فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي الْفِطْرَةِ وَتَوَابِعِهَا
قَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ.
س: ...........؟
ج: عند قضاء الحاجة لا يردّ السلام.
س: والكلام العادي؟
ج: ترك الكلام أولى، وإن كان في السند ضعفٌ، لكن جاء في حديثٍ فيه ضعف: أنَّ الله يمقت على ذلك. وبكل حالٍ ترك الكلام أولى حتى ينتهي من حاجته.
س: ............؟
ج: يعني من باب مزيد النَّظافة، قد يكون لقضاء الحاجة لُزوجة، فالتراب ينفع، والصابون يقوم مقامه لا شكَّ، وهذا من باب الكمال، ما هو من باب اللزوم؛ لأنَّ الماء يكفي؛ ولهذا كان يستنجي من الماء، ولا يغسل دبره بالصابون، ولا بالتراب، ولا بغيره.
س: .............؟
ج: إذا غسلها كفى، والرائحة ممكن أن تزول بالطيب ونحو ذلك إذا اعتنى بالماء.
قَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ: هَلْ وُلِدَ ﷺ مَخْتُونًا، أَوْ خَتَنَتْهُ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ شُقَّ صَدْرُهُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ، أَوْ خَتَنَهُ جَدُّهُ عبد المطلب؟
وَكَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَأَخْذِهِ، وَعَطَائِهِ، وَكَانَتْ يَمِينُهُ لِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَطَهُورِهِ، وَيَسَارُهُ لِخَلَائِهِ وَنَحْوِهِ مِنْ إِزَالَةِ الْأَذَى.
الشيخ: مثلما قالت عائشةُ رضي الله عنها: "كان يُعجبه التَّيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله" عليه الصلاة والسلام، اليُمنى لما هو الأفضل، واليُسرى لما يخبث، ولإزالة الأذى، وللمفضولات.
س: .............؟
ج: يُشرع؛ لأنه إزالة أذى، لكن يبدأ بشقِّه الأيمن.
الشيخ: هذا السنة، فحلق البعض وترك البعض هذا هو القزع الذي نهى عنه عليه الصلاة والسلام، فإما أن يُحلق كله، وإما أن يُترك كله، ولم يُؤثر عنه حلقه إلا في النُّسك، يعني: في حجته عليه الصلاة والسلام، حجة الوداع، فإنه حلقه، وفي العُمرة قصَّر.
س: .............؟
ج: نعم، لا يجوز.
س: ..............؟
ج: سنة، سنة، الحلق أفضل من التَّقصير إلا في العُمرة إذا كان قريبًا من الحجِّ، السنة فيها التقصير؛ حتى يحلق في الحجِّ؛ ولهذا قصَّر الصحابةُ بأمر النبي ﷺ، قصَّروا في عُمرتهم؛ لأنها في آخر ذي القعدة ..... في أول ذي الحجة، وتركوا الحلقَ للحج.
س: .............؟
ج: الأمر فيه واسع؛ ولهذا النبي قال للصبي: احلقه كله، أو دعه كله.
س: .............؟
ج: من باب المباحات، ما أعرف فيه شيئًا.
وَكَانَ يُحِبُّ السِّوَاكَ، وَكَانَ يَسْتَاكُ مُفْطِرًا وَصَائِمًا، وَيَسْتَاكُ عِنْدَ الِانْتِبَاهِ مِنَ النَّوْمِ، وَعِنْدَ الْوُضُوءِ، وَعِنْدَ الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَنْزِلِ، وَكَانَ يَسْتَاكُ بِعُودِ الْأَرَاكِ.
وَكَانَ يُكْثِرُ التَّطَيُّبَ، وَيُحِبُّ الطِّيبَ، وَذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَطَّلِي بِالنّورَةِ.
الشيخ: علَّق عليه بشيءٍ؟
الطالب: رواه ابن ماجه في "الأدب" باب "في الطلاء بالنورة" من طريق حبيب ابن أبي ثابت، عن أم سلمة، ورجاله ثقات إلا أنَّ حبيب ابن أبي ثابت لم يسمع من أم سلمة، فهو مُنقطع، وثمة أخبار .....
الشيخ: والسنة الحلق، النبي ﷺ كان يحلق العانةَ، النبي ﷺ قال: الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقصّ الشارب، وقلم الظفر، ونتف الإبط، فالسنة أن العانة تُحلق، والاستحداد، وقلم الأظفار، ونتف الإبط، وقصّ الشارب. هذا هو السنة، وألا تُترك أكثر من أربعين ليلة، السنة ألا يدعها أكثر من أربعين ليلة، لكن لو أزال العانةَ بالنّورة أو بأي دواءٍ فلا بأس، المقصود زوالها والاطلاء بها، كونه يمسح بها محل الشعر حتى يزول، وهذا هو دواء، يصنع دواء، شيء من النّورة، وهي شيء معروف يُسقط الشعر، فإذا جعل معها ما يُبردها ويحصل به سقوط الشعر فلا بأس، لكن كونه يستحدّ إذا تيسر الاستحداد فهو أفضل، وإلا فالطلاء بالنّورة وبغيرها من أي دواءٍ يُزيل الشعر فلا بأس، وهكذا الإبط: السنة نتفه، إذا لم يتيسر نتفه أزاله بأي شيءٍ.
