بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين، وعليه نتوكل، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شُرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدي الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، ونشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فهذه نبذة وجيزة مفيدة في علم الفرائض على مذهب الإمام أحمد بن حنبل -قدَّس الله روحه ونوَّر ضريحه- جمعتُها للقاصرين مثلي، ولخصتُ أكثرها من تقريرات شيخنا الشيخ العلامة محمد ابن الشيخ إبراهيم ابن الشيخ عبد اللطيف، بارك الله في عمره وأوقاته، ونفعنا والمسلمين بعلومه وإفاداته، آمين.
وقد جردتُها من الدليل والتَّعليل في غالب المواضع؛ طلبًا للاختصار، وتسهيلًا على مَن يريد حفظها، وربما أشرتُ إلى بعض الخلاف لقوته، وسميتُها (الفوائد الجلية في المباحث الفرضية).
والله المسؤول أن يُعمم النفعَ بها، وأن يجعل السَّعي فيها خالصًا لوجهه الكريم، وسببًا للفوز لديه بجنات النَّعيم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الشيخ: هذه نبذة جمعتها من دهرٍ قديمٍ -قبل خمسين سنة- وكان غالبها وأكثرها من تقارير الشيخ -رحمة الله عليه- شيخنا الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن الحسن ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمة الله على الجميع- كانت له اليد الطُّولى في هذا الباب، درسنا عليه الفرائض "الرحبية" مرات في العقد السادس من القرن الرابع عشر، وفي العقد السابع أيضًا.
وجمعتُ هذه الفوائد، ثم ألحقتُ بها فوائد، وفوائد من كلام أهل العلم، ثم وضعتُ عليها حواشٍ لترجيح بعض المسائل التي صار فيها خلاف مذهب أحمد رحمه الله في مسائل عدة؛ لإيصال الفائدة إلى الراغب فيها.
قلت: في العقد السادس وفي العقد الخامس؛ لأني في العقد السادس في سنة 57 توليتُ قضاء الخرج، ذهبتُ إلى الخرج في شعبان من عام 57، وكانت دراسة الفرائض في عام 57 وما قبله، وفي أواخر العقد الخامس أيضًا: 47 و48 و49، المقصود أني سنة 57 انتقلتُ إلى الخرج لما أُسند إليَّ قضاء الخرج (قضاء الدّلم).
مقدمة في ذكر بعض ما ورد في فضل هذا الفن
اعلم رحمك الله أنَّ النبي ﷺ حثَّ على علم الفرائض ورغَّب فيه في أحاديث كثيرة، منها:
ما رواه أبو داود عن عبدالله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما: أنَّ النبي ﷺ قال: العلم ثلاث: آية مُحكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة، وما كان سوى ذلك فهو فضل.
وروى ابن ماجه والدَّارقطني عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: تعلَّموا الفرائض وعلِّموها الناس، فإنه نصف العلم، وهو يُنسى، وهو أول شيءٍ يُنزع من أمَّتي.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله: "معنى كونه نصف العلم أنه يُبتلى به الناس كلهم".
وقال الحافظ ابن رجبٍ رحمه الله: "وجه كونه نصف العلم أنَّ أحكام المُكلَّفين نوعان: نوع يتعلق بالحياة، ونوع يتعلق بما بعد الموت، وهذا الثاني هو الفرائض". اهـ.
ولا بدَّ قبل الشروع في أسباب الميراث وما بعدها من معرفة أمورٍ مهمةٍ:
الأول منها: معرفة حدِّ هذا الفن.
الثاني: معرفة موضوعه.
الثالث: معرفة ثمرته.
الرابع: معرفة حكمه في الشَّرع.
الخامس: معرفة أركان الإرث.
السادس: معرفة شروطه.
السابع: معرفة أكثر ما يرد في تركة الميت من الحقوق.
فأما حدّ هذا الفن: فهو العلم بفقه المواريث وما ضمَّ إلى ذلك من حسابها.
الشيخ: هذا هو علم الفرائض، علم المواريث المراد به هذا: العلم بأحكام المواريث وما يتعلق بحسابها، يُقال له: الفرائض، علم المواريث، وعلم الإنسان بأحكام المواريث وما يتعلق بذلك من الحساب الذي يُوصل الحقَّ إلى مُستحقه؛ لأنَّ علم المواريث علم عظيم مهم؛ ولهذا ورد في هذا الحديث أنه نصف العلم؛ لأنَّ الإنسان له حالتان: حالة حياة، وحالة موت، والمواريث تتعلق بحال الموت، والناس في أشد الحاجة إلى أن يعلموا هذا العلم؛ لأنَّ الموت ماشٍ في الناس، ومستمر في الناس، فالحاجة -بل الضَّرورة- تُوجب معرفة هذا العلم؛ حتى يُعطى كلُّ ذي حقٍّ حقَّه من الأقارب وغيرهم من الميت؛ ولهذا أوضح الله ذلك في كتابه العظيم في سورة النساء، وجاءت السنةُ بتكميل ذلك، فعلم الفرائض من أوضح العلوم، وأبين العلوم بالأدلة الشرعية: من القرآن العظيم، والسنة المطهرة.
س: حديث أبي هريرة حسن الإسناد: تعلَّموا الفرائض؟
ج: بعيد العهد عنه، لا أعرف حاله، سكت عنه هنا، وأظن في سنده بعض الضَّعف، غالب ظني أن سنده فيه بعض الضَّعف، لكن ما أذكر الآن، يمكن مُراجعته إن شاء الله ونُفيدكم.
وأما موضوعه: فهو التَّركات.
الشيخ: هذا موضوع البحث، موضوع بحث الفرائض: التركات، والذي ما وراءه تركة ما له محل، ما فيه بحث، إذا كان ما خلفه تركة ما فيه بحث في علم الفرائض حينئذٍ؛ لأنَّ موضوع هذا العلم الذي يكون فيه البحث إيجاد المسائل والحساب إذا كان هناك تركة.
