03 فصل في نسبه صلى الله عليه وسلم

فَصْلٌ

فِي نَسَبِهِ ﷺ

وَهُوَ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ نَسَبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَلِنَسَبِهِ مِنَ الشَّرَفِ أَعْلَى ذِرْوَةٍ، وَأَعْدَاؤُهُ كَانُوا يَشْهَدُونَ لَهُ بِذَلِكَ؛ وَلِهَذَا شَهِدَ لَهُ بِهِ عَدُوُّهُ إِذْ ذَاكَ أبو سفيان بَيْنَ يَدَيْ مَلِكِ الرُّومِ، فَأَشْرَفُ الْقَوْمِ قَوْمُهُ، وَأَشْرَفُ الْقَبَائِلِ قَبِيلَتُهُ، وَأَشْرَفُ الْأَفْخَاذِ فَخِذُهُ.

فَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ.

إِلَى هَاهُنَا مَعْلُومُ الصِّحَّةِ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ النَّسَّابِينَ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ الْبَتَّةَ، وَمَا فَوْقَ "عدنان" مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ "عدنان" مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

الشيخ: يعني: وإنما اختلفوا في الآباء التي بين إسماعيل وبين عدنان: هل خمسة آباء، أو ستة آباء، أو سبعة آباء، أو أكثر؟ وفي أسمائهم، ولا شكَّ أنَّ عدنان من ولد إسماعيل، من أحفاد إسماعيل، لكن اختلفوا في عدد الأسماء فقط التي بين عدنان وبين إسماعيل، وأما ..... جدًّا من عبد المطلب إلى عدنان، فهو موضوع، وبنو هاشم هم أشرف قبائل قريش، وقريش هي أشرف القبائل، فكان عليه الصلاة والسلام خيارًا من خيارٍ من خيارٍ، كما جاء في هذا الحديث عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا لما قال قيصر لأبي سفيان: هو فيكم ذو نسبٍ؟ قال: نعم، هو فينا ذو نسبٍ.

وَإِسْمَاعِيلُ هُوَ الذَّبِيحُ عَلَى الْقَوْلِ الصَّوَابِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.

وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ إِسْحَاقُ فَبَاطِلٌ بِأَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا، وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ -قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ- يَقُولُ: هَذَا الْقَوْلُ إِنَّمَا هُوَ مُتَلَقًّى عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، مَعَ أَنَّهُ بَاطِلٌ بِنَصِّ كِتَابِهِمْ؛ فَإِنَّ فِيهِ: "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ بِكْرَهُ"، وَفِي لَفْظٍ: "وَحِيدَهُ"، وَلَا يَشُكُّ أَهْلُ الْكِتَابِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ هُوَ بِكْرُ أَوْلَادِهِ.

وَالَّذِي غَرَّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ: "اذْبَحِ ابْنَكَ إِسْحَاقَ". قَالَ: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ تَحْرِيفِهِمْ وَكَذِبِهِمْ؛ لِأَنَّهَا تُنَاقِضُ قَوْلَهُ: "اذْبَحْ بِكْرَكَ وَوَحِيدَكَ"، وَلَكِنَّ الْيَهُودَ حَسَدَتْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ عَلَى هَذَا الشَّرَفِ، وَأَحَبُّوا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ، وَأَنْ يَسُوقُوهُ إِلَيْهِمْ، وَيَحْتَازُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ دُونَ الْعَرَبِ، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ فَضْلَهُ لِأَهْلِهِ.

وَكَيْفَ يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الذَّبِيحَ إِسْحَاقُ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ بَشَّرَ أُمَّ إِسْحَاقَ بِهِ وَبِابْنِهِ يَعْقُوبَ، فَقَالَ تَعَالَى عَنِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا لِإِبْرَاهِيمَ لَمَّا أَتَوْهُ بِالْبُشْرَى: لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ۝ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:70- 71]؟! فَمُحَالٌ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِأَنَّهُ يَكُونُ لَهَا وَلَدٌ، ثُمَّ يَأْمُرَ بِذَبْحِهِ.

الشيخ: أنها يكون لها ولدٌ، له ولد؛ لأنَّ إسحاق ولده يعقوب، وقد بُشرت بهما جميعًا: بإسحاق، وبابنه يعقوب.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ يَعْقُوبَ دَاخِلٌ فِي الْبِشَارَةِ، فَتَنَاوُلُ الْبِشَارَةِ لِإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فِي اللَّفْظِ وَاحِدٌ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْكَلَامِ وَسِيَاقُهُ.

الشيخ: يعني بهذا يُعلم أنه لم يأمر بذبحه صغيرًا قبل أن يُولَد له؛ لأنَّ الذبح جاء وهو صغير، لما بلغ معه السَّعي وهو صغير قبل .....

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ لَكَانَ "يَعْقُوبُ" مَجْرُورًا؛ عَطْفًا عَلَى إِسْحَاقَ، فَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ: وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71] أَيْ: وَيَعْقُوبُ مِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ.

الشيخ: أي: "يعقوبَ" عطفًا على إسحاق ..... بإسحاق ويعقوب يعني، هذا وجه الإيراد يعني.

قِيلَ: لَا يَمْنَعُ الرَّفْعُ أَنْ يَكُونَ يَعْقُوبُ مُبَشَّرًا بِهِ؛ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ قَوْلٌ مَخْصُوصٌ، وَهِيَ أَوَّلُ خَبَرٍ سَارٍّ صَادِقٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71] جُمْلَةٌ مُتَضَمِّنَةٌ لِهَذِهِ الْقُيُودِ، فَتَكُونُ بِشَارَةً، بَلْ حَقِيقَةُ الْبِشَارَةِ هِيَ الْجُمْلَةُ الْخَبَرِيَّةُ، وَلَمَّا كَانَتِ الْبِشَارَةُ قَوْلًا كَانَ مَوْضِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ نَصْبًا عَلَى الْحِكَايَةِ بِالْقَوْلِ، كَأَنَّ الْمَعْنَى: وَقُلْنَا لَهَا: مِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبُ، وَالْقَائِلُ إِذَا قَالَ: بَشَّرْتُ فُلَانًا بِقُدُومِ أَخِيهِ وَثِقَلِهِ فِي أَثَرِهِ، لَمْ يُعْقَلْ مِنْهُ إِلَّا بِشَارَتُهُ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا.

الشيخ: ثقله في أثره، مثل: وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71] يعني: داخل البشارة .....

س: .............؟

ج: نعم، ثقله في أثره .....

وَالْقَائِلُ إِذَا قَالَ: بَشَّرْتُ فُلَانًا بِقُدُومِ أَخِيهِ وَثِقَلِهِ فِي أَثَرِهِ، لَمْ يُعْقَلْ مِنْهُ إِلَّا بِشَارَتُهُ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، هَذَا مِمَّا لَا يَسْتَرِيبُ ذُو فَهْمٍ فِيهِ الْبَتَّةَ.

ثُمَّ يُضْعِفُ الْجَرَّ أَمْرٌ آخَرُ، وَهُوَ ضَعْفُ قَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ وَمِنْ بَعْدِهِ عَمْرٍو؛ وَلِأَنَّ الْعَاطِفَ يَقُومُ مَقَامَ حَرْفِ الْجَرِّ، فَلَا يُفْصَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْرُورِ، كَمَا لَا يُفْصَلُ بَيْنَ حَرْفِ الْجَرِّ وَالْمَجْرُورِ.

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا ذَكَرَ قِصَّةَ إِبْرَاهِيمَ وَابْنِهِ الذَّبِيحِ فِي سُورَةِ "الصَّافَّاتِ" قَالَ: فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ۝ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ۝ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ۝ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ۝ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ۝ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ۝ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ۝ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ۝ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ [الصافات:103- 111]، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات:112]، فَهَذِهِ بِشَارَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ؛ شُكْرًا عَلَى صَبْرِهِ عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا فِي أَنَّ الْمُبَشَّرَ بِهِ غَيْرُ الْأَوَّلِ، بَلْ هُوَ كَالنَّصِّ فِيهِ.

الشيخ: لأنَّه قال قبله: فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ [الصافات:101]، والغلام الحليم هو إسماعيل، ثم جاءت البشارةُ بعده بإسحاق.

فَإِنْ قِيلَ: فَالْبِشَارَةُ الثَّانِيَةُ وَقَعَتْ عَلَى نُبُوَّتِهِ، أَيْ: لَمَّا صَبَرَ الْأَبُ عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ، وَأَسْلَمَ الْوَلَدُ لِأَمْرِ اللَّهِ؛ جَازَاهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ أَعْطَاهُ النُّبُوَّةَ.

قِيلَ: الْبِشَارَةُ وَقَعَتْ عَلَى الْمَجْمُوعِ: عَلَى ذَاتِهِ وَوُجُودِهِ، وَأَنْ يَكُونَ نَبِيًّا؛ وَلِهَذَا نُصِبَ "نَبِيًّا" عَلَى الْحَالِ الْمُقَدَّرِ، أَيْ: مُقَدَّرًا نُبُوَّتهُ، فَلَا يُمْكِنُ إِخْرَاجُ الْبِشَارَةِ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَصْلِ، ثُمَّ تُخَصُّ بِالْحَالِ التَّابِعَةِ الْجَارِيَةِ مَجْرَى الْفَضْلَةِ، هَذَا مُحَالٌ مِنَ الْكَلَامِ، بَلْ إِذَا وَقَعَتِ الْبِشَارَةُ عَلَى نُبُوَّتِهِ فَوُقُوعُهَا عَلَى وُجُودِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى.

