باب {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا}

باب {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة:240]

4536- حدثني عبدالله بن أبي الأسود: حدثنا حميد بن الأسود ويزيد بن زريع، قالا: حدثنا حبيب بن الشهيد، عن ابن أبي مليكة قال: قال ابن الزبير: قلتُ لعثمان: هذه الآية التي في البقرة: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} إلى قوله: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة:240] قد نسختها الأخرى، فلِمَ تكتبها؟ قال: تدعها! يا ابن أخي، لا أُغير شيئًا منه من مكانه. قال حميد: أو نحو هذا.

الشيخ: والمقصود أن الله جلَّ وعلا أوجب على المتوفى عنهن أن يتربصن أربعة أشهرٍ وعشرًا، وأما الآية الأخرى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة:240] فهذه منسوخةٌ بالآية التي قبلها، وليس للورثة وصيةٌ، بل على المرأة أن تتربص أربعة أشهرٍ وعشرًا -إذا كانت غير حُبلى- في البيت الذي توفي زوجها وهي ساكنةٌ فيه؛ لحديث فريعة بنت مالك، ثم تزوجت متى شاءت، وهذه المدة لو لم تعلم إلا بعد مُضيها انتهت، لو مات الزوج ولم تعلم إلا بعد مضي ... قد خرجت من العدة.

والحكمة في ذلك -والله أعلم- أن الأربعة الأشهر يتبين فيها الحمل ويتضح إن كان هناك حملٌ، والعشر فيها مزيد حيطةٍ لبراءة الرحم وحق الميت، وعليها أن تُراعي في ذلك ما جاءت به الأدلة، فهي خمسة أمورٍ:

الأمر الأول: بقاؤها في البيت؛ لحديث فريعة، قال لفريعة بنت مالك: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله» يعني: حتى تُكملي أربعة أشهرٍ وعشرًا.

الأمر الثاني: أن تكون في الملابس العادية، لا تجمل، تكتفي بالملابس العادية من غير زينةٍ.

الثالث: ترك الحلي.

والرابع: عدم الطِّيب إلا إذا طهرت من حيضها.

كل هذا جاء في حديث أم عطية وغيرها.

والخامس: عدم التكحل والحناء.

هذه خمسة أمورٍ تُراعيها المحادَّة في مدة العدة، والواجب عليها بقاؤها في بيت زوجها الذي مات وهي ساكنةٌ فيه إذا تيسر ذلك، أما إذا لم يتيسر بأن كان البيت مُستأجرًا، وأبى أهله إلا الخروج، أو خرب، أو لم تستطع البقاء فيه لوحشةٍ؛ لكونها لا ناس عندها يُؤنسونها، أو أسباب أخرى، وإلا فالواجب بقاؤها فيه مع القدرة؛ لحديث فريعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لما استأذنته أن تخرج من بيت زوجها قال: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله»، وقضى به عثمان وغيره من الصحابة.

س: ..... الحناء؟

ج: لأنه جمالٌ، تجمل في اليدين أو الرِّجلين، وبهما جميعًا.

س: الكبيرة في السن التي لا ترجو نكاحًا، هل لها عِدَّة إذا تُوفي عنها زوجها؟

ج: العجوز وغيرها كلهن سواء، سواء العِدة للعجوز وغير العجوز: أربعة أشهر وعشرًا، نعم.

س: والحُبْلَى؟

ج: الحبلى وضع الحمل: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4]، هذا في المطلقة والمتوفى عنها، متى وضعت الحمل خرجت من العِدَّة.

 

باب {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقرة:260]

4537- حدثنا أحمد بن صالح: حدثنا ابن وهب: أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، عن أبي سلمة وسعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260]».

