة؛ فهاجر إلى المدينة، فمكث بها عشر سنين، ثم تُوفي ﷺ.

الشيخ: عن ثلاثٍ وستين، توفي عن ثلاثٍ وستين عليه الصلاة والسلام، نعم.

س: كل الأنبياء ينزل عليهم الوحي في سنِّ الأربعين؟

ج: ما أدري، الله أعلم، يحيى وعيسى أُوحي إليهما وهما دون ذلك، وهما صغارٌ: يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام، نعم.

باب ما لقي النبي ﷺ وأصحابه من المشركين بمكة

3852- حدثنا الحميدي: حدثنا سفيان: حدثنا بيان وإسماعيل، قالا: سمعنا قيسًا يقول: سمعتُ خبابًا يقول: أتيتُ النبي ﷺ وهو مُتوسِّدٌ بُردةً، وهو في ظلِّ الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدةً، فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله؟! فقعد وهو مُحْمَرٌّ وجهه، فقال: لقد كان مَن قبلكم ليُمْشَط بمِشَاط الحديد ما دون عظامه من لحمٍ أو عصبٍ، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويُوضع المنشار على مَفْرِق رأسه، فيُشَقّ باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، ولَيُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله، زاد بيان: والذئب على غنمه.

الشيخ: المقصود أنه ﷺ حثَّهم على الصبر، لا بد من الصبر: أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، بيَّن لهم أن مَن قبلنا أصابتهم شدائد وصبروا، فلكم بهم أسوةٌ، اصبروا، ولا بد أن يتم هذا الدين ويظهر، وقد تمَّ وظهر -والحمد لله- وحقق الله ما قاله عليه الصلاة والسلام، نعم.

س: استخدام الواو في قوله: والذئب، ولم يقل: ثم؟

ج: قد يحتج بهذا مَن يرى الجواز، لكن هذا قديمٌ، هذا قاله النبي ﷺ ونُسخ بالأدلة الأخرى؛ لأن هذا قاله في مكة، والأحكام استقرت وانتشرت وثبتت في المدينة.

3853- حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عبدالله قال: قرأ النبي ﷺ النجم فسجد، فما بقي أحدٌ إلا سجد، إلا رجلٌ رأيته أخذ كفًّا من حصا فرفعه فسجد عليه، وقال: هذا يكفيني، فلقد رأيته بَعْدُ قُتِلَ كافرًا بالله.

الشيخ: علَّق عليه: أمية بن خلف؟

الطالب: قوله: "إلا رجل" هو أمية بن خلف، وقيل: الوليد بن المغيرة.

الشيخ: المشهور أنه أمية، قُتل يوم بدر، والوليد ما قُتل، أمية بن خلف. نعم.

3854- حدثني محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبدالله قال: بينا النبي ﷺ ساجدٌ، وحوله ناسٌ من قريشٍ، جاء عقبة بن أبي معيط بسَلَى جزورٍ فقذفه على ظهر النبي ﷺ، فلم يرفع رأسه، فجاءت فاطمة عليها السلام فأخذته من ظهره، ودعت على مَن صنع، فقال النبي ﷺ: اللهم عليك الملأ من قريشٍ: أبا جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، أو: أبي بن خلف -شعبة الشَّاك-، فرأيتهم قُتلوا يوم بدر، فأُلقوا في بئرٍ، غير أمية بن خلف -أو أبي- تقطعت أوصاله؛ فلم يُلْقَ في البئر.

الشيخ: وهؤلاء قُتلوا يوم بدر لخُبثهم، إلا أبي بن خلف قُتل يوم أحد، قتله النبي يوم أحدٍ بنفسه عليه الصلاة والسلام، أما أمية وابنه علي فقُتلا يوم بدر مع أبي جهل، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأُلقوا في القليب؛ قليب بدر.

س: أمية وابنه؟

ج: أمية وابنه قُتلا يوم بدر، أما أبي بن خلف أخوه فهذا قُتل في يوم أحد، جاء إلى النبي ﷺ وقال: أين محمد؟ أين محمد؟ لأقتلنَّه. فقال النبي ﷺ: بل أنا أقتله، إن شاء الله، فلما دنا من النبي ﷺ رأى النبيُّ ﷺ فُرجةً في درعه، ما غطَّاها الدرع، فطعنه فيها النبي ﷺ؛ فسقط قتيلًا بطعنةٍ خفيفةٍ، والله المستعان، نعم، وأمية والد صفوان الذي توقف في الإسلام يوم الفتح، ثم هداه الله وأسلم، أخو علي، ولد أمية. نعم.