وَأَيْضًا فَلَا رَيْبَ أَنَّ الذَّبِيحَ كَانَ بِمَكَّةَ؛ وَلِذَلِكَ جُعِلَتِ الْقَرَابِينُ يَوْمَ النَّحْرِ بِهَا، كَمَا جُعِلَ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ تَذْكِيرًا لِشَأْنِ إِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ، وَإِقَامَةً لِذِكْرِ اللَّهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ وَأُمَّهُ هُمَا اللَّذَانِ كَانَا بِمَكَّةَ دُونَ إِسْحَاقَ وَأُمِّهِ؛ وَلِهَذَا اتَّصَلَ مَكَانُ الذَّبْحِ وَزَمَانُهُ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ الَّذِي اشْتَرَكَ فِي بِنَائِهِ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ، وَكَانَ النَّحْرُ بِمَكَّةَ مِنْ تَمَامِ حَجِّ الْبَيْتِ الَّذِي كَانَ عَلَى يَدِ إِبْرَاهِيمَ وَابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ زَمَانًا وَمَكَانًا، وَلَوْ كَانَ الذَّبْحُ بِالشَّامِ كَمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْكِتَابِ وَمَنْ تَلَقَّى عَنْهُمْ لَكَانَتِ الْقَرَابِينُ وَالنَّحْرُ بِالشَّامِ، لَا بِمَكَّةَ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ سَمَّى الذَّبِيحَ: حَلِيمًا؛ لِأَنَّهُ لَا أَحْلَمَ مِمَّنْ أَسْلَمَ نَفْسَهُ لِلذَّبْحِ طَاعَةً لِرَبِّهِ، وَلَمَّا ذَكَرَ إِسْحَاقَ سَمَّاهُ: عَلِيمًا، فَقَالَ تَعَالَى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ۝ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ إِلَى أَنْ قَالَ: {قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات:24- 28]، وَهَذَا إِسْحَاقُ بِلَا رَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ مِنِ امْرَأَتِهِ، وَهِيَ الْمُبَشَّرَةُ بِهِ، وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَمِنَ السُّرِّيَّةِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُمَا بُشِّرَا بِهِ عَلَى الْكِبَرِ وَالْيَأْسِ مِنَ الْوَلَدِ، وَهَذَا بِخِلَافِ إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ ذَلِكَ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَجْرَى الْعَادَةَ الْبَشَرِيَّةَ أَنَّ بِكْرَ الْأَوْلَادِ أَحَبُّ إِلَى الْوَالِدَيْنِ مِمَّنْ بَعْدَهُ، وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا سَأَلَ رَبَّهُ الْوَلَدَ، وَوَهَبَهُ لَهُ، تَعَلَّقَتْ شُعْبَةٌ مِنْ قَلْبِهِ بِمَحَبَّتِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا، وَالْخُلَّةُ مَنْصِبٌ يَقْتَضِي تَوْحِيدَ الْمَحْبُوبِ بِالْمَحَبَّةِ، وَأَنْ لَا يُشَارِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِيهَا، فَلَمَّا أَخَذَ الْوَلَدُ شُعْبَةً مِنْ قَلْبِ الْوَالِدِ جَاءَتْ غَيْرَةُ الْخُلَّةِ تَنْتَزِعُهَا مِنْ قَلْبِ الْخَلِيلِ، فَأَمَرَهُ بِذَبْحِ الْمَحْبُوبِ، فَلَمَّا أَقْدَمَ عَلَى ذَبْحِهِ وَكَانَتْ مَحَبَّةُ اللَّهِ أَعْظَمَ عِنْدَهُ مِنْ مَحَبَّةِ الْوَلَدِ خَلَصَتِ الْخُلَّةُ حِينَئِذٍ مِنْ شَوَائِبِ الْمُشَارَكَةِ.

الشيخ: وذلك لأنَّ الخلَّة هي أعلى المحبَّة وأكملها، ولما كانت محبَّةُ الولد قد أخذت شعبةً من قلب الخليل، كأنَّ القصةَ في أمره بالذَّبح مما يُخلص هذا القلب ويُصفيه ويجعله نهايةً من المحبَّة لله ؛ ولهذا آثر حبَّ ربه وتعظيمه على حبِّ ولده، وامتثل الأمرَ بذبحه طاعةً لله، وتعظيمًا له، والله المستعان.

فَلَمْ يَبْقَ فِي الذَّبْحِ مَصْلَحَةٌ؛ إِذْ كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ إِنَّمَا هِيَ فِي الْعَزْمِ وَتَوْطِينِ النَّفْسِ عَلَيْهِ، فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، فَنُسِخَ الْأَمْرُ، وَفُدِيَ الذَّبِيحُ، وَصَدَّقَ الْخَلِيلُ الرُّؤْيَا، وَحَصَلَ مُرَادُ الرَّبِّ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الِامْتِحَانَ وَالِاخْتِبَارَ إِنَّمَا حَصَلَ عِنْدَ أَوَّلِ مَوْلُودٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَحْصُلَ فِي الْمَوْلُودِ الْآخَرِ دُونَ الْأَوَّلِ، بَلْ لَمْ يَحْصُلْ عِنْدَ الْمَوْلُودِ الْآخَرِ مِنْ مُزَاحَمَةِ الْخُلَّةِ مَا يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِذَبْحِهِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الظُّهُورِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ سارةَ امْرَأَةَ الْخَلِيلِ ﷺ غَارَتْ مِنْ هاجر وَابْنِهَا أَشَدَّ الْغَيْرَةِ؛ فَإِنَّهَا كَانَتْ جَارِيَةً، فَلَمَّا وَلَدَتْ إِسْمَاعِيلَ وَأَحَبَّهُ أَبُوهُ اشْتَدَّتْ غَيْرَةُ سارة، فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُبْعِدَ عَنْهَا هاجر وَابْنَهَا، وَيُسْكِنَهَا فِي أَرْضِ مَكَّةَ؛ لِتَبْرُدَ عَنْ سارة حَرَارَةُ الْغَيْرَةِ، وَهَذَا مِنْ رَحْمَتِهِ تَعَالَى وَرَأْفَتِهِ، فَكَيْفَ يَأْمُرُهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ هَذَا أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهَا وَيَدَعَ ابْنَ الْجَارِيَةِ بِحَالِهِ؟! هَذَا مَعَ رَحْمَةِ اللَّهِ لَهَا وَإِبْعَادِ الضَّرَرِ عَنْهَا، وَجَبْرِهِ لَهَا، فَكَيْفَ يَأْمُرُ بَعْدَ هَذَا بِذَبْحِ ابْنِهَا دُونَ ابْنِ الْجَارِيَةِ؟! بَلْ حِكْمَتُهُ الْبَالِغَةُ اقْتَضَتْ أَنْ يَأْمُرَ بِذَبْحِ وَلَدِ السُّرِّيَّةِ، فَحِينَئِذٍ يَرِقُّ قَلْبُ السَّيِّدَةِ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا، وَتَتَبَدَّلُ قَسْوَةُ الْغَيْرَةِ رَحْمَةً، وَيَظْهَرُ لَهَا بَرَكَةُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ بَيْتًا هَذِهِ وَابْنُهَا مِنْهُمْ.

وَلِيُرِيَ عِبَادَهُ جَبْرَهُ بَعْدَ الْكَسْرِ، وَلُطْفَهُ بَعْدَ الشِّدَّةِ، وَأَنَّ عَاقِبَةَ صَبْرِ هاجر وَابْنِهَا عَلَى الْبُعْدِ وَالْوَحْدَةِ وَالْغُرْبَةِ وَالتَّسْلِيمِ إِلَى ذَبْحِ الْوَلَدِ آلَتْ إِلَى مَا آلَتْ إِلَيْهِ مِنْ جَعْلِ آثَارِهِمَا وَمَوَاطِئِ أَقْدَامِهِمَا مَنَاسِكَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمُتَعَبَّدَاتٍ لَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَهَذِهِ سُنَّتُهُ تَعَالَى فِيمَنْ يُرِيدُ رَفْعَهُ مِنْ خَلْقِهِ: أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ بَعْدَ اسْتِضْعَافِهِ وَذُلِّهِ وَانْكِسَارِهِ، قَالَ تَعَالَى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ [القصص:5]، وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، واللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

وَلْنَرْجِعْ إِلَى الْمَقْصُودِ مِنْ سِيرَتِهِ ﷺ وَهَدْيِهِ وَأَخْلَاقِهِ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ وُلِدَ ﷺ بِجَوْفِ مَكَّةَ، وَأَنَّ مَوْلِدَهُ كَانَ عَامَ الْفِيلِ، وَكَانَ أَمْرُ الْفِيلِ تَقْدِمَةً قَدَّمَهَا اللَّهُ لِنَبِيِّهِ وَبَيْتِهِ، وَإِلَّا فَأَصْحَابُ الْفِيلِ كَانُوا نَصَارَى، أَهْلَ كِتَابٍ، وَكَانَ دِينُهُمْ خَيْرًا مِنْ دِينِ أَهْلِ مَكَّةَ إِذْ ذَاكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عُبَّادَ أَوْثَانٍ، فَنَصَرَهُمُ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ نَصْرًا لَا صُنْعَ لِلْبَشَرِ فِيهِ؛ إِرْهَاصًا وَتَقْدِمَةً لِلنَّبِيِّ ﷺ الَّذِي خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ، وَتَعْظِيمًا لِلْبَيْتِ الْحَرَامِ.

وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاةِ أَبِيهِ عبدالله: هَلْ تُوُفِّيَ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَمْلٌ، أَوْ تُوُفِّيَ بَعْدَ وِلَادَتِهِ؟

عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ تُوُفِّيَ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَمْلٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ تُوُفِّيَ بَعْدَ وِلَادَتِهِ بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ.

وَلَا خِلَافَ أَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ "بِالْأَبْوَاءِ" مُنْصَرَفَهَا مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ زِيَارَةِ أَخْوَالِهِ، وَلَمْ يَسْتَكْمِلْ إِذْ ذَاكَ سَبْعَ سِنِينَ.

وَكَفَلَهُ جَدُّهُ عبدُ المطلب، وَتُوُفِّيَ وَلِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَحْوُ ثَمَانِ سِنِينَ.

الشيخ: والمعنى أنه ﷺ عاش يتيمًا من أمه وأبيه، عاش يتيمًا من أمه وأبيه عليه الصلاة والسلام: فأبوه مات وهو حمل، وأمه ماتت وهو صغير قبل السبع سنين: إما خمس، أو حولها، فعاش يتيمًا من أبيه وأمه في حجر جدِّه عبد المطلب، ثم في حجر عمِّه أبي طالب، فلم يضرّه اليُتم، ولا ذهاب الوالدين، بل أنبته الله نباتًا حسنًا، ثم أعطاه النُّبوة والرسالة عليه الصلاة والسَّلام.