الشيخ: وهذا من باب تواضعه عليه الصلاة والسلام، وهو أفضل الناس، وأكمل الناس إيمانًا، وهذا الشك عبارةٌ عن المرتبة التي بين عين اليقين وعلم اليقين، فإبراهيم أراد المرتبة التي فوقها، وهي عين اليقين، المشاهدة، عنده علم اليقين؛ ولهذا قال لما قال له: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى} مؤمنٌ مُصَدِّقٌ، ولكن يُحب مرتبةً عُليا، وهي المشاهدة، فأراه الله مُشاهدة إحياء الموتى، وهذه المرتبة أطلق عليها النبي صلى الله عليه وسلم: الشك.

فإن المعلومات ثلاثة أقسامٍ: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين.

{وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الحاقة:51، 52]، علم اليقين: الأخبار الصادقة، كأخبار الرسل، وأخبار الصادقين، هذا علم اليقين، وعين اليقين: المشاهد، كون الإنسان يُشاهد فلانًا دخل البيت الفلاني، فلان فعل كذا، فلان ركب المطية الفلانية، فلان تصدق بكذا، يُشاهده، هذا عين اليقين، مثل: الوادي، شاهد الوادي مشى، وادي السيل والنهر يراه، يرى الدابة ترعى، هذا حق اليقين، كونه يُباشر ذلك، ومنه دخول الجنة حق اليقين، ودخوله للسيل، ولمسه للسيل، لمسه للدابة فوق علم اليقين، وفوق عين اليقين، كونه يرى، ويُشاهد، ويلمس، ويُباشر ..... نعم.

س: بالنسبة للمُحادَّة استعمال الزيت؛ الدهن؟

ج: الدهن ما فيه شيءٌ، كون المحادَّة تستعمل الزيت أو غيره من الأدهان للحاجة ليس من الطِّيب، نعم، وهذا (الشامبو) وأشباهه، السدر و(الشامبو) وأشباهه، أما الطِّيب ما يُعدّ طيبًا: كماء الورد، والعنبر، والمسك، وأشباه ذلك مما هو طِيبٌ: البخور، نعم.

 

باب قوله: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة:266].

4538- حدثنا إبراهيم: أخبرنا هشام، عن ابن جريج: سمعت عبدالله بن أبي مليكة يُحدِّث عن ابن عباسٍ قال. وسمعتُ أخاه أبا بكر بن أبي مليكة يُحدِّث عن عبيد بن عمير قال: قال عمر رضي الله عنه يومًا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فيمَ ترون هذه الآية نزلت: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ}؟ قالوا: الله أعلم. فغضب عمر، فقال: قولوا: نعلم، أو لا نعلم. فقال ابن عباسٍ: في نفسي منها شيءٌ يا أمير المؤمنين. قال عمر: يا ابن أخي، قُلْ ولا تحقر نفسك. قال ابن عباسٍ: ضُربت مثلًا لعملٍ. قال عمر: أي عملٍ؟ قال ابن عباسٍ: لعملٍ. قال عمر: لرجلٍ غنيٍّ يعمل بطاعة الله عزَّ وجلَّ، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله.

{فَصُرْهُنَّ} قطعهن.

الشيخ: نعم، وهذا كثيرٌ، والأخطر والأعظم من ذلك: الكفر، مثل صاحب الجنة التي فيها الخير الكثير، ثم أصابها إعصارٌ فيه نارٌ، ثم احترقت، ومَن يود هذه الجنة؟! ذهبت عليه، هكذا مَن كانت له أعمالٌ صالحةٌ، ثم أتى بالكفر بالله وبالردة؛ بطلت أعماله وصار إلى النار، نعوذ بالله، نعم.

س: غضب عمر عندما قال الصحابة: الله أعلم؟

ج: يقول: قولوا: نعلم، أو ما نعلم. لا تقولوا: الله أعلم، بيِّنوا الذي عندكم، يعني: شاركوا في العلم، يقول: أعلم، أو لا أعلم. هذا مُراده، يعني: وضِّحوا، شاركوا في الخير، وابحثوا، نعم.

