فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي خُطْبَتِهِ
خَطَبَ ﷺ عَلَى الْأَرْضِ، وَعَلَى الْمِنْبَرِ، وَعَلَى الْبَعِيرِ، وَعَلَى النَّاقَةِ.
وَكَانَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ، يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ، وَيَقُولُ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ، وَيُقْرِنُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ: السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.
الشيخ: وهذا من هديه ﷺ في خطبه ..... عليه الصلاة والسلام، وهديه كله خير، خير هدي هديه عليه الصلاة والسلام، وكان في غالب أوقاته في السَّفر والإقامة يُذكِّر الناس، ويعظ الناس، ويُوجههم إلى الخير، ويُعلم الجاهل، ويُرشد الضَّال، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر عليه الصلاة والسلام، وربما خطب الناس وهو جالس، وربما خطبهم وهو قاعد على الأرض، وربما خطبهم وهو على البعير، وربما خطبهم وهو على المنبر، فهو لا يتكلَّف، بل يذكر حسبما يتيسر، والله بعثه مُذكِّرًا، ونذيرًا، وهاديًا، ومُبشِّرًا، كما قال : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:45- 46]، فالله أرسله داعيًا ومُبشرًا ونذيرًا وسراجًا عليه الصلاة والسلام، ومُعلِّمًا لأمَّته، ومُوجِّهًا لهم إلى كل خيرٍ عليه الصلاة والسلام.
فينبغي لأتباعه من أهل العلم أن يتوخّوا خُطاه، وأن يسلكوا طريقه في الإنذار والتَّحذير والعظة والتَّذكير والبلاغ والتعليم والجهاد في الأوقات المناسبة، هكذا يكون طالبُ العلم، ولا يتقيد برسميات معينة، بل ينتهز الفرصَ قائمًا وقاعدًا، وعلى المنبر، وغير ذلك، وماشيًا، وراكبًا: في القطار، على البعير، على الحمار، على البغل، في الطائرة، في الباخرة، في السَّفينة، في أي مكانٍ يتحرى عظةَ الناس وتذكيرهم وتعليمهم.
وكان إذا خطب احمرَّت عيناه، وعلا صوته، واشتدَّ غضبه، حتى كأنَّه مُنذر جيشٍ، يقول: صبَّحكم ومسَّاكم عليه الصلاة والسلام.
فالخطبة إذا كانت عن قوةٍ، وعن عنايةٍ صار أثرها أشدَّ في القلوب، وإذا كانت الخطبةُ عن ضعفٍ، وعن رخاوةٍ، كان أثرُها كذلك، فينبغي للخطيب أن يكون قويًّا في خطبته، بليغًا مُؤثِّرًا، يُؤثر على مَن يسمع كلامه، وينطق عن كل قلبه، وعن كل نصحٍ.
ويقول: إنَّ خير الحديث كتابُ الله، وهو القرآن، وخير الهدي هديُ محمدٍ ﷺ، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة، لما كان دينُه أكملَ الأديان، وكان قد استوفى ما يحتاجه العبادُ بيَّن للناس أنَّ شرَّ الأمور مُحدثاتها، يعني: ليس هناك حاجة إلى أي ابتداعٍ، وأي إحداثٍ، فالدِّين كامل، قد استوفى كلَّ ما يحتاجه العباد، فليس بالناس حاجة إلى أن يأتي أحدٌ ويبتدع في الدِّين، أو يشرع في الدِّين ما لم يأذن به الله، أو يستحسن عبادات ما أنزل الله بها من سلطانٍ.