وَكَانَ أَوَّلًا يَسْدُلُ شَعْرَهُ ثُمَّ فَرَقَهُ، وَالْفَرْقُ: أَنْ يَجْعَلَ شَعْرَهُ فِرْقَتَيْنِ، كُلَّ فِرْقَةٍ ذُؤَابَةٌ، وَالسَّدْلُ: أَنْ يَسْدُلَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَلَا يَجْعَلهُ فِرْقَتَيْنِ.
وَلَمْ يَدْخُلْ حَمَّامًا قَطُّ، وَلَعَلَّهُ مَا رَآهُ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْحَمَّامِ حَدِيثٌ.
الشيخ: علَّق بشيءٍ؟
الطالب: لقد أخطأ المؤلفُ رحمه الله في هذا النَّفي، فقد ورد في ذلك ثلاثةُ أحاديث صحيحة: الأول حديث جابر مرفوعًا: مَن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُدخِل حليلته الحمَّام.
الشيخ: قف على حديث الحمَّام.
س: .............؟
ج: يحتاج إلى عنايةٍ، ما يكفي "التَّقريب"، أقول: "التقريب" كتاب مختصر، قد يغلط فيه المؤلف، وقد يتساهل، وقد تفوته أشياء، وقد ينسى أشياء، فهذا الترجيح يحتاج إلى عنايةٍ من "التهذيب"، و"تهذيب التهذيب" و"الميزان" ..... ابن أبي حاتم، يعني: يجمع كلام أهل العلم حتى يتميز له هذا من هذا.
س: ..............؟
ج: أقول: يحتاج إلى عنايةٍ، ما يحتاج إلى كلامٍ قليلٍ.
س: .............؟
ج: ما نعرف شيئًا في هذا.
الطالب: قال المحشي: قد أخطأ المؤلفُ رحمه الله في هذا النَّفي؛ فقد ورد في ذلك ثلاثةُ أحاديث صحيحة:
أولها: حديث جابرٍ مرفوعًا: مَن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُدخِل حليلته الحمام، ومَن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزرٍ، ومَن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدةٍ يُدار عليها الخمر أخرجه الحاكم في "المستدرك"، والترمذي، وأخرج النَّسائي الشطر الأول منه، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وجوَّد إسناده الحافظُ ابن حجر، وله شواهد كثيرة جلّها في "الترغيب والترهيب" في الطَّهارة، وهذا الترهيب من دخول الرجال الحمام من غير إزارٍ ..... فهو صحيح.
الثاني: حديث أم الدَّرداء أخرجه أحمد والدَّارمي ..... بإسنادين: أحدهما صحيح، وقوَّاه المنذري، قالت: خرجتُ من الحمَّام فلقيني رسولُ الله ﷺ فقال: من أين يا أم الدَّرداء؟ قالت: من الحمام، فقال: والذي نفسي بيده، ما من امرأةٍ تضع ثيابها في غير بيت أحدٍ من أمهاتها إلا وهتكت كلَّ سترٍ بينها وبين الرحمن. ورواه الهيثمي في "المجمع"، وقال: رواه أحمد والطبراني في "الكبير" بأسانيد ورجال أحدها رجال الصَّحيح.
..............
الشيخ: لا يُعرف في المدينة حمَّامات من عهده ﷺ، الحمامات معروفة في الشام ومدن أخرى، ما تُعرف في المدينة في وقت النبي عليه الصلاة والسلام.
س: .............؟
ج: محل نظرٍ، الحمَّامات المستورة لا بأس .....، أما إذا كان للنساء خاصَّة ولا فيها خطر من جهة العورات، فما في شيء من الرجل والمرأة.
الطالب: .....
الشيخ: ينبغي أن تُجمع الطرق، ينبغي أن تُجمع ويُفرد لها رسالة خاصَّة.
س: ............؟
ج: النَّهي في الحمامات خارج بيتها، يعني: هذا المقصود الحمَّامات الخارجية.
س: ............؟
ج: هذا إذا كان في غير بيتها، سواء حمام، وإلا ما هو حمام، لكن يحتاج إلى تأمل الطرق، هذه محل نظرٍ.
س: ............؟
ج: قد يكون المحشي هو المخطئ.
الشيخ: علَّق عليه؟
الطالب: رواه الترمذي في "الطب" باب "ما جاء في السعوط وغيره"، وابن ماجه في "الطب" باب "مَن اكتحل وترًا"، وأحمد في "المسند". ورواه الترمذي في "الشمائل" من حديث ابن عباسٍ، وفي سنده عباد بن منصور، وهو ضعيف؛ لسُوء حفظه وتدليسه وتغيُّره.
وفي الباب عن ابن مسعودٍ: أخرجه الشيخ في "أخلاق النبي ﷺ" بسندٍ جيدٍ: أنه كان يكتحل في عينه اليُمنى ثلاثًا، وفي اليُسرى ثنتين بالإثمد، وله شاهد من حديث ..... عند الطبراني في "الكبير"، وفي سنده ضعيفان، فلا يصلح أن يكون شاهدًا.
الشيخ: نعم.
س: ...........؟
ج: ..... الإثمد؛ لأنه يُنبت الشعر، ويجلو البصر.
وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي خِضَابِهِ: فَقَالَ أنسٌ: لَمْ يَخْضِبْ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: خَضَبَ.
وَقَدْ رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حميدٍ، عَنْ أنسٍ قَالَ: رَأَيْتُ شَعَرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَخْضُوبًا.
قَالَ حماد: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَالَ: رَأَيْتُ شَعَرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَخْضُوبًا.
