06 من قوله: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا.. )

وقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3] هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه.

الشيخ: ولهذا ما بعث الله بعده نبيًا آخر؛ لأن الله كمل به الدين وأتم به النعمة ولأنه بعث إلى الناس عامة إلى الجن والإنس، فالدين كامل...... الله أكمل الدين كله، وأتم النعمة على العباد وجعل نبيها نبيًا عامًا ورسولاً عامًا إلى الثقلين، فلهذا لا تحتاج إلى أحد بعده عليه الصلاة والسلام، فدينها دينه إلى يوم القيامة.

وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف كما قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115] أي صدقا في الأخبار، وعدلا في الأوامر والنواهي، فلما أكمل لهم الدين، تمت عليهم النعمة، ولهذا قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3] أي فارضوه أنتم لأنفسكم، فإنه الدين الذي أحبه الله ورضيه، وبعث به أفضل الرسل الكرام، وأنزل به أشرف كتبه.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] وهو الإسلام، أخبر الله نبيه ﷺ والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدا، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدا.
وقال أسباط عن السدي: نزلت هذه الآية يوم عرفة، ولم ينزل بعدها حلال ولا حرام، ورجع رسول الله ﷺ فمات.
قالت أسماء بنت عميس: حججت مع رسول الله ﷺ تلك الحجة فبينما نحن نسير إذ تجلى له جبريل، فمال رسول الله ﷺ على الراحلة، فلم تطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن، فبركت، فأتيته فسجيت عليه بردا كان علي.
وقال ابن جريج وغير واحد: مات رسول الله ﷺ بعد يوم عرفة بأحدٍ وثمانين يوما، رواهما ابن جرير.

.................
الشيخ: إحدى وثمانين إذا قلنا: أنه مات في أول ربيع الأول، وأن محرم تم ثلاثين، وصفر تم ثلاثين وواحد وعشرين من ذي الحجة تام، يكون واحد وثمانين، أما على القول المشهور أنه مات في اثني عشر ربيع الأول، فيكون مات بعد ذلك بإحدى وتسعين ثلاثة أشهر، لأن المشهور أن مات في اثني عشر ربيع الأول عليه الصلاة والسلام، اليوم الذي ولد فيه، فإذا حسبت واحد وعشرين من ذي الحجة ومحرم وصفر وإحدى عشر من ربيع الأول كان الجميع واحد وتسعين أو اثنين وتسعين على حسب تمام الشهور أو نقصهما، المقصود أنه عاش بعد هذه الآية العظيمة ثلاثة أشهر فقط، ثم توفي عليه الصلاة والسلام لأنها نزلت يوم عرفة كما ثبت في الحديث الصحيح نزلت وهو واقف بعرفة عليه الصلاة والسلام.
 ورواية أسماء فيها نظر، لأن المؤلف سكت عنها وينبغي أن يعلق عليها، تراجع في ابن جرير، وثبت في الصحيحين وغيرهما أنه ليس وقت السير، وإنما نزلت عليه وهو واقف بعرفة عليه الصلاة والسلام، ثم أسماء ليس هي حول النبي ﷺ حوله الرجال.

ثم قال: حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا ابن فضيل عن هارون بن عنترة، عن أبيه، قال: لما نزلت اليوم أكملت لكم دينكم وذلك يوم الحج الأكبر، بكى عمر، فقال له النبي ﷺ ما يبكيك؟ قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذا أكمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص، فقال صدقت.
ويشهد لهذا المعنى الحديث الثابت إن الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء.
وقال الإمام أحمد: حدثنا جعفر بن عون، حدثنا أبو العميس عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، إنكم تقرؤون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت.
.........
فقال: يا أمير المؤمنين، إنكم تقرؤون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: وأي آية؟ قال: قوله  الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3] فقال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله ﷺ، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله ﷺ: عشية عرفة في يوم جمعة.
