012 فصل في كيفية سجوده صلى الله عليه وسلم والقيام منه

فَصْلٌ

وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْقِيَامِ وَالسُّجُودِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟

فَرَجَّحَتْ طَائِفَةٌ الْقِيَامَ لِوُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ ذِكْرَهُ أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ، فَكَانَ رُكْنُهُ أَفْضَلَ الْأَرْكَانِ.

وَالثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].

الثَّالِثُ: قَوْلُهُ ﷺ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: السُّجُودُ أَفْضَلُ. وَاحْتَجَّتْ بِقَوْلِهِ ﷺ: أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَبِحَدِيثِ معدان ابن أبي طلحة قَالَ: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالسُّجُودِ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَ اللَّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً، قَالَ معدان: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لربيعة بن كعب الأسلمي، وَقَدْ سَأَلَهُ مُرَافَقَتَهُ فِي الْجَنَّةِ: أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ.

وَأَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سُورَةُ (اقْرَأْ) عَلَى الْأَصَحِّ، وَخَتَمَهَا بِقَوْلِهِ: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19].

وَبِأَنَّ السُّجُودَ لِلَّهِ يَقَعُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا: عُلْوِيِّهَا وَسُفْلِيِّهَا. وَبِأَنَّ السَّاجِدَ أَذَلُّ مَا يَكُونُ لِرَبِّهِ وَأَخْضَعُ لَهُ، وَذَلِكَ أَشْرَفُ حَالَاتِ الْعَبْدِ؛ فَلِهَذَا كَانَ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ مِنْ رَبِّهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَبِأَنَّ السُّجُودَ هُوَ سِرُّ الْعُبُودِيَّةِ، فَإِنَّ الْعُبُودِيَّةَ هِيَ الذُّلُّ وَالْخُضُوعُ، يُقَالُ: طَرِيقٌ مُعَبَّدٌ، أَيْ: ذَلَّلَتْهُ الْأَقْدَامُ وَوَطَّأَتْهُ، وَأَذَلُّ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ وَأَخْضَعُ إِذَا كَانَ سَاجِدًا.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: طُولُ الْقِيَامِ بِاللَّيْلِ أَفْضَلُ، وَكَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِالنَّهَارِ أَفْضَلُ.

وَاحْتَجَّتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ بِأَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ قَدْ خُصَّتْ بِاسْمِ الْقِيَامِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُمِ اللَّيْلَ [المزمل:2]، وَقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ وَلِهَذَا يُقَالُ: قِيَامُ اللَّيْلِ، وَلَا يُقَالُ: قِيَامُ النَّهَارِ.

قَالُوا: وَهَذَا كَانَ هَدْيَ النَّبِيِّ ﷺ، فَإِنَّهُ مَا زَادَ فِي اللَّيْلِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. وَكَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَةَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي بِالْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ، وَأَمَّا بِالنَّهَارِ فَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ كَانَ يُخَفِّفُ السُّنَنَ.

وَقَالَ شَيْخُنَا: الصَّوَابُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَالْقِيَامُ أَفْضَلُ بِذِكْرِهِ -وَهُوَ الْقِرَاءَةُ- وَالسُّجُودُ أَفْضَلُ بِهَيْئَتِهِ، فَهَيْئَةُ السُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ هَيْئَةِ الْقِيَامِ، وَذِكْرُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ السُّجُودِ.

الشيخ: يعني فتعادلا.

وَهَكَذَا كَانَ هَدْيُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَإِنَّهُ كَانَ إِذَا أَطَالَ الْقِيَامَ أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، كَمَا فَعَلَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَفِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَكَانَ إِذَا خَفَّفَ الْقِيَامَ خَفَّفَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ فِي الْفَرْضِ، كَمَا قَالَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: كَانَ قِيَامُهُ وَرُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ وَاعْتِدَالُهُ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: والأفضل في هذا أن يتحرى ما هو الأوفق والأشبه بصلاة النبي ﷺ، فإن كان يستطيع طولَ القيام طوَّل القيام، كما فعل النبي ﷺ، وقرأ وطوَّل واعتنى بقراءته قراءةً مُرتلةً، يقف عند كل آيةٍ فيها وعيد فيتعوَّذ، وإذا رأى فيها رحمةً فيها ذكر المؤمنين والجنة والنار؛ فيسأل ربَّه، فيها ذكر أسماء الله وصفاته فيُسبحه جلَّ وعلا، هكذا كان عليه الصلاة والسلام، وهكذا يطول في الركوع والسجود، فإن شقَّ عليه ذلك خفف القيام، وفي الركوع والسجود، حتى يُصلي صلاةً ينشط فيها، ويحتويها، ويتلذذ بها، ويكون ذلك أخشع لقلبه، وأقرب إلى أدائه العبادة برغبةٍ ورهبةٍ وصدقٍ؛ ولهذا كان ﷺ ربما طوَّل في الليل، وربما خفَّف، وربما أوتر بثلاثٍ، أوتر بخمسٍ، أوتر بسبعٍ، لكن الغالب عليه في تهجده في الليل إحدى عشرة ركعة، يُطول في قراءته، ويُطول في ركوعه وسجوده عليه الصلاة والسلام.

فَصْلٌ

ثُمَّ كَانَ ﷺ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا غَيْرَ رَافِعٍ يَدَيْهِ، وَيَرْفَعُ مِنَ السُّجُودِ رَأْسَهُ قَبْلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا؛ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا، وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى.

وَذَكَرَ النَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَنْصِبَ الْقَدَمَ الْيُمْنَى".

وَاسْتِقْبَالُهُ بِأَصَابِعِهَا الْقِبْلَةَ، وَالْجُلُوسُ عَلَى الْيُسْرَى، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ ﷺ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جِلْسَةٌ غَيْرُ هَذِهِ.

س: ..............؟

ج: لعله يأتي البحثُ بعد هذا، قصده الرد على رواية الإقعاء عن ابن عباس في مسلم، أيش بعده؟ لعله يأتي.

وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ ﷺ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جِلْسَةٌ غَيْرُ هَذِهِ، وَكَانَ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَيَجْعَلُ مِرْفَقَهُ عَلَى فَخِذِهِ، وَطَرَفَ يَدِهِ عَلَى رُكْبَتِهِ، وَيَقْبِضُ ثِنْتَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ، وَيُحَلِّقُ حَلْقَةً، ثُمَّ يَرْفَعُ أُصْبُعَهُ يَدْعُو بِهَا وَيُحَرِّكُهَا. هَكَذَا قَالَ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ عَنْهُ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أبي داود عَنْ عبدالله بن الزبير: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إِذَا دَعَا وَلَا يُحَرِّكُهَا. فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي صِحَّتِهَا نَظَرٌ، وَقَدْ ذَكَرَ مسلم الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، بَلْ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ جَعَلَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ، وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ.

وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أبي داود عَنْهُ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ.

وَأَيْضًا لَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ لَكَانَ نَافِيًا، وَحَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ مُثْبِتًا، وَهُوَ مُقَدَّمٌ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، ذَكَرَهُ أبو حاتم فِي "صَحِيحِهِ".

الشيخ: علَّق عليه؟

الطالب: ما علَّق.

الشيخ: هو ثبت في مسلم الإقعاء، لعلَّ المؤلف يحمله أنه كان يفعله في التَّشهد، ربما فعله في التشهد، لكن ..... في الصحيح ما يدل على أنه بين السَّجدتين، وهو أن يجلس على عقبيه، لكن رواية الافتراش أكثر وأصحّ.

ثُمَّ كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي، هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْهُ ﷺ، وَذَكَرَ حذيفةُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي.

الشيخ: بين السَّجدتين، نعم.

وَكَانَ هَدْيُهُ ﷺ إِطَالَةَ هَذَا الرُّكْنِ بِقَدْرِ السُّجُودِ، وَهَكَذَا الثَّابِتُ عَنْهُ فِي جَمِيعِ الْأَحَادِيثِ.

وَفِي "الصَّحِيحِ" عَنْ أنسٍ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْعُدُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ.

وَهَذِهِ السُّنَّةُ تَرَكَهَا أَكْثَرُ النَّاسِ مِنْ بَعْدِ انْقِرَاضِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ.

الشيخ: والمقصود من هذا أنَّ السنة تطويل ما بين السَّجدتين؛ اقتداءً بالنبي ﷺ، وفصلًا بين السَّجدتين، وهكذا بعد الركوع يعتدل ويُطيل .....، كان إذا قام من السجدة جلس حتى يقول القائلُ: قد نسي. وإذا رفع من الركوع اعتدل وقام حتى يقول القائل: قد نسي. من شدة ما يُطول ما بين السَّجدتين، وما بعد الركوع، بخلاف عمل كثيرٍ من الناس؛ فإنه يعجل، لا يستقرّ بين السَّجدتين حتى يسجد للثانية، كذلك بعد الركوع يعجل بعض الناس، ولا يبقى إلا يسيرًا، والسنة خلاف ذلك، السنة أنه لا يعجل: لا ما بين السَّجدتين، ولا بعد الركوع، بل يعتدل ويُكمل ما شرع بين السَّجدتين: "رب اغفر لي"، ويُكررها: "رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني".