وَتُوُفِّيَ وَلِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَحْوُ ثَمَانِ سِنِينَ، وَقِيلَ: سِتّ، وَقِيلَ: عَشْر، ثُمَّ كَفَلَهُ عَمُّهُ أبو طالب، وَاسْتَمَرَّتْ كَفَالَتُهُ لَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً خَرَجَ بِهِ عَمُّهُ إِلَى الشَّامِ، وَقِيلَ: كَانَتْ سِنُّهُ تِسْعَ سِنِينَ.

وَفِي هَذِهِ الْخَرْجَةِ رَآهُ بحيرى الراهب، وَأَمَرَ عَمَّهُ أَلَّا يَقْدَمَ بِهِ إِلَى الشَّامِ؛ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنَ الْيَهُودِ، فَبَعَثَهُ عَمُّهُ مَعَ بَعْضِ غِلْمَانِهِ إِلَى مَكَّةَ.

وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الترمذي وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُ بلالًا. وَهُوَ مِنَ الْغَلَطِ الْوَاضِحِ؛ فَإِنَّ بلالًا إِذْ ذَاكَ لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا، وَإِنْ كَانَ فَلَمْ يَكُنْ مَعَ عَمِّهِ، وَلَا مَعَ أبي بكر.

وَذَكَرَ البزار فِي "مُسْنَدِهِ" هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَقُلْ: وَأَرْسَلَ مَعَهُ عَمُّهُ بلالًا، وَلَكِنْ قَالَ: رَجُلًا.

فَلَمَّا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فِي تِجَارَةٍ، فَوَصَلَ إِلَى "بُصْرَى"، ثُمَّ رَجَعَ فَتَزَوَّجَ عَقِبَ رُجُوعِهِ خديجة بنت خويلد، وَقِيلَ: تَزَوَّجَهَا وَلَهُ ثَلَاثُونَ سَنَةً. وَقِيلَ: إِحْدَى وَعِشْرُونَ. وَسِنُّهَا أَرْبَعُونَ، وَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا، وَأَوَّلُ امْرَأَةٍ مَاتَتْ مِنْ نِسَائِهِ، وَلَمْ يَنْكِحْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا، وَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا.

ثُمَّ حَبَّبَ اللَّهُ إِلَيْهِ الْخَلْوَةَ وَالتَّعَبُّدَ لِرَبِّهِ، وَكَانَ يَخْلُو بِـ"غَارِ حِرَاءٍ" يَتَعَبَّدُ فِيهِ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، وَبُغِّضَتْ إِلَيْهِ الْأَوْثَانُ وَدِينُ قَوْمِهِ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ.

الشيخ: وفي هذا دلالة على أنه ﷺ خرج في تجارةٍ لخديجة، ثم رجع من الشام وخطبته على نفسها خديجة؛ لما بلغها من أمانته وصدقه وحُسن تصرفه عليه الصلاة والسلام، فأحبَّته كثيرًا، وخطبته إلى نفسها، وتزوَّجها عليه الصلاة والسلام وكان ابن خمسٍ وعشرين سنةً، وكانت بنت أربعين.

فدلَّ ذلك على أنه لا حرجَ أن يتزوج الشابُّ الكبيرةَ العاقلةَ التي في سنِّ الأربعين، ولا حرج في أن يكون سنُّ الزوجين مختلفًا: بأن تكون أصغر منه، أو يكون أصغر منها، لا حرج في ذلك، بخلاف ما يظنُّه أهلُ هذا الزمان من دُعاة الفساد ودُعاة الشَّر الذين يدعون إلى أن يكون سنُّ الزوج وسنُّ الزوجة سواء سواء، ويعيبون مَن زاد سنُّه على زوجته، أو زاد سنُّها عليه، هذا كله من الباطل، ومن الخرافات، ومن دسائس الأعداء؛ حتى يقدحوا فيما مضى من فعل النبيِّ ﷺ، وفعل الصحابة؛ فقد تزوَّج خديجة وهو ابن خمسٍ وعشرين، وهي بنت أربعين، وتزوَّج عائشة وهو ابن ثلاثٍ وخمسين، وهي بنت تسع سنين، بنى عليها وهي بنت تسع سنين، وعقد عليها وهي بنت ستِّ سنين، أو سبع، وليس في هذا محذورٌ ولا نقصٌ، وصار أمرُ الصحابة في ذلك مشهورًا.

الحاصل أنه لا حرج في أن يتزوج الكبيرُ الصغيرةَ، والصغيرةُ الكبيرَ، أو المساوي، لا حرج في هذا، إنما هو التَّراضي: إذا رضيت به ورضي بها فلا حرج في ذلك، ولا نقص، ولا عيب، فكم من كبيرٍ خير من صغيرٍ، وكم من صغيرةٍ خير من كبيرةٍ، وكم من كبيرةٍ خير من صغيرةٍ، هذا يتفاوت ويختلف على حسب ما أعطي الجميع من الدِّيانة والرشاد والاستقامة وحُسن الخلق.

..............

فَلَمَّا كَمُلَ لَهُ أَرْبَعُونَ أَشْرَقَ عَلَيْهِ نُورُ النُّبُوَّةِ، وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِرِسَالَتِهِ، وَبَعَثَهُ إِلَى خَلْقِهِ، وَاخْتَصَّهُ بِكَرَامَتِهِ، وَجَعَلَهُ أَمِينَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ.

وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَبْعَثَهُ ﷺ كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَاخْتُلِفَ فِي شَهْرِ الْمَبْعَثِ:

فَقِيلَ: لِثَمَانٍ مَضَيْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ مِنْ عَامِ الْفِيلِ. هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ.

وَقِيلَ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، قَالُوا: أَوَّلُ مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنُبُوَّتِهِ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ يحيى الصرصري، حَيْثُ يَقُولُ فِي نُونِيَّتِهِ:

وَأَتَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ فَأَشْرَقَتْ شَمْسُ النُّبُوَّةِ مِنْهُ فِي رَمَضَانِ

وَالْأَوَّلُونَ قَالُوا: إِنَّمَا كَانَ إِنْزَالُ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ، ثُمَّ أُنْزِلَ مُنَجَّمًا بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ. أَيْ: فِي شَأْنِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَفَرْض صَوْمِهِ.

وَقِيلَ: كَانَ ابْتِدَاءُ الْمَبْعَثِ فِي شَهْرِ رَجَبٍ.

وَكَمَّلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ مَرَاتِبِ الْوَحْيِ مَرَاتِبَ عَدِيدَةً:

إِحْدَاهَا: الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ: وَكَانَتْ مَبْدَأَ وَحْيِهِ ﷺ، وَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ.

الشيخ: الأظهر قول مَن قال: إنها في رمضان، هذا هو الأظهر، أظهر من قول مَن قال: في ربيع الأول؛ لأنه ﷺ قال: إنَّ جبرائيل أتاه فقال: اقرأ، هذا أول ما جاءه من الوحي، فقرأ سورة "اقرأ" -أولها- وكان ذلك في رمضان، هذا هو الأصل، وهو الأرجح.

أما القول أنها إلى بيت العزة، محل نظرٍ، كما قال: حم ۝ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ۝ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ[الدخان:1- 3]، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، ليس هناك أصرحُ من هذا.

س: .............؟

ج: بلى، كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، لكن ليست هي المرادة .....، وليس هي .....، لكن كانت مبادئ خيرٍ، ومبادئ إشارةٍ.

س: ..............؟

ج: الله أعلم، تحديدها الله أعلم.

الطالب: ...............

الشيخ: هذا الذي أحفظه، هذا حكاه عمَّن قالوا: في ربيع أول، قالوا: الوحي في ربيع أول، وأنزل القرآن إلى بيت العزة في رمضان، أيش بعده؟

الطالب: ............

الشيخ: ..............

الثَّانِيَةُ: مَا كَانَ يُلْقِيهِ الْمَلَكُ فِي رَوْعِهِ وَقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَاهُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ.

الشيخ: حتى تستكمل رزقها وأجلَها، ما عندك؟ المعروف في الحديث: "رزقها وأجلها"، وروعي يعني: قلبي، الروع: القلب.

س: .............؟

ج: لا، يلقى في قلبه.

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَى أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ لَا يُنَالُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ.

الشيخ: أيش قال المحشي عليه؟

الطالب: حديث صحيح بشواهده: أخرجه أبو نعيم في "الحلية" من حديث أبي أمامة، وفي سنده .....، وهو ضعيف، وباقي رجاله ثقات، وأورده الهيثمي في "المجمع"، ونسبه للطبراني في "الكبير"، وأعلَّه .....

الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَتَمَثَّلُ لَهُ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُخَاطِبهُ حَتَّى يَعِيَ عَنْهُ مَا يَقُولُ لَهُ، وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ كَانَ يَرَاهُ الصَّحَابَةُ أَحْيَانًا.

الشيخ: في قصة سؤاله عن الإسلام والإيمان رآه الصحابة.

الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَكَانَ أَشَدَّهُ عَلَيْهِ، فَيَتَلَبَّسُ بِهِ الْمَلَكُ، حَتَّى إِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، وَحَتَّى إِنَّ رَاحِلَتَهُ لِتَبْرُكُ بِهِ إِلَى الْأَرْضِ إِذَا كَانَ رَاكِبَهَا، وَلَقَدْ جَاءَ الْوَحْيُ مَرَّةً كَذَلِكَ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ حَتَّى كَادَتْ تَرُضُّهَا.

الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ يَرَى الْمَلَكَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا، فَيُوحِي إِلَيْهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُوحِيَهُ، وَهَذَا وَقَعَ لَهُ مَرَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي سورة النَّجْمِ.

السَّادِسَةُ: مَا أَوْحَاهُ اللَّهُ وَهُوَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا.

السَّابِعَةُ: كَلَامُ اللَّهِ لَهُ مِنْهُ إِلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةِ مَلَكٍ، كَمَا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ هِيَ ثَابِتَةٌ لِمُوسَى قَطْعًا بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَثُبُوتُهَا لِنَبِيِّنَا ﷺ هُوَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ.

الشيخ: يعني أنَّ الله كلَّمه قال: قد أمضيتُ فريضتي، وخففتُ عن عبادي.

............