ورواه البخاري عن الحسن بن الصباح عن جعفر بن عون به. ورواه أيضا مسلم والترمذي والنسائي أيضا من طرق عن قيس بن مسلم به. ولفظ البخاري عند تفسير هذه الآية من طريق سفيان الثوري، عن قيس، عن طارق قال: قالت اليهود لعمر: إنكم تقرؤون آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيدا. فقال عمر: إني لأعلم حين أنزلت، وأين أنزلت، وأين رسول الله ﷺ حين أنزلت: يوم عرفة، وأنا والله بعرفة، قال سفيان: وأشك، كان يوم الجمعة أم لا  الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الآية [المائدة:3].
وشك سفيان رحمه الله إن كان في الرواية، فهو تورع حيث شك هل أخبره شيخه بذلك أم لا، وإن كان شكا في كون الوقوف في حجة الوداع كان يوم جمعة، فهذا ما إخاله يصدر عن الثوري رحمه الله، فإن هذا أمر معلوم مقطوع به، لم يختلف فيه أحد من أصحاب المغازي والسير، ولا من الفقهاء.

الشيخ: وهذا كان يوم عرفة يوم الجمعة فهو محل وفاق ليس فيه خلاف، فإن ذا الحجة دخل الخميس وعرفة كانت يوم الجمعة، حجة الوداع في عهد النبي ﷺ. لكن رواية سفيان ينظر في هذه الرواية، هل قاله أم لا؟

 وقد وردت في ذلك أحاديث متواترة لا يشك في صحتها، والله أعلم، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر.
وقال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، أخبرنا رجاء بن أبي سلمة، أخبرنا عبادة بن نسي، أخبرنا أميرنا إسحاق، قال أبو جعفر بن جرير وهو إسحاق بن حرشة عن قبيصة يعني ابن أبي ذئب ........ قال: قال كعب: لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية، لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم، فاتخذوه عيدا يجتمعون فيه، فقال عمر: أي آية يا كعب؟ فقال الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]، فقال عمر: قد علمت اليوم الذي أنزلت، والمكان الذي أنزلت فيه، نزلت في يوم الجمعة ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد.الشيخ: التقريب حاضر؟ إسحاق بن حرشة؟
الطالب: ما هو موجود.
الشيخ: راجعت التعديل؟
الطالب: ما هو موجود أبدًا؟
الشيخ: راجعتم ابن جرير؟
الطالب: نعم ما هو فيه.
الطالب: عندنا حط له رقم في المجلد التاسع ص527
الشيخ: يراجع.
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا قبيصة، حدثنا حماد بن سلمة عن عمار هو مولى بني هاشم: أن ابن عباس قرأ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3] فقال يهودي: لو نزلت هذه الآية علينا، لاتخذنا يومها عيدا، فقال ابن عباس: فإنها نزلت في يوم عيدين اثنين: يوم عيد، ويوم جمعة.
وقال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن كامل، حدثنا موسى بن هارون، حدثنا يحيى الحماني،
الشيخ: شف التقريب يحيى؟
الطالب: يحيى بن عبدالحميد بن عبدالرحمن بن بشمين بفتح الموحدة وسكون المعجمة الحماني بكسر المهملة وتشديد الميم الكوفي حافظ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث من صغار التاسعة مات سنة ثمان وعشرين (مسلم)
الشيخ: بين نسبته حمان نعم.
س: اتهموه بسرقة الحديث كيفية السرقة؟
الشيخ: الظاهر أنه يأخذ من كتب غيره ويقول إنه حدثني فلان.
س: تدليس؟
الشيخ: لا، كذب.
حدثنا يحيى الحماني، حدثنا قيس بن الربيع عن إسماعيل بن سليمان، عن أبي عمر البزار.الشيخ: عن أبي عمر البزار كذا عندكم؟
الطالب: نعم.
الطالب: عن ابن سليمان غلط.
الشيخ: أيش عندك؟
الطالب: خطأ راجعت الرجال، إسماعيل بن سلمان باللام بعدها ميم.
الشيخ: نعم، إسماعيل بن سلمان.
حدثنا قيس بن الربيع عن إسماعيل بن سلمان، عن أبي عمر البزار، عن ابن الحنيفة، عن علي قال: نزلت هذه الآية على رسول الله ﷺ وهو قائم عشية عرفة الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3].