وإن دعا بغير هذا فلا بأس، كأن يقول: "اللهم إني أسألك رضاك والجنة، وأعوذ بك من سخطك والنار، اللهم اغفر لي ولوالدي"، هذا محل دعاءٍ، وبعد الركوع يُطيل: "ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملء السَّماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئتَ من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحقّ ما قال العبدُ، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيتَ، ولا مُعطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجدّ، منك الجد"، حتى يفصل الركوع عن السجود بهذه الوقفة الطويلة، هذا هو الأفضل والأكمل؛ اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام.

وَلِهَذَا قَالَ ثابت: وَكَانَ أنسٌ يَصْنَعُ شَيْئًا لَا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ: يَمْكُثُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ نَسِيَ، أَوْ قَدْ أَوْهَمَ.

وَأَمَّا مَنْ حَكَّمَ السُّنَّةَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى مَا خَالَفَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَعْبَأُ بِمَا خَالَفَ هَذَا الْهَدْيَ.

الشيخ: وكان ينبغي للمؤلف أن يُشير إلى هذا بعد الركوع كما تقدم، فإنه جاء في النص هذا وهذا.

س: ............؟

ج: يفوته بعض الصلاة المرتب على كمال السنة.

س: .............؟

ج: صلاته صحيحة، نعم، إذا حافظ على الواجبات والشروط -الحمد لله- والأركان.

س: ..............؟

ج: الإقعاء، كأن المؤلف أعرض عنه ..... ما يصحّ، لكن لعل مُراده ..... التشهد.

فَصْلٌ

ثُمَّ كَانَ ﷺ يَنْهَضُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ، مُعْتَمِدًا عَلَى فَخِذَيْهِ كَمَا ذَكَرَ عَنْهُ: وائل وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْأَرْضِ بِيَدَيْهِ.

وَقَدْ ذَكَرَ عَنْهُ مالك بن الحويرث أَنَّهُ كَانَ لَا يَنْهَضُ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا. وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا: هَلْ هِيَ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ فَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهَا، أَوْ لَيْسَتْ مِنَ السُّنَنِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهَا مَنِ احْتَاجَ إِلَيْهَا؟

عَلَى قَوْلَيْنِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أحمد رَحِمَهُ اللَّهُ.

قَالَ الخلالُ: رَجَعَ أَحْمَدُ إِلَى حَدِيثِ مالك بن الحويرث فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَقَالَ: أَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى: أَنَّ أبا أمامة سُئِلَ عَنِ النُّهُوضِ فَقَالَ: عَلَى صُدُورِ الْقَدَمَيْنِ عَلَى حَدِيثِ رفاعة.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَجْلَانَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْهَضُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، وَسَائِرُ مَنْ وَصَفَ صَلَاتَهُ ﷺ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْجِلْسَةَ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ فِي حَدِيثِ أبي حميدٍ، ومالك بن الحويرث.

وَلَوْ كَانَ هَدْيُهُ ﷺ فِعْلَهَا دَائِمًا لَذَكَرَهَا كُلُّ مَنْ وَصَفَ صَلَاتَهُ ﷺ، وَمُجَرَّدُ فِعْلِهِ ﷺ لَهَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ سُنَنِ الصُّلَاةِ، إِلَّا إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ فَعَلَهَا عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ يُقْتَدَى بِهِ فِيهَا، وَأَمَّا إِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ فَعَلَهَا لِلْحَاجَةِ، لَمْ يَدُلَّ عَلَى كَوْنِهَا سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ، فَهَذَا مِنْ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

الشيخ: والأرجح فيها أنها من سُنن الصلاة؛ لأنَّ مالكًا ذكرها وقال: كان إذا نهض بعد السجود في الأولى والثالثة لا ينهض حتى يستوي قاعدًا. رواه البخاري في "الصحيح"، وكان مالك وجماعة معه ..... عن النبي ﷺ ومكثوا عنده نحو عشرين ليلة، يرقبون صلاته، وقال لهم النبي: صلوا كما رأيتُموني أُصلي، هذا يظهر منه أنه من سننها، وقد رواه أبو حميدٍ في عشرة من أصحاب النبي ﷺ وصفوا صلاة النبي ﷺ، ذكروا أنه يجلس هذه الجلسة، فدلَّ على أنها من سنة الصلاة، لا بسبب المرض، ولا بسبب كبرٍ.

س: ..............؟

ج: الأمر واسع، محل اجتهاده، هي مُستحبة، ليست واجبةً، ولعل السبب أن بعض الصحابة ما ذكرها، في بعض رواية أبي داود: أنه ما كان يُواظب عليها، ربما فعلها تارةً، وتركها تارةً، فالأمر فيها واسع؛ ولهذا خفيت على بعض الصَّحابة.

س: .............؟

ج: الأصل عدمه، يحتاج إلى الدليل.

وَكَانَ إِذَا نَهَضَ افْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ وَلَمْ يَسْكُتْ كَمَا كَانَ يَسْكُتُ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ: هَلْ هَذَا مَوْضِعُ اسْتِعَاذَةٍ أَمْ لَا؟ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ اسْتِفْتَاحٍ، وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أحمد، وَقَدْ بَنَاهُمَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الصَّلَاةِ هَلْ هِيَ قِرَاءَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَكْفِي فِيهَا اسْتِعَاذَةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ قِرَاءَةُ كُلِّ رَكْعَةٍ مُسْتَقِلَّةٌ بِرَأْسِهَا؟

وَلَا نِزَاعَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الِاسْتِفْتَاحَ لِمَجْمُوعِ الصَّلَاةِ، وَالِاكْتِفَاءَ بِاسْتِعَاذَةٍ وَاحِدَةٍ أَظْهَرُ.

الشيخ: يعني في أول الصلاة ..... كالشيء الواحد.

لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ الْقِرَاءَةَ بِـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، وَلَمْ يَسْكُتْ، وَإِنَّمَا يَكْفِي اسْتِعَاذَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّلِ الْقِرَاءَتَيْنِ سُكُوتٌ، بَلْ تَخَلَّلَهُمَا ذِكْرٌ، فَهِيَ كَالْقِرَاءَةِ الْوَاحِدَةِ إِذَا تَخَلَّلَهَا حَمْدُ اللَّهِ، أَوْ تَسْبِيحٌ، أَوْ تَهْلِيلٌ، أَوْ صَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.

الشيخ: علَّق عليه؟

الطالب: في الحاشية: قال النَّووي في "المجموع": الأصح في مذهبنا استحبابه -أي: التعوذ- في كل ركعةٍ، وبه قال ابن سيرين، وقال عطاء والحسن والنخعي والثوري وأبو حنيفة: يختص التعوذ بالركعة الأولى. انتهى.

الشيخ: ما علَّق على حديث أبي هريرة: إذا نهض؟

الطالب: رواه مسلم.

س: البسملة؟

الشيخ: تبع.

س: ...............؟

ج: تبع الفاتحة؛ لأنَّ البسملة تبع الفاتحة، تبع كل سورةٍ؛ ولهذا دخلت في الحديث، ولم تسقط كما في حديث أنسٍ: صليتُ مع النبي ومع أبي بكر وعمر فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله. يعني: مع التسمية.

وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى سَوَاءً، إِلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: السُّكُوتِ، وَالِاسْتِفْتَاحِ، وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَتَطْوِيلِهَا كَالْأُولَى، فَإِنَّهُ ﷺ كَانَ لَا يَسْتَفْتِحُ، وَلَا يَسْكُتُ، وَلَا يُكَبِّرُ لِلْإِحْرَامِ فِيهَا، وَيَقْصرُهَا عَنِ الْأُولَى.

الشيخ: يعني هذه الأشياء التي امتازت بها الركعة الثانية عن الأولى؛ الركعة الأولى فيها الاستفتاح -سكوت واستفتاح- ولها تكبيرة مُستقلة، تكبيرة الإحرام، وهي أطول من الثانية، أما الثانية فليس فيها استفتاح، ولا سكوت، ولا تكبيرة الإحرام، بل ينهض بتكبير النقل .....، ويجعلها غالبًا أقصر من الأولى، هذا هو الغالب، كما في حديث أبي قتادة وغيره.

س: تجديد النية؟

ج: ما يحتاج؛ لأنها صلاة واحدة.

فَتَكُونُ الْأُولَى أَطْوَلَ مِنْهَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ كَمَا تَقَدَّمَ.

فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ، وَكَانَ لَا يَنْصِبُهَا نَصْبًا، وَلَا يُنِيمُهَا، بَلْ يَحْنِيهَا شَيْئًا، وَيُحَرِّكُهَا شَيْئًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، وَكَانَ يَقْبِضُ أُصْبُعَيْنِ، وَهُمَا الْخِنْصرُ وَالْبِنْصرُ، وَيُحَلِّقُ حَلْقَةً، وَهِيَ الْوُسْطَى مَعَ الْإِبْهَامِ، وَيَرْفَعُ السَّبَّابَةَ يَدْعُو بِهَا، وَيَرْمِي بِبَصَرِهِ إِلَيْهَا، وَيَبْسُطُ الْكَفَّ الْيُسْرَى عَلَى الْفَخِذِ الْيُسْرَى، وَيَتَحَامَلُ عَلَيْهَا.

وَأَمَّا صِفَةُ جُلُوسِهِ فَكَمَا تَقَدَّمَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ سَوَاءٌ، يَجْلِسُ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى. وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْجِلْسَةِ غَيْرُ هَذِهِ الصِّفَةِ.

الشيخ: هذا كما تقدم، كما أنه نسي حديث ابن عباس.

س: وهو يتحامل عليها؟

ج: ما أعرف له دليلًا.

س: .............؟

ج: يعني يجلس عليه أكثر، لكن ما أعرف فيه شيئًا يدل على هذا.

وَأَمَّا حَدِيثُ عبدالله بن الزبير الَّذِي رَوَاهُ مسلم فِي "صَحِيحِهِ": أَنَّهُ ﷺ كَانَ إِذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ جَعَلَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ، وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى. فَهَذَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ كَمَا يَأْتِي، وَهُوَ أَحَدُ الصِّفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ رُوِيَتَا عَنْهُ: فَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ حَدِيثِ أبي حميدٍ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ ﷺ: "فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ".

فَذَكَرَ أبو حميدٍ أَنَّهُ كَانَ يَنْصِبُ الْيُمْنَى، وَذَكَرَ ابنُ الزبير أَنَّهُ كَانَ يَفْرِشُهَا، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ عَنْهُ ﷺ: إِنَّ هَذِهِ صِفَةُ جُلُوسِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ. وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ، بَلْ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: يَتَوَرَّكُ فِي التَّشَهُّدَيْنِ. وَهَذَا مَذْهَبُ مالكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَفْتَرِشُ فِيهِمَا فَيَنْصِبُ الْيُمْنَى، وَيَفْتَرِشُ الْيُسْرَى وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا. وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَتَوَرَّكُ فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ يَلِيهِ السَّلَامُ، وَيَفْتَرِشُ فِي غَيْرِهِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَتَوَرَّكُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ فِيهَا تَشَهُّدَانِ، فِي الْأَخِيرِ مِنْهُمَا؛ فَرْقًا بَيْنَ الْجُلُوسَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَمَعْنَى حَدِيثِ ابن الزبير أَنَّهُ فَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى: أَنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ فِي هَذَا الْجُلُوسِ عَلَى مَقْعَدَتِهِ، فَتَكُونُ قَدَمُهُ الْيُمْنَى مَفْرُوشَةً، وَقَدَمُهُ الْيُسْرَى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ، وَمَقْعَدَتُهُ عَلَى الْأَرْضِ، فَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي قَدَمِهِ الْيُمْنَى فِي هَذَا الْجُلُوسِ: هَلْ كَانَتْ مَفْرُوشَةً أَوْ مَنْصُوبَةً؟

وَهَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- لَيْسَ اخْتِلَافًا فِي الْحَقِيقَةِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَجْلِسُ عَلَى قَدَمِهِ، بَلْ يُخْرِجُهَا عَنْ يَمِينِهِ، فَتَكُونُ بَيْنَ الْمَنْصُوبَةِ وَالْمَفْرُوشَةِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى بَاطِنِهَا الْأَيْمَنِ، فَهِيَ مَفْرُوشَةٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ نَاصِبًا لَهَا، جَالِسًا عَلَى عَقِبِهِ، وَمَنْصُوبَةٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ جَالِسًا عَلَى بَاطِنِهَا، وَظَهْرُهَا إِلَى الْأَرْضِ، فَصَحَّ قَوْلُ أبي حميد وَمَنْ مَعَهُ، وَقَوْلُ عبدالله بن الزبير.

أَوْ يُقَالُ: إِنَّهُ ﷺ كَانَ يَفْعَلُ هَذَا وَهَذَا؛ فَكَانَ يَنْصِبُ قَدَمَهُ، وَرُبَّمَا فَرَشَهَا أَحْيَانًا، وَهَذَا أَرْوَحُ لَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ كَانَ ﷺ يَتَشَهَّدُ دَائِمًا فِي هَذِهِ الْجِلْسَةِ، وَيُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ أَنْ يَقُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

س: الراجح في التَّشهد في الثُّنائية؟

ج: يفترش، كما في حديث عائشة: كان يفترش في كل ركعتين، وإنما التَّورك فهو التَّشهد الأخير في ذات التَّشهدين: في المغرب والعشاء والظهر والعصر، هذا الموافق لحديث ..... في "الصحيحين".

س: والسبابة يُحركها؟

ج: يُحركها قليلًا عند ذكر الدعاء، أو ذكر الله.

س: ............؟

ج: هكذا كان يُحركها بعض الأحيان عند ذكر الله، وعند الدعاء.

وَقَدْ ذَكَرَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أبي الزبير عَنْ جابرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ: بِسْمِ اللَّهِ، وَبِاللهِ، التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ.

وَلَمْ تَجِئِ التَّسْمِيَةُ فِي أَوَّلِ التَّشَهُّدِ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَهُ عِلَّةٌ غَيْرُ عَنْعَنَةِ أبي الزبير.

الشيخ: والأحاديث الصَّحيحة: كحديث ابن مسعودٍ في "الصحيحين"، وحديث ابن عباسٍ في "صحيح البخاري"، و"صحيح مسلم"، وأحاديث أخرى كلها ليس فيها ذكر التَّسمية، وإنما يبدأ بقوله: "التحيات"، وهذا هو المحفوظ: "التحيات لله، والصلوات والطيبات"، وإن زاد: "المباركات" كما في حديث ابن عباسٍ فلا بأس، كل ما صحَّ عن النبي ﷺ اعتمد.

وَكَانَ ﷺ يُخَفِّفُ هَذَا التَّشَهُّدَ جِدًّا، حَتَّى كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ -وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ- وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِي حَدِيثٍ قَطُّ أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ فِي هَذَا التَّشَهُّدِ، وَلَا كَانَ أَيْضًا يَسْتَعِيذُ فِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَفِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَمَنِ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ فَإِنَّمَا فَهِمَهُ مِنْ عُمُومَاتٍ وَإِطْلَاقَاتٍ قَدْ صَحَّ تَبْيِينُ مَوْضِعِهَا وَتَقْيِيدُهَا بِالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ.

الشيخ: أما في الدُّعاء فهو مسلم، كان ..... في التشهد الأخير كما صحَّ عن أبي هريرة: كان إذا فرغ من التَّشهد الأخير قال: أعوذ بالله من عذاب جهنم .. إلى آخره، أما الصلاة على النبي ﷺ فظاهر الأحاديث العموم، يُصلي على النبي ﷺ في الأول والأخير.

وليس ما ذكره المؤلفُ واضحًا، بل العمومات حُجَّة حتى يأتي ما يدل على أنه لم يفعل ذلك، وأما كونه يُخفف هذا التَّشهد حتى كأنه يجلس على الرضف، فهو حديث ضعيف، لم يفطن المؤلفُ، أو لم يذكر المؤلفُ ضعفَه، فإنه من رواية أبي عبيدة، عن أبيه، وهو لم يسمع منه، منقطع، فاتَّضح أنه لا وجهَ لهذا التَّخفيف.

في التشهد الأول يقرأ التَّحيات، ويُصلي على النبي ﷺ، ثم ينهض إلى الثالثة، هذا هو الموافق لظاهر الأحاديث وعمومها في الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنه مستحبّ، وإنما تجب الصلاةُ عليه في التشهد الأخير عند مَن أوجبها.

الشيخ: ما علَّق عليه؟

الطالب: ما علَّق.

ثُمَّ كَانَ يَنْهَضُ مُكَبِّرًا عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، وَعَلَى رُكْبَتَيْهِ.

الشيخ: هذا فات على المحشي، ينبغي أن يُعلق عليه؛ لأنَّ الحديث -حديث الرضف- ليس بصحيحٍ، بل هو منقطع.

