فَصْلٌ
ثُمَّ كَانَ ﷺ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ.
هَذَا كَانَ فِعْلَهُ الرَّاتِبَ، رَوَاهُ عَنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا، وَهُمْ: عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ، وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وأبو مالك الأشعري، وطلق بن عليٍّ، وأوس بن أوس، وأبو رمثة، وعدي بن عميرة .
الشيخ: والسادس عشر: سمرة بن جندب في مسلم، سمرة بن جندب، أو جابر بن سمرة، الشك مني، لكن غالب ظني أنه سمرة بن جندب عند مسلم.
س: ذكر جابر بن سمرة؟
ج: غالب ظني أنه سمرة بن جندب بدل: جابر بن سمرة، يُراجع.
س: .............؟
ج: "السلام عليكم ورحمة الله"، فيه رواية عن وائل: "وبركاته"، قوَّاها ابنُ خزيمة، واختلف فيها العلماءُ: منهم مَن أثبتها، ومنهم مَن ضعَّفها؛ لأنَّ رواية علقمة بن وائل اختُلف في سماعه من أبيه، فأثبت سماعه قومٌ، ونفاه آخرون، فالمحفوظ: "السلام عليكم ورحمة الله".
س: .............؟
ج: "السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله" مع الالتفات.
الشيخ: علَّق عليه؟
الطالب: حديث صحيح: رواه الترمذي في "الصلاة" باب "ما جاء في التسليم في الصلاة"، وابن ماجه، وابن خزيمة، والحاكم، وفيه زهير بن محمد المكي، ورواية أهل الشام عنه فيها مناكير، وهذا منها، لكن روى ابن حبان عن عائشة من وجهٍ آخر شيئًا من هذا، وسنده على شرط مسلمٍ، وفي الباب عن.
الشيخ: رواية عائشة فيما نعلم في صلاة الليل تسليمة واحدة يسمعونها، وتسليمة النهار ..... الفريضة، هذا إن صحَّ، نعم.
الطالب: وفي الباب عن سهل بن سعد الساعدي، وسلمة بن الأكوع عند ابن ماجه، وعن أنسٍ عند الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، قال الهيثمي في "المجمع": ورجاله رجال الصحيح.
الشيخ: هذه مسألة كبيرة ..... يجمع ما ورد فيها، ولعلَّ أحدًا منكم يجمع ذلك، نعم، ولعلها جمعها غيرهم، لعلها جمعها أهلُ العلم، فإنه قلَّ مسألة تتعدد فيها الروايات إلا وجد فيها أجزاء.
الشيخ: يعني في صلاة الليل.
الطالب: رواه أحمد في "المسند"، وأبو داود في "الصلاة" باب "في صلاة الليل"، من حديث بهز بن حكيم، وزُرارة بن أوفى، عن عائشة. ورواه ابن حبان عن زُرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة، وهو .....، وإسناده صحيح على شرط مسلمٍ كما مرَّ.
الشيخ: نعم.
وَهُوَ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ، وَهُوَ فِي السُّنَنِ، لَكِنَّهُ كَانَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ، وَالَّذِينَ رَوَوْا عَنْهُ التَّسْلِيمَتَيْنِ رَوَوْا مَا شَاهَدُوهُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ عائشة لَيْسَ صَرِيحًا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ، بَلْ أَخْبَرَتْ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً يُوقِظُهُمْ بِهَا، وَلَمْ تَنْفِ الْأُخْرَى، بَلْ سَكَتَتْ عَنْهَا، وَلَيْسَ سُكُوتُهَا عَنْهَا مُقَدَّمًا عَلَى رِوَايَةِ مَنْ حَفِظَهَا وَضَبَطَهَا، وَهُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا، وَأَحَادِيثُهُمْ أَصَحُّ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ صَحِيحٌ، وَالْبَاقِي حِسَانٌ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ: رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عائشة، وَمِنْ حَدِيثِ أنسٍ، إِلَّا أَنَّهَا مَعْلُولَةٌ، وَلَا يُصَحِّحُهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ.
ثُمَّ ذَكَرَ عِلَّةَ حَدِيثِ سعدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً.