السَّادِسَةُ: مَا أَوْحَاهُ اللَّهُ وَهُوَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا.

السَّابِعَةُ: كَلَامُ اللَّهِ لَهُ مِنْهُ إِلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةِ مَلَكٍ.

الشيخ: كأنَّ مُراد المؤلف رحمه الله أنَّ ما حصل في الإسراء والمعراج نوعان: نوع وحي، ونوع كلام.

نوع وحي من طريق الملك، أو وحي وصل إليه من دون أن يسمع كلام الرب.

والنوع الثاني: ما سمعه بأذنه عليه الصلاة والسلام، فيكون لا مُنافاة، لعلَّ بعض ما حصل في المعراج كان وحيًا، وبعضه كان كلامًا، فالأول حين فرض عليه الصَّلاةَ خمسين، ثم خمس وأربعين، إلى آخره، كان من طريق الملك جبرائيل، ثم لما استقرت إلى خمسٍ أوحى الله كلامًا، كلَّمه كلامًا قال: هي خمسٌ، وهي خمسون، قد أمضيتُ فريضتي، وخففتُ عن عبادي.

.............

وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ مَرْتَبَةً ثَامِنَةً، وَهِيَ تَكْلِيمُ اللَّهِ لَهُ كِفَاحًا مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ ﷺ رَأَى رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَإِنْ كَانَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ -بَلْ كُلُّهُمْ- مَعَ عائشةَ، كَمَا حَكَاهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ إِجْمَاعًا لِلصَّحَابَةِ.

الشيخ: وهذا هو الصواب: أنه لم يرَ ربَّه، وإنما كلَّمه من وراء حجابٍ؛ ولهذا قال: رأيتُ نورًا، وفي اللفظ الآخر: نورًا أنَّى أراه، ورواه مسلم ..... رحمه الله، وقال أيضًا: واعلموا أنه لن يرى أحدٌ ربَّه حتى يموت رواه مسلم أيضًا.

فهذا هو الصواب: فلم يرَ أحدٌ ربَّه في هذه الدنيا: لا موسى، ولا محمد، ولا غيرهما، إنما الرؤيا ادُّخرت في الآخرة؛ لأنَّ الرؤيا نعيم عظيم، والدنيا ليست دار النعيم، ولكنها دار الامتحان والكدر، فادَّخر الله الرؤيا لدار الكرامة، دار النعيم في الآخرة؛ ولهذا في حديث صُهيب: فما أُعطوا شيئًا أحبَّ إليهم من النَّظر إلى وجهه. أيش المرتبة الأولى؟

الطالب: وَكَمَّلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ مَرَاتِبِ الْوَحْيِ مَرَاتِبَ عَدِيدَةً:

إِحْدَاهَا: الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ.

الشيخ: لأنَّ رؤيا الأنبياء وحيٌ كما تقدم، لكن هذه الرؤيا قبل أن يكون نبيًّا، فصارت -يعني- رؤيا صادقة، مثلما قالت عائشةُ: "لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح"، توطئةً.

الطالب: .........

الشيخ: كان مولى عائشة ذكوان يُصلي بها من المصحف في الليل في رمضان رضي الله عنها وأرضاها.

فَصْلٌ

فِي خِتَانِهِ ﷺ

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ وُلِدَ مَخْتُونًا مَسْرُورًا، وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ"، وَلَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يُولَدُ مَخْتُونًا.

وَقَالَ الميموني: قُلْتُ لأبي عبدالله: مَسْأَلَةٌ سُئِلْتُ عَنْهَا: خَتَّانٌ خَتَنَ صَبِيًّا فَلَمْ يَسْتَقْصِ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ الْخَتَّانُ جَاوَزَ نِصْفَ الْحَشَفَةِ إِلَى فَوْقٍ، فَلَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّ الْحَشَفَةَ تَغْلُظُ، وَكُلَّمَا غَلُظَتِ ارْتَفَعَ الْخِتَانُ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْخِتَانُ دُونَ النِّصْفِ فَكُنْتُ أَرَى أَنْ يُعِيدَ.

قُلْتُ: فَإِنَّ الْإِعَادَةَ شَدِيدَةٌ جِدًّا، وَقَدْ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِعَادَةِ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي. ثُمَّ قَالَ لِي: فَإِنَّ هَاهُنَا رَجُلًا وُلِدَ لَهُ ابْنٌ مَخْتُونٌ، فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ غَمًّا شَدِيدًا، فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ كَفَاكَ الْمُؤْنَةَ فَمَا غَمُّكَ بِهَذَا؟ انْتَهَى.

الشيخ: وهذا مثلما قال المؤلفُ: أنه وُلد مختونًا مسرورًا، ليس بصحيحٍ، وليس بثابتٍ، بل قد أورده ابنُ الجوزي في "الموضوعات"، وليس هذا من خصائصه ﷺ؛ فإنَّ بعض الناس بعده وقبله يُولَد مختونًا، يعني: ليس له قلفة، يُولد ليس له قلفة تحتاج إلى قطعٍ، فهذه المسائل ليست من الخصائص، لو فُرض أنه صحَّ الحديث ليس من الخصائص، فإذا وُلد الصبي وقلفته مُرتفعة، ما في حاجة إلى قطعٍ، فلا حاجةَ إلى القطع.

وَحَدَّثَنِي صَاحِبُنَا أبو عبدالله محمد بن عثمان الخليلي الْمُحَدِّثُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنَّهُ وُلِدَ كَذَلِكَ، وَأَنَّ أَهْلَهُ لَمْ يَخْتِنُوهُ، وَالنَّاسُ يَقُولُونَ لِمَنْ وُلِدَ كَذَلِكَ: خَتَنَهُ الْقَمَرُ، وَهَذَا مِنْ خُرَافَاتِهِمْ.

الشيخ: نعم، قولهم: "ختنه القمر" هذا من الخرافات، والقمر ليس له تصرُّفٌ في شيءٍ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ خُتِنَ ﷺ يَوْمَ شَقَّ قَلْبَهُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ ظِئْرِهِ حَلِيمَةَ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ جَدَّهُ عبد المطلب خَتَنَهُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَصَنَعَ لَهُ مَأْدُبَةً، وَسَمَّاهُ: مُحَمَّدًا.

قَالَ أَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ: وَفِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ غَرِيبٌ: حَدَّثَنَاهُ أحمد بن محمد بن أحمد: حَدَّثَنَا محمد بن عيسى: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْعَلَّافُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلَانِيُّ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ شُعيبٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ عكرمةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عبد المطلب خَتَنَ النَّبِيَّ ﷺ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَجَعَلَ لَهُ مَأْدُبَةً، وَسَمَّاهُ: مُحَمَّدًا ﷺ.

قَالَ يحيى بن أيوب: طَلَبْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فَلَمْ أَجِدْهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِمَّنْ لَقِيتُهُ إِلَّا عِنْدَ ابن أبي السَّري.

وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاضِلَيْنِ: صَنَّفَ أَحَدُهُمَا مُصَنَّفًا فِي أَنَّهُ وُلِدَ مَخْتُونًا، وَأَجْلَبَ فِيهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا خِطَامَ لَهَا وَلَا زِمَامَ، وَهُوَ كمال الدين ابن طلحة، فَنَقَضَهُ عَلَيْهِ كمال الدين ابن العديم، وَبَيَّنَ فِيهِ أَنَّهُ ﷺ خُتِنَ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ، وَكَانَ عُمُومُ هَذِهِ السُّنَّةِ لِلْعَرَبِ قَاطِبَةً مُغْنِيًا عَنْ نَقْلٍ مُعَيَّنٍ فِيهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: مقصوده أنَّ هذا كان معروفًا عند العرب، ليس الختانُ مجهولًا عندهم، بل هو معروفٌ عندهم الختان، يختنون، فليس ..... يحتاج إلى نقلٍ، فهو ﷺ ختن كما يختن غيره من العرب، كان في حضرة جدِّه عبد المطلب، فهو ختن كما ختن الناس؛ ولهذا رُوي أنه ختنه في يوم سابعه، وجعل له مأدبة طعامٍ.

 

فَصْلٌ

فِي أُمَّهَاتِهِ ﷺ اللَّاتِي أَرْضَعْنَهُ

فَمِنْهُنَّ ثويبة مولاة أبي لهب، أَرْضَعَتْهُ أَيَّامًا، وَأَرْضَعَتْ مَعَهُ أبا سلمة عبدالله بن عبد الأسد المخزومي بِلَبَنِ ابْنِهَا مسروح، وَأَرْضَعَتْ مَعَهُمَا عَمَّهُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَاخْتُلِفَ فِي إِسْلَامِهَا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ أَرْضَعَتْهُ حليمةُ السَّعدية بِلَبَنِ ابْنِهَا عبدالله، أَخِي أنيسة وجدامة -وَهِيَ الشيماء- أَوْلَادِ الحارث بن عبد العُزَّى بن رفاعة السَّعدي، وَاخْتُلِفَ فِي إِسْلَامِ أَبَوَيْهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَرْضَعَتْ مَعَهُ ابْنَ عَمِّهِ: أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ شَدِيدَ الْعَدَاوَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَكَانَ عَمُّهُ حمزة مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَأَرْضَعَتْ أُمُّهُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا وَهُوَ عِنْدَ أُمِّهِ حليمة، فَكَانَ حمزةُ رَضِيعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ جِهَتَيْنِ: مِنْ جِهَةِ ثويبة، وَمِنْ جِهَةِ السعدية.

فَصْلٌ

فِي حَوَاضِنِهِ ﷺ

فَمِنْهُنَّ أُمُّهُ آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب.

وَمِنْهُنَّ ثويبة، وحليمة، والشيماء ابْنَتُهَا، وَهِيَ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، كَانَتْ تَحْضُنُهُ مَعَ أُمِّهَا، وَهِيَ الَّتِي قَدِمَتْ عَلَيْهِ فِي وَفْدِ هَوَازِنَ، فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ، وَأَجْلَسَهَا عَلَيْهِ؛ رِعَايَةً لِحَقِّهَا.