وفي هذا من الفوائد أيضًا: أن أهل العلم إذا اجتمعوا وطلبة العلم يكون بينهم البحث والمذاكرة في العلم، كما فعل عمر مع الصحابة؛ كان يجمعهم ويتذاكر معهم، وهكذا ينبغي لأهل العلم وطلبته إذا اجتمعوا تكون لهم هِمَّةٌ عاليةٌ في المذاكرة: أيش معنى الآية الكريمة؟ أيش معنى الحديث؟ مَن يحفظ هذا الحديث؟ ماذا تعلمون في هذه الآية؟ أيش معناها؟ هاتِ التفسير الفلاني، هاتِ "تفسير ابن كثير"، هاتِ البغوي، هاتِ فلانًا للفائدة. تكون مجالسهم معمورةً بالعلم والفائدة، الذي ما عنده علمٌ يستفيد، والذي عنده علمٌ يُفيد إخوانه، وإذا أشكل هاتوا الكتب، حضروها، وراجعوا، واستفيدوا.

الناس اليوم عندهم وسيلة العلم، في العهد الأول ما هناك كتابٌ، هناك المذاكرة فيما بينهم، لكن الآن الحجة أكبر؛ الكتب موجودةٌ، وكلام أهل العلم، جمعوا الأحاديث، وجمعوا الآيات، وجمعوا استنباط الصحابة، واستنباط مَن بعدهم، الحجة علينا كبيرةٌ وعظيمةٌ، كل شيءٍ مُيَسَّرٌ الآن، موجودةٌ، لكن المصيبة الإعراض والغفلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، نعم.

 

باب {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة:273]

يُقال: ألحف عليَّ، وألح عليَّ، وأحفاني بالمسألة، {فَيُحْفِكُمْ} [محمد:37]: يُجهدكم.

4539- حدثنا ابن أبي مريم: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثني شريك بن أبي نمر: أن عطاء بن يسار وعبدالرحمن بن أبي عمرة الأنصاري قالا: سمعنا أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة ولا اللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف، واقرؤوا إن شئتم» يعني: قوله: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}.

الشيخ: يقول: المعنى: أن الفقير قسمان: قسمٌ يسأل، فقد يجد، وقد يُعطى. وقسمٌ يتعفف، يستحيي، ما يستطيع أن يسأل، وهذا أشد مسكنةً، وأولى بالإحسان؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين بهذا الطوَّاف الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غِنًى يُغنيه، ولا يُعرف فيُتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس»، يعني: هذا أولى بالمسكنة، أولى باسم الحاجة.

فالمشروع للجيران فيما بينهم والمسلمين أن يتفقدوا أحوال ضُعفائهم، وينظروا في أحوال المتعففين، وأن يخصُّوهم بمزيد عنايةٍ من الزكاة وغيرها؛ لأن الطوَّاف يجد، الذي يطوف ويمشي على الناس في الغالب يحصل ما يقوم بحاله، لكن الذي لا يطوف، وهو فقيرٌ، فهو أشد حاجةً، وأشد مسكنةً، وأولى بالعناية، نعم.

وهذا مثل قوله: «ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»، "الصرعة"، يُسمَّى: "صرعة"، الذي يطرح الناس يُسمَّى: "صرعة"، لكن الأولى منه بالاسم الذي يملك نفسه عند الغضب.

فهكذا الطوَّاف مسكينٌ، والمتعفف مسكينٌ، ولكن المتعفف أولى بهذا الاسم، والذي يملك نفسه عند الغضب أولى بأن يُقال: صُرعة؛ صرع الشيطان، وصرع الهوى، وملك نفسه وجاهدها عن معاصي الله، فهذا أولى بهذا الاسم من هذا الذي يصرع الرجال: إذا طرحهم لقوته؛ لأن هذا قهر النفس الأمَّارة بالسوء، وقهر شيطانه، وانتصر عليهما؛ فصار أحقَّ باسم "الصرعة"؛ لملكه نفسه عند الغضب؛ حتى لا يقع فيما حرَّم الله. نعم.

 

باب {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275]

المس: الجنون.

4540- حدثنا عمر بن حفص بن غياث: حدثنا أبي: حدثنا الأعمش: حدثنا مسلم، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس، ثم حرَّم التجارة في الخمر.