قَالَ: وَهَذَا وَهْمٌ وَغَلَطٌ، وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ.
ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عامر بن سعدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى صَفْحَةِ خَدِّهِ.
فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا سَمِعْنَا هَذَا مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَكُلَّ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَدْ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَنِصْفَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاجْعَلْ هَذَا مِنَ النِّصْفِ الَّذِي لَمْ تَسْمَعْ.
الشيخ: نعم، حُجَّة إسماعيل لا شكَّ، عدم العلم ليس بعلمٍ، وكم من حديثٍ غاب عن كبار الأئمة.
الطالب: في الحاشية: بل لحديث عائشة المتقدم من طريق زهير بن محمد شواهد يقوى بها كما تقدم، وقد قال الحاكم في "المستدرك" عقب حديث عائشة في المرفوع: وقد رواه زهير بن خالد، عن عبدالله بن عمر، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تُسلم تسليمةً واحدةً. وهذا سند صحيح.
قال الحافظ في "التلخيص": ورواه بقي بن مخلد في "مسنده"، من رواية عاصم، عن هشام بن عروة، به، مرفوعًا. وعاصم عندي هو ابن عمر، وهو ضعيف، ووهم مَن زعم أنه من سليمان الأحول، والله أعلم.
قال: وروى ابنُ حبان في "صحيحه"، وأبو العباس السّراج في "مسنده" عن عائشة من وجهٍ آخر شيئًا من هذا، أخرجه من طريق زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ كان إذا أوتر بتسع ركعات لم يقعد إلا في الثامنة، ويحمد الله ويذكره، ثم ينهض ولا يُسلم، ثم يُصلي التاسعة فيجلس ويذكر الله ويدعو، ثم يُسلم تسليمةً، ثم يُصلي ركعتين وهو جالس. الحديث، وإسناده على شرط مسلم.
قال الشوكاني في "نيل الأوطار": وذهب إلى مشروعية التسليمة الواحدة ابن عمر، وسلمة بن الأكوع، وعائشة من الصحابة، والحسن وابن سيرين وعمر بن عبدالعزيز من التابعين، ومالك والأوزاعي والإمامية وأحد قولي الشافعي وغيرهم.
واختلف القائلون بمشروعية التَّسليمتين: هل الثانية واجبة أم لا؟
فذهب الجمهور إلى استحبابها، وقال النووي في "شرح مسلم": أجمع العلماءُ الذين يُعتد بهم على أنه لا يجب إلا تسليمة واحدة. وحكى الطحاوي وغيره عن أنس بن صالح أنه أوجب التَّسليمتين جميعًا، وهو رواية عن أحمد، وبه قال بعضُ أصحاب مالك، ونقله ابنُ عبدالبر عن بعض أصحاب الظَّاهر.
الشيخ: رحمه الله، المقصود أنَّ الأحاديث الصحيحة كلها دالة على التَّسليمتين، والذي ينبغي هو الأخذ بها؛ ولهذا .....، والأصل فيما فعله النبيُّ ﷺ الوجوب؛ لقوله: صلوا كما رأيتُموني أُصلي، والجمهور يرى أن التسليمة الواحدة كافية، والثانية سنة. وذهب قومٌ إلى أنهما تجبان: الإمام أحمد رحمه الله وجماعة، وهو قول قوي؛ عملًا بظاهر الأحاديث.
س: يُسلم تسليمةً واحدةً يلتفت معها؟
ج: نعم، وإن سلَّمها قدامه أجزأ.
قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ أنسٍ فَلَمْ يَأْتِ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ أنسٍ، وَلَمْ يَسْمَعْ أيوبُ مِنْ أنسٍ عِنْدَهُمْ شَيْئًا، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ مُرْسَلًا عَنِ الحسن: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وأبا بكر وعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانُوا يُسَلِّمُونَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً.
وَلَيْسَ مَعَ الْقَائِلِينَ بِالتَّسْلِيمَةِ غَيْرُ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قَالُوا: وَهُوَ عَمَلٌ قَدْ تَوَارَثُوهُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، وَمِثْلُهُ يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى؛ لِوُقُوعِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِرَارًا، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ قَدْ خَالَفَهُمْ فِيهَا سَائِرُ الْفُقَهَاءِ، وَالصَّوَابُ مَعَهُمْ.