الشيخ: يعني هذا المقصود، الثمرة المقصودة من علم الفرائض: إيصال الحقّ لأهله، إيصال ذوي الحقوق حقوقهم: من أقارب الميت ومواليه والزوجة مع الزوج، وهكذا.
الشيخ: نعم، فرض كفايةٍ، ليس فرضًا على كل أحدٍ، إذا قام مَن يحصل به المقصود سقط عن الباقين.
الشيخ: ليس هناك مواريث إلا بهذا: وارث -وهو الحي- والمورث -وهو الميت- وحق موروث -وهو المال- فإذا مات ميتٌ ما له وارث ما يحتاج مسائل، لبيت المال، يُصرف في بيت المال.
فإذا لم يمت أحد ما في مسائل، ما في بحث، وإذا كان مات وليس وراءه شيء ما فيه بحث، إنما هذا البحث وهذه المسائل تتعلق بالوارث والمورث والحق الموروث، إذا فُقد واحدٌ من الثلاثة ما بقي هناك مسائل.
وأما شروطه فهي ثلاثة:
الأول: تحقق حياة الوارث حين موت المُورث، أو إلحاقه بالأحياء حكمًا كالحمل، فإنه يرث بشرطين:
- أحدهما: تحقق وجوده في الرحم حين موت المُورِّث، ولو نطفة.
- الثاني: انفصاله حيًّا حياةً مُستقرةً.
الثاني من شروط الإرث: تحقق موت المُورث بمشاهدةٍ، أو استفاضةٍ، أو شهادة عدلين، أو إلحاقه بالأموات حكمًا كالمفقود، أو تقديرًا كالجنين، إذا جُني على أمه فسقط ميتًا فإنه يجب فيه غرة عبدٍ أو أمةٍ، فيُقدر حيًّا، ثم يُقدر أنه مات؛ لتُورث عنه تلك الغُرَّة.
الثالث: العلم بمُقتضي التَّوارث.
الشيخ: هذه شروط الإرث:
- تحقق حياة الوارث حين موت المورث.
- وتحقق موت المورث.
- والعلم بمقتضي التَّوارث.
فلا إرثَ إلا بهذا، لا بدَّ أن يعرف الوارث أنَّ القريب مات؛ تحقق موت المورث على التفصيل المذكور، ولا بد من العلم بمقتضي التَّوارث، مثل: أسباب الإرث، ودرجات الوارث، وقوة الوارث.
الثالث: العلم بمُقتضي التَّوارث.
والمراد به: معرفة سبب الإرث وجهة الوارث ودرجته، ونحو ذلك.
وأما أكثر ما يرد في تركة الميت فهو خمسة حقوق، وهي مُرتبة إن ضاقت التَّركةُ:
الأول: مؤنة التَّجهيز: كالكفن، وأجرة الحفر، ونحوهما.
الثاني: الدّيون المُتعلقة بعين التركة: كالدَّين الذي به رهن، والأرش المُتعلق برقبة العبد الجاني، ونحوهما.
الثالث: الديون المُطلقة، سواء كانت لله أو لآدمي.
الرابع: الوصايا بالثلث فأقلّ لأجنبيٍّ، فإن كانت بأكثر من الثلث أو لوارثٍ مطلقًا فلا بدَّ من رضا الورثة.
الخامس: الإرث.
الشيخ: هذه الأمور الخمسة هي المتعلقة بالتركة، إذا مات الميتُ تعلق بتركته خمسة حقوقٍ، كل جهةٍ تركها إن وجد شيئًا.
فالأول: مؤنة التَّجهيز: يبدأ بمؤنة التجهيز إذا وراءه شيء: كحفر القبر؛ إذا لم يتيسر مَن يحفر إلا بأجرةٍ تُقدم أجرة حافر القبر، والكفن، والتَّغسيل، هذه مُقدمة على الورثة وعلى غيرهم.
الثاني: الدُّيون المتعلقة بعين التركة، الديون التي لها تعلق بالمال المتروك -عين التركة- كالرهن، كونه خلَّف بيتًا مرهونًا في كذا ألف مثلًا، أو خلَّف سيارةً مرهونةً، أو خلَّف بعيرًا مرهونًا في دينٍ، هذا الذي وراءه، فيُقدم هذا الرهن على غيره، تُباع السيارة والأرض، أو البعير يُباع، ويُعطى صاحب الدَّين حقه -صاحب الرهن- وما بقي فهو للورثة، إذا كان البيتُ مرهونًا في مئة ألف ريـال يُباع البيت، ويُعطى صاحب المئة حقَّه، والباقي للورثة، السيارة مرهونة بعشرة آلاف، تُباع ويُعطى صاحب الرهن حقَّه، والباقي للورثة، البعير أو البقرة مرهونة في كذا: بمئة ريـال، بمئتين، يُباع ويُعطى صاحب الرهن حقَّه، والباقي للورثة.
أو عبد جنى جنايةً تعلَّقت به، ما وراء الميت إلا هذا العبد، وهذا العبد قد جنى جنايةً تعلقت برقبته، سواء كانت الجناية موضحةً أو هاشمةً أو منقلةً أو غير ذلك من الجنايات التي تتعلق برقبته، يُباع ويُعطى صاحب الجناية حقَّه، والباقي للورثة.
الثالث: الدُّيون المطلقة التي ما فيها رهن، ولا تعلَّقت برقبة رقيقٍ، مطلقة في الذمة -ذمة الميت- يُبدأ بها، يُعطى أهل الحقوق حقوقهم قبل الورثة، يجب أن يُعطوا حقوقهم، إلا مَن سمح منهم وأبرأ الميت فلا بأس.