ويقول: بُعِثْتُ أنا والسَّاعة كهاتين يعني: أنه نبي السَّاعة عليه الصلاة والسلام، أفضل الأنبياء، وخاتمهم، فليس بعده نبي، ليس بعده إلا الساعة، يقول: كهاتين يقرن أُصبعيه: السباحة بالوسطى، يعني: أنه قريب من آخر الزمان، وأن الساعة تقوم على أمته، وعلى آخر أمته، يعني: فلا تنتظروا نبيًّا بعدي يُعلِّمكم، ليس هناك إلا ما جاء به هذا النبي عليه الصلاة والسلام، ليس هناك نبي آخر سيأتي بتعليمٍ جديدٍ، لا، تعليم أول الأمة وآخرها واحد، وهو ما جاء به عليه الصلاة والسلام، وهو تعليم الصحابة، وتعليم مَن بعدهم إلى يوم القيامة، وهو ما دلَّ عليه كتابُ الله، وهو القرآن، أو جاءت به سنةُ رسوله ﷺ، وهي الوحي الثاني، وهي كلامه وفِعاله وتقريراته، هذه هي السنة، فما قال هو أو أقرَّ عليه أو فعله من العبادات فهذه سنته: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1- 4]، فما يُنَبِّه إليه، ويأمر به، وينهى عنه، وحيٌ من الله.
وبهذا يكون المؤمنُ مُهتمًّا بهذا الأمر، يعتني بالقول والفعل، ويتتبع سنته القولية والعملية، حتى يأخذ دينَه عن ذلك، وحتى لا يحتاج إلى أحدٍ، وحتى لا تلتبس عليه الأمور بما يُحدثه الناس، فإنَّ العبد إذا قلَّ علمُه التبست عليه الأمور، فإذا جدَّ في طلب العلم، وتحرى ما جاء به عليه الصلاة والسلام، وجدَّ في ذلك، وصدق في ذلك، يطَّلع على الشيء الكثير مما جاء به عليه الصلاة والسلام، وأغناه الله بما جاء به الوحي عن الحاجة إلى الناس، كما قال تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين [النحل:89]، وقال عليه الصلاة والسلام: ما بعث الله من نبيٍّ إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، ويُنذرهم شرَّ ما يعلمه لهم خرَّجه مسلم في "الصحيح". كل نبيٍّ هكذا، فآخر الأنبياء وأعظمهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فلا بدّ أن يكون بلاغه لهذه الأمة وإنذاره لها ..... لها أكمل ممن قبله عليه الصلاة والسلام، فحياته كلها وعظ، كلها توجيه، كلها تذكير، كلها إنذار، كلها عظة، كلها بيان لمن عُني بذلك.
............
وَكَانَ لَا يَخْطُبُ خُطْبَةً إِلَّا افْتَتَحَهَا بِحَمْدِ اللَّهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ: إِنَّهُ يَفْتَتِحُ خُطْبَةَ الِاسْتِسْقَاءِ بِالِاسْتِغْفَارِ، وَخُطْبَةَ الْعِيدَيْنِ بِالتَّكْبِيرِ. فَلَيْسَ مَعَهُمْ فِيهِ سُنَّةٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ الْبَتَّةَ، وَسُنَّتُهُ تَقْتَضِي خِلَافَهُ، وَهُوَ افْتِتَاحُ جَمِيعِ الْخُطَبِ بالْحَمْدِ لِلَّهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ لِأَصْحَابِ أحمد، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا -قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ.
الشيخ: وهذا هو المقصود، كان يبدأ كلماته بالحمد عليه الصلاة والسلام، يبدأ خُطبه بالحمد لله، وهذا هو الأفضل.
وذهب بعضُ أهل العلم إلى أنَّ خُطب العيد تبدأ بالتكبير، واحتجُّوا بأثرٍ مُرسلٍ عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود: أنَّ النبي ﷺ بدأ خطبته في العيد بتسع تكبيرات. ولكن هذا المرسل لا يُحتج به في مقابل الأحاديث الصَّحيحة الدالة على بدئه خُطبه بالحمد، هذا هو الأفضل.
.............
الشيخ: علَّق على هذا؟
الطالب: حديث صحيح: أخرجه عبدالرزاق: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء. وروى أيضًا هو وابن المنذر ..... يُحدث عن الشَّعبي قال: كان رسولُ الله ﷺ إذا صعد المنبر أقبل على الناس بوجهه وقال: السلام عليكم، قال: فكان أبو بكر وعمر يفعلان ذلك ..... رواه ابن ماجه من حديث جابرٍ، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف.
وفي الباب عن ابن عمر عند الطبراني .....