وَمِنْهُنَّ الْفَاضِلَةُ الْجَلِيلَةُ: أم أيمن، بركة الحبشية، وَكَانَ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ، وَكَانَتْ دَايَتَهُ، وَزَوَّجَهَا مِنْ حِبِّهِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أسامة، وَهِيَ الَّتِي دَخَلَ عَلَيْهَا أبو بكر وعمر بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ ﷺ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَا: يَا أم أيمن، مَا يُبْكِيكِ؟ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ! قَالَتْ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ، وَإِنَّمَا أَبْكِي لِانْقِطَاعِ خَبَرِ السَّمَاءِ. فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ فَبَكَيَا.

الشيخ: يعني: تقول لهما: إني لا أبكي من أجل عدم علمي بأنَّ ما عند الله خيرٌ لرسول الله، أنا أعلم يقينًا أنَّ ما عند الله خيرٌ لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكني أبكي لانقطاع الوحي من السَّماء، فهو ينزل عليه الوحي في حياته ﷺ بالأوامر والنَّواهي والتيسير وغير ذلك، فلما تُوفي ﷺ انقطع الوحي، فأنا أبكي لهذا القطع، فهيَّجتهما على البكاء فبكيا رضي الله عنهما.

س: ..............؟

ج: كانت خادمةً له، تحضنه وتخدمه.

س: ..............؟

ج: كأنه جُوزي على هذا، كأنه على جُوزي على هذا الشيء من الراحة بسبب عتقه ثويبة التي أرضعت النبيَّ ﷺ.

س: ..............؟

ج: عندك أيش قال؟

الطالب: باب وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء:23]، قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهب، كان أبو لهب أعتقها، فأرضعت النبيَّ ﷺ، فلما مات أبو لهب أُريه بعض أهله بشر خيبةٍ وسوء حالٍ.

الشيخ: يعني: بسوء حالٍ، نسأل الله العافية.

الطالب: قال له: ماذا لقيتَ؟ قال أبو لهب: ما لقيتُ بعدكم رخاءً، غير أني سقيتُ بهذه. وأشار إلى النّقرة التي تحت إبهامه لعتاقته ثويبة.

الشيخ: الله المستعان، هذا من فضل الله جلَّ وعلا بسبب أن ثُويبة أرضعت النبيَّ ﷺ، وهو أعتقها، فكان هذا نوعًا من الجزاء اليسير الذي سُقي به شربةً يسيرةً بسبب هذا، والله المستعان.

س: .............؟

ج: يُروى هذا، والله المستعان.

فَصْلٌ

فِي مَبْعَثِهِ ﷺ وَأَوَّلِ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ

...........

الشيخ: يُجازون عليها في الدنيا، أعمالهم الصَّالحة يُجازون عليها في الدنيا، فإذا أفضوا إلى الآخرة ليس لهم شيء، نسأل الله العافية، كما قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، نسأل الله السلامة، قد يُستثنى منها، إذا ثبت شيءٌ يكون مُستثنًى، إذا ثبت شيءٌ من هذا يكون شيئًا مُستثنًى، وإلا فهم مثلما جاء في حديث أنسٍ: أنَّ الكافر إذا عمل حسنةً أُطعم بها طعمةً في الدنيا، فإذا أفضى إلى الآخرة لم يجد شيئًا، نسأل الله العافية، وهكذا قوله جلَّ وعلا: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، نسأل الله العافية، فإن ثبت شيءٌ مما قد يقع من التَّخفيف فهذا مُستثنًى مثلما يُروى في هذا، والله المستعان، ومثلما جرى لأبي طالب.

فَصْلٌ

فِي مَبْعَثِهِ ﷺ وَأَوَّلِ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ

بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ، وَهِيَ سِنُّ الْكَمَالِ.

قِيلَ: وَلَهَا تُبْعَثُ الرُّسُلُ.

وَأَمَّا مَا يُذْكَرُ عَنِ الْمَسِيحِ: أَنَّهُ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ وَلَهُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً، فَهَذَا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَثَرٌ مُتَّصِلٌ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ.

وَأَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ: الرُّؤْيَا، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ.

قِيلَ: وَكَانَ ذَلِكَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَمُدَّةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، فَهَذِهِ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالنُّبُوَّةِ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ وَهُوَ بِغَارِ حِرَاءٍ، وَكَانَ يُحِبُّ الْخَلْوَةَ فِيهِ، فَأَوَّلُ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1]. هَذَا قَوْلُ عائشةَ وَالْجُمْهُورِ.

وَقَالَ جابرٌ: أَوَّلُ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ.

وَالصَّحِيحُ قَوْلُ عائشة لِوُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ قَبْلَ ذَلِكَ شَيْئًا.

الثَّانِي: الْأَمْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي التَّرْتِيبِ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْإِنْذَارِ، فَإِنَّهُ إِذَا قَرَأَ فِي نَفْسِهِ أُنْذِرَ بِمَا قَرَأَهُ، فَأَمَرَهُ بِالْقِرَاءَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ بِالْإِنْذَارِ بِمَا قَرَأَهُ ثَانِيًا.

الثَّالِثُ: أَنَّ حَدِيثَ جابر وَقَوْلَهُ: أَوَّلُ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر:1] قَوْلُ جابر، وعائشة أَخْبَرَتْ عَنْ خَبَرِهِ ﷺ عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ.

الرَّابِعُ: أَنَّ حَدِيثَ جابر الَّذِي احْتَجَّ بِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ نُزُولُ الْمَلَكِ عَلَيْهِ أَوَّلًا قَبْلَ نُزُولِ: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، فَإِنَّهُ قَالَ: فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي دَثِّرُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَكَ الَّذِي جَاءَهُ بِحِرَاءٍ أَنْزَلَ عَلَيْهِ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، فَدَلَّ حَدِيثُ جابر عَلَى تَأَخُّرِ نُزُولِ: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، وَالْحُجَّةُ فِي رِوَايَتِهِ، لَا فِي رَأْيِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: والمعنى أنه أول شيءٍ بعد الفترة، بعد اقرأ انقطع الوحي، ثم أنزل الله: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، فهذا هو الجمع بين الرِّوايتين، فجابر روى نزول سورة المدثر بعد نزول سورة "اقرأ"، والله أنزل سورة "اقرأ" أولًا، ثم المدثر، فلا منافاةَ، أول شيءٍ في الإنزال هو "اقرأ"، ثم أول شيءٍ بعد الفترة -فترة الوحي- هو المدثر.

والظاهر أنَّ هذا هو مراد جابر فيما نقله، وهو مراد مَن قال ذلك عند التَّحقيق؛ لأنَّ الحديث صريح في أنَّ أول ما أنزل سورة "اقرأ"، والفترة التي بينهما -بين "اقرأ" والمدثر- فترة فتر فيها الوحي، فصحَّ أن يُقال: أول ما نزل عليه، يعني: بعد الفترة.

فَصْلٌ

فِي تَرْتِيبِ الدَّعْوَةِ

وَلَهَا مَرَاتِبُ:

الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: النُّبُوَّةُ.

الثَّانِيَةُ: إِنْذَارُ عَشِيرَتِهِ الْأَقْرَبِينَ.

الثَّالِثَةُ: إِنْذَارُ قَوْمِهِ.

الرَّابِعَةُ: إِنْذَارُ قَوْمٍ مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِهِ، وَهُمُ الْعَرَبُ قَاطِبَةً.

الْخَامِسَةُ: إِنْذَارُ جَمِيعِ مَنْ بَلَغَتْهُ دَعْوَتُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ.

فَصْلٌ

وَأَقَامَ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ مُسْتَخْفِيًا.

الشيخ: وإنذاره قومه وإنذاره عشيرته بعض إنذاره للناس، الله قال: وَأَنْذِرِ النَّاسَ [إبراهيم:44]، يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ۝ قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر:1- 2]، والمعنى: ينذر الأمةَ كلها، ولكنه سبحانه أمره أن يخصَّ عشيرته وقومه بمزيد عنايةٍ؛ لكونهم ما أتاهم النَّذير؛ ولكونهم أولى الناس به، وأخصّ الناس به، فوجب أن يُعنى بهم أكثر؛ لأنَّ بهم تقوم الدَّعوة، وتبلغ الدَّعوة إلى الأقاصي من الناس، فاهتمَّ بهم ﷺ، وأنذر عشيرته، وأبدى وأعاد، وأنذر قومه، وأنذر الناس جميعًا من جهة الرسل، وأرسله إلى الرؤساء والملوك ليُبلغهم رسالات الله، وليأمرهم بما أمر الله به، وينهاهم عمَّا نهى الله عنه عليه الصلاة والسلام.

ثُمَّ نَزَلَ عَلَيْهِ: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر:94]، فَأَعْلَنَ ﷺ بِالدَّعْوَةِ، وَجَاهَرَ قَوْمَهُ بِالْعَدَاوَةِ، وَاشْتَدَّ الْأَذَى عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ بِالْهِجْرَتَيْنِ.

فَصْلٌ

فِي أَسْمَائِهِ ﷺ

وَكُلُّهَا نُعُوتٌ، لَيْسَتْ أَعْلَامًا مَحْضَةً لِمُجَرَّدِ التَّعْرِيفِ، بَلْ أَسْمَاءٌ مُشْتَقَّةٌ مِنْ صِفَاتٍ قَائِمَةٍ بِهِ تُوجِبُ لَهُ الْمَدْحَ وَالْكَمَالَ.

فَمِنْهَا مُحَمَّدٌ، وَهُوَ أَشْهَرُهَا، وَبِهِ سُمِّيَ فِي التَّوْرَاةِ صَرِيحًا، كَمَا بَيَّنَّاهُ بِالْبُرْهَانِ الْوَاضِحِ فِي كِتَابِ "جَلَاءِ الْأَفْهَامِ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى خَيْرِ الْأَنَامِ"، وَهُوَ كِتَابٌ فَرْدٌ فِي مَعْنَاهُ، لَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهِ فِي كَثْرَةِ فَوَائِدِهِ وَغَزَارَتِهَا، بَيَّنَّا فِيهِ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، وَصَحِيحَهَا مِنْ حَسَنِهَا وَمَعْلُولِهَا، وَبَيَّنَّا مَا فِي مَعْلُولِهَا مِنَ الْعِلَلِ بَيَانًا شَافِيًا، ثُمَّ أَسْرَارَ هَذَا الدُّعَاءِ وَشَرَفه وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْحِكَمِ وَالْفَوَائِدِ، ثُمَّ مَوَاطِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَمَحَالَّهَا، ثُمَّ الْكَلَامَ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ مِنْهَا، وَاخْتِلَافَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ، وَتَرْجِيحَ الرَّاجِحِ، وَتَزْيِيفَ الْمُزَيَّفِ، وَمَخْبَرُ الْكِتَابِ فَوْقَ وَصْفِهِ.