الشيخ: والصواب أنَّ عمل أهل المدينة ليس بحجةٍ، وهكذا غيرهم من الأمصار، وإنما الحجة في قال الله وقال رسوله.
س: .............؟
ج: نعم، نعم، عملهم ليس بحجةٍ، ولو في الصدر الأول، حتى ينقلوه عن النبيِّ ﷺ، فإنَّ الإمام الذي يُسلم، أو الأمير يُسلم ما هو بمعصومٍ، قد يُخطئ ويغلط.
الشيخ: وعمل الخلفاء الراشدين يُحتج به عند خفاء السنة، أما إذا ظهرت السنةُ فهي مُقدمة على عمل كل أحدٍ.
س: ..............؟
ج: ضعيف، ولكنه مشهور عن السَّلف، المشهور عن السلف أنَّ التكبير والسلام كله جزم: "السلام عليكم ورحمة الله"، "الله أكبر"، ما يقول: الله أكبرُ، ولا السلام عليكم ورحمة اللهِ، الأفضل الجزم، هذا المعروف عن السَّلف.
س: .............؟
ج: الجزم، الحذف يعني: عدم الحركة.
س: عليكم بسُنتي وسنة الخلفاء الراشدين؟
ج: يعني: عند خفاء سنَّته.
س: المقصود بهم الأربع؟
ج: سنته المقدمة، نعم سنته هي المقدمة، فإذا خُفيت عمل بسنة الخلفاء الراشدين.
فَصْلٌ
وَكَانَ ﷺ يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ.
وَكَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ أَيْضًا: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي.
وَكَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَلِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ.
الشيخ: علَّق عليه بشيءٍ؟
الطالب: رواه الترمذي في "الدعوات" باب "سؤال الثبات في الأمر" من حديث أبي العلاء ابن الشخير، عن رجلٍ من بني حنظلة، عن شداد بن أوس. ورواه النَّسائي في "السهو" باب "نوع آخر من الدعاء". وأحمد في "المسند" بإسقاط الواسطة بين ابن الشخير وشداد بن أوس، فالأول مجهول، وفي الثاني انقطاع، فهو ضعيف.
وروى أحمد في "المسند" من حديث روح بن عبادة: حدثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية قال: كَانَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ فِي سَفَرٍ، فَنَزَلَ مَنْزِلًا، فَقَالَ لِغُلَامِهِ: ائْتِنَا بِالشّفْرَةِ نَعْبَثْ بِهَا.
الشيخ: الشفرة وإلا السّفرة؟
الطالب: بالشّفرة.
الشيخ: بالشين؟
الطالب: نعم، نعبث بها.
الشيخ: في الرواية الأخرى: "السّفرة" بالسين والفاء بعدها، لمن عزاه؟ وقال من؟
الطالب: رواه أحمد في "المسند".
الشيخ: حدثنا؟
الطالب: وروى أحمد في "المسند" من حديث روح بن عبادة: حدثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية قال: كَانَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ فِي سَفَرٍ، فَنَزَلَ مَنْزِلًا، فَقَالَ لِغُلَامِهِ: ائْتِنَا بِالشفْرَةِ نَعْبَثْ بِهَا.
الشيخ: حطّ عليه "شفرة" إشارة.
الطالب: فَأَنْكَرْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا وَأَنَا أَخْطِمُهَا وَأَزُمُّهَا إلا كَلِمَتِي هَذِهِ، فَلَا تَحْفَظُوهَا عَلَيَّ، وَاحْفَظُوا مِنِّي مَا أَقُولُ لَكُمْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِذَا كَنَزَ النَّاسُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَاكْنِزُوا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، ورجاله ثقات.
الشيخ: السند؟
الطالب: قال الإمام أحمد في "المسند" من حديث روح بن عبادة: حدثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية قال: كان شداد بن أوس.