وبعد خلاص الميت من الديون تُقسم التركة بعد إخراج الثلث -إن كان أوصى بالثلث أو بالربع- إذا كان أوصى تُخرج الوصية، ويُقسم الباقي، وإن كان ما أوصى تُقسم التركة كلها، وإذا كان أوصى فلا بأس، لكن بشرط الثلث فأقلّ لغير الورثة، أما إن كان أوصى لوارثٍ فلا، أو أوصى على زيادة بالثلث لا، إلا برضاهم، ليس له إلا الثلث فأقل، وأن يكون الثلثُ لغير وارثٍ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: إنَّ الله قد أعطى كل ذي حقٍّ حقَّه، فلا وصيةَ لوارثٍ.
فإذا أوصى لأبيه أو أمه أو زوجته بشيءٍ ما ينفذ إلا برضا الباقين، إذا رضوا وهم مُكلَّفون مُرشدون -رضوا بالوصية- فلا بأس، وإلا فالوارث لا يُعطى شيئًا من الوصية، ليس له إلا حقّه الشَّرعي في الإرث.
س: إذا أوقف بيتًا على ورثته؟
ج: إذا كان وقفًا مُنجزًا في الصحة هذا خارج عن التركة، سواء على زيدٍ أو عمرو، منجز، إن كان صحيحًا مُنجزًا ما له تعلق بالتركة، أما إن كان في مرض الموت فهذا حكمه حكم الوصية؛ ما ينفذ من الوقف إلا الثلث، الأوقاف التي في مرض الموت كالوصية؛ إنما تخرج من الثلث، إلا أن يرضا الورثة، إلا أن ينفذوها وهم مُرشدون فتنفذ.
س: حكم الوصية لأقارب غير الورثة؟
ج: لا بأس، صدقة وصلة.
س: هل هي واجبة للآية؟
ج: لا، ما هي بواجبةٍ، منسوخة الآية، إنما تُشرع الوصية لأنها صدقة وصلة.
س: إذا كان أحدُ الأبناء منقطعًا لخدمة والده .....؟
ج: ليس له شيء إلا إذا اتَّفق معه في الحياة على أجرةٍ معلومةٍ كأمثاله من الأجانب، عليه أن يقوم بهذا العمل واتَّفق معه على أجرةٍ؛ أن يتولى هذا الحرث، أو يتولى السرح بالغنم أو الإبل بدون بقية إخوانه، يجعل له راتبًا مثل راتب الأجنبي، هذا له حق فيه، لا يخصه بشيءٍ من الزيادة ولا يُحابيه.
س: ..............؟
ج: الأوقاف تختلف، ينظر فيها القضاة والحكام، الأوقاف تختلف؛ إذا أوقف هذا الوقف في ضحية أو ضحيتين أو شبه ذلك فالفاضل في وجوه البرِّ، في وجوه أعمال الخير، فإن قال: الفاضل يُعطى فلانًا أو فلانًا، أو المحتاج من الذرية يُقسم بينهم على حسب الحاجة. فيه تفصيل، وإن قال: الفاضل يُعمر به المساجد، يُصرف في المساجد. وإن قال: الفاضل يُصرف في المجاهدين، في موضوع معين. ينفذ ما قال.
س: ..... ذكور وإناث، كيف يُقسم بينهم؟
ج: على حسب الحاجة، ما هو على حسب الإرث.
باب أسباب الميراث
الأسباب جمع سببٍ، وهو لغةً: ما يُتوصل به إلى الغرض المقصود.
واصطلاحًا: ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم لذاته.
وأسباب الميراث ثلاثة: نكاح، وولاء، ونسب.
فالنكاح: هو عقد الزوجية الصحيح، وإن لم يحصل وطء ولا خلوة، ويتوارث به الزوجان من الجانبين، وفي عدة الطلاق الرَّجعي.
الثاني: ولاء العتاق، وهو عصوبة سببها نعمة المُعتق على رقيقه بالعتق، فيرث بها المُعتِق هو وعصبته المُتعصبون بأنفسهم، لا بغيرهم، ولا مع غيرهم، دون العتيق.
وكما يثبت الولاء على العتيق فكذلك على فرعه، ولا يثبت على الفرع إلا بشرطين:
أحدهما: أن لا يكون أحد أبويه حرَّ الأصل.
الثاني: أن لا يمسّه رقٌّ لأحدٍ.
الشيخ: هذه أسباب الميراث، أسباب الميراث المتفق عليها ثلاثة: النكاح، والولاء -وهو العتاق- والنَّسب.
والنكاح أولًا: السبب هو ما يتوصل به إلى غيره، يقال: سبب، كالحبل يُسحب به الماء وأشباه ذلك يُقال له: سبب، كالطريق يُقال له: سبب؛ لأنه يُتوصل به إلى ما جُعل طريقًا إليه.
وفي الشرع: ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم لذاته. هذا هو السبب، النكاح يلزم من وجوده وجود: كون الشخص وارثًا ما لم يمنع مانع، ويلزم من عدمه عدم كونه وارثًا عند قيمة المواريث.
والأسباب هي الثلاثة المتفق عليها: نكاح، وولاء، ونسب.
فالنكاح: عقد الزوجية الصحيح وإن لم يحصل وطء ولا خلوة، متى تم العقدُ ورثها وورثته إن كانا على دينٍ واحدٍ: كالمسلمين والكافرين، يتوارثان، أما إن كان عقد المسلم على كتابيةٍ لا ترثه؛ لأنه يمنعها الكفر كما يأتي.