الشيخ: نعم، هذه المرسلات كلها ضعيفة، مرفوعة وضعيفة، يشدّ بعضُها بعضًا في ..... عند صعود المنبر.
.............
وَكَانَ يَخْتِمُ خُطْبَتَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ، وَكَانَ كَثِيرًا ما يَخْطُبُ بِالْقُرْآنِ.
وَفِي "صَحِيحِ مسلم" عَنْ أم هشام بنت حارثة.
الشيخ: "التقريب" حاضر؟ انظر: عامر بن شراحيل الشعبي.
الشيخ: ..... هذا وهذا، وصحَّ عنها أنها سمعته يقرأ (ق) على المنبر، وأخذت عنه السورة، وهكذا يقرأها في صلاة الفجر أيضًا.
الطالب: عامر بن شراحيل الشَّعبي -بفتح المعجمة- أبو عمرو، ثقة، مشهور، فقيه، فاضل، من الثالثة، قال مكحول: ما رأيتُ أفقه منه. مات بعد المئة وله نحو من ثمانين. (ع).
.....
الشيخ: يُروى أنه قال: ما كتبتُ سوداء في بيضاء. يعني: حفظ، عنده قوة حفظٍ.
وَذَكَرَ أبو داود عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا تَشَهَّدَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ، وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا.
وَقَالَ أبو داود: عَنْ يونس: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ تَشَهُّدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ إِذَا خَطَبَ: كُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، لَا بُعْدَ لِمَا هُوَ آتٍ، وَلَا يُعَجِّلُ اللَّهُ لِعَجَلَةِ أَحَدٍ، وَلَا يُخِفُّ لِأَمْرِ النَّاسِ، مَا شَاءَ اللَّهُ، لَا مَا شَاءَ النَّاسُ، يُرِيدُ اللَّهُ شَيْئًا، وَيُرِيدُ النَّاسُ شَيْئًا، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَلَوْ كَرِهَ النَّاسُ، وَلَا مُبْعِدَ لِمَا قَرَّبَ اللَّهُ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَعَّدَ اللَّهُ، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ.
الشيخ: أيش قال المحشي على أول شيءٍ؟
الطالب: .........
الشيخ: تم كلامه.
الطالب: نعم.
الشيخ: وهذا الذي تقدم الكلامُ فيه غير مرةٍ: بئس الخطيبُ أنت هذا يحتمل أنه كان أولًا ثم نُسخ ذلك، فإنَّ خُطبه الكثيرة وأحاديثه الكثيرة كلها تدل على جواز التَّثنية في جمع الضَّمير، وهي أصحّ من حديث عدي، ويحتمل أن هذا كان أولًا، ثم جاء النَّسخ، ويحتمل الترجيح، وأن أحاديث الجمع أرجح من حديث الفصل، ولعلَّ إنكاره ﷺ للرجل حيث قال: "ومَن يعصهما" كان قبل أن يتكلم بتثنية الضمير؛ لأنَّ الترجيح ..... هذا صحيح، وهذا صحيح، لكن قد يكون النَّهي منسوخًا، بدليل أنه ﷺ تابع خُطبه بذلك وكلامه.
ومن ذلك قوله: ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوةَ الإيمان: أن يكون اللهُ ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، في أحاديث كثيرة لا تُحصى في "الصحيحين" وغيرهما، وإذا لم تتوافر شروط النَّسخ بقي الترجيح، فإنَّ العلماء لهم فيما يختلف من الأحاديث لهم في هذا أربع طرقٍ:
الطريق الأولى: الجمع مهما أمكن، هذا هو المقدم حيث أمكن، فإن لم يتيسر ذلك رجع إلى النَّسخ، ونسخ المتقدم بالمتأخر، إذا توافرت الشروط وعُلم التاريخ، فإن لم يتيسر ذلك رجع إلى الطريق الثالث، وهو الترجيح .....، فإن لم يتيسر ذلك رجع إلى الطريق الرابع، وهو التَّوقف حتى يتبين الأمر، التوقف مُؤقت، التوقف ليس أمرًا مُستمرًّا، بل هو أيضًا مُؤقَّت ريثما يتبين لطالب العلم أحد الأوجه الثلاثة السَّابقة: من جمع، أو نسخ، أو ترجيح.