الشيخ: يعني: ما شاب إلا شيبات يسيرة عليه الصلاة والسلام، توفي وما كان به إلا شيب قليل، وقد خضبه بالحناء والكتم وغيره، بالحناء والكتم، وفعله أبو بكر الصديق ، وفعل عمر ذلك أيضًا، فتغييره هو السنة، تغيير الشَّيب بالحناء والكتم، أو الحناء فقط، أو بالصُّفرة هو الأفضل من بقائه أبيض.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِمَّا يُكْثِرُ الطِّيبَ قَدِ احْمَرَّ شَعَرُهُ، فَكَانَ يُظَنُّ مَخْضُوبًا وَلَمْ يَخْضِبْ.
وَقَالَ أبو رمثة: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَعَ ابْنٍ لِي، فَقَالَ: أَهَذَا ابْنُكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، أَشْهَدُ بِهِ، فَقَالَ: لَا تَجْنِي عَلَيْهِ، وَلَا يَجْنِي عَلَيْكَ. قَالَ: وَرَأَيْتُ الشَّيْبَ أَحْمَرَ.
قَالَ الترمذي: هَذَا أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَفْسَرُهُ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَبْلُغِ الشَّيْبَ.
قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ: قِيلَ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكَانَ فِي رَأْسِ النَّبِيِّ ﷺ شَيْبٌ؟ قَالَ: "لَمْ يَكُنْ فِي رَأْسِهِ شَيْبٌ إِلَّا شَعَرَاتٌ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، إِذَا ادَّهَنَ وَارَاهُنَّ الدُّهْنُ".
قَالَ أنسٌ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ دُهْنَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَيُكْثِرُ الْقِنَاعَ، كَأَنَّ ثَوْبَهُ ثَوْبُ زَيَّاتٍ.
الشيخ: عزاه المؤلفُ وإلا ما عزاه؟
الطالب: ما عزاه، قال حماد بن سلمة: عن سماك بن حرب .....
الشيخ: وأيش قال المحشي؟
الطالب: قال: حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، من رجال مسلم.
الشيخ: أيش قال في الحاشية؟
الطالب: في الحاشية: أخرجه الترمذي في "الشمائل"، وسنده ضعيف، وفيه ربيع بن صبيح، ويزيد بن أبان الرقاشي، وهما ضعيفان.
الشيخ: فقط؟
الطالب: نعم.
الشيخ: انظر ربيع بن صبيح.
الطالب: ...........
الشيخ: ..... الشيء من الدّهن، لكن هذا ما هو بصحيحٍ، ما كان يستعمله ..... في ثيابه ..... ليس بصحيحٍ، ليس بثابتٍ؛ فإنه كان يُحب الطيبَ عليه الصلاة والسلام، ويُكثر من الطيب، ويدهن رأسه، وما ..... رجله، يعني: دهنه وسرحه.
.............
الطالب: الربيع أحسن الله إليك.
الشيخ: نعم.
الطالب: الربيع بن صبيح، بفتح المهملة، السَّعدي، البصري، صدوق، سيئ الحفظ، وكان عابدًا مجاهدًا، قال الرامهرمزي: هو أول مَن صنَّف الكتب بالبصرة، من السابعة، مات سنة ستين. (خت، ت، ق).
الشيخ: إطلاق المحشي أنه ضعيف فيه نظر.
............
وَكَانَ شَعَرُهُ فَوْقَ الْجُمَّةِ، وَدُونَ الْوَفْرَةِ، وَكَانَتْ جُمَّتُهُ تَضْرِبُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ، وَإِذَا طَالَ جَعَلَهُ غَدَائِرَ أَرْبَعًا.
قَالَتْ أمُّ هانئ: "قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ قَدْمَةً وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ".
وَالْغَدَائِرُ: الضَّفَائِرُ.
وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَكَانَ ﷺ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ.
الشيخ: علَّق عليه؟
الطالب: رواه الترمذي في "اللباس" باب "دخول النبي ﷺ مكة"، وأبو داود في "الترجل" باب "في الرجل يقصّ شعره"، وابن ماجه في "اللباس" باب "اتِّخاذ الجمَّة والذَّوائب"، وأحمد في "المسند" .....، وإسناده صحيح، وقال الترمذي: حديث حسن.
الشيخ: نعم.
وَثَبَتَ عَنْهُ فِي حَدِيثِ "صَحِيحِ مسلم" أَنَّهُ قَالَ: مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلَا يَرُدَّهُ؛ فَإِنَّهُ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، خَفِيفُ الْمَحْمَلِ، هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ.
وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ: مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلَا يَرُدَّهُ، وَلَيْسَ بِمَعْنَاهُ؛ فَإِنَّ الرَّيْحَانَ لَا تَكْثُرُ الْمِنَّةُ بِأَخْذِهِ، وَقَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِالتَّسَامُحِ فِي بَذْلِهِ، بِخِلَافِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْغَالِيَةِ وَنَحْوِهَا، وَلَكِنَّ الَّذِي ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ عزرة بن ثابت، عَنْ ثمامة، قَالَ أنس: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ يَرْفَعُهُ: ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ: الْوَسَائِدُ، وَالدُّهْنُ، وَاللَّبَنُ فَحَدِيثٌ مَعْلُولٌ؛ رَوَاهُ الترمذي وَذَكَرَ عِلَّتَهُ، وَلَا أَحْفَظُ الْآنَ مَا قِيلَ فِيهِ، إِلَّا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عبدالله بن مسلم بن جندب، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَمِنْ مَرَاسِيلِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ.
الشيخ: أيش قال المحشي عليه؟
الطالب: رواه الترمذي في "الأدب" باب ..