الشيخ: إذا كان حسان سمع من شداد انتهى الموضوع ..... مثلما قال المؤلفُ، وذكره ابن كثيرٍ أيضًا، وأظن أنه ذكر له طرقًا في سورة التوبة في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:34]، فيُراجع هناك، كذلك يُراجع "مسند أحمد": مسند شداد. هذا حديث عظيم، يُراجع كلمة "الشفرة" أو "السفرة".
الطالب: قوله .....
الشيخ: قد يكون السّفرة، يعني: ما يُوضع عليه الطعام، شيء من الطعام، محتمل، العبث بالشفرة صعب، السكين يعبث بها؟!
الطالب: فأنكر عليه.
الشيخ: الله أعلم.
وَكَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: رَبِّ أَعْطِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ بَعْضِ مَا كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَجُلُوسِهِ وَاعْتِدَالِهِ فِي الرُّكُوعِ.
فَصْلٌ
وَالْمَحْفُوظُ فِي أَدْعِيَتِهِ ﷺ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ، كَقَوْلِهِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ الْمَحْفُوظَةِ عَنْهُ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ: اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ، اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ... الْحَدِيثَ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: لَا يَؤُمُّ عَبْدٌ قَوْمًا فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ.
قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "صَحِيحِهِ" وَقَدْ ذَكَرَ حَدِيثَ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ .. الْحَدِيثَ، قَالَ: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى رَدِّ الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ: لَا يَؤُمُّ عَبْدٌ قَوْمًا فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ.
وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابن تيمية يَقُولُ: هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي فِي الدُّعَاءِ الَّذِي يَدْعُو بِهِ الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ وَلِلْمَأْمُومِينَ، وَيَشْتَرِكُونَ فِيهِ: كَدُعَاءِ الْقُنُوتِ وَنَحْوِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشيخ: وبهذا يتعين إن صحَّ الخبرُ حديث يُروى أنه ﷺ قال: لا يؤمَّنَّ أحدٌ قومًا فيخصّ نفسه بالدعاء دونهم، فقد خانهم، هذا لو صحَّ فالمراد به المؤمن عليه، مثل: دعاء القنوت، ومثل: دعاء الاستسقاء، دعاء عام، يقول: "اللهم اغفر لنا، اللهم اهدنا"، يُعمم، أما دعواته لنفسه في صلاته: في سجوده، في التحيات، في غير ذلك، فإنه يخصّ به نفسه، مثلما قال النبيُّ ﷺ في الاستفتاح: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي، ما قال: نقِّنا. بل أفرد.
ومثل قوله ﷺ في السجود: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقّه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره.
ومثل قوله: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك.
ومثل قوله: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري .. إلى آخره.
المقصود أنَّ الدعوات التي بين الإنسان وبين ربِّه لا مانع من أن يخصّ بها نفسه ويفرد، فلا يلزمه أن يُعمم، ولكن متى دعا دعاءً عامًّا مثل: دعاء القنوت في رمضان في الناس، أو دعاء الاستسقاء للناس، أو دعاء يحصل به للمجموعة الحاضرة، فيقول: "اللهم اغفر لنا جميعًا، اللهم ارحمنا، اللهم اهدنا" بصيغة العموم.
علَّق على حديث ثوبان؟
الطالب: ورواه الإمام أحمد، والترمذي في "الصلاة" باب "ما جاء في كراهية أن يخصَّ الإمام نفسه في الدعاء"، وأبو داود في "الطهارة" باب "أيُصلي الرجلُ وهو حاقن"، من حديث إسماعيل بن عياش، عن حبيب بن صالح، عن يزيد بن شريح الحضرمي، عن أبي حي المؤذن، عن ثوبان. وهذا سند حسن؛ فإنَّ إسماعيل بن عياش روايته عن أهل بلده مُستقيمة، وهذا منها.
الشيخ: فقط؟
الطالب: نعم، وحشَّى على قول: ..... لم نجد كلام ابن خزيمة هذا في "صحيحه" عقب الحديث الذي ذكره المصنف، فلعله في مكانٍ آخر، فإن ثبت عنه فإنه مما جانبه فيه الصواب؛ فإنَّ سند الحديث لا ينزل عن رتبة الحسن كما يُعلم من كتب الجرح والتَّعديل .....