وقال ابن جرير: حدثنا أبو عامر إسماعيل بن عمرو السكوني، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا ابن عياش حدثنا عمرو بن قيس السكوني، أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على المنبر ينتزع بهذه الآية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] حتى ختمها، فقال: نزلت في يوم عرفة في يوم جمعة.
وروى ابن مردوية من طريق محمد بن إسحاق عن عمرو بن موسى بن دحية، عن قتادة عن الحسن، عن سمرة قال: نزلت هذه الآية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3] يوم عرفة، ورسول الله ﷺ واقف على الموقف.
الطالب: في اختلاف يا شيخ، يقول: وروى ابن مردويه من طريق محمد بن إسحاق عن عمر بن موسى بن وجيه
الشيخ: ما عندك؟
الطالب: عن عمرو بن موسى بن دحية
الشيخ: ما راجعته؟
الطالب: هذه ترجمته عمر بن موسى بن وجيه الشامي الأنصاري روى عن عبادة بن نسى وعبدالرحمن بن غنم ومكحول والحكم بن عتيبة وإياس بن سلمة بن الأ كوع وعمر بن عبدالعزيز وموسى بن عبدالله بن يزيد الأنصاري والقاسم أبي عبدالرحمن روى عنه محمد بن إسحاق بن يسار وأبو نعيم سمعت أبي يقول ذلك، هذا في الجرح، حدثني أبي أخبرنا العباس بن الوليد بن صبح الخلال أخبرنا يحيى بن صالح الوحاظى أخبرنا عفير بن معدان قال قدم علينا عمر بن موسى الوجيهى الميثمى فاجتمعنا في مسجد حمص فجعل يقول حدثنا شيخكم الصالح خالد بن معدان، فقلت في أي سنة سمعت منه؟ فقال سمعت منه في سنة ثمان ومائة. فقلت وأين سمعت منه؟ قال في غزاة أرمينية، فقلت له اتق الله ولا تكذب، مات خالد بن معدان في سنة أربع ومائة؛ فأنت سمعت منه بعد موته بأربع سنين ولم يغزُ أرمينية قط، ما كان يغزو إلا الروم.
وقال: سألت أبى عن عمر بن موسى الوجيه فقال: متروك الحديث، ذاهب الحديث، كان يضع الحديث.
الشيخ: حط نسخة عمر بن موسى الوجيه.
...............
 فأما ما رواه ابن جرير وابن مردويه والطبراني من طريق ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران، عن حنش بن عبدالله الصنعاني، عن ابن عباس قال: ولد نبيكم ﷺ يوم الاثنين، وخرج من مكة يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، وفتح بدرا يوم الاثنين، وأنزلت سورة المائدة يوم الاثنين- الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: 3]. ورفع الذكر يوم الاثنين. فإنه أثر غريب، وإسناده ضعيف.
وقد رواه الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران، عن حنش الصنعاني، عن ابن عباس قال: ولد النبي ﷺ يوم الاثنين، واستنبئ يوم الاثنين، وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين، ووضع الحجر الأسود يوم الاثنين، هذا لفظ أحمد، ولم يذكر نزول المائدة يوم الاثنين، فالله أعلم، ولعل ابن عباس أراد أنها نزلت يوم عيدين اثنين، كما تقدم فاشتبه على الراوي، والله أعلم.
وقال ابن جرير: وقد قيل: ليس ذلك بيوم معلوم عند الناس، ثم روي من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله اليوم أكملت لكم دينكم يقول: ليس ذلك بيوم معلوم عند الناس،
الشيخ: والأحاديث المستفيضة كلها دالة على أنه يوم الجمعة وأصحها حديث عمر فلا يتلفت إلى ما سوى ذلك.
قال: وقد قيل: إنها نزلت على رسول الله ﷺ في مسيره إلى حجة الوداع، ثم رواه من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس.