الشيخ: الأول: مَن عُرض عليه ريحان فلا يرده؛ فإنه خفيفُ المحمل، طيب الرائحة.
الطالب: رواه مسلم في .....، ورواه أبو داود في "الترجل" باب "في ردِّ الطِّيب"، والنسائي في "الزينة" باب "الطيب"، وفي الثاني.
الشيخ: نعم.
الطالب: وعلَّق على قوله: وكان لا يردّ الطيب: رواه البخاري في "اللباس" باب "مَن يردّ الطيب .....، والترمذي في "الأدب" باب "ما جاء في كراهية ردّ الطيب"، والنسائي في "الزينة"، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
الشيخ: نعم.
الطالب: وكان في المطبوع: عروة بن ثابت، وهو تحريف.
الشيخ: نعم، تكلم على الثلاث؟
الطالب: رواه الترمذي في "الأدب" باب "ما جاء في كراهية ردّ الطيب"، وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان"، وسنده حسن، ولا علة فيه؛ فإنَّ الترمذي خفي عليه حال عبدالله بن مسلم، وقد عرفه أبو زرعة الرازي وقال: ..... لا بأس به، ووثَّقه ابن حبان والعجلي. انتهى.
الشيخ: نعم.
وَمِنْ مَرَاسِيلِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا أُعْطِيَ أَحَدُكُمُ الرَّيْحَانَ فَلَا يَرُدَّهُ؛ فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْجَنَّةِ.
الشيخ: يُراجع سند الثلاثة: لا تردّ .....، يُراجع سند الحديث الأخير هذا.
وَمِنْ مَرَاسِيلِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا أُعْطِيَ أَحَدُكُمُ الرَّيْحَانَ فَلَا يَرُدَّهُ؛ فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْجَنَّةِ.
وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ سُكَّةٌ يَتَطَيَّبُ مِنْهَا، وَكَانَ أَحَبَّ الطِّيبِ إِلَيْهِ الْمِسْكُ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ الْفَاغِيَةُ، قِيلَ: وَهِيَ نَوْرُ الْحِنَّاءِ.
الشيخ: تكلَّم عليه المحشي؟ ما تكلم بشيءٍ؟ "القاموس" حاضر؟
الطالب: ...........
الشيخ: هذا مرسل ضعيف، نعم.
س: الترمذي بماذا أعلَّ حديث: ثلاثة لا تردّ؟
ج: لأنَّ فيه عبدالله بن مسلم، وهذا يحتاج إلى مُراجعةٍ .....
فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي قَصِّ الشَّارِبِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ: رَوَى الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سماكٍ، عَنْ عكرمةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُصُّ شَارِبَهُ.
وَيُذْكَرُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَقُصُّ شَارِبَهُ.
وَوَقَفَهُ طَائِفَةٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَرَوَى الترمذي مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
الشيخ: نعم، وقد خرَّجه النَّسائي بإسنادٍ جيدٍ، وهذا يدل على وجوب أخذ الشَّارب؛ ولهذا قال ﷺ: قصُّوا الشَّوارب، وأعفوا اللِّحى، جزُّوا الشَّوارب، وأرخوا اللِّحى، الأمر للوجوب، فمعنى الأمر في إرخاء اللِّحى للوجوب، وقصّ الشَّوارب وجزّها وإعفاء اللِّحى كل هذا واجب، حتى قال أبو محمد ابن حزم: اتَّفق العلماءُ على أنَّ قصَّ الشارب وإعفاء اللحية أمر مُفترض.
وهذا وعيد: مَن لم يأخذ من شاربه فليس منا من باب الوعيد، يدل على تأكد أخذ الشارب، والمخالفة للمجوس الذين كانوا يُطيلون شواربهم، ويحلقون لحاهم، تكلم عليه المحشي؟
الطالب: أخرجه النَّسائي في "الزينة" باب "إعفاء الشارب"، والترمذي، وأحمد في "المسند"، وسنده صحيح، وصحَّحه الضياء المقدسي في "المختارة"، والحديث يدل على .....
الشيخ: يكفي، يكفي.
س: حلق الشَّارب؟
ج: تركه أحسن، القصّ يكفي، السنة القصّ، إحفاء الشَّوارب: يجزها، هو المشروع، أما الحلق فتركه أولى.
س: ..............؟
ج: تركه أولى، والله أعلم.
س: ..............؟
ج: يقال عن مالك، ولكن قول مالك ما هو بحجة، الحجة: قال الله، قال رسوله. قول مالك وغيره من أهل العلم، قول العالم ما هو بحجَّة، الحجة: قال الله، قال رسوله.
وَفِي "صَحِيحِ مسلم" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قُصُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ.
وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَوَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ.
وَفِي "صَحِيحِ مسلم" عَنْ أنسٍ قَالَ: وَقَّتَ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ أَلَّا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً.
الشيخ: هذا فيه تسامح من المؤلف؛ لأنَّ في "صحيح مسلم": وقَّت لنا .....، وإنما التَّصريح كان في رواية أحمد والنَّسائي وجماعة: وقَّت لنا رسولُ الله. أما مسلم فقال: وقَّت لنا. يعني .....، والمراد به رسولُ الله ﷺ؛ لأنه هو الموقت، وهو الآمر والنَّاهي عليه الصلاة والسلام.