ومن أوجه الجمع: أن يُحمل النَّهي على الكراهة، أو الأمر، أو الفعل على الجواز.
ومن أوجه الجمع: حمل الأمر على النَّدب، لا على الوجوب، بدليل أنه لم يعمل ذلك الأمر، وطرق الجمع متنوعة.
وهنا يمكن الجمع عندما قال: بئس الخطيبُ أنت ..... الكراهة، قد لا .....، فحُمل على الكراهة، ولكن كيف يُقال أنه استعمل ما هو مكروه غالب الأحوال ..... مع أنَّ ظاهره المنع في رواية أبي داود: قم، بئس الخطيبُ أنت، بزيادة "قم"، والأرجح والأظهر عند التأمل هو الترجيح؛ ترجيح أحاديث جمع الضمير على أحاديث بئس الخطيبُ أنت.
الشيخ: وهذا من ..... خطبه ما بين مذكر بالله وأسمائه وصفاته وعظيم حقِّه وكمال صفاته، وما بين التَّذكير لما يجب لله من الحقوق والطاعات والتَّحذير مما ينهى عنه سبحانه من الأخلاق والأعمال والأقوال، وهكذا التبشير بالجنة والنار، وما أعدَّ الله للمتقين في الجنة، وما أعدَّ الله للكفار في النار، وما بين ..... والمعاصي وبيان سُوء عاقبتها، وما بين الحثّ على الدَّعوة إلى الله، والترغيب في دينه، والتحذير من الإعراض والغفلة عمَّا جاء به رسوله عليه الصلاة والسلام، وما بين قصص عمَّا مضى من الأنبياء وأحوالهم، وما جرى عليهم، وما جرى على أُممهم؛ للعظة والذِّكرى والتأسي بالأخلاق، والصبر على ما صبر عليه الرسل وأتباعهم.
.............
فَعَلَى هَذَا كَانَ مَدَارُ خُطَبِهِ.
وَكَانَ يَقُولُ فِي خُطَبِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ لَنْ تُطِيقُوا -أَوْ: لَنْ تَفْعَلُوا- كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا.
وَكَانَ يَخْطُبُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِمَا تَقْتَضِيهِ حَاجَةُ الْمُخَاطَبِينَ وَمَصْلَحَتُهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ يَخْطُبُ خُطْبَةً إِلَّا افْتَتَحَهَا بِحَمْدِ اللَّهِ، وَيَتَشَهَّدُ فِيهَا بِكَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ، وَيَذْكُرُ فِيهَا نَفْسَهُ بِاسْمِهِ الْعَلَمِ.
وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ.
الشيخ: أيش قال على .....؟
الطالب: وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ، قال الترمذي: .....
الشيخ: الحاشية؟
الطالب: نعم .....، وأحمد في "المسند"، وسنده قوي، وحسَّنه الترمذي وغيره.
الشيخ: يعني ملابسه عادية عليه الصلاة والسلام، كما يلبس عند الناس في الأوقات الأخرى، إلا أنه كان يتحرى الشيء الجديد والطيب، مثلما قال عمر في جبّة عطارد يلبسها للوفود والجمعة، وكان يتحرى اللباس الحسن في الخطب والأعياد، لكن لم يكن هناك زيٌّ خاصٌّ يخصّ به الجمعة أو الأعياد، سوى التجمل والتطيب ونحو ذلك مما يُشرع في يوم العيد .....، ولم يكن هناك شاويش يعني: رجل خاصّ يتكلم بين يديه، ويخرج أمامه إذا خرج، كان مُتواضعًا عليه الصلاة والسلام.
.........
الشيخ: الكل يستمع، إذا شرع في الخطبة أنصت الناسُ يستمعون، وكان ليس هناك ..... بعد الأذان ..... كما يفعله بعضُ الناس في بعض الجمع .....، ليس هذا من فعله عليه الصلاة والسلام، إنما الإمام يُذكر الناس، إذا قال الخطبةَ أنصتوا، أو لا تتكلموا والإمام يخطب، ونصح الناس، هذا من مقاصد الخطبة، لكن لا يكون هناك واحد يعدّ لهذا الشيء، يقول للناس: افعلوا كذا، وافعلوا كذا، ليس هذا بمشروعٍ.