ثُمَّ كَانَ يَنْهَضُ مُكَبِّرًا عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، وَعَلَى رُكْبَتَيْهِ، مُعْتَمِدًا عَلَى فَخِذِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ ذَكَرَ مسلم فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ عبدالله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا.

الشيخ: يعني إذا قام إلى الثالثة يرفع يديه، هذا عند البخاري وغيره: حديث ابن عمر وحديث عليٍّ، المقصود أنَّ السنة أنه يرفع يديه إذا قام إلى الثالثة من التشهد الأول، وهذا هو الموضع الرابع.

س: ...............؟

ج: نعم.

س: ................؟

ج: هذا هو الأفضل، ينهض بيديه، ويبدأ بركبتيه عند السجود .....

س: ............؟

ج: ما هو؟

الطالب: وقد ذكر مسلم في "صحيحه" من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرفع يديه في هذا الموضع.

الشيخ: المعروف أنه في البخاري، الذي أذكره كما قال المحشي، لا أذكره إلا في البخاري من حديث ابن عمر، وفي غير البخاري من حديث عليٍّ أيضًا.

عَلَى أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ عبدالله بن عمر، فَأَكْثَرُ رُوَاتِهِ لَا يَذْكُرُونَهَا، وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُهَا مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، وَيُقِيمُ كُلَّ عُضْوٍ فِي مَوْضِعِهِ، ثُمَّ يَقْرَأُ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَضَعُ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ مُعْتَدِلًا، لَا يُصَوِّبُ رَأْسَهُ، وَلَا يُقْنِعُ بِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، حَتَّى يَقَرَّ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى مَوْضِعِهِ، ثُمَّ يَهْوِي إِلَى الْأَرْضِ، وَيُجَافِي يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، وَيَثْنِي رِجْلَهُ فَيَقْعُدُ عَلَيْهَا، وَيَفْتَخُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ إِذَا سَجَدَ، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَجْلِسُ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى مَوْضِعِهِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَصْنَعُ فِي الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، كَمَا يَصْنَعُ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يُصَلِّي بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ هَكَذَا، حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّجْدَةُ الَّتِي فِيهَا التَّسْلِيمُ أَخْرَجَ رِجْلَيْهِ وَجَلَسَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ مُتَوَرِّكًا.

هَذَا سِيَاقُ أبي حاتم فِي "صَحِيحِهِ"، وَهُوَ فِي "صَحِيحِ مسلم" أَيْضًا، وَقَدْ ذَكَرَهُ الترمذي مُصَحِّحًا لَهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ أَيْضًا.

ثُمَّ كَانَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَحْدَهَا، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ شَيْئًا.

وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَغَيْرُهُ إِلَى اسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ بِمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَاحْتَجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِحَدِيثِ أبي سعيدٍ الَّذِي فِي "الصَّحِيحِ": حَزَرْنَا قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ قَدْرَ قِرَاءَةِ (الم تَنْزِيلُ) السَّجْدَةِ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ.

وَحَدِيثُ أبي قتادة الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ.

قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي بِنَا فَيَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا.

زَادَ مسلم: وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.

وَالْحَدِيثَانِ غَيْرُ صَرِيحَيْنِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أبي سعيدٍ فَإِنَّمَا هُوَ حَزْرٌ مِنْهُمْ وَتَخْمِينٌ، لَيْسَ إِخْبَارًا عَنْ تَفْسِيرِ نَفْسِ فِعْلِهِ ﷺ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أبي قتادة فَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْفَاتِحَةِ، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُخِلُّ بِهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ، بَلْ كَانَ يَقْرَأُهَا فِيهِمَا كَمَا كَانَ يَقْرَأُهَا فِي الْأُولَيَيْنِ، فَكَانَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ أبي قتادة فِي الِاقْتِصَارِ أَظْهَرَ، فَإِنَّهُ فِي مَعْرِضِ التَّقْسِيمِ، فَإِذَا قَالَ: كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ، كَانَ كَالتَّصْرِيحِ فِي اخْتِصَاصِ كُلِّ قِسْمٍ بِمَا ذُكِرَ فِيهِ.

وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذَا أَكْثَرُ فِعْلِهِ، وَرُبَّمَا قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِشَيْءٍ فَوْقَ الْفَاتِحَةِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أبي سعيدٍ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ هَدْيَهُ ﷺ كَانَ تَطْوِيلَ الْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ، وَكَانَ يُخَفِّفُهَا أَحْيَانًا، وَتَخْفِيفَ الْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ، وَكَانَ يُطِيلُهَا أَحْيَانًا، وَتَرْكَ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ، وَكَانَ يَقْنُتُ فِيهَا أَحْيَانًا.

الشيخ: والأظهر في هذا أنَّ المعارضة في الظهر خاصة، فأما بقية الصَّلوات فكان يقرأ بفاتحة الكتاب في الأخيرتين، وإنما جاء حديث أبي سعيدٍ فيما يتعلق بالظهر فقط، وكان يقرأ في الظهر زيادةً في الثالثة والرابعة على الفاتحة، يعني: بعض الأحيان، والجمع بينه وبين حديث أبي قتادة: حديث أبي قتادة ذكر الفاتحة فقط في الثالثة والرابعة، وهذا يكون في الغالب، ربما قرأ الزيادة في الظهر خاصة كما في حديث أبي سعيدٍ، فإنَّ المعارضة في الظهر خاصَّة كما في حديث أبي سعيدٍ دون غيرها.

س: أن النبي ﷺ قرأ في الظهر بنحو ..... آية في الأُوليين بقدر ثلاثين، وفي الثالثة والرابعة بقدر خمس عشرة آية؟

ج: هذا ..... حديث أبي سعيدٍ ..... سورة السجدة، وفي اللفظ الآخر قدر ثلاثين آية، وفي الأُخريين قدر النصف من ذلك، هو معنى هذا الحديث، وأن ..... النصف من ذلك معناه الفاتحة وزيادة مثلها؛ ولهذا احتجَّ بعضُ الأئمة على شرعية الزيادة في الثالثة والرابعة في الظهر بعض الأحيان؛ حتى يتّفق مع حديث أبي قتادة.

وَالْإِسْرَارَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالْقِرَاءَةِ، وَكَانَ يُسْمِعُ الصَّحَابَةَ الْآيَةَ فِيهَا أَحْيَانًا، وَتَرْكَ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَكَانَ يَجْهَرُ بِهَا أَحْيَانًا.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا أَحْيَانًا لِعَارِضٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِهِ الرَّاتِبِ.

الشيخ: وللبيان وللإيضاح للأمة؛ حتى يعلموا قراءته، وأنه يقرأ عليه الصلاة والسلام، وإلا قد يعرض عارضٌ قد يقتضي التخفيف؛ حتى لا يتحرج الناس عند الحاجة إلى التَّخفيف.

وكان يقرأ في المغرب كثيرًا بالقصار، وعدم التطويل، وربما قرأ بالطور والأعراف وبالمرسلات، تارةً وتارةً عليه الصلاة والسلام.

وَمِنْ هَذَا لَمَّا بَعَثَ ﷺ فَارِسًا طَلِيعَةً، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَجَعَلَ يَلْتَفِتُ فِي الصَّلَاةِ إِلَى الشِّعْبِ الَّذِي يَجِيءُ مِنْهُ الطَّلِيعَةُ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ الِالْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ.

الشيخ: علَّق عليه؟

الطالب: رواه أبو داود في "الصلاة" باب "الرخصة في النظر للصلاة" من حديث سهل ابن الحنظلية، وسنده صحيح، وصححه الحاكم، ووافقه الذَّهبي.

الشيخ: وهذا للحاجة، مثلما التفت الصديقُ لما أكثر الناسُ التصفيقَ في "الصحيحين": التفت فرأى النبيَّ ﷺ، فأشار له النبي أن يبقى، فحمد الله ورفع يديه، ثم تأخَّر القهقرى. فالالتفات عند الحاجة جائز، عند الحاجة، والأفضل ترك ذلك عند عدم الحاجة، وأن يُقبل على صلاته، لكن لو دعت الحاجةُ: كأن سمع ..... عن يمينه أو شماله، أو حركة مُريبة فخاف منها الخطر فالتفت ليعرف الحقيقة فلا بأس، وكما يُروى عن الشّعب؛ [فإنه] ﷺ لما أرسل الطليعةَ لينظر العدو التفت ينظر: هل أقبل أم لا؟ يعني برأسه.

وَفِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ" عَنْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَن الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ.

الشيخ: ولهذا كُره إلا عند الحاجة.

وَفِي الترمذي مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أنسٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا بُنَيَّ، إِيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَفِي التَّطَوُّعِ، لَا فِي الْفَرْضِ.

وَلَكِنْ لِلْحَدِيثِ عِلَّتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: إِنَّ رِوَايَةَ سعيدٍ عَنْ أنسٍ لَا تُعْرَفُ.