قلت: وقد روى ابن مردويه من طريق أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري: أنها نزلت على رسول الله ﷺ يوم غدير خم حين قال لعلي من كنت مولاه فعلي مولاه. ثم رواه عن أبي هريرة، وفيه أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة يعني مرجعه من حجة الوداع، ولا يصح هذا ولا هذا، بل الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية أنها أنزلت يوم عرفة، وكان يوم جمعة كما روى ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وأول ملوك الإسلام معاوية بن أبي سفيان، وترجمان القرآن عبدالله بن عباس، وسمرة بن جندب ، وأرسله الشعبي وقتادة بن دعامة وشهر بن حوشب وغير واحد من الأئمة والعلماء، واختاره ابن جرير الطبري رحمه الله.
وقوله فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:3] أي فمن احتاج إلى تناول شيء من هذه المحرمات التي ذكرها الله تعالى لضرورة ألجأته إلى ذلك، فله تناوله، والله غفور رحيم له؛ لأنه تعالى يعلم حاجة عبده المضطر وافتقاره إلى ذلك، فيتجاوز عنه، ويغفر له، وفي المسند وصحيح ابن حبان عن ابن عمر مرفوعا قال: قال رسول الله ﷺ: إن الله يحب أن تؤتى رخصته كما يكره أن تؤتى معصيته لفظ ابن حبان، وفي لفظ لأحمد من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة.
ولهذا قال الفقهاء: قد يكون تناول الميتة واجبا في بعض الأحيان، وهو ما إذا خاف على نفسه ولم يجد غيرها، وقد يكون مندوبا، وقد يكون مباحا بحسب الأحوال، واختلفوا هل يتناول منها قدر ما يسد به الرمق، أو له أن يشبع أو يشبع ويتزود؟
على أقوال كما هو مقرر في كتاب الأحكام، وفيما إذا وجد ميتة وطعام الغير أو صيدا وهو محرم، هل يتناول الميتة أو ذلك الصيد ويلزمه الجزاء أو ذلك الطعام ويضمن بدله، على قولين هما قولان للشافعي رحمه الله.
وليس من شرط جواز تناول الميتة أن يمضي عليه ثلاثة أيام لا يجد طعاما كما قد يتوهمه كثير من العوام وغيرهم، بل متى اضطر إلى ذلك جاز له.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، حدثنا حسان بن عطية عن أبي واقد الليثي، أنهم قالوا: يا رسول الله، إنا بأرض تصيبنا بها المخمصة، فمتى تحل لنا بها الميتة؟ فقال: إذا لم تصطبحوا، ولم تغتبقوا، ولم تحتفئوا بها بقلا فشأنكم بها.
.......
الشيخ: الاصطباح شرب اللبن أول النهار، والاغتباق شرب اللبن في أول الليل، هذا إذا كان ما عنده شيء، يعني إذا كان ما عندهم في إبلهم ولا غنمهم ولا بقرهم شيء فالاصطباح والاغتباق، ولكن كيف يقال هذا وليس عنده ناقة أو عنده بقرة أو عنده شاة..... ولكن يطعم، المهم إلا أن يحمل على إن لم تجدوا من يعطيكم صبوحًا ولا غبوقًا ولا..... يقوم مقام اللحم.
.......
تفرد به أحمد من هذا الوجه، وهو إسناد صحيح على شرط الصحيحين، وكذا رواه ابن جرير عن عبدالأعلى بن واصل عن محمد بن القاسم الأسدي عن الأوزاعي به، لكن رواه بعضهم عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن مسلم بن يزيد، عن أبي واقد به............
الشيخ: والقرآن أباح له الأكل ولم يقيد.
ومنهم من رواه عن الأوزاعي، عن حسان، عن مرثد أو أبي مرثد عن أبي واقد به. ورواه ابن جرير عن هناد بن السري، عن عيسى بن يونس، عن حسان، عن رجل قد سمي له فذكره، ورواه أيضا عن هناد، عن ابن المبارك، عن الأوزاعي، عن حسان مرسلا، وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية عن ابن عون، قال: وجدت عند الحسن كتاب سمرة فقرأته عليه، فكان فيه: ويجزئ من الاضطرار غبوق أو صبوح.