الشيخ: تُراجع أسانيده ..... "التقريب" حاضر؟ حبيب بن صالح.
فَصْلٌ
وَكَانَ ﷺ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ طَأْطَأَ رَأْسَهُ. ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَكَانَ فِي التَّشَهُّدِ لَا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَكَانَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى قُرَّةَ عَيْنِهِ وَنَعِيمَهُ.
الشيخ: وقد جاء في تفسير قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1- 2] حديث مرسل: أنهم كانوا يرفعون أبصارهم، فلما نزلت طرحوا أبصارهم إلى مواضع السجود، وهذا من مقتضى الخشوع؛ فإنَّ الخشوع يقتضي طرح البصر إلى موضع السجود؛ حتى لا يتشوش القلبُ هاهنا وهاهنا، وأيش قال المحشي عليه؟ إشارة إصبعه السبابة، إذا كان جالسًا للتَّشهد يكون نظره إليها، لا إلى شيءٍ بعيدٍ، فإنه أجمع للقلب، ما علَّق عليه بشيءٍ؟
الطالب: حبيب بن صالح، أو ابن أبي موسى الطائي، أبو موسى الحمصي، ثقة، من السابعة، مات سنة سبعٍ وأربعين. (د ت ق)
الشيخ: يزيد بن شريح؟
الطالب: يزيد بن شريح الحضرمي الحمصي مقبول، من الثالثة، وروايته عن نعيم بن همام مرسلة. (البخاري في "الأدب"، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه).
الشيخ: ..... أبي حي المؤذن.
الطالب: إن شاء الله.
وَكَانَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى قُرَّةَ عَيْنِهِ وَنَعِيمَهُ وَسُرُورَهُ وَرُوحَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَكَانَ يَقُولُ: يَا بلال، أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ، وَكَانَ يَقُولُ: وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ.
وَمَعَ هَذَا لَمْ يَكُنْ يَشْغَلُهُ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ عَنْ مُرَاعَاةِ أَحْوَالِ الْمَأْمُومِينَ وَغَيْرِهِمْ.
س: .............؟
ج: كلاهما نعم: جُعلت قرة عيني في الصلاة ..... كلاهما ثابت.
س: في السنن؟
ج: نعم، كلاهما في السنن، ما علَّق عليه؟
الطالب: رواه أبو داود في "الأدب" باب "صلاة العتمة"، وأحمد في "المسند" عن رجلٍ من الصحابة، وسنده صحيح، حديث: وجُعلت قرةُ عيني في الصلاة، ورواه النَّسائي في "صفة النساء" باب "حبّ النساء"، وأحمد في "المسند"، من حديث أنسٍ، وسنده حسن، وصححه الحاكم، وجوَّده العراقي، وحسنه ابن حجر، ولفظه بتمامه: حُبب إليَّ من دنياكم: النساء والطيب، وجُعلت قرةُ عيني في الصلاة، وقد تقدم.
الشيخ: الظاهر أنه رواه أكثرُ من هؤلاء.
س: من دنياكم؟
ج: غير صحيحةٍ، المحفوظ: حُبب إليَّ النساء والطيب، وجُعلت قرة عيني في الصلاة، دون زيادة: من دنياكم؛ لأنَّ قرةَ العين في الصلاة ليست من أمور الدنيا.
س: .............؟
ج: إذا وصلت ممكن بعد صحة سندها، إنما إذا قيل: ثلاث، هي محل الإنكار.
الطالب: شداد بن حي، أبو حي الحمصي المؤدب، صدوق، من الثالثة. (البخاري في "الأدب"، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه).
الشيخ: إن كان مداره على يزيد بن شريح فهو جيد؛ لأنه مقبول، وربما يكون حسنًا إذا تُوبع، مثلما قال الحافظ ..... المقبول عندهم كما ذكر الحافظ في "التقريب" هو الذي لا يُعرف فيه جرح، ويُوثقه بعضُ أهل العلم ممن قد يتساهل: كابن حبان والحاكم، يقال فيه: مقبول إذا تُوبع.
س: ..............؟
ج: صار حسنًا لغيره.