الثَّانِيَةُ: إِنَّ فِي طَرِيقِهِ عَلِيَّ بْنَ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وَقَدْ ذَكَرَ البزارُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: لَا صَلَاةَ لِلْمُلْتَفِتِ.

الشيخ: علَّق عليه؟

الطالب: ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" من روايتين:

الأولى: عن عبدالله بن سلام من رواية الطبراني في الثلاثة، وقال: فيه السلط بن يحيى في رواية "الكبير"، وضعفه الأزدي، وفي رواية "الصغير" و"الأوسط" .....، وهو وهم، وإنما هو السلط بن طريف، ذكره الذهبيُّ في "الميزان"، وذكر له هذا الحديث، وقال الدَّارقطني: حديث مُضطرب لا يثبت.

والرواية الثانية عن أبي الدَّرداء: رواها الطبراني في "الكبير"، وفيها عطاء بن عجلان، وهو ضعيف، ولم يُوثقه أحدٌ فيما نعلم.

الشيخ: المقصود أنه ضعيف .....، قال فيه: إنه هلكة ولا صلاةَ لملتفتٍ، فهما ضعيفان، والصواب أنها مكروهة، الالتفات مكروه، ولكن لا بأس به عند الحاجة، أما إياك والالتفات؛ فإنه هلكة ولا صلاةَ لملتفتٍ فهما ضعيفان، يُخالفان الأحاديث الصَّحيحة.

فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَلْحَظُ فِي الصَّلَاةِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ". فَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ، قَالَ الترمذي فِيهِ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَلَمْ يَزِدْ.

وَقَالَ الخلال: أَخْبَرَنِي الميموني: أَنَّ أبا عبدالله قِيلَ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ أَسْنَدَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُلَاحِظُ فِي الصَّلَاةِ. فَأَنْكَرَ ذَلِكَ إِنْكَارًا شَدِيدًا حَتَّى تَغَيَّرَ وَجْهُهُ، وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَتَحَرَّكَ بَدَنُهُ، وَرَأَيْتُهُ فِي حَالٍ مَا رَأَيْتُهُ فِي حَالٍ قَطُّ أَسْوَأَ مِنْهَا، وَقَالَ: النَّبِيُّ ﷺ كَانَ يُلَاحِظُ فِي الصَّلَاةِ؟! يَعْنِي أَنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ: لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ.

الشيخ: والمعنى أنه ﷺ كان معروفًا في خشوعه بالصلاة، وإقباله عليها، وخضوعه فيها ﷺ، وعنايته بها؛ ولهذا أنكر أحمدُ الروايةَ: "يلاحظ في الصلاة"، ولو صحَّ لكان المعنى عند الحاجة.

ثم هو ليس في حاجةٍ إلى هذا ﷺ: إني أراكم من وراء ظهري عليه الصلاة والسلام.

وَأَحْسَبُهُ قَالَ: لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ. وَقَالَ: مَنْ رَوَى هَذَا؟ إِنَّمَا هَذَا مِنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ.

ثُمَّ قَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّ أبا عبدالله وَهَّنَ حَدِيثَ سعيدٍ هَذَا وَضَعَّفَ إِسْنَادَهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سعيدٍ. وَقَالَ عبدالله بن أحمد: حَدَّثْتُ أَبِي بِحَدِيثِ حَسَّانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عبدالملك الكوفي قَالَ: سَمِعْتُ العلاء قَالَ: سَمِعْتُ مكحولًا يُحَدِّثُ عَنْ أبي أمامة وواثلة: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ لَمْ يَلْتَفِتْ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا، وَرَمَى بِبَصَرِهِ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ. فَأَنْكَرَهُ جِدًّا وَقَالَ: اضْرِبْ عَلَيْهِ.

فأحمد رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْكَرَ هَذَا وَهَذَا، وَكَانَ إِنْكَارُهُ لِلْأَوَّلِ أَشَدَّ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ سَنَدًا وَمَتْنًا.

وَالثَّانِي: إِنَّمَا أَنْكَرَ سَنَدهُ، وَإِلَّا فَمَتْنُهُ غَيْرُ مُنْكَرٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ ثَبَتَ الْأَوَّلُ لَكَانَ حِكَايَةَ فِعْلٍ فَعَلَهُ، لَعَلَّهُ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ: كَكَلَامِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ وأبو بكر وعمر وذو اليدين فِي الصَّلَاةِ لِمَصْلَحَتِهَا، أَوْ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ: كَالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أبو داود عَنْ أبي كبشة السّلولي، عَنْ سهل ابن الحنظلية قَالَ: ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ –يَعْنِي: صَلَاةَ الصُّبْحِ- فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ.

قَالَ أبو داود: يَعْنِي وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إِلَى الشِّعْبِ مِنَ اللَّيْلِ يَحْرُسُ، فَهَذَا الِالْتِفَاتُ مِن الِاشْتِغَالِ بِالْجِهَادِ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَدْخُلُ فِي مَدَاخِلِ الْعِبَادَاتِ: كَصَلَاةِ الْخَوْفِ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُ عمر: "إِنِّي لَأُجَهِّزُ جَيْشِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ"، فَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ.

وَنَظِيرُهُ التَّفَكُّرُ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ، وَاسْتِخْرَاجُ كُنُوزِ الْعِلْمِ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ، فَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْعِلْمِ، فَهَذَا لَوْنٌ، وَالْتِفَاتُ الْغَافِلِينَ اللَّاهِينَ وَأَفْكَارُهُمْ لَوْنٌ آخَرُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

س: ............؟

ج: يعني بما يعرض له من التَّفكير وهو يُصلي، قد يعرض له التَّفكير وهو في الصلاة، فيُجهز الجيش، يعني: يأمر بتجهيز الجيش، يعني: يقع في نفسه كيفية تجهيز الجيش.

س: ثابت عن عمر هذا؟

ج: المؤلف جزم به، والذي يظهر أنه من مُعلقات البخاري، تعليقًا، هذا مما يُعفا عنه، مما يقع في الصلاة، مما يقع من التَّفكير.

س: كأنَّ عمر يقصد هذا؟

ج: لا، يعرض له، يعني: يعرض له هذا الشيء.

فَهَدْيُهُ الرَّاتِبُ ﷺ إِطَالَةُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الرُّبَاعِيَّةِ عَلَى الْأُخْرَيَيْنِ، وَإِطَالَةُ الْأُولَى مِنَ الْأُولَيَيْنِ عَلَى الثَّانِيَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ سعدٌ لعمر: أَمَّا أَنَا فَأُطِيلُ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَأَحْذِفُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَلَا آلُو أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.

وَكَذَلِكَ كَانَ هَدْيُهُ ﷺ إِطَالَةَ صَلَاةِ الْفَجْرِ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَالَتْ عائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ إِلَّا الْفَجْرَ، فَإِنَّهَا أُقِرَّتْ عَلَى حَالِهَا مِنْ أَجْلِ طُولِ الْقِرَاءَةِ، وَالْمَغْرِبَ لِأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ". رَوَاهُ أَبُو حَاتِمِ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَأَصْلُهُ فِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ".

وَهَذَا كَانَ هَدْيَهُ ﷺ فِي سَائِرِ صَلَاتِهِ؛ إِطَالَةُ أَوَّلِهَا عَلَى آخِرِهَا، كَمَا فَعَلَ فِي الْكُسُوفِ، وَفِي قِيَامِ اللَّيْلِ لَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، حَتَّى أَتَمَّ صَلَاتَهُ.

وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا افْتِتَاحَهُ ﷺ صَلَاةَ اللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَأَمْرَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ مِفْتَاحُ قِيَامِ اللَّيْلِ، فَهُمَا بِمَنْزِلَةِ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ كَانَ يُصَلِّيهِمَا أَحْيَانًا بَعْدَ وِتْرِهِ تَارَةً جَالِسًا، وَتَارَةً قَائِمًا، مَعَ قَوْلِهِ: اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا، فَإِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ لَا تُنَافِيَانِ هَذَا الْأَمْرَ، كَمَا أَنَّ الْمَغْرِبَ وِتْرٌ لِلنَّهَارِ، وَصَلَاةُ السُّنَّةِ شَفْعًا بَعْدَهَا لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا وِتْرًا لِلنَّهَارِ، وَكَذَلِكَ الْوِتْرُ لَمَّا كَانَ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً -وَهُوَ وِتْرُ اللَّيْلِ- كَانَتِ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَهُ جَارِيَتَيْنِ مَجْرَى سُنَّةِ الْمَغْرِبِ مِنَ الْمَغْرِبِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَغْرِبُ فَرْضًا كَانَتْ مُحَافَظَتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى سُنَّتِهَا أَكْثَرَ مِنْ مُحَافَظَتِهِ عَلَى سُنَّةِ الْوِتْرِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ الْوِتْرِ ظَاهِرٌ جِدًّا، وَسَيَأْتِي مَزِيدُ كَلَامٍ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ شَرِيفَةٌ لَعَلَّكَ لَا تَرَاهَا فِي مُصَنَّفٍ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