المقصود أنَّ عقد النكاح يحصل به التَّوارث وإن لم يدخل بالمرأة، لو تزوج الآن ومات قبل الدخول ورثته، أو ماتت ورثها وإن لم يدخل بها، وهكذا لو طلَّق طلاقًا رجعيًّا وقد دخل بها -قد وطئها- أو دخل بها ثم مات ترثه، أو ماتت يرثها وإن كانت مطلقةً طلاقًا رجعيًّا: طلقة أو طلقتين، أما إن كان طلاقًا بائنًا -كالطلقة الأخيرة الثالثة- أو بالمخالعة –خالعها- ومات أو ماتت لا يتوارثان؛ لأنها قد بانت منه، سواء كانت بينونةً صغرى: كالتي خرجت من العدة، أو خالعها مخالعةً لا ترث منه، أو كبرى: كالتي طلَّقها الطلقة الأخيرة الثالثة؛ لا ترث منه، ولا يرثها إذا ماتت، إلا إذا طلَّق مُتَّهمًا بقصد حرمانها، طلَّقها بالثلاث مُتَّهمًا ليمنعها من الإرث لما اشتدَّ به المرض، فالصحيح أنها ترثه عقوبةً له بنقيض قصده، كما أفتى عمر وغيره في ذلك ؛ لأنَّ القاعدة: أنَّ مَن احتال على أمور الدِّين يُعاقب بنقيض قصده، فإذا احتال بطلاقها يمضي الطلاق، ولكن ترث عقوبةً له، ومعاملته بنقيض قصده.
س: ولو خرجت من العِدَّة؟
ج: ولو خرجت من العِدَّة، ما لم تتزوج أو ترتد، إذا تزوجت صارت زوجةً لشخصٍ آخر، أو ترتد عن الإسلام، وُجد المانعُ منها، فإذا مات بعد تزوجها أو بعد ردّتها لا ترثه.
ويأتي البحثُ في الولاء والردة والمخالفة في الدِّين إن شاء الله في الدرس القادم.
س: لو دُفن الميت وقد صُلي عليه ولكن لم يُغسل؟
ج: والله الأقرب أنه إن كان العهدُ قريبًا يُنبش ويُغسل؛ لأنَّ التغسيل واجب، فرض، إذا كان الحالُ ما بعد تغير يمكن أن يُنبش ويُغسل، أما إن كان قد مضى عليه وقت يُظن أنه تغير فلا وجهَ لنبشه.
طالب: تخريج حديث: تعلَّموا الفرائضَ، وعلِّموها الناس.
الشيخ: نعم.
الطالب: من "إرواء الغليل"، قال المؤلفُ وفَّقه الله تعالى: حديث ابن مسعودٍ مرفوعًا: تعلَّموا الفرائضَ، وعلِّموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإنَّ العلم سيُقبض، وتظهر الفتن، حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا يجدان مَن يفصل بينهما رواه أحمد والترمذي والحاكم، ولفظه له.
أخرجه الحاكم من طريق النَّضر بن شُميل, والدَّارقطني والواحدي في "الوسيط" عن عمرو بن حمران، كلاهما عن عوف ابن أبي جميلة، عن سليمان بن جابر الهجري، عن عبدالله بن مسعودٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: فذكره. وقال الحاكم: صحيح الإسناد, وله علَّة.
ثم ساقه من طريق هوذة بن خليفة: حدثنا عوف، عن رجلٍ، عن سليمان بن جابر، به.
ثم قال: وإذا اختلف النَّضر بن شُميل وهوذة, فالحكم للنَّضر.
قلت: لكن هوذة قد تابعه أبو أسامة عن رجلٍ به.
أخرجه الترمذي والبيهقي، وقال الترمذي: هذا حديث فيه اضطراب.
قلت: وسليمان بن جابر مجهول، ومن الاضطراب فيه: ما رواه المثنى بن بكر العطار، عن عوف: حدثنا سليمان، عن أبي الأحوص، عن عبدالله، فذكره مرفوعًا، إلا أنه أخرجه البيهقي.
ومنه ما رواه الفضل بن دلهم: حدثنا عوف، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ -فذكره مُختصرًا: تعلَّموا القرآنَ والفرائضَ، وعلِّموا الناس، فإني مقبوض.
أخرجه الترمذي من طريق محمد بن القاسم الأسدي: حدثنا الفضل بن دلهم، به. وأعلَّه بالاضطراب كما سبق وقال: ومحمد بن القاسم الأسدي قد ضعَّفه أحمد بن حنبل وغيره.
قلت: وشهر ضعيف أيضًا.
وقد رُوي من طريقٍ أخرى عن أبي هريرة، يرويه حفص بن عمر ابن أبي العطاف: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: يا أبا هريرة، تعلَّموا الفرائضَ، وعلِّموها، فإنَّه نصف العلم، وهو يُنسى، وهو أول شيءٍ يُنزع من أمتي.
أخرجه ابن ماجه، والدَّارقطني، وابن عدي، والحاكم، والواحدي في "الوسيط"، والبيهقي وقال: تفرد به حفص بن عمر، وليس بالقوي.
وأما الحاكم فقد سكت عنه وعن حديثٍ آخر نصّه: العلم ثلاثة، فما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة.
وقال الذَّهبي فيهما: قلتُ: والحديثان ضعيفان.
وقال في الأول منهما: قلتُ: حفص واهٍ بمرة.
وكذا قال ابن الملقن في "الخلاصة" مُتعقبًا على البيهقي قوله المُتقدم فيه: "ليس بالقوي"، قال: قلت: بل واهٍ؛ فقد رماه يحيى النَّيسابوري بالكذب، وقال البخاري: منكر الحديث. وقال الحافظ في "التلخيص": وهو متروك. وهذا خلاف قوله في "التقريب": ضعيف.
وللحديث شاهد عن أبي بكرة، يرويه محمد بن عقبة السدوسي: حدثنا سعيد ابن أبي كعبٍ الكعبي: حدثنا راشد أبو محمد الحماني، عن عبدالرحمن ابن أبي بكرة، عن أبيه مرفوعًا بلفظ: تعلَّموا القرآنَ، وعلِّموه الناس، وتعلَّموا الفرائضَ، وعلِّموها الناس، أوشك أن يأتي على الناس زمانٌ يختصم الرجلان في الفريضة فلا يجدان مَن يفصل بينهما.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" وقال: لا يُروى عن أبي بكر إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد.