الشيخ: يعني أنَّ هذا الخشوع العظيم ما يشغله عن مراعاة الصلاة والعناية بها ..... ربه، وهي قرة عينه، وراحة قلبه، ولكن مع هذا له عناية بالصفوف؛ ولهذا قال: إنه لا يخفى عليَّ ركوعكم، ولا سجودكم، ولا خشوعكم، إني أراكم من وراء ظهري اللهم صلِّ عليه، ويقول: أقيموا الصفوف، فلا يشغله الخشوعُ عن الاعتناء بالأمة خلفه ليصلوا.
وَكَانَ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ يُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيُخَفِّفهَا مَخَافَةَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ.
وَأَرْسَلَ مَرَّةً فَارِسًا طَلِيعَةً لَهُ، فَقَامَ يُصَلِّي، وَجَعَلَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ الَّذِي يَجِيءُ مِنْهُ الْفَارِسُ، وَلَمْ يَشْغَلْهُ مَا هُوَ فِيهِ عَنْ مُرَاعَاةِ حَالِ فَارِسِهِ.
وَكَذَلِكَ كَانَ يُصَلِّي الْفَرْضَ وَهُوَ حَامِلٌ أمامة بنت أبي العاص ابن الربيع ابْنَةَ بِنْتِهِ زينب عَلَى عَاتِقِهِ، إِذَا قَامَ حَمَلَهَا، وَإِذَا رَكَعَ وَسَجَدَ وَضَعَهَا.
وَكَانَ يُصَلِّي فَيَجِيءُ الحسنُ أَوِ الحسينُ فَيَرْكَبُ ظَهْرَهُ، فَيُطِيلُ السَّجْدَةَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُلْقِيَهُ عَنْ ظَهْرِهِ.
وَكَانَ يُصَلِّي فَتَجِيءُ عائشةُ مِنْ حَاجَتِهَا وَالْبَابُ مُغْلَقٌ، فَيَمْشِي فَيَفْتَحُ لَهَا الْبَابَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الصَّلَاةِ.
وَكَانَ يَرُدُّ السَّلَامَ بِالْإِشَارَةِ عَلَى مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ.
الشيخ: علَّق عليه؟
الطالب: ما علَّق بشيءٍ.
الشيخ: علَّق على حديث عائشة، فتح الباب يعني.
الطالب: رواه الترمذي في "الصلاة" باب "ذكر ما يجوز من المشي والعمل في صلاة التطوع"، وأبو داود في "الصلاة"، باب "العمل في الصلاة"، والنسائي في "السهو" باب "المشي أمام القبلة خطا يسيرة"، وأحمد في "المسند"، وسنده قوي، وحسَّنه الترمذي.
الشيخ: يعني ..... ما ذكر ابن ماجه، نعم. كذا عندكم؟
الطالب: .....
الشيخ: إذا كان أمامها يمشي قليلًا حتى يُقابله.
س: .............؟
ج: إذا كان خلفه يتأخّر، يتقهقر.
س: السلام بالإشارة ثابت؟
ج: نعم.
وَقَالَ جابر: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِحَاجَةٍ، ثُمَّ أَدْرَكْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَأَشَارَ إِلَيَّ. ذَكَرَهُ مسلم فِي "صَحِيحِهِ".
وَقَالَ أنسٌ : كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ. ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ.
الشيخ: علَّق بشيءٍ؟
الطالب: رواه الإمامُ أحمد في "المسند"، وسنده صحيح.
وَقَالَ صهيب: مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ إِشَارَةً.
قَالَ الرَّاوِي: لَا أَعْلَمُهُ قَالَ إِلَّا: إِشَارَةً بِأُصْبُعِهِ. وَهُوَ فِي "السُّنَنِ" وَ"الْمُسْنَدِ".
الشيخ: علَّق بشيءٍ؟
الطالب: قال الترمذي في "الصلاة" باب "ما جاء في الإشارة في الصلاة"، وأبو داود في "الصلاة" باب "ردّ السلام في الصلاة"، والنسائي في "السهو" باب "ردّ السلام بالإشارة في الصلاة"، وسنده حسن.