الشيخ: وهذا ثابت في حديث عائشة: أنه كان بعد أن يُوتر يُصلي ركعتين وهو جالس، ولعلَّ من الحكمة في ذلك أن يُبين أنه ليس ممنوعًا أن يُصلي بعد الوتر، وإنما هو الأفضل أن يختم بالوتر، فإن صلَّى بعد الوتر ركعتين، أو أوتر في أول الليل ثم تهجد في آخر الليل فلا حاجةَ إلى أن يُعيد، يُصلي ما كتب الله له ولا يُعيد الوتر؛ لقوله ﷺ: لا وترانِ في ليلةٍ، فهي بمثابة ركعتين بعد المغرب وهي وتر النهار، فالركعتان بعد الوتر تابعة لبيان حكم الله في ذلك، أو لأنه أوتر في أول الليل فيسَّر الله له القيام في آخر الليل؛ فيُصلي ما كتب الله له: ركعتين، أو أربع ركعات، أو ستّ ركعات، من غير حاجةٍ إلى أن يُعيد الوتر ولا ينقضه، تكلم عليه المحشي أو ما تعرَّض لشيء؟

الطالب: على؟

الشيخ: ركعتين بعد الوتر.

الطالب: ما جاء في حديث ثوبان؟

الشيخ: ما أذكر إلا حديث عائشة في "صحيح مسلم".

فَصْلٌ

وَكَانَ ﷺ إِذَا جَلَسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ جَلَسَ مُتَوَرِّكًا، وَكَانَ يُفْضِي بِوَرِكِهِ إِلَى الْأَرْض،ِ وَيُخْرِجُ قَدَمَهُ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ.

فَهَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ ﷺ فِي التَّوَرُّكِ، ذَكَرَهُ أبو داود فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، وَقَدْ ذَكَرَ أبو حاتم فِي "صَحِيحِهِ" هَذِهِ الصِّفَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُهُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ أبي حميدٍ أَيْضًا قَالَ: "وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ". فَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَوَّل فِي الْجُلُوسِ عَلَى الْوَرِكِ، وَفِيهِ زِيَادَةُ وَصْفٍ فِي هَيْئَةِ الْقَدَمَيْنِ لَمْ تَتَعَرَّضِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى لَهَا.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: مَا ذَكَرَهُ مسلم فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ عبدالله بن الزبير: أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَجْعَلُ قَدَمَهُ الْيُسْرَى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ، وَيَفْرِشُ قَدَمَهُ الْيُمْنَى. وَهَذِهِ هِيَ الصِّفَةُ الَّتِي اخْتَارَهَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخِرَقِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلصِّفَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي إِخْرَاجِ الْيُسْرَى مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، وَفِي نَصْبِ الْيُمْنَى، وَلَعَلَّهُ كَانَ يَفْعَلُ هَذَا تَارَةً، وَهَذَا تَارَةً، وَهَذَا أَظْهَرُ.

الشيخ: ولا مانع من ذلك؛ لأنه ﷺ كان يُنوع كثيرًا من أمور الصلاة؛ تخفيفًا وتيسيرًا، وتنوع في العبادة تفصيلًا لها، كان النبي ﷺ يُحلق إبهامه مع الوسطى تارةً، وتارةً يقبض أصابعه كلها ويُشير بالتي تلي الإبهام، تارةً يُطول في السورة بعد الفاتحة، وتارةً يقصر، كل ذلك من باب التنوع في الصلاة، وهذا من باب اختلاف التنوع، وهو جائز لا حرجَ فيه، وهكذا التشهد، وهكذا الاستفتاحات، كله من باب التنوع، فالأمر فيه واسع، والأفضل أنَّ المؤمن يفعل هذا تارةً، وهذا تارةً، وإذا راعى ما هو الأصح ففعله أكثر، كل هذا من باب تحرير السنة والعناية بها، وعدم إهمال شيءٍ منها.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنِ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ، وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا التَّوَرُّكُ إِلَّا فِي التَّشَهُّدِ الَّذِي يَلِيهِ السَّلَامُ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُ: هَذَا مَخْصُوصٌ بِالصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا تَشَهُّدَانِ، وَهَذَا التَّوَرُّكُ فِيهَا جُعِلَ فَرْقًا بَيْنَ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ الَّذِي يُسَنُّ تَخْفِيفُهُ، فَيَكُونُ الْجَالِسُ فِيهِ مُتَهَيِّئًا لِلْقِيَامِ، وَبَيْنَ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي الَّذِي يَكُونُ الْجَالِسُ فِيهِ مُطْمَئِنًّا.

وَأَيْضًا فَتَكُونُ هَيْئَةُ الْجُلُوسَيْنِ فَارِقَةً بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ، مُذَكِّرَةً لِلْمُصَلِّي حَالَهُ فِيهِمَا.

وَأَيْضًا فَإِنَّ أبا حميدٍ إِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الصِّفَةَ عَنْهُ ﷺ فِي الْجِلْسَةِ الَّتِي فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي، فَإِنَّهُ ذَكَرَ صِفَةَ جُلُوسِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا، ثُمَّ قَالَ: "وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ"، وَفِي لَفْظٍ: "فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ".

وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ: "حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْجِلْسَةُ الَّتِي فِيهَا التَّسْلِيمُ أَخْرَجَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَجَلَسَ عَلَى شِقِّهِ مُتَوَرِّكًا" فَهَذَا قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرَى التَّوَرُّكَ يُشْرَعُ فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ يَلِيهِ السَّلَامُ، فَيَتَوَرَّكُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الدَّلَالَةِ، بَلْ سِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ فِي التَّشَهُّدِ الَّذِي يَلِيهِ السَّلَامُ مِنَ الرُّبَاعِيَّةِ وَالثُّلَاثِيَّةِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ صِفَةَ جُلُوسِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَقِيَامَهُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: "حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّجْدَةُ الَّتِي فِيهَا التَّسْلِيمُ جَلَسَ مُتَوَرِّكًا"، فَهَذَا السِّيَاقُ ظَاهِرٌ فِي اخْتِصَاصِ هَذَا الْجُلُوسِ بِالتَّشَهُّدِ الثَّانِي. والله أعلم.

فَصْلٌ

وَكَانَ ﷺ إِذَا جَلَسَ فِي التَّشَهُّدِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَضَمَّ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ وَنَصَبَ السَّبَّابَةَ. وَفِي لَفْظٍ: وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ.

وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى. ذَكَرَهُ مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ.

وَقَالَ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ: "جَعَلَ حَدَّ مِرْفَقِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ قَبَضَ ثِنْتَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ وَحَلَّقَ حَلْقَةً، ثُمَّ رَفَعَ أُصْبُعَهُ فَرَأَيْتُهُ يُحَرِّكُهَا يَدْعُو بِهَا". وَهُوَ فِي "السُّنَنِ".

الشيخ: أطلق المؤلفُ: المرفق، وأراد به الكفّ؛ لأنه يرتفق به ..... المرفق هكذا تبتعد اليد عن الفخذ ..... والله أعلم حتى يُوافق الأحاديث الأخرى، المرفق يعني: الكفّ؛ لأنه يرتفق به، كما يرتفق بالمرفق هذا؛ ولهذا في الأحاديث الأخرى: "يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، واليسرى على اليسرى"، وفي اللفظ الثاني: "على ركبته اليمنى، وعلى ركبته اليسرى، ويضع يده على فخذه، ويمد أصابعه إلى ....."، جمع بينهما.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي "صَحِيحِ مسلم": "عَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ".

وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا وَاحِدَةٌ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ: "قَبَضَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ" أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْوُسْطَى كَانَتْ مَضْمُومَةً، لَمْ تَكُنْ مَنْشُورَةً كَالسَّبَّابَةِ، وَمَنْ قَالَ: "قَبَضَ ثِنْتَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ" أَرَادَ أَنَّ الْوُسْطَى لَمْ تَكُنْ مَقْبُوضَةً مَعَ الْبِنْصرِ، بَلِ الْخِنْصرُ وَالْبِنْصرُ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي الْقَبْضِ دُونَ الْوُسْطَى، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مَنْ قَالَ: "وَعَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ"؛ فَإِنَّ الْوُسْطَى فِي هَذَا الْعَقْدِ تَكُونُ مَضْمُومَةً، وَلَا تَكُونُ مَقْبُوضَةً مَعَ الْبِنْصرِ.