حدثنا أبو كريب، حدثنا هشيم عن الحصيب بن زيد التميمي، حدثنا الحسن: أن رجلا سأل النبي ﷺ فقال: متى يحل الحرام؟ قال: فقال إلى متى يروى أهلك من اللبن أو تجيء ميرتهم.
حدثنا ابن حميد، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق، حدثني عمر بن عبدالله بن عروة، عن جده عروة بن الزبير، عن جدته: أن رجلا من الأعراب أتى النبي ﷺ يستفتيه في الذي حرم الله عليه، والذي أحل له، فقال النبي ﷺ يحل لك الطيبات، ويحرم عليك الخبائث،
.................
الشيخ: مثل ما في القرآن: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157]
يحل لك الطيبات، ويحرم عليك الخبائث، إلا أن تفتقر إلى طعام لك، فتأكل منه حتى تستغني عنه. فقال الرجل: وما فقري الذي يحل لي وما غنائي الذي يغنيني عن ذلك؟ فقال النبي ﷺ إذا كنت ترجو غناء تطلبه فتبلغ من ذلك شيئا فأطعم أهلك ما بدا لك حتى تستغني عنه فقال الأعرابي: ما غنائي الذي أدعه إذا وجدته، فقال ﷺ: إذا أرويت أهلك غبوقا من الليل، فاجتنب ما حرم الله عليك من طعام مالك، فإنه ميسور كله فليس فيه حرام.
ومعنى قوله ما لم تصطبحوا يعني به الغداء وما لم تغتبقوا يعني به العشاء أو تحتفئوا بقلا فشأنكم بها فكلوا منها. وقال ابن جرير: يروى هذا الحرف، يعني قوله أو تحتفئوا على أربعة أوجه: تحتفئوا بالهمزة، وتحتفيوا: بتخفيف الياء والحاء، وتحتفوا بتشديد الفاء، وتحتفوا بالحاء وبالتخفيف، ويحتمل الهمز، كذا رواه في التفسير.
س: قوله: فاجتنب ما حرم الله عليك من طعام مالك؟
الشيخ: ما حرم من طعام المال مثل الميتة وما خالطه النجاسة وأشباه ذلك.
حديث آخر: قال أبو داود: حدثنا هارون بن عبدالله، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا عقبة بن وهب العامري.
................
 سمعت أبي يحدث عن النجيع العامري أنه أتى رسول الله ﷺ فقال: ما يحل لنا من الميتة؟ قال ما طعامكم ؟ قلنا: نصطبح ونغتبق. قال أبو نعيم: فسره لي عقبة، قدح غدوة وقدح عشية.
قال: ذاك وأبي الجوع، وأحل لهم الميتة على هذه الحال. تفرد به أبو داود.
وكأنهم كانوا يصطبحون ويغتبقون شيئا لا يكفيهم، فأحل لهم الميتة لتمام كفايتهم وقد يحتج به من يرى جواز الأكل منها حتى يبلغ حد الشبع، ولا يتقيد ذلك بسد الرمق، والله أعلم.
الشيخ: وجدت أبا النجيع؟
الطالب: أي نعم يا شيخ، يقول: فجيع بجيم مصغر ابن عبد الله العامري صحابي نزل الكوفة له حديث واحد، أبو داود.
الشيخ: اللي قبله؟
الطالب: فائد.
الشيخ اللي بعده؟
الطالب: فديك.
.............
الشيخ: هذا لعله كان قبل النهي عن... إن صح الخبر... ثم نسخ ذلك وحرم الله..
الطالب: عقبة بن وهب العامري الكوفي، مقبول من السادسة، أبو داود.
حديث آخر: قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، حدثنا سماك عن جابر عن سمرة:الشيخ: ابن سمرة. عن جابر بن سمرة.
عن جابر عن سمرة: أن رجلا نزل الحرة ومعه أهله وولده، فقال له رجل: إن ناقتي ضلت، فإن وجدتها فأمسكها، فوجدها ولم يجد صاحبها، فمرضت، فقالت له امرأته: انحرها فأبى، فنفقت فقالت له امرأته: اسلخها حتى تقدد شحمها ولحمهاالشيخ: نقدد بالنون.