وهذا يدل على وجوب قصِّ الشارب، وقلم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة قبل نهاية الأربعين، ولا يجوز أن تُترك أكثر من أربعين ليلة، يعني: يتعاهدها المؤمنُ والمؤمنة، يتعاهدان قلم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة في أقلّ من أربعين ليلة، فالرجل يتعاهد قصَّ الشارب أيضًا، أما اللحية فالواجب توفيرها وإرخاؤها، ولا يجوز حلقها ولا قصُّها، بل يجب إرخاؤها وإعفاؤها وتوفيرها، نبَّه المحشي على زيادة مسلم: وقَّت لنا؟ ما نبَّه!
وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَحَلْقِهِ، أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟
فَقَالَ مالكٌ فِي "مُوَطَّئِهِ": يُؤْخَذُ مِنَ الشَّارِبِ حَتَّى تَبْدُوَ أَطْرَافُ الشَّفَةِ، وَهُوَ الْإِطَارُ، وَلَا يَجُزُّهُ فَيُمَثِّلَ بِنَفْسِهِ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِالْحَكَمِ عَنْ مالكٍ قَالَ: يُحْفِي الشَّارِبَ، وَيُعْفِي اللِّحَى، وَلَيْسَ إِحْفَاءُ الشَّارِبِ حَلْقَهُ، وَأَرَى أَنْ يُؤَدَّبَ مَنْ حَلَقَ شَارِبَهُ.
وَقَالَ ابنُ القاسم عَنْهُ: إِحْفَاءُ الشَّارِبِ وَحَلْقُهُ عِنْدِي مُثْلَةٌ.
الشيخ: وهذا فيه زيادة؛ لأنَّ أحفوا الشَّوارب يعمّ ذلك؛ فإنَّ إحفاء ..... الشَّارب كله، وقد يدخل فيه الحلق، ولكن الروايات الأخرى: "قصُّوا"، "جزوا" يدل على أنَّ المراد بالإحفاء: الجزّ والقصّ، حتى يكون ذلك أجمل للمنظر، وأوفق للسنة.
قَالَ مالك: وَتَفْسِيرُ حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ فِي إِحْفَاءِ الشَّارِبِ إِنَّمَا هُوَ الْإِطَارُ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ أَعْلَاهُ.
وَقَالَ: أَشْهَدُ فِي حَلْقِ الشَّارِبِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَأَرَى أَنْ يُوجَعَ ضَرْبًا مَنْ فَعَلَهُ.
قَالَ مالك: وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ نَفَخَ، فَجَعَلَ رِجْلَهُ بِرِدَائِهِ وَهُوَ يَفْتِلُ شَارِبَهُ.
الشيخ: يعني في هذه الأوقات التي يتوقف فيها قبل مضي الأربعين، فإنَّ الإنسان قد يسهل ويغفل عن شاربه، فربما طال، وربما مسَّه بيده عند هواجيسه، وعند تأمُّله في شيءٍ، ولا يلزم من هذا أن يكون لا يقصّ ولا يعمل السنة، فالخلفاء الراشدون أسرع الناس إلى السنة، وأقولهم للسنة، وأحرصهم عليها رضي الله عنهم وأرضاهم، لكنَّ الإنسانَ قد يغفل عنه حتى يطول ثلاثين يومًا أو كذا، وهو سريع النبات الشارب بسرعةٍ، ولا يلزم من هذا أنَّ عمر كان يُؤخره.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ: "السُّنَّةُ فِي الشَّارِبِ الْإِطَارُ".
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَلَمْ أَجِدْ عَنِ الشَّافِعِيِّ شَيْئًا مَنْصُوصًا فِي هَذَا، وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ رَأَيْنَا -المزني والربيع- كَانَا يُحْفِيَانِ شَوَارِبَهُمَا، وَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا أَخَذَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
قَالَ: وَأَمَّا أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد فَكَانَ مَذْهَبُهُمْ فِي شَعَرِ الرَّأْسِ وَالشَّوَارِبِ أَنَّ الْإِحْفَاءَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ.
وَذَكَرَ ابنُ خويز منداد المالكي عَنِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي حَلْقِ الشَّارِبِ كَمَذْهَبِ أبي حنيفة، وَهَذَا قَوْلُ أبي عمر.
وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَقَالَ الأثرمُ: رَأَيْتُ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُحْفِي شَارِبَهُ شَدِيدًا، وَسَمِعْتُهُ يُسْأَلُ عَنِ السُّنَّةِ فِي إِحْفَاءِ الشَّارِبِ، فَقَالَ: يُحْفِي كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَحْفُوا الشَّوَارِبَ.
وَقَالَ حنبل: قِيلَ لأبي عبدالله: تَرَى الرَّجُلَ يَأْخُذُ شَارِبَهُ أَوْ يُحْفِيهِ؟ أَمْ كَيْفَ يَأْخُذُهُ؟ قَالَ: إِنْ أَحْفَاهُ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ أَخَذَهُ قَصًّا فَلَا بَأْسَ.
وَقَالَ أبو محمد ابن قُدامة المقدسي فِي "الْمُغْنِي": وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُحْفِيَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَقُصَّهُ مِنْ غَيْرِ إِحْفَاءٍ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَرَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ عَلَى سِوَاكٍ. وَهَذَا لَا يَكُونُ مَعَهُ إِحْفَاءٌ.