3855- حدثنا عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن منصور: حدثني سعيد بن جبير، أو قال: حدثني الحكم، عن سعيد بن جبير قال: أمرني عبدالرحمن بن أبزى قال: سَل ابن عباسٍ عن هاتين الآيتين ما أمرهما: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الأنعام:151]، وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا [النساء:93]؟ فسألتُ ابن عباسٍ، فقال: لما أُنزلت التي في الفرقان قال مُشركو أهل مكة: فقد قتلنا النفس التي حرَّم الله، ودعونا مع الله إلهًا آخر، وقد أتينا الفواحش. فأنزل الله: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ الآية [مريم:60]، فهذه لأولئك، وأما التي في النساء: الرجل إذا عرف الإسلام وشرائعه ثم قُتل فجزاؤه جهنم. فذكرته لمجاهد فقال: إلا مَن ندم.

الشيخ: وهذا هو الصواب: مَن تاب تاب الله عليه، من قتلٍ وغيره، الشرك أعظم الذنوب، ومَن تاب تاب الله عليه، وهكذا القتل، مَن تاب تاب الله عليه، نعم؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ، نعم.

3856- حدثنا عياش بن الوليد: حدثنا الوليد بن مسلم: حدثني الأوزاعي: حدثني يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم التيمي قال: حدثني عروة بن الزبير، قال: سألتُ ابن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيءٍ صنعه المشركون بالنبي ﷺ. قال: بينا النبي ﷺ يُصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكرٍ حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن النبي ﷺ، قال: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ الآية [غافر:28].

تابعه ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عروة، عن عروة، قلت لعبدالله بن عمرو. وقال عبدة: عن هشام، عن أبيه: قيل لعمرو بن العاص. وقال محمد بن عمرو: عن أبي سلمة: حدثني عمرو بن العاص.

الشيخ: وكان عقبة هذا ابن أبي معيط شديد العداء للنبي ﷺ في مكة، وهكذا النضر بن الحارث، كانا شديدي العداء، فلما نصر الله نبيَّه على المشركين يوم بدرٍ كانا أسيرين مع الأسارى: عقبة والنضر، فلما انتهت الحرب أمر النبي ﷺ بضرب أعناقهما، وطلبا منه العفو، فلم يعفُ عنهما؛ لشدة أذاهما له في المدينة، هكذا نطقها الشيخ: "المدينة"، ولعله يقصد مكة، فضُربت أعناقهما صبرًا بين يدي النبي ﷺ في يوم بدر، والحمد لله الذي أقرَّ العين بقتلهما. نعم.

س: عفا الله عنك، قراءة الرسول ﷺ في مكة؟

ج: في مكة، نعم، قبل الهجرة؛ ولهذا لما سمعوا .....

س: ..... صاحب الكبيرة أنه يُكفره؟

ج: لا، ما هو بلازمٍ، ما هو بلازمٍ هذا، ظن أن هذا الجزاء ما فيه حيلةٌ، وغلط ابن عباسٍ، فالذي عليه الجمهور أن توبته مقبولةٌ، وكل إنسانٍ يُخطئ ويُصيب، ما هناك معصومٌ، كل عالمٍ يُخطئ ويغلط، ابن عباسٍ وغيره.

س: قول عائشة رضي الله عنها للنبي ﷺم: هل مرَّ عليك يومٌ هو أشد عليك من أحدٍ؟ قال: نعم، حينما أخرجه قومه، وما استفاق إلا وهو في قرن الثعالب. كيف الجمع بين هذا وبين حديث عائشة؟

ج: فيما يتعلق بالأذى الذي أصابه بذاته، أصابه في ذاته، وما أصابه من التعب والحزن الكثير على إيذائهم، وعلى بُعدهم من الخير من هذا الوجه. نعم.

س: حديث الغرانيق ضعيفٌ؟

ج: فيه خلافٌ؛ منهم مَن صححه، ومنهم مَن ضعَّفه، والقرآن يدل على أن أصله صحيحٌ: إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [الحج:52] في تلاوته، سواءٌ فرضنا الغرانيق أو غيرها، المقصود أن الشيطان ألقى في تلاوة النبي ﷺ، ثم أزال الله ذلك وأوضح الحقَّ ، نعم.

س: البخاري في "الأدب المفرد" روى أثرًا عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما صحيحًا: أنه أفتى مَن قتل نفسًا بأن يبرَّ أمه؟

ج: ما في بأس.

س: ما يدل على رجوعه؟

ج: الله أعلم.