قلت: وهو ضعيف؛ لكثرة خطئه، وأما شيخه سعيد ابن أبي كعب الكعبي فقال الهيثمي: لم أجد مَن ترجمه.
قلت: وهذا غريب، فقد ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: سعيد بن أبي بن كعب من أهل البصرة، يروي عن راشد الحماني والبصريين، وراشد سمع أنسًا، روى عنه محمد بن عقبة السَّدوسي.
وقال الحافظ في "الفتح": مجهول.
قلت: فكان من حقِّه أن يستدركه على "الميزان"، ولكنه لم يفعل.
تنبيه: وقع في "الأوسط": "ابن أبي كعب"، وكذا في "المجمع"، وفي "الثقات": ما رأيت "ابن أبي كعب"، ولعله الصَّواب.
تنبيهات:
الأول: عزا حديثَ ابن مسعودٍ المتقدم إلى الإمام أحمد جماعةٌ: منهم ابن المُلقن، والحافظ في "الفتح"، والسيوطي في "الجامع الكبير"، وما أظن ذلك إلا وهمًا؛ فإني بحثتُ عنه في "المسند" مُستعينًا بالفهارس التي تُساعد على الكشف عنه فلم أجده، أضف إلى ذلك أنَّ الهيثمي لما أورده في "المجمع" لم يعزه إليه، بل قال: رواه أبو يعلى والبزار، وفي إسناده مَن لم أعرفه.
الثاني: وعزاه الحافظ في "التلخيص" للدَّارمي أيضًا عن عوفٍ به، وقال: وفيه انقطاع.
وأما في "الفتح" فذكر أنَّ الدارمي رواه عن ابن مسعودٍ موقوفًا، وهذا هو الصواب؛ فإنه أخرجه هو والحاكم والبيهقي من طريق أبي عبيدة، عن عبدالله قال: "مَن قرأ القرآنَ فليتعلم الفرائض، فإن لقيه أعرابي قال: يا مهاجر، أتقرأ القرآن؟ فإن قال: نعم، قال: تفرض؟ فإن قال: نعم، فهو زيادة وخير، وإن قال: لا، قال: فما فضلك عليَّ يا مهاجر؟!".
ورجاله ثقات، لكنه منقطع؛ فإنَّ أبا عبيدة لم يسمع من أبيه عبدالله بن مسعود، ومع ذلك صححه الحاكمُ على شرط الشَّيخين، ووافقه الذَّهبي.
الثالث: قال الحافظ في "التلخيص" عقب الحديث بعد أن ذكر حديثَ أبي هريرة من رواية الترمذي، وحديث أبي بكرة من رواية الطبراني: وهما مما يُعلُّ به طريق ابن مسعودٍ المذكورة، فإن الخلاف فيه على عوف الأعرابي.
قلت: قد ذكرتُ إسناد الحديث إلى أبي بكرة، وليس فيه ذكر لعوفٍ، فلا يُعلُّ به الحديث.
حديثٌ بعده: عن أبي هريرة مرفوعًا: تعلموا الفرائضَ وعلِّموها، فإنها نصف العلم، وهو يُنسى، وهو أول علمٍ يُنزع من أمتي رواه ابن ماجه والدَّارقطني من حديث حفص بن عمر، وقد ضعَّفه جماعةٌ، ضعيف، وتقدم في الذي قبله.
الشيخ: على كل حالٍ، هذه الطرق كلها شواهد يشدّ بعضُها بعضًا، تشهد للأصل، مع العلم بأنه علم عظيم، نصَّ عليه الكتابُ العزيز لعظم شأنه، نصَّ الله عليه في كتابه العظيم، ولم يكله إلى أحدٍ، بيَّن أحكام المواريث في كتابه العظيم في سورة النساء؛ وذلك لعظم شأنه، وشدة الحاجة إليه، وجاءت السنة أيضًا الصحيحة بما يكفي ويشفي، فهو علم عظيم أوضحه الله في كتابه العظيم، وأوضحه رسوله عليه الصلاة والسلام، سواء ثبتت هذه أم لم تثبت، لكنها شواهد يشدّ بعضها بعضًا في بيان عظم شأنه، وأنه نصف العلم؛ لأنه يتعلق بالموت، والعلوم الأخرى بالحياة، والمواريث تتعلق بالموت.
الطالب: فيه تخريج آخر أحسن الله إليك، أقرأه؟
الشيخ: نعم.
الطالب: حديث أبي هريرة: تعلَّموا الفرائض وعلِّموها، فإنه نصف العلم، وهو يُنسى، وهو أول شيءٍ يُنزع من هذه الأمة.
قال أبو عبدالله ابن ماجه في "سننه": حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ابْنِ أَبِي الْعِطَافِ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قال: قال رسولُ الله ﷺ. وذكر الحديث.
والحديث أخرجه ابن عدي في "الكامل"، والدَّارقطني، وابن حبان في "المجروحين"، والعقيلي في "الضعفاء"، والحاكم في "المُستدرك"، والخطيب في "تاريخ بغداد"، والبيهقي في "الكبرى"، وغيرهم، كلهم من طريق حفص بن عمر ابن أبي العطاف، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة به مرفوعًا.
وهذا الإسناد فيه حفص بن عمر ابن أبي العطاف، وقد قال فيه البخاري: منكر الحديث. ورماه يحيى بن يحيى بالكذب، وقال فيه أبو حاتم: منكر الحديث، يُكتب حديثه على الضَّعف الشَّديد. وقال فيه النَّسائي: ضعيف. وقال فيه ابن حبان: يأتي بأشياء كأنها موضوعة، لا يجوز الاحتجاج به بحالٍ.