الشيخ: ما علَّق على خبر المغيرة؟
الطالب: أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"، وأحمد في "المسند"، وأبو داود في "الطهارة" باب "من .....، وإسناده صحيح، ولفظه بتمامه: عن المغيرة بن شعبة قال: عدتُ النبيَّ ﷺ ذات ليلةٍ، فأمر ..... مشوي، وأخذ الشفرة فجعل يحزّ بها منه، قال: فجاء بلالٌ آذنه بالصلاة، قال: فألقى الشَّفرة وقال: ما لك تربت يداك، قال المغيرةُ: وكان شاربي .....، وقصَّه لي رسولُ الله ﷺ على سواكٍ. أو قال: أقصّه لك على سواكٍ.
الشيخ: لأنَّ السواك يرفع الشّعرات حتى يتيسر قصّها، وهذا ليس بواضحٍ في عدم الإحفاء، قد يكون يرفع ثم يقصّ، ثم يرفع ثم يقصّ، هذا إن صحَّ سنده كما قال المحشي. يُراجع سنده .....
وَهَذَا لَا يَكُونُ مَعَهُ إِحْفَاءٌ.
وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ إِحْفَاءَهُ بِحَدِيثَيْ عائشة وَأَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْفُوعَيْنِ: عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ، فَذَكَرَ مِنْهَا: قَصَّ الشَّارِبِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: الْفِطْرَةُ خَمْسٌ ...، وَذَكَرَ مِنْهَا: قَصَّ الشَّارِبِ.
الشيخ: والأمر في هذا واسع، لا يحتاج إلى التَّكلف، المهم أنه يتعاهد هذا الشَّارب ويقصّه ويجزّه، ولا يتركه أكثر من أربعين ليلة، وإذا أحفاه كان أفضل، وانتهى الموضوع .....
وَاحْتَجَّ الْمُحْفُونَ بِأَحَادِيثِ الْأَمْرِ بِالْإِحْفَاءِ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَجُزُّ شَارِبَهُ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَهَذَا الْأَغْلَبُ فِيهِ الْإِحْفَاءُ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ.
وَرَوَى الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ: جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، قَالَ: وَهَذَا يَحْتَمِلُ الْإِحْفَاءَ أَيْضًا.
وَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أبي سعيدٍ، وأبي أسيدٍ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وجابرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يُحْفُونَ شَوَارِبَهُمْ.
وَقَالَ إبراهيمُ بن محمد بن حاطب: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ كَأَنَّهُ يَنْتِفُهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَتَّى يُرَى بَيَاضُ الْجِلْدِ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَلَمَّا كَانَ التَّقْصِيرُ مَسْنُونًا عِنْدَ الْجَمِيعِ كَانَ الْحَلْقُ فِيهِ أَفْضَلَ؛ قِيَاسًا عَلَى الرَّأْسِ، وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ ﷺ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا، وَلِلْمُقَصِّرِينَ وَاحِدَةً، فَجَعَلَ حَلْقَ الرَّأْسِ أَفْضَلَ مِنْ تَقْصِيرِهِ، فَكَذَلِكَ الشَّارِبُ.
س: ..............؟
ج: فيه نظر، والأمر في هذا واسعٌ والحمد لله، النبي قال: جزُّوا، وقال: قصُّوا، وقال: أحفوا، معناه: تخفيفه وعدم تركه.
س: .............؟
ج: محل نظرٍ، ليس بظاهرٍ؛ لأنَّ النبي ما قال: احلقوا، ..... صرح قال: رحم الله المحلِّقين، رحم الله المحلِّقين، رحم الله المحلِّقين ..... قال: أحفوا، ولم يقل: احلقوا .....، أفصح الناس عليه الصلاة والسلام، ولو أراد الحلقَ لقال: احلقوا.
فدلَّ ذلك على أنَّ المقصود القصّ القوي، القص الجيد، فهو قصّ وجزّ وإحفاء، وليس بحلقٍ، لكن مثلما تقدم لو حلق لا حرج في ذلك.
وقول مالك وبعض السلف أنه مُثلة ليس بجيدٍ، ولكن الجزَّ والقصَّ والإحفاء بالجزِّ والقصِّ أفضل؛ لأنه لم يرد الحلق.
س: .............؟
ج: الإحفاء يعني: المبالغة في القصِّ.
فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي كَلَامِهِ وَسُكُوتِهِ وَضَحِكِهِ وَبُكَائِهِ
كَانَ ﷺ أَفْصَحَ خَلْقِ اللَّهِ، وَأَعْذَبَهُمْ كَلَامًا، وَأَسْرَعَهُمْ أَدَاءً، وَأَحْلَاهُمْ مَنْطِقًا، حَتَّى إِنَّ كَلَامَهُ لَيَأْخُذُ بِمَجَامِعِ الْقُلُوبِ، وَيَسْبِي الْأَرْوَاحَ، وَيَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ أَعْدَاؤُهُ.
وَكَانَ إِذَا تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ مُفَصَّلٍ مُبَيَّنٍ، يَعُدُّهُ الْعَادُّ، لَيْسَ بِهَذٍّ مُسْرِعٍ لَا يُحْفَظُ، وَلَا مُنْقَطِعٍ تَخَلَّلُهُ السَّكَتَاتُ بَيْنَ أَفْرَادِ الْكَلَامِ، بَلْ هَدْيُهُ فِيهِ أَكْمَلُ الْهَدْيِ.
قَالَتْ عائشةُ: "مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْرُدُ سَرْدَكُمْ هَذَا، وَلَكِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ بَيِّنٍ فَصْلٍ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ".