الشيخ: وهذا فيه الحث على وعظ الناس وتذكيرهم وتنبيههم إلى ما حرَّم الله عليهم، كان صلى الله عليه وسلم يتخوَّلهم بالموعظة بين وقتٍ وآخر، وفي خطب الجمعة، ويتلو عليهم القرآن، ولما نزلت آية الربا تلاها على الناس، وحذَّرهم منه، ولما حرَّم الله الخمر بيَّن لهم حكمه، وحكم التجارة فيه، وكان الخمر مُباحًا أولًا، ثم حرَّمه الله، وأنزل فيه ما أنزل في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90، 91]، فالخمر تذهب بالعقول، والميسر كذلك؛ لأنه مُقامرةٌ وغررٌ، وربما ذهب ماله في لحظةٍ بسبب الغرر، ربما ذهب ماله أو الكثير في لحظةٍ بسبب هذه المغامرات، وهكذا صاحب الخمر ربما سكر فخسر الدنيا والآخرة، نسأل الله العافية.

س: ............؟

ج: الله حرَّم الخمر، وحرَّم التجارة فيها.

س: ............؟

ج: المقصود جنس ما حرَّم الله، لما ذكر لهم الربا نبَّههم على الخمر أيضًا، لعل ذلك كان قُرب نسخها؛ حتى ينتبهوا، وأن الذي حرَّم شُربها حرَّم التجارة فيها.

س: شارب الخمر في الثالثة يُقتل؟

ج: في الرابعة، قولٌ لبعض أهل العلم، جاء في عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «فإن شرب في الرابعة اقتلوه»، والجمهور على أنه منسوخٌ، لكن ذهب جمعٌ من أهل العلم إلى أنه غير منسوخٍ، وأن هذا عقوبةٌ خاصَّةٌ لمن يُدمن؛ لأنه ما نفعت فيه الحدود، نسأل الله العافية.

س: ورأيكم يا شيخ؟

ج: قولٌ قويٌّ، محل نظرٍ، ومحل اجتهادٍ، نعم.

كتب جماعةٌ في هذا الباب، والشيخ تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله- يرى أن هذا غير منسوخٍ، وأن هذه عقوبةٌ تدعو لها الحاجة، ولا شك أن القول بالنسخ محل نظرٍ، والأصل عدم النسخ، هذا هو الأصل، نعم.

وتكلم في هذا أحمد شاكر وكتب كتابةً جيدةً في حاشيته على "المسند"، وأفردها في رسالةٍ جيدةٍ في حكم شارب الخمر، وجمع الأحاديث وأجاد وأفاد -رحمه الله- نعم، الشيخ أحمد شاكر صاحب حاشية "المسند". نعم.

 

باب {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة:276] يُذهبه

4541- حدثنا بشر بن خالد: أخبرنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن سليمان الأعمش: سمعت أبا الضحى يُحدِّث عن مسروقٍ، عن عائشة أنها قالت: لما أُنزلت الآيات الأواخر من سورة البقرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاهن في المسجد، فحرَّم التجارة في الخمر.

 

باب {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279] فاعلموا

4542- حدثني محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثنا شعبة، عن منصورٍ، عن أبي الضحى، عن مسروقٍ، عن عائشة قالت: لما أُنزلت الآيات من آخر سورة البقرة قرأهن النبي صلى الله عليه وسلم عليهم في المسجد، وحرَّم التجارة في الخمر.

 

باب {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:280]

4543- وقال لنا محمد بن يوسف: عن سفيان، عن منصور والأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروقٍ، عن عائشة قالت: لما أُنزلت الآيات من آخر سورة البقرة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأهن علينا، ثم حرَّم التجارة في الخمر.

 

باب {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:281]

4544- حدثنا قبيصة بن عقبة: حدثنا سفيان، عن عاصم، عن الشعبي، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: آخر آيةٍ نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم آية الربا.