ورواه الإمام أحمد في "المسند"، وابن ماجه في "الإقامة" باب "المصلي يُسلم عليه كيف يرد"، من طريقٍ آخر، وسنده صحيح، وصححه ابن خُزيمة.
الشيخ: ومن هذا الباب حديث ابن عمر لما زار النبيُّ قباء وصلَّى في قباء، فسلَّم عليه الأنصارُ وهو يُصلي، فأشار بيده هكذا.
الشيخ: هكذا كالمصافِح.
س: ............؟
ج: هكذا.
س: هذا في الفرض والنَّفل؟
ج: نعم.
وَهُوَ فِي "السُّنَنِ" وَ "الْمُسْنَدِ"، وَصَحَّحَهُ الترمذي، وَلَفْظُهُ: كَانَ يُشِيرُ بِيَدِهِ.
وَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : لَمَّا قَدِمْتُ مِنَ الْحَبَشَةِ أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ. ذَكَرَهُ البيهقي.
الشيخ: علَّق بشيءٍ؟
الطالب: رواه البيهقي في "الصلاة" باب "مَن أشار بالرأس"، وقال: تفرد به أبو يعلى محمد بن الصلت التّوزي. وفي "التقريب": صدوق، يهم.
الشيخ: التوزي ضبطه؟ المعروف والأشهر والأغلب: الإشارة باليد، وفي هذا الإشارة بالرأس.
الطالب: محمد بن الصلت البصري، أبو يعلى التوزي -بفتح المثناة، وتشديد الواو بعدها زاي- صدوق يهم، من العاشرة، مات سنة ثمانٍ وعشرين. (البخاري والنسائي).
الشيخ: المقصود الأكثر الإشارة باليد، وهو أفضل وأبين.
الشيخ: علَّق عليه؟
الطالب: رواه الدَّارقطني، وأبو داود، والبيهقي في "السنن الكبرى" في "الصلاة"، وفيه: عن أنس بن إسحاق والذي بعده .....، وأبو غطفان ثقة كما في "التقريب" .....، وقد انفرد ابنُ أبي داود .....، كثير الخطأ في الكلام على الحديث كما قال الدَّارقطني .....
وَكَانَ ﷺ يُصَلِّي وعائشة مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَهَا بِيَدِهِ فَقَبَضَتْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا قَامَ بَسَطَتْهُمَا.
وَكَانَ ﷺ يُصَلِّي فَجَاءَهُ الشَّيْطَانُ لِيَقْطَعَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ، فَأَخَذَهُ فَخَنَقَهُ حَتَّى سَالَ لُعَابُهُ عَلَى يَدِهِ.
وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى الْمِنْبَرِ وَيَرْكَعُ عَلَيْهِ، فَإِذَا جَاءَتِ السَّجْدَةُ نَزَلَ الْقَهْقَرَى، فَسَجَدَ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ صَعِدَ عَلَيْهِ.
الشيخ: كل هذا للتعليم مثلما قال: إنما فعلتُ هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي؛ ليعلم أنَّ مثل هذا إذا دعت الحاجةُ إليه لا يضرّ الصلاة، ومثل: عدو، أو حيَّة، أو عقرب، كما في الحديث: اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب، فضربه لها أو خنقه للشيطان كما فعل النبيُّ ﷺ، كل هذه أعمال خفيفة تدعو لها الحاجةُ، ولا تضرّ الصلاة.
وَكَانَ يُصَلِّي إِلَى جِدَارٍ، فَجَاءَتْ بَهْمَةٌ تَمُرُّ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَمَا زَالَ يُدَارِئُهَا حَتَّى لَصِقَ بَطْنُهُ بِالْجِدَارِ، وَمَرَّتْ مِنْ وَرَائِهِ.
يُدَارِئُهَا: يُفَاعِلُهَا، مِنَ الْمُدَارَأَةِ، وَهِيَ الْمُدَافَعَةُ.
وَكَانَ يُصَلِّي فَجَاءَتْهُ جَارِيَتَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
س: المراد بقطع الصلاة؟
ج: يعني يشغله عنها والله أعلم.