وَقَدِ اسْتَشْكَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُضَلَاءِ هَذَا؛ إِذْ عَقْدُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ لَا يُلَائِمُ وَاحِدَةً مِنَ الصِّفَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، فَإِنَّ الْخِنْصرَ لَا بُدَّ أَنْ تَرْكَبَ الْبِنْصرَ فِي هَذَا الْعَقْدِ.

وَقَدْ أَجَابَ عَنْ هَذَا بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: بِأَنَّ الثَّلَاثَةَ لَهَا صِفَتَانِ فِي هَذَا الْعَقْدِ: قَدِيمَةٌ، وَهِيَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، تَكُونُ فِيهَا الْأَصَابِعُ الثَّلَاثُ مَضْمُومَةً، مَعَ تَحْلِيقِ الْإِبْهَامِ مَعَ الْوُسْطَى. وَحَدِيثَةٌ، وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ الْيَوْمَ بَيْنَ أَهْلِ الْحِسَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: والمقصود من هذا كله أنَّ السنة أن يكون مُشيرًا بالسبابة، أما الأربع هكذا: إن شاء قبضها كلها هكذا، وإن شاء قبض الخنصر والبنصر، وحلَّق الإبهام والوسطى، كلاهما ثابت، حديث ابن عمر وحديث وائل هكذا يقبضها كلها، ويجعل الإبهام تحت السبابة، وإن شاء كما في حديث وائل حلَّق الإبهام مع الوسطى، وقبض الخنصر مع البنصر هكذا، هذا هو الأفضل.

س: وتكون أنامل اليُسرى إلى الأرض، أو إلى القبلة؟

ج: إلى القبلة.

س: متى يُشير؟

ج: الأفضل عند ذكر الله، وعند الدعاء، وأما ..... قائمة دائمة في التَّشهد، ولكن إذا حركها قليلًا عند ذكر "أشهد أن لا إله إلا الله"، وعند "اللهم صلِّ"، وعند "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم .." إلى آخره، كما في حديث ..... إذا دعا.

س: ...............؟

ج: دليل الوحدانية.

وَكَانَ يَبْسُطُ ذِرَاعَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَلَا يُجَافِيهَا، فَيَكُونُ حَدُّ مِرْفَقِهِ عِنْدَ آخِرِ فَخِذِهِ.

الشيخ: هذا بناء على أنه المرفق المعروف، أما إذا فسّر المرفق بأنه الكفّ فلا إشكال.

وَأَمَّا الْيُسْرَى فَمَمْدُودَةُ الْأَصَابِعِ عَلَى الْفَخِذِ الْيُسْرَى.

وَكَانَ يَسْتَقْبِلُ بِأَصَابِعِهِ الْقِبْلَةَ فِي رَفْعِ يَدَيْهِ فِي رُكُوعِهِ، وَفِي سُجُودِهِ، وَفِي تَشَهُّدِهِ، وَيَسْتَقْبِلُ أَيْضًا بِأَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ فِي سُجُودِهِ.

وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ: التَّحِيَّاتُ.

وَأَمَّا الْمَوَاضِعُ الَّتِي كَانَ يَدْعُو فِيهَا فِي الصَّلَاةِ فَسَبْعَةُ مَوَاطِنَ:

أَحَدُهَا: بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي مَحَلِّ الِاسْتِفْتَاحِ.

الثَّانِي: قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الْوِتْرِ، وَالْقُنُوتِ الْعَارِضِ فِي الصُّبْحِ قَبْلَ الرُّكُوعِ، إِنْ صَحَّ ذَلِكَ، فَإِنَّ فِيهِ نَظَرًا.

الشيخ: وقد صحَّ بعد الركوع، والأصح أنَّ القنوت يكون بعد الركوع، هذا جاء في الأحاديث الصحيحة الكثيرة.

س: ...............؟

ج: لا منافاة على الصحيح، يُحركها قليلًا ولا منافاة بين الروايات الأخرى ولا يُحركها.

س: ..............؟

ج: كأنَّ التحريك شيء قليل خفي على مَن نفاه، والمثبت مُقدم على النَّافي، فلا منافاة؛ يُحركها قليلًا عند الدعاء، أو عند التوحيد، ولكنها في الأغلب ساكنة، مُشيرًا بها فقط.

س: ...............؟

ج: كل الآثار التي في هذا ضعيفة ما عدا التَّحريك فقط، أما زيادة شديدًا و..... الشيطان كلها ضعيفة ما عدا الإشارة بها وتحريكها.

س: في الفرض والنَّفل، أو في الفرض فقط؟

ج: لا، في الجميع: في الفرض والنَّفل.

الثَّالِثُ: بَعْدَ الِاعْتِدَالِ مِنَ الرُّكُوعِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي "صَحِيحِ مسلم" مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ، اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْوَسَخِ.

الرَّابِعُ: فِي رُكُوعِهِ كَانَ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي.

الشيخ: لكن الأفضل في هذا الذي يغلب عليه التعظيم في الركوع، كما في حديث ابن عباس: أما الركوع فعظِّموا فيه الربّ، ويكون الدعاء قليلًا تابعًا للتعظيم: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي".

الْخَامِسُ: فِي سُجُودِهِ، وَكَانَ فِيهِ غَالِبُ دُعَائِهِ.

الشيخ: ولهذا قال في السجود عليه الصلاة والسلام: وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء؛ فقمنٌ أن يُستجاب لكم يعني: فحري أن يُستجاب لكم. رواه مسلم من حديث ابن عباسٍ، ومن حديث أبي هريرة عند مسلم أيضًا: أقرب ما يكون العبدُ من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء.

فالساجد خاضعٌ لله، قد وضع أشرف عضوٍ من أعضائه الظاهرة على الأرض خاضعًا ..... إلى ربه راجيًا، خائفًا، وكان دعاؤه في هذه الحال أفضل الدعاء، وأقرب ما يكون إلى الإجابة.

س: ..............؟

ج: لا منافاة: "سبحان ربي الأعلى" ذكر، والدعاء نوع ذكر في المعنى، لكن المؤمن يجمع بين المصلحتين: يجمع بين الذكر والدعاء، الذكر دعاء عبادة .....، وأما الدعاء فهو دعاء مسألة، وهو في المعنى عبادة من جهة الثناء على الله .

س: ...............؟

ج: لا بأس به، رواه الترمذي وغيره، ولا أعلم في إسناده شيئًا.

السَّادِسُ: بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.

السَّابِعُ: بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ السَّلَامِ.

الشيخ: كلها ثابتة ما عدا الدعاء قبل الركوع، فالصواب فيه أنه يكون بعد الركوع.

وَبِذَلِكَ أَمَرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَأَمَرَ أَيْضًا بِالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ بَعْدَ السَّلَامِ مِنَ الصَّلَاةِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوِ الْمَأْمُومِينَ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ أَصْلًا، وَلَا رُوِيَ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا حَسَنٍ.

الشيخ: هذا فيه نظر من المؤلف؛ فقد ثبت عنه في "صحيح مسلم" عن عليٍّ قال: كان إذا سلَّم قال: اللهم اغفر لي ما قدمتُ وما أخرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ، وما أسرفتُ، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.

وجاء عنه أيضًا في الرواية الأخرى أنه كان يقول هذا قبل السلام، ثبت عنه أنه يقوله قبل السلام وبعد السلام، لكن الذي ما هو بثابت رفع اليدين بعد السلام، هذا لم يُحفظ عنه ﷺ، كان يدعو بينه وبين نفسه، بعدما ينصرف الناسُ، بعد الذكر يدعو، ولكن بينه وبين نفسه، لا يرفع يديه، ولا يرفعون أيديهم، جاء في هذا عدة أحاديث فيها الدعاء، لكن ليس فيها رفع اليدين، وليس فيها دعاء جماعي بينه وبين المأمومين، وإنما هذا يدعو لنفسه، وهذا يدعو لنفسه، من دون رفعٍ ولا دعاء جماعي، ولكن أغلب الدعاء كان قبل السلام، وهو أفضل، في آخر الصلاة قبل أن يُسلم.

س: التَّعوذ ما هو بدعاء، كان يتعوذ بعد الصلاة ......؟

ج: هذا في دبرها، في آخر الصلاة قبل السلام، في دبر كل صلاةٍ، يقول سعد  -سعد بن أبي وقاص- رواه البخاري.

س: .............؟

ج: المعروف في دبرها، حتى هذا، حتى حديث سعد هذا، لكن إن جاء في رواية الجمع بينهما، رواية فيها التصريح، يكون يدعو بها قبل وبعد، مثلما في حديث: اللهم اغفر لي ما قدمتُ، جاء عنه الدعاء بها قبل وبعد. ما حشَّى عليه المحشي شُعيب؟

س: الذي يقول: لا يصح الدعاء بالأمور الدنيوية؟

ج: هذا يقوله من كيسه، أقول: ما له أصل هذا، الأحاديث عامة، لو قلت: اللهم ارزقني رزقًا حلالًا، أو زوجةً صالحةً، أو ذريةً صالحةً، أو مالًا طيبًا، أو دارًا مناسبةً. ما في بأس، فالرسول قال: أقرب ما يكون العبدُ من ربِّه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء، وقال: فاجتهدوا في الدعاء، وقال في آخر الصلاة: وليختر من المسألة ما شاء، هذا كلام النبي ﷺ، ليس لنا أن نُقيده بالآراء، لكن الدعاء المأثور الذي يتعلق بالآخرة أعظم وأفضل وأهم، ولو دعاء لحاجته الدُّنيوية ما في بأس.