فصل في ذكر كلام الحُفَّاظ في حال الحديث
قال البخاري في "التاريخ الأوسط": حَفْص بن عمر ابن أَبي العطاف الْمَدنِي مُنكر الحَدِيث؛ روى عَن أبي الزِّنَاد، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي تَعْلِيم الْفَرَائِض، وَقَالَ مرَّةً: عَن أبي الزِّنَاد، عَن المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة. وَلَا يَصح.
وقال العُقيلي في ترجمة حفص بن عمر في "الضعفاء الكبير" بعد أن ذكر هذا الحديث: لا يُتابع عليه، لا يُعرف إلا به.
وقال البيهقي في "الكبرى" عقب ذكره الحديث: تفرد به حفص بن عمر، وليس بالقوي. وتعقبه ابن التّركماني في "الجوهر النَّقي" بقوله: لم أرَ أحدًا وافقه على هذه العبارة اللينة في حقِّ هذا الرجل، بل أساءوا القولَ فيه.
وقال الذَّهبي في تلخيصه للمُستدرك عقب هذا الحديث: حفص واهٍ بمرة. وذكر أيضًا أنَّ هذا الحديث ضعيف.
قال ابن الجوزي في "العلل المُتناهية": هذا حديثٌ لا يصح عن النبي ﷺ، والمُتهم به حفص بن عمر ابن أبي العطاف.
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره عقب هذا الحديث: في إسناده ضعف.
وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص": مداره على حفص بن عمر ابن أبي العطاف، وهو متروك.
تنبيه: جاء في الحثّ على تعلم الفرائض والأمر بذلك جملةٌ من الأحاديث، ولكنَّها لا تخلو من الضَّعف، وليس في شيء مما وقفتُ عليه من الأحاديث الواردة في الباب ذكر أن تعلم الفرائض نصف العلم إلا في هذا الحديث بهذا الإسناد، والله تعالى أعلم.
الشيخ: بارك الله في الجميع.
الشيخ: هذا هو الولاء، أسباب الميراث مثلما تقدم ثلاثة: نكاح، وولاء، ونسب. تقدم النكاح: وهو عقد الزوجية الصحيح، وإن لم يحصل وطء ولا خلوة، متى تم العقدُ ومات أحدُهما ورثه الآخر، ولو بعد العقد بلحظةٍ، متى تمَّ العقد انتهى.
أما العتق فهو عصوبة من جهة المعتِق على العتيق، العتيق لا يرثه، لكن هو يرث العتيق، المعتِق وعصبته من: آباء وأجداد وأبناء وإخوة، سائر العصبة يرثون بهذا الولاء؛ لقوله ﷺ: إنما الولاء لمن أعتق.
الشيخ: يعني: البنات والإخوة لأمهات لا يرثون بالعصبة، الولاء للعصبة خاصة: إنما الولاء لمن أعتق، الرسول نهى عن بيع الولاء وعن هبته، فلا يورث؛ ولهذا يكون عصوبةً فقط، لا يُورث، لو كان يُورث اشترك فيه الرجال والنِّساء .....، لكنه كالنَّسب لا يُورث.
مُداخلة: في حاشية سابقة على السبب الأول: وفي عدة الطلاق الرَّجعي.
الشيخ: تقدم الكلام.
مُداخلة: نعم، فيه حاشية: وأما البائن بفسخٍ أو خلعٍ فلا يرثها الزوجُ، ولا ترثه، لا في العدة، ولا بعدها، وكذا المُطلقة البائن، إلا إذا طلَّقها الزوج في مرض موته المخوف مُتَّهمًا بقصد حرمانها؛ فإنها ترثه في العدَّة وبعدها ما لم تتزوج أو ترتد، معاملةً له بنقيض قصده.
الشيخ: تقدم الكلام هذا.
الشيخ: والمعنى في هذا: لو خالعها ثم مات أو ماتت لا يتوارثان؛ لأنَّ الخلع بينونة، مثل: لو طلَّقها طلقةً واحدةً أو طلقتين، وارتدت وطهرت من الحيضة الثالثة، ثم مات أو ماتت، لا يتوارثان؛ لأنه انتهى النكاح، وهكذا لو طلَّقها الطلقة الأخيرة الثالثة بانت بها، فلا ترثه ولا يرثها، المقصود إذا كانت بينونة صغرى أو كبرى انتهى الميراث.
الشيخ: جميع وجوه العتق يثبت بها الولاء، سواء أعتق عن كفارة ظهارٍ، أو كفارة وطءٍ في رمضان، أو كفارة قتلٍ، أو تطوعًا، يثبت بها الولاء للمُعتِق وعصبته؛ لعموم قوله ﷺ: إنما الولاء لمن أعتق.
لعموم قوله ﷺ: إنما الولاء لمَن أعتق، وكما يثبت الولاء على العتيق كذلك على فرعه، ولا يثبت على الفرع إلا بشرطين:
أحدهما: ألا يكون أحد أبويه حرَّ الأصل.
الثاني: ألا يمسّه رقٌّ لأحدٍ.
الشيخ: يعني: كما يثبت على الأصل يثبت على الفرع، فإذا أعتق الإنسانُ سعيدًا، فأولاده كذلك يُعصبهم، لكن بشرطين:
أحدهما: أن يكون أولاده من ..... ليست أمه حرَّة الأصل، أما إن كانت حرَّة الأصل فهم يتبعونها؛ لا ولاء عليهم.
أو كانت رقيقًا؛ مسَّهم رقّ، وهم أرقاء لسيد أمِّهم، فإذا كان من ذرية ..... صار ولاؤهم لمعتِق أبيهم.
أمَّا إن كان الأولادُ من حرة الأصل أو أرقاء قد مسَّهم رقٌّ فولاؤهم لمن أعتقهم.
والمولود تبعٌ لأمه حريةً ورقًّا.