........
الشيخ: هذا رواه أبو داود بإسنادٍ حسنٍ عن الحسن بن الحسن: أنه رأى النبيَّ ﷺ يخطب بكلمات معدودات، وكان يتَّكئ على عصا أو قوس يوم الجمعة. ورُوي عنه بإسنادٍ ضعيفٍ أنه فعل ذلك في العيد أيضًا، فالأمر في هذا واسع، أيش قال المحشي عليه؟
الطالب: ......
الشيخ: وفي إسناده .....، لكنه شاهد لهذا الحديث.
الطالب: ........
وَكَانَ أَحْيَانًا يَتَوَكَّأُ عَلَى قَوْسٍ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ أَنَّهُ تَوَكَّأَ عَلَى سَيْفٍ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْجَهَلَةِ يَظُنُّ أَنَّهُ كَانَ يُمْسِكُ السَّيْفَ عَلَى الْمِنْبَرِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الدِّينَ إِنَّمَا قَامَ بِالسَّيْفِ، وَهَذَا جَهْلٌ قَبِيحٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَحْفُوظَ أَنَّهُ ﷺ تَوَكَّأَ عَلَى الْعَصَا وَعَلَى الْقَوْسِ.
الثَّانِي: أَنَّ الدِّينَ إِنَّمَا قَامَ بِالْوَحْيِ، وَأَمَّا السَّيْفُ فَلِمَحْقِ أَهْلِ الضَّلَالِ وَالشِّرْكِ، وَمَدِينَةُ النَّبِيِّ ﷺ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ فِيهَا إِنَّمَا فُتِحَتْ بِالْقُرْآنِ وَلَمْ تُفْتَحْ بِالسَّيْفِ.
وَكَانَ إِذَا عَرَضَ لَهُ فِي خُطْبَتِهِ عَارِضٌ اشْتَغَلَ بِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى خُطْبَتِهِ، وَكَانَ يَخْطُبُ فَجَاءَ الحسنُ والحسينُ يَعْثُرَانِ فِي قَمِيصَيْنِ أَحْمَرَيْنِ، فَقَطَعَ كَلَامَهُ فَنَزَلَ فَحَمَلَهُمَا، ثُمَّ عَادَ إِلَى مِنْبَرِهِ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]، رَأَيْتُ هَذَيْنِ يَعْثُرَانِ فِي قَمِيصَيْهِمَا فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ كَلَامِي فَحَمَلْتُهُمَا.
الشيخ: هذا يدل على الرأفة والرحمة والعطف والتَّواضع.
وَجَاءَ سليك الغطفاني وَهُوَ يَخْطُبُ فَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ يَا سليك فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجوَّزْ فِيهِمَا.
وَكَانَ يُقَصِّرُ خُطْبَتَهُ أَحْيَانًا، وَيُطِيلُهَا أَحْيَانًا بِحَسْبِ حَاجَةِ النَّاسِ، وَكَانَتْ خُطْبَتُهُ الْعَارِضَةُ أَطْوَلَ مِنْ خُطْبَتِهِ الرَّاتِبَةِ.
الشيخ: الغالب التَّخفيف، وإلا قد يطول إذا اقتضى الحال.
وَكَانَ يَخْطُبُ النِّسَاءَ عَلَى حِدَةٍ فِي الْأَعْيَادِ، وَيُحَرِّضُهُنَّ عَلَى الصَّدَقَةِ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
فُصُولٌ فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي الْعِبَادَاتِ
...........
الشيخ: الغالب التقصير، وقد يُطول كما في حديث ..... وعمر بن الخطاب ..... وجماعة خطب وطوَّل لأسبابٍ.
س: ...........؟
ج: حديث عمار وما جاء في معناه، وحديث عائشة وما جاء في معناه، كلها تدل على أنَّ الأغلب عدم .....