وَأَمَّا تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِصَلَاتَيِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ، وَلَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ أُمَّتَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْسَانٌ رَآهُ مَنْ رَآهُ عِوَضًا مِنَ السُّنَّةِ بَعْدَهُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَعَامَّةُ الْأَدْعِيَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالصَّلَاةِ إِنَّمَا فَعَلَهَا فِيهَا، وَأَمَرَ بِهَا فِيهَا، وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِحَالِ الْمُصَلِّي، فَإِنَّهُ مُقْبِلٌ عَلَى رَبِّهِ، يُنَاجِيهِ مَا دَامَ فِي الصَّلَاةِ.

الشيخ: غالبها في الصلاة، غالب الدَّعوات كلها في الصلاة.

س: .............؟

ج: تركه أولى، ما ينبغي إلا في النَّوازل.

س: .............؟

ج: هذا كله في النَّوازل، أما الاستمرار عليه ما ينبغي، يقول طارق بن الأشيم لما سأله ولده قال: يا أبتِ، صليتَ خلف رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، أفكانوا يقنتون في الفجر؟ قال: "أي بُني، مُحدَث". يعني الدوام، أما كونه يقنت في بعض الأحيان يدعو للمُجاهدين، يدعو على الكافرين لا بأس، مثلما فعل النبي ﷺ، ولكن شيء محدد، ما هو بدائمٍ.

س: لكن إن كان في بلدٍ وعندهم أشياء أكبر من هذا، وإن لم تقنت بهم نفروا منك، فهل ينبغي أن تقنت بهم؟

ج: لا مانع أن يُعلِّمهم ويُوجههم حتى يطمئنُّوا للسنة، هذه شبهة، إذا قنت بعض الأحيان حتى يُوجِّههم إلى الخير، وحتى يُطمئنهم، حتى يفهموا السنة، طيب.

س: هم يُريدون الاستمرار؟

ج: أما الاستمرار لا، يُعلمهم حتى لا يستمرّ.

س: ..............؟

ج: المهم بيان الشرك الأكبر والكبائر العظيمة.

وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِحَالِ الْمُصَلِّي، فَإِنَّهُ مُقْبِلٌ عَلَى رَبِّهِ، يُنَاجِيهِ مَا دَامَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِذَا سَلَّمَ مِنْهَا انْقَطَعَتْ تِلْكَ الْمُنَاجَاةُ، وَزَالَ ذَلِكَ الْمَوْقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْقُرْبُ مِنْهُ، فَكَيْفَ يَتْرُكُ سُؤَالَهُ فِي حَالِ مُنَاجَاتِهِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْأَلُهُ إِذَا انْصَرَفَ عَنْهُ؟

الشيخ: هذا توجيه كون الدعاء فيه أفضل، وإلا فالدعاء مشروع دائمًا، وهو من فضل الله بعلمه سبحانه بحاجة العباد، وأنهم مُضطرون إليه في كل وقتٍ؛ ولهذا شرع الدعاء دائمًا: في الصلاة، وفي خارجها، وفي الطريق، وفي البيت، وفي الطائرة، وفي السيارة، وفي القطار، وعلى البعير، على الدابة الأخرى، في كل وقتٍ، الدعاء مشروع دائمًا.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ عَكْسَ هَذَا الْحَالِ هُوَ الْأَوْلَى بِالْمُصَلِّي، إِلَّا أَنَّ هَاهُنَا نُكْتَةً لَطِيفَةً، وَهُوَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا فَرَغَ.

الشيخ: وهي، وهي بدل وهو، وهي النكتة يعني.

إِلَّا أَنَّ هَاهُنَا نُكْتَةً لَطِيفَةً، وَهِيَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَذَكَرَ اللَّهَ وَهَلَّلَهُ وَسَبَّحَهُ وَحَمِدَهُ وَكَبَّرَهُ بِالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ؛ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ، وَيَكُونُ دُعَاؤُهُ عَقِيبَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الثَّانِيَةِ، لَا لِكَوْنِهِ دُبُرَ الصَّلَاةِ.

الشيخ: كون هذا عقب الذكر يعني.

فَإِنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرَ اللَّهَ وَحَمِدَهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ اسْتُحِبَّ لَهُ الدُّعَاءُ عَقِيبَ ذَلِكَ، كَمَا فِي حَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ لِيَدْعُ بِمَا شَاءَ، قَالَ الترمذي: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

الشيخ: وهذا مطابقٌ للتشهد الأخير.

س: .............؟

ج: إذا تيسر فهذا أفضل، أقرب إلى الإجابة، ولكن ثبت عنه ﷺ دعوات كثيرة، ما بدأ فيها بهذا، لكن هذا هو الأفضل، أرجى للإجابة.

..............

س: ...............؟

ج: ..... بعض الناس اعتاد في بلاده السرية، يذكر الله سرًّا، فيستنكرون إذا قيل: رفع الصوت بالذكر؛ لأنَّ ما يُخالف العادات عند الناس صعب، والسنة ثابتة برفع الصوت بالذكر؛ ولهذا سمع الصحابةُ ذكرَ النبي ونقلوه إلينا، قالوا: كان يقول بعد السلام كذا وكذا. ولو أنه لم يرفع ما سمعوا، مثلما قال المغيرةُ: كان النبي يقول بعد السلام: لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، اللهم لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا مُعطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجدِّ، منك الجدّ، لولا أنه جهر ما سمعه المغيرةُ، ما قال المغيرةُ: أن النبي علَّمه أن يقول هذا، قال: كان النبيُّ يقول.

وهكذا ابن الزبير قال: كان الرسولُ إذا سلَّم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.

في الصحيح عن ابن عباسٍ قال: كان رفعُ الصوت بالذكر حين ينصرف من الصلاة على عهد النبي ﷺ، لقد كنتُ أعلم إذا انصرفوا منها إذا سمعتُه.

هذا كله يدل على شرعية الجهر؛ حتى يتعلم الجاهل، ويتذكر الناسي، يقول بعضُ الناس: أنَّ هذا فعله النبي للتعليم.

والجواب أن يُقال: نعم، هب أنه فعله للتعليم، أليس الناسُ في حاجةٍ للتعليم، في حاجة الناس للتعليم دائمًا، هب أنه فعله للتذكير، الناس في حاجة للتذكير دائمًا، وهم في العهود الأخيرة أحوج وأحوج.

س: .............؟

ج: يُعلم السنة، ما هو بواجبٍ، هو سنة.

س: .............؟

ج: هذا تعلق في غير مُتعلق، حديث أبي موسى المقصود شدة الرفع، قال: أربعوا على أنفسكم، وليس المراد ترك الجهر كله، وهكذا التَّلبية شرع اللهُ رفعَ الصوت بها.

س: .............؟

ج: الأصل فيه السر، إلا ما شرع الله فيه الرفع: كالتلبية، والذكر على رؤوس: إذا صعد تبَّة، أو رابية، أو جبلًا، وإذا نزل يُسبح الله، هذا الأصل فيه الرفع، وهكذا بعد السلام، وما سوى ذلك فالأصل هو السر: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ [الأعراف:205]، فالأصل فيه السرّ إلا ما شرع الله فيه الجهر ........

س: في قصة زواج خديجة وموتها، وزواجه بعائشة في البخاري عن عروة مرفوعًا، هل يُعتبر منقطعًا؟

ج: من ظاهر السياق يكون منقطعًا، لكن الظاهر أنَّ عروة تلقاه عن خالته كما في الرواية الأخرى.

س: ما يكون من قبيل الحديث الحسن؟

ج: يكون مع السند منقطعًا، لكن إذا صرح بأنه رواه عن عائشة انتهى.

س: ............؟

ج: في الرواية الأخرى جاءت بعدة طرق.

س: .............؟

ج: ولو، لعله رواه عنه، لعله رواه عن ..... أو غيره من المسانيد الأربعة؛ لأنَّ ..... في المسانيد الأربعة عند أبي يعلى والبزار وأحمد، والمسند الرابع نسيتُ: مسند ابن أبي شيبة وإلا غيره.

س: ..... الأئمة الأربعة؟

ج: لا، الرجال الأربعة، قصده الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار، والرابع نسيتُ مَن هو الرابع .....