الشيخ: أما المولود حريةً ورقًّا فتبع للأم؛ إذا كانت أمُّه رقيقةً فأولادها أرقاء لسيدها، وإذا كانت حرةً فأولادها أحرار، هم تبعٌ لها.
حاشية: إلَّا في صورتين:
إحداهما: إذا كان الزوجُ مغرورًا بالأمة؛ بأن تزوجها يظنّها حرةً، أو على أنها حرة، فبانت أمةً؛ فإن أولاده منها أحرار، وعليه فداؤهم لسيدها، ويرجع بالفداء على مَن غرَّه. وتحرير بقية البحث في الفداء يُعرف من كتب الفقه المُطولة.
الثانية: إذا تزوج شخصٌ أمةً، وشرط على سيدها أن أولاده منها أحرار؛ صحَّ الشرطُ ولم يتبعوها في الرقِّ.
الشيخ: وهذا مُستثنًى، الأصل أنَّ أولاد الرَّقيقة تبع الرقيقة لسيدها، إلا في حالتين فإنهم لا يكونون أرقاء:
إحداهما: إذا كان الزوجُ مغرورًا، زوَّجوه على أنها حرَّة فبانت أمة، فأولادها أحرار؛ لأنه مغرور، وعليه الفداء؛ فداؤهم لسيدها بقيمتهم وقت الفداء، ويرجع بالقيمة على مَن غرَّه؛ إن كان السيدُ الذي غرَّه فما له شيء، وإن كان الذي غرَّه أجنبي يرجع على مَن غرَّه.
الحالة الثانية: إذا شرط قال: ترى أولادي أحرار، تتزوج الأمةُ من سيدها على أنَّ أولادها أحرار، شرط، والمسلمون على شروطهم، فيكون أولاده أحرارًا.
الشيخ: الولد من جهة الدِّين يتبع خير أبويه، إذا وُلد مولودٌ بين مسلمٍ وكافرٍ فهو تبع المسلم، سواء الأب أو الأم، إن كانت الأم كتابيةً والأب مسلمًا؛ فإنَّ أولادهما مسلمون تبع الأب، أما كون الأب كافرًا والأم مسلمةً فهذا ما يُتصور؛ لأنه ما يجوز نكاح الكافر للمسلمة، لكن قد يتصور من جهة لو غرَّت به، فلا يتبعونه، يتبعون المسلمة.
الحاصل أنَّ الولد في الدِّين يتبع خير أبويه.
س: الكتابي إذا تزوج مجوسيةً؟
ج: يتبع الكتابي؛ لأنَّ اليهود والنصارى خير من المجوس، نسأل الله العافية.
والولاء يتبع الأب كالنَّسب، وقد يكون لموالي الأم في صورةٍ واحدةٍ، وهي: ما إذا تزوج رقيقٌ مُحررةً فولدت منه، فإنَّ ولاء أولادها لمواليها، وقد ينجرُّ إلى موالي الأب بثلاثة شروط:
أحدها: أن تكون الأم محررةً.
الثاني: أن يكون الأب حال الولادة رقيقًا.
الثالث: أن يُعتق الأبُ قبل أن يموت.
الشيخ: وهذا قد يقع، قد يتصور كون موالي الأم إذا كان الأب رقيقًا، فإذا أعتق انجرَّ من موالي الأم إلى موالي الأب.
الثالث من الأسباب: النَّسب، وهو القرابة، والقرابة تشمل أصولًا وفروعًا وحواشيَ:
فالأصول: الآباء والأمهات والأجداد والجدات وإن علوا.
والفروع: الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا.
والحواشي: الإخوة وبنوهم وإن نزلوا، والعمومة وإن علوا، وبنوهم وإن نزلوا.
الشيخ: النَّسب يشمل هذا كله؛ لأنَّ الأسباب: نكاح، وولاء، ونسب. والولاء تقدم -ولاء العتق- والنَّسب هو القرابة، يحصل بها الإرث، فهي تشمل الأصول: الآباء والأجداد والأمهات. وتشمل الفروع: من الأولاد وأولاد البنين. وتشمل الحواشي: وهم الإخوة وبنوهم، والعمومة وبنوهم، يُقال لهم: حواشٍ على جوانب؛ لأنَّ النَّسب ثلاثة أقسام: فرع نازل، وأصل مرتفع إلى آدم، والحواشي: الإخوة والعمومة وأولادهم، هؤلاء يُقال لهم: الحواشي، كلهم داخلون في النَّسب، فقد يرث الإنسانَ أبوه، قد يرثه جده، قد ترثه أمه وأبوه، وقد يرثه أولاده، وقد لا يكون أحد من آبائه، ولا من أولاده، فيرثه أخوه أو عمه، مثل هذا واقع.
مُداخلة: تخريج حديث عبدالله بن عمرو: العلم ثلاثة.
الشيخ: نعم.
الطالب: حدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ: حدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ: حدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ الْمَعَافِرِيُّ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ التَّنُوخِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ، فَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ فَضْلٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ، أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ، أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ.
وأخرجه أبو داود في "سننه" في "الفرائض" باب "ما جاء في تعليم الفرائض"، وابن ماجه في "المقدمة" باب "اجتناب الرأي والقياس"، والدَّارقطني، والبيهقي في "سننه" في "الفرائض" باب "الحث على تعليم الفرائض"، وابن عبد البرِّ في "جامع بيان العلم"، والبغوي في "شرح السنة"، جميعهم من طريق عبدالرحمن بن زياد، به مثله، عدا البغوي فنحوه، وإلا ابن ماجه فإنه قال: "وراء" بدل من قوله: "سوى"، والباقي مثله.
والحديث سكت عنه الحاكمُ، وسكت عنه الذَّهبي، وفي سنده عبدالرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وتقدم أنه ضعيف في حفظه.