الشيخ: "ومخبر الكتاب" لعلها من الإخبار، يعني: ما يُخبر به، ويحتمل "مخبر" وهو ما في جوفه، لكن "مُخبر" أقرب إلى "مَخبر".

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اسْمَهُ مُحَمَّدٌ فِي التَّوْرَاةِ صَرِيحًا بِمَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ كُلُّ عَالِمٍ مِنْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ.

الشيخ: كما أنَّ أسماء الله نعوت دالَّة على المعاني العظيمة، فهكذا أسماء نبيِّه محمد نعوت، هي أسماء، وهي نعوت دالَّة على معنًى وفَّق اللهُ أهلَه لتسميته محمدًا؛ لما يشتمل عليه من الخصال الحميدة في أخلاقه وسيرته وأعماله قبل النبوة وبعدها عليه الصلاة والسلام، وهكذا أحمد كما يأتي، وهكذا الحاشر، والماحي، ونبي التوبة، ونبي الملحمة.

وَمِنْهَا أَحْمَدُ، وَهُوَ الِاسْمُ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ الْمَسِيحُ؛ لِسِرٍّ ذَكَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ.

وَمِنْهَا: الْمُتَوَكِّلُ، وَمِنْهَا الْمَاحِي، وَالْحَاشِرُ، وَالْعَاقِبُ، وَالْمُقَفِّي، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ، وَالْفَاتِحُ، وَالْأَمِينُ.

وَيَلْحَقُ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ: الشَّاهِدُ، وَالْمُبَشِّرُ، وَالْبَشِيرُ، وَالنَّذِيرُ، وَالْقَاسِمُ، وَالضَّحُوكُ، وَالْقَتَّالُ، وَعَبْدُاللَّهِ، وَالسِّرَاجُ الْمُنِيرُ، وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَصَاحِبُ لِوَاءِ الْحَمْدِ، وَصَاحِبُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَهُ إِذَا كَانَتْ أَوْصَافَ مَدْحٍ فَلَهُ مِنْ كُلِّ وَصْفٍ اسْمٌ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْوَصْفِ الْمُخْتَصِّ بِهِ أَوِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ وَيُشْتَقُّ لَهُ مِنْهُ اسْمٌ، وَبَيْنَ الْوَصْفِ الْمُشْتَرَكِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْهُ اسْمٌ يَخُصُّهُ.

س: قوله "القتال"؟

ج: الضَّحوك مع أوليائه وأتباعه، القتال لأعدائه الذين خاصموا وعاندوا الحقَّ، كما قاتلهم يوم أحد، ويوم بدر، ويوم الأحزاب، وغير ذلك.

وَقَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: سَمَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَفْسَهُ أَسْمَاء، فَقَالَ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ.

وَأَسْمَاؤُهُ ﷺ نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: خَاصٌّ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنَ الرُّسُلِ: كَمُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدَ، وَالْعَاقِبِ، وَالْحَاشِرِ، وَالْمُقَفِّي، وَنَبِيِّ الْمَلْحَمَةِ.

وَالثَّانِي: مَا يُشَارِكُهُ فِي مَعْنَاهُ غَيْرُهُ مِنَ الرُّسُلِ، وَلَكِنْ لَهُ مِنْهُ كَمَالُهُ، فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِكَمَالِهِ دُونَ أَصْلِهِ: كَرَسُولِ اللَّهِ، وَنَبِيِّهِ، وَعَبْدِهِ، وَالشَّاهِدِ، وَالْمُبَشِّرِ، وَالنَّذِيرِ، وَنَبِيِّ الرَّحْمَةِ، وَنَبِيِّ التَّوْبَةِ.

وَأَمَّا إِنْ جُعِلَ لَهُ مِنْ كُلِّ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِهِ اسْمٌ تَجَاوَزَتْ أَسْمَاؤُهُ الْمِئَتَيْنِ: كَالصَّادِقِ، وَالْمَصْدُوقِ، وَالرَّؤُوفِ الرَّحِيمِ، إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ.

وَفِي هَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ النَّاسِ: إِنَّ لِلَّهِ أَلْفَ اسْمٍ، وَلِلنَّبِيِّ ﷺ أَلْفَ اسْمٍ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ابْنُ دِحْيَةَ، وَمَقْصُودُهُ الْأَوْصَافُ.

الشيخ: ترجم له؟

الطالب: هو عمر بن الحسن بن علي بن محمد، أبو الخطاب ابن دحية الكلبي، أديب، مؤرخ، حافظ للحديث، من أهل سبتة بالأندلس، ولى قضاء دانية، ورحل إلى مراكش والشام والعراق وخراسان، واستقرَّ بمصر. وكان كثير الوقيعة في العلماء والأئمة، فأعرض بعضُ مُعاصريه عن كلامه، وكذَّبوه في انتسابه إلى "دحية"، وقالوا: إنَّ دحية الكلبي لم يعقب. وهجاه ابن عنين، وتوفي بالقاهرة، من تصانيفه: "المطرب من أشعار أهل المغرب"، و"الآيات البينات"، و"نهاية السول في خصائص الرسول"، و"التنوير في مولد السِّراج المنير" وغيرها.

فَصْلٌ

فِي شَرْحِ مَعَانِي أَسْمَائِهِ ﷺ

أَمَّا مُحَمَّدٌ: فَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ حَمِدَ فَهُوَ مُحَمَّدٌ؛ إِذَا كَانَ كَثِيرَ الْخِصَالِ الَّتِي يُحْمَدُ عَلَيْهَا؛ وَلِذَلِكَ كَانَ أَبْلَغَ مِنْ مَحْمُودٍ، فَإِنَّ مَحْمُودًا مِنَ الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ، وَمُحَمَّدًا مِنَ الْمُضَاعَفِ لِلْمُبَالَغَةِ، فَهُوَ الَّذِي يُحْمَدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُحْمَدُ غَيْرُهُ مِنَ الْبَشَرِ.

الشيخ: ولهذا كان محمدًا، نعم.

وَلِذَلِكَ كَانَ أَبْلَغَ مِنْ مَحْمُودٍ؛ فَإِنَّ مَحْمُودًا مِنَ الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ.

الشيخ: يعني: من حمد، نعم.

وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْمُضَاعَفِ لِلْمُبَالَغَةِ، فَهُوَ الَّذِي يُحْمَدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُحْمَدُ غَيْرُهُ مِنَ الْبَشَرِ؛ وَلِهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ سُمِّيَ بِهِ فِي التَّوْرَاةِ؛ لِكَثْرَةِ الْخِصَالِ الْمَحْمُودَةِ الَّتِي وُصِفَ بِهَا هُوَ وَدِينُهُ وَأُمَّتُهُ فِي التَّوْرَاةِ، حَتَّى تَمَنَّى مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ.

الشيخ: ويُقال لأمته: الحمَّادون؛ لكثرة حمدهم، هي أمة محمَّدٍ ﷺ؛ لكثرة حمدهم لله، وثنائهم عليه، وشُكرهم إياه، يعني: أهل الإيمان والتَّقوى، ألهم اللهُ جدَّه عبد المطلب أن يُسميه: محمدًا، لما علم الله في سابق علمه أنه قدره أنه يكون نبيًّا كريمًا، وأنه عظيم الخصال، وكثير الخير، حسن العمل عليه الصلاة والسلام، فسُمي: محمدًا.

وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِشَوَاهِدِهِ هُنَاكَ، وَبَيَّنَّا غَلَطَ أبي القاسم السُّهيلي؛ حَيْثُ جَعَلَ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ، وَأَنَّ اسْمَهُ فِي التَّوْرَاةِ: أَحْمَدُ.

وَأَمَّا أَحْمَدُ: فَهُوَ اسْمٌ عَلَى زِنَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ، مُشْتَقٌّ أَيْضًا مِنَ الْحَمْدِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ: هَلْ هُوَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ؟

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، أَيْ: حَمْدُهُ لِلَّهِ أَكْثَرُ مِنْ حَمْدِ غَيْرِهِ لَهُ، فَمَعْنَاهُ: أَحْمَدُ الْحَامِدِينَ لِرَبِّهِ.

الشيخ: يعني صيغة تفضيل، يعني أنه أحمد من غيره، مثلما يقال: أفضل من غيره، وأكرم من غيره، يعني: أكثر حمدًا لله من غيره، على جعله من الفاعل ..... من الحمد الذي هو فاعل: حامد، فيكون من باب كثرة فعله الخير، وحمده لربه جلَّ وعلا، فهو محمَّد بما يحمده الناسُ من خصال الخير، ويُثنى عليه به، وهو في نفسه حامد لله، يعني: كثير الحمد لله والثَّناء عليه.

وَرَجَّحُوا هَذَا الْقَوْلَ بِأَنَّ قِيَاسَ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ أَنْ يُصَاغَ مِنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ، لَا مِنَ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ عَلَى الْمَفْعُولِ، قَالُوا: وَلِهَذَا لَا يُقَالُ: مَا أَضْرَبَ زَيْدًا، وَلَا: زَيْدٌ أَضْرَبُ مِنْ عَمْرٍو، بِاعْتِبَارِ الضَّرْبِ الْوَاقِعِ عَلَيْهِ، وَلَا: مَا أَشْرَبَهُ لِلْمَاءِ، وَآكَلَهُ لِلْخُبْزِ، وَنَحْوِهِ.

قَالُوا: لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ وَفِعْلَ التَّعَجُّبِ إِنَّمَا يُصَاغَانِ مِنَ الْفِعْلِ اللَّازِمِ؛ وَلِهَذَا يُقَدَّرُ نَقْلُهُ مِنْ "فَعَلَ" وَ"فَعِلَ" الْمَفْتُوحِ الْعَيْنِ وَمَكْسُورِهَا، إِلَى "فَعُلَ" الْمَضْمُومِ الْعَيْنِ.