الطالب: حتى تقدد شحمها ولحمها.
الشيخ: في نسخة بالنون، حتى نقدد.
حتى نقدد شحمها ولحمها فنأكله، قال: لا حتى أسأل رسول الله ﷺ.
.............
فأتاه فسأله، فقال هل عندك غنى يغنيك؟ قال: لا، قال فكلوها قال: فجاء صاحبها فأخبره الخبر، فقال: هلا كنت نحرتها؟ قال: استحييت منك، تفرد به، وقد يحتج به من يجوز الأكل والشبع والتزود منها مدة يغلب على ظنه الاحتياج إليها والله أعلم.
وقوله: غير متجانف لإثم أي متعاط لمعصية الله، فإن الله قد أباح ذلك له وسكت عن الآخر، كما قال في سورة البقرة فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:173] وقد استدل بهذه الآية من يقول بأن العاصي بسفره لا يترخص بشيء من رخص السفر، لأن الرخص لا تنال بالمعاصي، والله أعلم.
الطالب: وهب بن عقبة العامري البكائي بالموحدة والكاف الثقيلة والمد كوفي مستور من الثالثة، أبو داود.
الشيخ: يكون السند ضعيفًا، والذي ذكره من جهة الحلف بأبيه، وإن كان النص يحتمل هذا قديمًا، وفيه من جهة أن كونه يصطبح غدوة وعشيًا لبنًا فهذا قد يغنيهم عن الميتة؛ لأن اللبن يقوم مقام الطعام والشراب جميعًا لما فيه من الدسومة ما يغني عن الطعام والشراب جميعًا. فهو منكر من جهة المتن وضعيف من جهة السند؛ إذا كان وهب بن عقبة كما قال المؤلف مستور، مستور مجهول الحال يعني لم يزك ولم يعدل، أما رواية جابر بن سمرة فهذه تدل على أنه يجوز لمن فقد الطعام واضطر إلى الميتة أن يأكل منها ويتزود، يبقي عنده منها ما يحتاج إليه حتى يجد ما يغنيه عنها، وهذا قول وجيه؛ لأن هذا في حالة ضرورة وما يدري متى يحصل له ما يسد حاجته فلا بأس أن يبقي عنده من الميتة ما يسد حاجته حتى يجد شيئا غيرها، وهذا الذي دل عليه حديث جابر بن سمرة.
وقوله: غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ [المائدة:3] أي متعاط لمعصية الله، فإن الله قد أباح ذلك له وسكت عن الآخر.الشيخ: ما معنى عن الآخر؟
الطالب: المتجانف لإثم؟
الشيخ: كيف؟
الطالب: قال غير متجانف والآخر المتجانف؟
الشيخ: غير المتجانف لا أثم عليه مفهوم أن المتجانف عليه الإثم هذا ما سكت عنه، فمن اضطر في مخمصة غير متجانف [المائدة:3].
 كما قال في سورة البقرة فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم [البقرة:173] وقد استدل بهذه الآية من يقول بأن العاصي بسفره لا يترخص بشيء من رخص السفر، لأن الرخص لا تنال بالمعاصي، والله أعلم.
س:......؟
الشيخ: الذي يظهر لي أنه سكت عن الآخر؛ لأن الآخر لم يسكت عنه؛ فبمفهوم الأدلة تعرف المعاني بالمذكور والمفهوم فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ [المائدة:3] معناه أن من لم يضطر أو اضطر وهو متجانف هذا هو الآثم، فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ هذا معناه أن المتجانف لم يضطر فهو آثم.
.........
ومن استنباط بعضهم عدم القصر في السفر في حق العاصي للآية وليس بواضح، فهذا له حكم وهذا له حكم، وإلا كونه يقصر في السفر ويأخذ أحكام السفر للعموم قد يكون من أسباب الرجوع إلى الحق، والتأثر برحمة الله وإحسانه الذي أحسن إليه، فكيف يقابل هذه النعمة بالمعصية؟!
س: المضطر يأكل كل شيء؟
الشيخ: كل ما حرم عليه إذا اضطر الذي يتيسر.
...........