الشيخ: عن ابن عباسٍ؟

القارئ: إي نعم.

الشيخ: أيش قال عليه الشارح؟

س: الجمع بين قراءة آية الربا وتحريم الخمر .....؟

ج: لعل الوحي نزل عليه في وقت ..... ما يظهر لي شيءٌ، قد يقال: إن الربا يُسكر العقول بسبب الطمع في الأموال، والخمر تُسكر أيضًا، لعله قد تكون هذه المناسبة بين الربا والطمع في الأموال: السُّكر، وتعاطي المسكرات سُكرٌ، بينهما مناسبةٌ، ولكن الأقرب -والله أعلم- أنه صادف نزول الوحي في تحريم التجارة نزول الآيات التي في الربا، يعني: يكون تحريم الخمر قُرب نزول هذه الآيات في سورة البقرة وفي وقتها؛ لأنهم كانوا يشربون الخمر، فصار الخمر له مراحل: أولها: مُباحة، ثم حُرِّمت عند قُرب الصلاة، ثم حرَّمها الله تحريمًا كاملًا تامًّا في آية المائدة.

وكان من عادة العرب في الخمور [أنهم] يتفاخرون بها، فتحريمها فيه صعوبةٌ، فمن رحمة الله أن الله جلَّ وعلا درَّج تحريمها، أمهلهم فيها حتى تمكَّن الإيمان من قلوبهم وانتشر الإسلام؛ فحرَّمها عليهم بعد ذلك، والربا كذلك قد سرى في قلوبهم واعتادوه، وملأوا بطونهم منه وأجوافهم ودورهم، فتحريمه فيه شدةٌ عليهم، فمن رحمة الله أن درج في ذلك حتى حرَّمه عليهم، واطمأنت قلوبهم، وبيَّن ذلك في خطبته في حجة الوداع وقبل ذلك؛ حتى استقر الإيمان في قلوبهم، وأبعدهم الله عما حرَّم الله عليهم. نعم.

س: ..... تحريم الخمر، تحريم التجارة بالخمر، تحريم البيع والشراء بالدخان؟

ج: الدخان مما حرَّم الله، أقول: الدخان مما حرَّم الله، وقد يُسكر بعض الأحيان، وفيه مضارٌّ عظيمةٌ -نعوذ بالله- على البدن والمال والدين، مضارُّه واضحةٌ، كثيرةٌ، نسأل الله العافية، لكن {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر:8]، فهو لا يجوز شربه، ولا بيعه، ولا التجارة فيه، يجب المنع من ذلك.

القارئ: قال: قوله: "سفيان" هو الثوري، و"عاصم" هو ابن سليمان الأحول.

قوله: "عن ابن عباسٍ" كذا قال عاصم، عن الشعبي، وخالفه داود بن أبي هند، عن الشعبي، فقال: عن عمر. أخرجه الطبري بلفظ: كان من آخر ما نزل من القرآن آيات الربا. وهو مُنقطعٌ؛ فإن الشعبي لم يلقَ عمر.

قوله: "آخر آيةٍ نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم آية الربا" كذا ترجم المصنف بقوله: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:281]، وأخرج هذا الحديث بهذا اللفظ، ولعله أراد أن يجمع بين قولي ابن عباسٍ، فإنه جاء عنه ذلك من هذا الوجه، وجاء عنه من وجهٍ آخر: "آخر آيةٍ نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}. وأخرجه الطبري من طرقٍ عنه، وكذا أخرجه من طرقٍ جماعةٌ من التابعين.

الشيخ: وكذا أخرجه من طرقٍ عن جماعةٍ.

القارئ: عن جماعةٍ من التابعين، وزاد عن ابن جريج قال: يقولون: إنه مكث بعدها تسع ليالٍ. ونحوه لابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، ورُوي عن غيره أقلُّ من ذلك وأكثر؛ فقيل: إحدى وعشرين. وقيل: سبعًا.