قَالُوا: وَلِهَذَا يُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ إِلَى الْمَفْعُولِ، فَهَمْزَتُهُ لِلتَّعْدِيَةِ، كَقَوْلِكَ: مَا أَظْرَفَ زَيْدًا، وَأَكْرَمَ عَمْرًا، وَأَصْلُهُمَا مِنْ ظَرُفَ وَكَرُمَ.

قَالُوا: لِأَنَّ الْمُتَعَجَّبَ مِنْهُ فَاعِلٌ فِي الْأَصْلِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ.

قَالُوا: وَأَمَّا نَحْوُ: مَا أَضْرَبَ زَيْدًا لِعَمْرٍو، فَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ "فَعَلَ" الْمَفْتُوحِ الْعَيْنِ إِلَى "فَعُلَ" الْمَضْمُومِ الْعَيْنِ، ثُمَّ عُدِّيَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِالْهَمْزَةِ.

قَالُوا: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَجِيئُهُمْ بِاللَّامِ، فَيَقُولُونَ: مَا أَضْرَبَ زَيْدًا لِعَمْرٍو، وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى تَعَدِّيهِ لَقِيلَ: مَا أَضْرَبَ زَيْدًا عَمْرًا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ إِلَى وَاحِدٍ بِنَفْسِهِ، وَإِلَى الْآخَرِ بِهَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ، فَلَمَّا أَنْ عَدَّوْهُ إِلَى الْمَفْعُولِ بِهَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ عَدَّوْهُ إِلَى الْآخَرِ بِاللَّامِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ لَهُمْ أَنْ قَالُوا: إِنَّهُمَا لَا يُصَاغَانِ إِلَّا مِنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ، لَا مِنَ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ عَلَى الْمَفْعُولِ.

وَنَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ، وَقَالُوا: يَجُوزُ صَوْغُهُمَا مِنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ، وَمِنَ الْوَاقِعِ عَلَى الْمَفْعُولِ، وَكَثْرَةُ السَّمَاعِ بِهِ مِنْ أَبْيَنِ الْأَدِلَّةِ عَلَى جَوَازِهِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: مَا أَشْغَلَهُ بِالشَّيْءِ، وَهُوَ مِنْ شُغِلَ فَهُوَ مَشْغُولٌ.

وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ: مَا أَوْلَعَهُ بِكَذَا، وَهُوَ مِنْ أُولِعَ بِالشَّيْءِ فَهُوَ مُولَعٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ لَيْسَ إِلَّا.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: مَا أَعْجَبَهُ بِكَذَا، فَهُوَ مِنْ أُعْجِبَ بِهِ.

وَيَقُولُونَ: مَا أَحَبَّهُ إِلَيَّ، فَهُوَ تَعَجُّبٌ مِنْ فِعْلِ الْمَفْعُولِ، وَكَوْنِهِ مَحْبُوبًا لَك. وَكَذَا: مَا أَبْغَضَهُ إِلَيَّ، وَأَمْقَتَهُ إِلَيَّ.

وَهَاهُنَا مَسْأَلَةٌ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا سِيبَوَيْهِ، وَهِيَ أَنَّكَ تَقُولُ: مَا أَبْغَضَنِي لَهُ، وَمَا أَحَبَّنِي لَهُ، وَمَا أَمْقَتَنِي لَهُ؛ إِذَا كُنْتَ أَنْتَ الْمُبْغِضَ الْكَارِهَ، وَالْمُحِبَّ الْمَاقِتَ، فَتَكُونُ مُتَعَجِّبًا مِنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ، وَتَقُولُ: مَا أَبْغَضنِي إِلَيْهِ، وَمَا أَمْقَتَنِي إِلَيْهِ، وَمَا أَحَبَّنِي إِلَيْهِ: إِذَا كُنْتَ أَنْتَ الْبَغِيضَ الْمَمْقُوتَ، أَوِ الْمَحْبُوبَ، فَتَكُونُ مُتَعَجِّبًا مِنَ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ عَلَى الْمَفْعُولِ، فَمَا كَانَ بِاللَّامِ فَهُوَ لِلْفَاعِلِ، وَمَا كَانَ بِـ"إِلَى" فَهُوَ لِلْمَفْعُولِ.

وَأَكْثَرُ النُّحَاةِ لَا يُعَلِّلُونَ بِهَذَا، وَالَّذِي يُقَالُ فِي عِلَّتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: إِنَّ اللَّامَ تَكُونُ لِلْفَاعِلِ فِي الْمَعْنَى، نَحْوُ قَوْلِكَ: لِمَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ: لِزَيْدٍ، فَيُؤْتَى بِاللَّامِ.

وَأَمَّا "إِلَى" فَتَكُونُ لِلْمَفْعُولِ فِي الْمَعْنَى، فَتَقُولُ: إِلَى مَنْ يَصِلُ هَذَا الْكِتَابُ؟ فَتَقُولُ: إِلَى عَبْدِاللَّهِ.

وَسِرُّ ذَلِكَ: أَنَّ اللَّامَ فِي الْأَصْلِ لِلْمِلْكِ وَالِاخْتِصَاصِ، وَالِاسْتِحْقَاقُ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْفَاعِلِ الَّذِي يَمْلِكُ وَيَسْتَحِقُّ، وَ"إِلَى" لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ، وَالْغَايَةُ مُنْتَهَى مَا يَقْتَضِيهِ الْفِعْلُ، فَهِيَ بِالْمَفْعُولِ أَلْيَقُ؛ لِأَنَّهَا تَمَامُ مُقْتَضَى الْفِعْلِ.

وَمِنَ التَّعَجُّبِ مِنْ فِعْلِ الْمَفْعُولِ قَوْلُ كعب بن زهير فِي النَّبِيِّ ﷺ:

فَلَهْوَ أَخْوَفُ عِنْدِي إِذْ أُكَلِّمُهُ وَقِيلَ إِنَّكَ مَحْبُوسٌ وَمَقْتُولُ
مِنْ خَادِرٍ مِنْ لُيُوثِ الْأُسْدِ مَسْكَنُهُ بِبَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دُونَهُ غِيلُ

فَأَخْوَفُ هَاهُنَا مِنْ خِيفَ، فَهُوَ مَخُوفٌ، لَا مِنْ خَافَ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: مَا أَجَنَّ زَيْدًا، مِنْ جُنَّ، فَهُوَ مَجْنُونٌ، هَذَا مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ.

قَالَ الْبَصْرِيُّونَ: كُلُّ هَذَا شَاذٌّ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، فَلَا نُشَوِّشُ بِهِ الْقَوَاعِدَ، وَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ مِنْهُ عَلَى الْمَسْمُوعِ.

قَالَ الْكُوفِيُّونَ: كَثْرَةُ هَذَا فِي كَلَامِهِمْ نَثْرًا وَنَظْمًا يَمْنَعُ حَمْلَهُ عَلَى الشُّذُوذِ؛ لِأَنَّ الشَّاذَّ مَا خَالَفَ اسْتِعْمَالَهُمْ وَمُطَّرِدَ كَلَامِهِمْ، وَهَذَا غَيْرُ مُخَالِفٍ لِذَلِكَ.

قَالُوا: وَأَمَّا تَقْدِيرُكُمْ لُزُومَ الْفِعْلِ وَنَقْلَهُ إِلَى "فَعُلَ" فَتَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَمَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِ مِنَ التَّعْدِيَةِ بِالْهَمْزَةِ إِلَى آخِرِهِ، فَلَيْسَ الْأَمْرُ فِيهَا كَمَا ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ، وَالْهَمْزَةُ فِي هَذَا الْبِنَاءِ لَيْسَتْ لِلتَّعْدِيَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنَى التَّعَجُّبِ وَالتَّفْضِيلِ فَقَطْ، كَأَلِفِ "فَاعِلٍ"، وَمِيمِ "مَفْعُولٍ" وَوَاوِه، وَتَاءِ الِافْتِعَالِ وَالْمُطَاوَعَةِ، وَنَحْوِهَا مِنَ الزَّوَائِدِ الَّتِي تَلْحَقُ الْفِعْلَ الثُّلَاثِيَّ لِبَيَانِ مَا لَحِقَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى مُجَرَّدِهِ، فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ الْجَالِبُ لِهَذِهِ الْهَمْزَةِ، لَا تَعْدِيَةُ الْفِعْلِ.

قَالُوا: وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي يُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ يَجُوزُ أَنْ يُعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ وَبِالتَّضْعِيفِ، نَحْوُ: جَلَسْتُ بِهِ وَأَجْلَسْتُهُ، وَقُمْتُ بِهِ وَأَقَمْتُهُ، وَنَظَائِره، وَهُنَا لَا يَقُومُ مَقَامَ الْهَمْزَةِ غَيْرُهَا، فَعُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلتَّعْدِيَةِ الْمُجَرَّدَةِ أَيْضًا، فَإِنَّهَا تُجَامِعُ بَاءَ التَّعْدِيَةِ، نَحْوُ: أَكْرِمْ بِهِ، وَأَحْسِنْ بِهِ، وَلَا يُجْمَعُ عَلَى الْفِعْلِ بَيْنَ تَعْدِيَتَيْنِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَا أَعْطَاهُ لِلدَّرَاهِمِ، وَأَكْسَاهُ لِلثِّيَابِ. وَهَذَا مِنْ أَعْطَى وَكَسَا الْمُتَعَدِّي، وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ نَقْلِهِ إِلَى "عَطَوَ": إِذَا تَنَاوَلَ، ثُمَّ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ هَمْزَةُ التَّعْدِيَةِ؛ لِفَسَادِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ التَّعَجُّبَ إِنَّمَا وَقَعَ مِنْ إِعْطَائِهِ، لَا مِنْ عَطْوِهِ، وَهُوَ تَنَاوُلُهُ، وَالْهَمْزَةُ الَّتِي فِيهِ هَمْزَةُ التَّعَجُّبِ وَالتَّفْضِيلِ، وَحُذِفَتْ هَمْزَتُهُ الَّتِي فِي فِعْلِهِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: هِيَ لِلتَّعْدِيَةِ.

قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ عُدِّيَ بِاللَّامِ فِي نَحْوِ: مَا أَضْرَبَهُ لِزَيْدٍ .. إِلَى آخِرِهِ، فَالْإِتْيَانُ بِاللَّامِ هَاهُنَا لَيْسَ لِمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ لُزُومِ الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا أُتِيَ بِهَا تَقْوِيَةً لَهُ لَمَّا ضَعُفَ بِمَنْعِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ، وَأُلْزِمَ طَرِيقَةً وَاحِدَةً خَرَجَ بِهَا عَنْ سُنَنِ الْأَفْعَالِ، فَضَعُفَ عَنِ اقْتِضَائِهِ وَعَمَلِهِ، فَقَوِيَ بِاللَّامِ، كَمَا يَقْوَى بِهَا عِنْدَ تَقَدُّمِ مَعْمُولِهِ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ فَرْعِيَّتِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا تَرَاهُ.

فَلْنَرْجِعْ إِلَى الْمَقْصُودِ فَنَقُولُ: تَقْدِيرُ أَحْمَدَ عَلَى قَوْلِ الْأَوَّلِينَ: أَحْمَدُ النَّاسِ لِرَبِّهِ، وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ: أَحَقُّ النَّاسِ وَأَوْلَاهُمْ بِأَنْ يُحْمَدَ، فَيَكُونُ كَمُحَمَّدٍ فِي الْمَعْنَى، إِلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ "مُحَمَّدًا" هُوَ كَثِيرُ الْخِصَالِ الَّتِي يُحْمَدُ عَلَيْهَا، وَ"أَحْمَدُ" هُوَ الَّذِي يُحْمَدُ أَفْضَلَ مِمَّا يُحْمَدُ غَيْرُهُ، فَمُحَمَّدٌ فِي الْكَثْرَةِ وَالْكَمِّيَّةِ، وَأَحْمَدُ فِي الصِّفَةِ وَالْكَيْفِيَّةِ، فَيَسْتَحِقُّ مِنَ الْحَمْدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ غَيْرُهُ، وَأَفْضَلَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ غَيْرُهُ، فَيُحْمَدُ أَكْثَرَ حَمْدٍ وَأَفْضَلَ حَمْدٍ حَمِدَهُ الْبَشَرُ.

فَالِاسْمَانِ وَاقِعَانِ عَلَى الْمَفْعُولِ، وَهَذَا أَبْلَغُ فِي مَدْحِهِ، وَأَكْمَلُ مَعْنًى. وَلَوْ أُرِيدَ مَعْنَى الْفَاعِلِ لَسُمِّيَ الْحَمَّادَ، أَيْ: كَثِيرَ الْحَمْدِ، فَإِنَّهُ ﷺ كَانَ أَكْثَرَ الْخَلْقِ حَمْدًا لِرَبِّهِ، فَلَوْ كَانَ اسْمُهُ أَحْمَدَ بِاعْتِبَارِ حَمْدِهِ لِرَبِّهِ لَكَانَ الْأَوْلَى بِهِ الْحَمَّادَ، كَمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ أُمَّتُهُ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ إِنَّمَا اشْتُقَّا مِنْ أَخْلَاقِهِ وَخَصَائِصِهِ الْمَحْمُودَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا اسْتَحَقَّ أَنْ يُسَمَّى: مُحَمَّدًا ﷺ، وَأَحْمَدُ وَهُوَ الَّذِي يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ، وَأَهْلُ الدُّنْيَا وَأَهْلُ الْآخِرَةِ؛ لِكَثْرَةِ خَصَائِلِهِ الْمَحْمُودَةِ الَّتِي تَفُوقُ عَدَّ الْعَادِّينَ، وَإِحْصَاءَ الْمُحْصِينَ، وَقَدْ أَشْبَعْنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ ﷺ.

الشيخ: ولا منافاةَ في الحقيقة، فهو عليه الصلاة والسلام له الخصال الحميدة التي يُحمد عليها، وسُمي: محمدًا؛ لكثرتها، وله الخصال الحميدة التي يحمد بها ربَّه، فهو محمد، وهو أحمد الناس في نفسه؛ لكثرة حمده لربه، وثنائه عليه جلَّ وعلا، وهو أحمد من جهة المعنى الفعلي أيضًا، وأن حمد غيره له أكثر من غيره، وهو أفضل من غيره من جهة الكمية، ومن جهة الكيفية، فحمده له أكثر من حمده من غيره، وأطيب، وأكمل، وأفضل من حمده لغيره من حيث الكيفية، وما ذاك إلا لما أجرى الله على يديه من الخير العظيم: من الدعوة إلى الله، وبيان شريعة الله، والصبر على الأذى في ذلك، وحرصه على كلِّ ما فيه سعادة أمته ونجاتهم في الدنيا والآخرة.

وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَاهُنَا كَلِمَاتٍ يَسِيرَةً اقْتَضَتْهَا حَالُ الْمُسَافِرِ، وَتَشَتُّتُ قَلْبِهِ، وَتَفَرُّقُ هِمَّتِهِ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.

وَأَمَّا اسْمُهُ الْمُتَوَكِّلُ: فَفِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ" عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ صِفَةَ النَّبِيِّ ﷺ: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُهُ: الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، بَلْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ أَقْبِضَهُ حَتَّى أُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، وَهُوَ ﷺ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الِاسْمِ؛ لِأَنَّهُ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ فِي إِقَامَةِ الدِّينِ تَوَكُّلًا لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهِ غَيْرُهُ.

الشيخ: يعني: توكُّلًا كاملًا، وصبر على الأذى، وتوكل عليه حتى أظهر اللهُ دينَه، وأتم نعمتَه، وأكمل لأمته هذا الدِّين العظيم.

وَأَمَّا الْمَاحِي، وَالْحَاشِرُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْعَاقِبُ: فَقَدْ فُسِّرَتْ فِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ؛ فَالْمَاحِي: هُوَ الَّذِي مَحَا اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ، وَلَمْ يَمْحُ الْكُفْرَ بِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ مَا مُحِيَ بِالنَّبِيِّ ﷺ، فَإِنَّهُ بُعِثَ وَأَهْلُ الْأَرْضِ كُلُّهُمْ كُفَّارٌ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُمْ مَا بَيْنَ عُبَّادِ أَوْثَانٍ، وَيَهُود مَغْضُوبٍ عَلَيْهِمْ، وَنَصَارَى ضَالِّينَ، وَصَابِئَةٍ دَهْرِيَّةٍ لَا يَعْرِفُونَ رَبًّا وَلَا مَعَادًا، وَبَيْنَ عُبَّادِ الْكَوَاكِبِ، وَعُبَّادِ النَّارِ، وَفَلَاسِفَةٍ لَا يَعْرِفُونَ شَرَائِعَ الْأَنْبِيَاءِ.

الشيخ: يعني: هذه حال الناس عند بعثه ﷺ: قد ملؤوا الأرض كفرًا وضلالًا: ما بين يهود مغضوب عليهم، ونصارى ضالين، وعباد أوثان، وعباد كواكب ونيران، وغير ذلك، قد ملؤوا الأرضَ فلم يبقَ على دين الأنبياء إلا قلائل من أهل الكتاب، مثلما في الحديث: "إلا بقايا من أهل الكتاب"، بعد مجيء هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أظهر اللهُ به الإسلام، ومحا به الكفر عن الجمِّ الغفير، والعدد الكبير من سكان الأرض، حتى انتشر دين الله، وظهر دين الله في الآفاق، وصدق عليه ﷺ أنه هو الماحي الذي محا الله به الكفر، يعني: محا به مُعظمه في وقته وبعد وقته، إلى أوقات كثيرة، ثم جاءت غربةُ الإسلام بعد ذلك.

وَفَلَاسِفَةٍ لَا يَعْرِفُونَ شَرَائِعَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا يُقِرُّونَ بِهَا، فَمَحَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِرَسُولِهِ ذَلِكَ حَتَّى ظَهَرَ دِينُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ دِينٍ، وَبَلَغَ دِينُهُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَسَارَتْ دَعْوَتُهُ مَسِيرَ الشَّمْسِ فِي الْأَقْطَارِ.

وَأَمَّا الْحَاشِرُ: فَالْحَشْرُ هُوَ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ، فَهُوَ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِهِ، فَكَأَنَّهُ بُعِثَ لِيُحْشَرَ النَّاسُ.

وَالْعَاقِبُ: الَّذِي جَاءَ عَقِبَ الْأَنْبِيَاءِ.

الشيخ: لأنَّ قيام الساعة بعده بقليلٍ؛ لأنه نبي الساعة، ليس بعده نبي، وليس بعده دين آخر، فدينه آخر الأديان، وهو آخر الأنبياء، فالناس يُحشرون بعده، يعني: تقوم الساعة بعده، على إثره عليه الصلاة والسلام ..... ما بين ذلك وبين قيامها، لكنه بالنسبة إلى ما مضى قليل؛ ولهذا شبّه بقايا هذه الأمة وما بقي لها من الدِّين والبقاء في الدِّين مثلما بين وجود الشمس على أطراف الجدران والعتبان إلى غروبها، يعني: مدة يسيرة، وقد ذهب معظمُ الدنيا، وما بقي منها إلا اليسير.

فَلَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ، فَإِنَّ الْعَاقِبَ هُوَ الْآخِرُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخَاتَمِ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ: الْعَاقِبَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، أَيْ: عَقِبَ الْأَنْبِيَاء، جَاءَ بِعَقِبِهِمْ.

وَأَمَّا الْمُقَفِّي فَكَذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي قَفَّى عَلَى آثَارِ مَنْ تَقَدَّمَهُ، فَقَفَّى اللَّهُ بِهِ عَلَى آثَارِ مَنْ سَبَقَهُ مِنَ الرُّسُلِ، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْقَفْوِ، يُقَالُ: قَفَاهُ يَقْفُوهُ: إِذَا تَأَخَّرَ عَنْهُ، وَمِنْهُ: قَافِيَةُ الرَّأْسِ، وَقَافِيَةُ الْبَيْتِ، فَالْمُقَفِّي: الَّذِي قَفَّى مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ فَكَانَ خَاتَمَهُمْ وَآخِرَهُمْ.

س: ..............؟

ج: ورد نعم، لكن صحة ذلك محل نظرٍ.