وَكَانَ كَثِيرًا مَا يُعِيدُ الْكَلَامَ ثَلَاثًا؛ لِيُعْقَلَ عَنْهُ، وَكَانَ إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلَاثًا، وَكَانَ طَوِيلَ السُّكُوتِ، لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ، يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ وَيَخْتَتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلَامِ، فَصْلٌ، لَا فُضُولٌ، وَلَا تَقْصِيرٌ.
وَكَانَ لَا يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا يَرْجُو ثَوَابَهُ، وَإِذَا كَرِهَ الشَّيْءَ عُرِفَ فِي وَجْهِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فَاحِشًا، وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا صَخَّابًا.
وَكَانَ جُلَّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ، بَلْ كُلُّهُ التَّبَسُّمُ، فَكَانَ نِهَايَةُ ضَحِكِهِ أَنْ تَبْدُوَ نَوَاجِذُهُ.
وَكَانَ يَضْحَكُ مِمَّا يُضْحَكُ مِنْهُ، وَهُوَ مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْ مِثْلِهِ، وَيُسْتَغْرَبُ وُقُوعُهُ وَيُسْتَنْدَرُ.
وَلِلضَّحِكِ أَسْبَابٌ عَدِيدَةٌ هَذَا أَحَدُهَا.
وَالثَّانِي: ضَحِكُ الْفَرَحِ، وَهُوَ أَنْ يَرَى مَا يَسُرُّهُ أَوْ يُبَاشِرُهُ.
وَالثَّالِثُ: ضَحِكُ الْغَضَبِ، وَهُوَ كَثِيرًا مَا يَعْتَرِي الْغَضْبَانَ إِذَا اشْتَدَّ غَضَبُهُ، وَسَبَبُهُ تَعَجُّبُ الْغَضْبَانِ مِمَّا أَوْرَدَ عَلَيْهِ الْغَضَبُ، وَشُعُورُ نَفْسِهِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى خَصْمِهِ، وَأَنَّهُ فِي قَبْضَتِهِ، وَقَدْ يَكُونُ ضَحِكُهُ لِمُلْكِهِ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَإِعْرَاضِهِ عَمَّنْ أَغْضَبَهُ، وَعَدَمِ اكْتِرَاثِهِ بِهِ.
وَأَمَّا بُكَاؤُهُ ﷺ فَكَانَ مِنْ جِنْسِ ضَحِكِهِ؛ لَمْ يَكُنْ بِشَهِيقٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ، كَمَا لَمْ يَكُنْ ضَحِكُهُ بِقَهْقَهَةٍ، وَلَكِنْ كَانَتْ تَدْمَعُ عَيْنَاهُ حَتَّى تَهْمُلَا، وَيُسْمَعُ لِصَدْرِهِ أَزِيزٌ.
وَكَانَ بُكَاؤُهُ تَارَةً رَحْمَةً لِلْمَيِّتِ، وَتَارَةً خَوْفًا عَلَى أُمَّتِهِ وَشَفَقَةً عَلَيْهَا، وَتَارَةً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَتَارَةً عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ بُكَاءُ اشْتِيَاقٍ وَمَحَبَّةٍ وَإِجْلَالٍ مُصَاحِبٌ لِلْخَوْفِ وَالْخَشْيَةِ.
الشيخ: ومن هذا ما جاء في الحديث أنه ﷺ لما عرضت عليه إحدى بناته صبيَّها ونفسه تقعقع للخروج، دمعت عيناه عليه الصلاة والسلام، وقال له بعضُ أصحابه: ما هذا يا رسول الله؟ قال: إنها رحمة، وإنما يرحم اللهُ من عباده الرُّحماء.
وكان ذات يومٍ عند بعض بناته على شفير القبر، وهي تُدفن، فدمعت عيناه عليه الصلاة والسلام.
وكان إذا قرأ القرآن يُسمع لصدره أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء؛ خوفًا من الله، وتعظيمًا له، وخشيةً له .
وكان يومًا جالسًا بين أصحابه فقال لابن مسعود: اقرأ عليَّ القرآن، فقال: يا رسول الله، كيف أقرأ عليك وعليك أُنزل؟! فقال: إني أُحبّ أن أسمعه من غيري، فقرأ عليه ابنُ مسعودٍ أول سورة النساء، فلما بلغ قوله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء:41]، قال: حسبك، قال ابنُ مسعودٍ: فالتفتُّ فإذا عيناه تذرفان. تذكر موقفَ يوم القيامة، وهول يوم القيامة، ودمعت عيناه من خشية الله .
وهكذا المؤمن ..... أسباب الرحمة، وأسباب الخوف عند تذكر أهوال يوم القيامة، وعند تذكر ما يُخشى على العبد من أنواع العذاب: تدمع عيناه ويبكي، كما قال النبيُّ ﷺ في الحديث الصحيح: سبعة يُظلهم اللهُ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظله، وذكر منهم السابع قال: ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه يعني: من خشية الله .
الشيخ: وهذا يُبين أنه لا بأس بهذا: أن الإنسان يحزن ويبكي عند موت قريبه، لا حرج في ذلك، إنما الممنوع الصوت، رفع الصوت، النِّياحة، أو شقّ الثوب، أو لطم الخدّ، أو حثو التراب على الرأس، أو ما أشبه ذلك من الجزع، هذا هو المذموم؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ليس منا مَن ضرب الخدود، أو شقَّ الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية، وقال عليه الصلاة والسلام: أنا بريء من الصَّالقة والحالقة والشَّاقَّة، والصَّالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشَّاقَّة التي تشقّ ثوبها عند المصيبة.