وطريق الجمع بين هذين القولين: أن هذه الآية هي ختام الآيات المنزلة في الربا؛ إذ هي معطوفةٌ عليهن، وأما ما سيأتي في آخر سورة النساء من حديث البراء: "آخر سورةٍ نزلت براءة، وآخر آيةٍ نزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء:176]"، فيُجمع بينه وبين قول ابن عباس بأن الآيتين نزلتا جميعًا، فيصدق أن كلا منهما آخر بالنسبة لما عداهما.

ويحتمل أن تكون الآخرية في آية النساء مُقيدةً بما يتعلق بالمواريث مثلًا، بخلاف آية البقرة، ويحتمل عكسه، والأول أرجح؛ لما في آية البقرة من الإشارة إلى معنى الوفاة المستلزمة لخاتمة النزول، وحكى ابن عبدالسلام: أن النبي صلى الله عليه وسلم عاش بعد نزول الآية المذكورة أحدًا وعشرين يومًا، وقيل: سبعًا.

وأما ما ورد في {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر] أنها آخر سورةٍ نزلت، فسأذكر ما يتعلق به في تفسيرها، إن شاء الله تعالى، والله أعلم.

الشيخ: وقال بعضهم: آخر آيةٍ نزلت: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3]، نزلت في حجة الوداع يوم عرفة، لعله يأتي في محله، إن شاء الله.

تنبيهٌ: المراد بالآخرية في الربا تأخر نزول الآيات المتعلقة به من سورة البقرة، وأما حكم تحريم الربا فنزوله سابقٌ لذلك بمدةٍ طويلةٍ على ما يدل عليه قوله تعالى في آل عمران في أثناء قصة أحد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} الآية [آل عمران:130].

س: رجلٌ عندما هوى للسجود سقط من جيبه شيءٌ، فأخذ يتناوله وهو ساجدٌ، ما وضع يده اليمنى، تناوله ووضعه في جيبه حتى رفع إمام المسجد؟

ج: وكمَّل السجود؟

س: لا، اليد اليمنى ما وضعها، كان يتناول شيئًا وضعه في جيبه.

ج: ما كمَّل السجود؟

س: لا، ما كمَّل.

ج: يسجد ثم يلحق إمامه، وإن كان طال الفصل يُعيد الصلاة؛ لأنه أخلَّ بركنٍ من أركان السجود، السجود على السبعة الأعضاء.

س: ما يأتي بركعةٍ؟

ج: لا، يُعيدها، إذا طال الفصل يُعيد، أما إذا كان الفصل قريبًا يأتي بركعةٍ.

س: يُعتبر ساهٍ، في حكم السَّاهي؟

ج: ..... في حكم الجاهل والناسي.

س: ما يكون مُتعمدًا؟

ج: لا، الظاهر: غلب عليه السهو بسبب ما سقط منه، وإن أعاد -ولا سيما إذا طال الفصل- فطيبٌ.

س: هل يوجد رهانٌ مباحٌ؟ وما الفرق بين الرهان والميسر؟

ج: الميسر: القمار، والرهان: قمارٌ، كلها، المراهنة التي ما هي على مسابقةٍ شرعيةٍ تكون من الميسر، كل ما كان غررًا فهو من الميسر، يُسمَّى: غررًا، ويُسمَّى: ميسرًا، ويُسمَّى: مُخاطرة، نعم، المراهنة بين الناس على: إن كان كذا أعطيتُك كذا، وإن كان كذا .....، أو كونه يُسابق على حمارٍ، أو على بغلٍ، هذا غير صحيحٍ، إنما المسابقة تكون بالإبل والخيل والرمي فقط: «لا سبقَ إلا في نصلٍ، أو خُفٍّ، أو حافرٍ»، والجامع الغرر والمخاطرة.

س: وإن كان الرهان من طرفٍ واحدٍ؟

ج: لا، هذا جُعْلٌ، كونه يقول له: ابحث لي الموضوع هذا بكذا وكذا. أو: دوِّر لي الموضوع الفلاني. هذا جُعْلٌ، من باب الجعالة.