وفي سنده أيضًا عبدالرحمن بن رافع التَّنوخي المصري قاضي أفريقيا، وهو ضعيف، فالحديث ضعيف بهذا الإسناد؛ لضعف الإفريقي والتَّنوخي.
وفي زيادة في تخريج أحاديث "الإحياء" قال ﷺ: إنما العلم آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة.
أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث عبدالله بن عمرو، وقد رواه ابن عبد البر مع الحديث السابق عن أبي هريرة، قاله العراقي.
وفي "تجريد الصحاح" لرزين، من طريق النَّسائي عن ابن عمرو رفعه: العلم ثلاثة، وما سوى ذلك فضل: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة.
وفي "القوت": ويُروى: العلم ثلاثة: آية محكمة، وسنة قائمة، ولا أدري، وأخرجه أبو نعيم في "رياضة المتعلمين" بمثل رواية النَّسائي، تقدم قريبًا قبل هذا، وهو آخر الحديث.
ورواه كذلك أبو داود وابن ماجه -كما تقدم عن العراقي- من رواية عبدالرحمن بن زياد، عن عبدالرحمن بن رافع، عن ابن عمرو.
ورواه الطبراني في "الكبير"، وأبو نعيم في الكتاب المذكور من رواية إسماعيل بن عياش، عن عبدالرحمن بن زياد، عن عبدالله بن يزيد، عن ابن عمرو.
قال العراقي: وقد ورد موقوفًا على ابن عمر نحوه: رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية حصين، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر.
ورواية الدَّارقطني من رواية عمر بن عصام، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمرو رضي الله عنهما: العلم ثلاثة: كتاب ناطق، وسنة ماضية، ولا أدري، وأخرجه الخطيب أيضًا هكذا، قال: تابعه أبو طاهر محمد بن موسى المقدسي، وأبو حذافة السَّهمي. قال: وخالفه سعيد بن داود الزبيري. ورواه عن مالك، عن داود بن حصين، عن طاووس، عن ابن عمر.
قلتُ: ويحمل أن المصنف أوردهما على أنهما حديث واحد، فإنه عقبه بقوله: والله أعلم.
وفي الخبر: العلم ثلاثة: كتاب ناطق أي: بيِّنٌ واضحٌ وسنة قائمة أي: ثابتة، دائمة، مُحافظ عليها، معمول بها عملًا متَّصلًا، وفي روايةٍ: ماضية أي: جارية، مستمرة، ولا أدري أي: قول المُجيب لمَن سأله عن مسألةٍ لا يعلم حكمها: لا أدري. هكذا أورده صاحب "القوت".
قال العراقي: وأخرجه الدَّارقطني في "غرائب مالك"، والخطيب في "أسماء من روى عن مالك" رواية عمر بن عصام، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفًا عليه.
وقد رواه ابن عدي في "الكامل" في ترجمة أبي حُذافة السَّهمي عن مالك، قال: هذا من منكرات أبي حُذافة، سرقه من عمر. قال العراقي: ولم يُصرح المُصنف بأنه مرفوع، وإنما قاله في الخبر.
والظاهر أنه أراد هذا فذكر باحتياطٍ؛ لاحتمال أن يكون رُوي مرفوعًا، قلت: والمصنف تبع في ذلك صاحب "القوت"، فإنه هو الذي قال: وفي الخبر.
ثم إنَّ الحديث المذكور رواه أيضًا الدَّيلمي في "الفردوس" موقوفًا، وكذلك أبو نعيم، والطبراني في "الأوسط".
وقال الحافظ ابن حجر: والموقوف حسن الإسناد.
ثم قال العراقي: وأول الحديث مرفوع من رواية عبدالله بن عمرو، رواه أبو داود وابن ماجه من رواية عبدالرحمن بن زياد بن أنعم، عن عبدالرحمن بن رافع، عن عبدالله بن عمرو رفعه: العلم ثلاثة، وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة، وسكت عليه.
وقد أخرجه أيضًا الحاكم في "الرقاق"، قد قال الذَّهبي في "المهذب" -وتبعه الزركشي- في عبدالرحمن بن أنعم: ضعيف. وقال في "المنار": فيه أيضًا عبدالرحمن بن رافع التَّنوخي، في أحاديثه مناكير. قال المناوي: وفي طريق ابن ماجه رشدين بن سعد، وهو ضعيف، ومن ثمَّ قال ابن رجبٍ: فيه ضعفاء مشهورون. اهـ.
الشيخ: لكنه بهذه الطرق يرتقي إلى الحسن؛ ولهذا سكت عنه أبو داود، يقول: وحيث لا فصالح خرجته. إذا ما بيَّن الضعف فهو صالح للاحتجاج، ولعله سكت عليه لأنَّ له شواهد وطرقًا أخرى، وشاهد الموقوف على ابن عمر، ثم المعنى صحيح، فهذا العلم، العلم: القرآن والسنة الصحيحة، هذا العلم، والفريضة مأخوذة من القرآن، علم المواريث مأخوذ من القرآن والسنة، فريضة عادلة هذه مأخوذة من الكتاب والسنة، وفي اللفظ الآخر: ولا أدري، كون الإنسان يقول: "لا أدري" عمَّا لا يعلم هذا علم عظيم، لا يتكلف، إمَّا علم قرآن وسنة، وإما لا أدري، الله أعلم، هذا ..... صحيح، هذا من دلائل صحته في المعنى؛ لهذه الشواهد، ولصحة المعنى من حيث أنَّ العلم هو هكذا، المعنى: ما كان من طريق القرآن أو السنة هذا هو العلم الشرعي، وإن لم يكن هكذا فلا أدري، الله أعلم، من علم العالم، ومن فقه العالم، ومن ورع العالم أن يقول: لا أدري، إن كان ما عنده كتاب ولا سنة يقول: لا أدري، إلا إذا تيسر له استنباط من تفقه، من قواعد يُبين.