وَبَكَى لَمَّا شَاهَدَ إِحْدَى بَنَاتِهِ وَنَفْسُهَا تَفِيضُ، وَبَكَى لَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ سُورَةَ النِّسَاءِ، وَانْتَهَى فِيهَا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء:41]، وَبَكَى لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَبَكَى لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ، وَصَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ، وَجَعَلَ يَبْكِي فِي صَلَاتِهِ، وَجَعَلَ يَنْفُخُ وَيَقُولُ: رَبِّ أَلَمْ تَعِدْنِي أَلَّا تُعَذِّبَهُمْ وَأَنَا فِيهِمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ؟ وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُكَ، وَبَكَى لَمَّا جَلَسَ عَلَى قَبْرِ إِحْدَى بَنَاتِهِ، وَكَانَ يَبْكِي أَحْيَانًا فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ.
وَالْبُكَاءُ أَنْوَاعٌ:
أَحَدُهَا: بُكَاءُ الرَّحْمَةِ وَالرِّقَّةِ.
وَالثَّانِي: بُكَاءُ الْخَوْفِ وَالْخَشْيَةِ.
وَالثَّالِثُ: بُكَاءُ الْمَحَبَّةِ وَالشَّوْقِ.
وَالرَّابِعُ: بُكَاءُ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ.
وَالْخَامِسُ: بُكَاءُ الْجَزَعِ مِنْ وُرُودِ الْمُؤْلِمِ وَعَدَمِ احْتِمَالِهِ.
وَالسَّادِسُ: بُكَاءُ الْحُزْنِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بُكَاءِ الْخَوْفِ: أَنَّ بُكَاءَ الْحُزْنِ يَكُونُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ حُصُولِ مَكْرُوهٍ أَوْ فَوَاتِ مَحْبُوبٍ، وَبُكَاءُ الْخَوْفِ يَكُونُ لِمَا يُتَوَقَّعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ ذَلِكَ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ بُكَاءِ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ، وَبُكَاءِ الْحُزْنِ: أَنَّ دَمْعَةَ السُّرُورِ بَارِدَةٌ، وَالْقَلْبُ فَرْحَانُ، وَدَمْعَةَ الْحُزْنِ حَارَّةٌ، وَالْقَلْبُ حَزِينٌ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ لِمَا يُفْرَحُ بِهِ: هُوَ قُرَّةُ عَيْنٍ، وَأَقَرَّ اللَّهُ بِهِ عَيْنَهُ، وَلِمَا يُحْزِنُ: هُوَ سَخِينَةُ الْعَيْنِ، وَأَسْخَنَ اللَّهُ عَيْنَهُ بِهِ.
وَالسَّابِعُ: بُكَاءُ الْخَوَرِ وَالضَّعْفِ.
وَالثَّامِنُ: بُكَاءُ النِّفَاقِ، وَهُوَ أَنْ تَدْمَعَ الْعَيْنُ، وَالْقَلْبُ قَاسٍ، فَيُظْهِرُ صَاحِبُهُ الْخُشُوعَ، وَهُوَ مِنْ أَقْسَى النَّاسِ قَلْبًا.
وَالتَّاسِعُ: الْبُكَاءُ الْمُسْتَعَارُ وَالْمُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ: كَبُكَاءِ النَّائِحَةِ بِالْأُجْرَةِ، فَإِنَّهَا كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: تَبِيعُ عَبْرَتَهَا، وَتَبْكِي شَجْوَ غَيْرِهَا.
وَالْعَاشِرُ: بُكَاءُ الْمُوَافَقَةِ، وَهُوَ أَنْ يَرَى الرَّجُلُ النَّاسَ يَبْكُونَ لِأَمْرٍ وَرَدَ عَلَيْهِمْ فَيَبْكِي مَعَهُمْ، وَلَا يَدْرِي لِأَيِّ شَيْءٍ يَبْكُونَ، وَلَكِنْ يَرَاهُمْ يَبْكُونَ فَيَبْكِي.
وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ دَمْعًا بِلَا صَوْتٍ فَهُوَ بُكًى -مَقْصُورٌ- وَمَا كَانَ مَعَهُ صَوْتٌ فَهُوَ بُكَاءٌ -مَمْدُودٌ- عَلَى بِنَاءِ الْأَصْوَاتِ.
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
بَكَتْ عَيْنِي وَحُقَّ لَهَا بُكَاهَا | وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلَا الْعَوِيلُ |
وَمَا كَانَ مِنْهُ مُسْتَدْعًى مُتَكَلَّفًا فَهُوَ التَّبَاكِي، وَهُوَ نَوْعَانِ: مَحْمُودٌ، وَمَذْمُومٌ.
فَالْمَحْمُودُ أَنْ يُسْتَجْلَبَ لِرِقَّةِ الْقَلْبِ، وَلِخَشْيَةِ اللَّهِ، لَا لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ.
وَالْمَذْمُومُ أَنْ يُجْتَلَبَ لِأَجْلِ الْخَلْقِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَقَدْ رَآهُ يَبْكِي هُوَ وأبو بكرٍ فِي شَأْنِ أُسَارَى بَدْرٍ: "أَخْبِرْنِي مَا يُبْكِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا"، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ﷺ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: ابْكُوا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا.
الشيخ: يعني اجتهدوا في ..... البكاء من خشية الله ؛ لترقّ القلوب، وتدمع العيون.
فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي خُطْبَتِهِ
.............
الشيخ: إحدى بناته لما كان يُحفر لها قبل أن تُدفن بكى ﷺ ودمعت عيناه.
..............