وقال بعضُ أهل العلم: أنه يقطع الصلاةَ الشيطانُ إذا عُرف؛ لأنَّ النبي ﷺ قال في الكلب الأسود: إنه شيطان، يعني: شيطان جنسه، لكن المعروف مثلما قال النبيُّ ﷺ: إنما يقطعها ثلاثة: المرأة، والحمار، والكلب الأسود، فيكون قوله: "يقطع صلاته" يعني: يشغله عنها، سمَّاه: نوعًا من القطع.
وَكَانَ يُصَلِّي فَجَاءَتْهُ جَارِيَتَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدِ اقْتَتَلَتَا، فَأَخَذَهُمَا بِيَدَيْهِ، فَنَزَعَ إِحْدَاهُمَا مِنَ الْأُخْرَى وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ.
وَلَفْظُ أحمد فِيهِ: فَأَخَذَتَا بِرُكْبَتَيِ النَّبِيِّ ﷺ، فَنَزَعَ بَيْنَهُمَا، أَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَنْصَرِفْ.
الشيخ: علَّق عليه؟
الطالب: أخرجه أحمد في "المسند"، وإسناده حسن.
الشيخ: يعني أنَّ العمل اليسير ما يضرّ الصلاة: كونه يمنع المارَّ بين يديه، أو يتصل ..... فيُفرق بينهما، ويجعل هذا من جانب، وهذا من جانب، أو يفتح الباب المغلق لمن حوله، لمن يُضاربه، أو يتقدم خطوات للحاجة، أو يتأخَّر، كل هذه أمور يُعفا عنها؛ ولهذا لما عرضت عليه الجنة وهو يُصلي صلاة الكسوف تقدم وتناول عنقودًا من الجنة، فلم يقدر له حصوله، وقال: لو أخذتُه لأكلتُم منه ما بقيت الدنيا، ولما عرضت النار تأخَّر عنها، وتأخرت الصفوف من شدة ما رأى، ومن هول ما رأى منها.
الطالب: تعليق على قوله: "فنزع إحداهما من الأخرى وهو في الصلاة": رواه أبو داود في "الصلاة" باب "ما يقطع الصلاة"، والنسائي في "القبلة" باب "ذكر ما يقطع الصلاة وما لا يقطع"، ولفظه: عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما يُحدِّث أنه مرَّ بين يدي رسول الله ﷺ هو وغلامٌ من بني هاشم على حمارٍ بين يدي رسول الله ﷺ، فنزلوا ودخلوا معه فصلوا، ولم ينصرف.
الشيخ: هذا المحفوظ أنه كان أمام الصفوف، لا أمام النبي ﷺ.
الطالب: فجاءت جاريتان تسعيان من بني عبد المطلب، فأخذتا بركبتيه، ففرق بينهما ولم ينصرف. وفي روايةٍ لأبي داود: فجاءت جاريتان من بني عبد المطلب ..... فأخذهما، وسنده حسن.
الشيخ: كل هذا لا يُعارض: تقطع صلاة المرء: المرأة، والحمار، والكلب الأسود؛ لأمرين:
أحدهما: أن قوله: "مسكتا ركبتيه" لا يكون مرورًا.
والثاني: لو قدر أنه مرور فقد جاء في حديث ابن عباسٍ: "المرأة الحائض" يعني: البالغ الكبيرة، وهما جاريتان ظاهرهما أنهما صغيرتان، ظاهر الحديث أنهما صغيرتان.
س: .............؟
ج: حمار بين يدي بعض الصفِّ كما في رواية الصحيح.
الشيخ: علَّق بشيءٍ؟
الطالب: قال: ابن ماجه في "الإقامة" باب "ما يقطع الصلاة"، وأحمد في "المسند"، من حديث أم سلمة، وفي سنده مجهول.
الشيخ: نعم، والجواب عنه مثلما تقدم لو صحَّ؛ لأنها جارية صغيرة، وقوله: هنَّ أغلب يعني: النساء أغلب، بأسهن شديد، فالغلام لما أشار إليه رجع، والجارية أشار إليها ولم ترجع، بل مضت ومرَّت، وهذا مثلما قال النبي ﷺ: هن أغلب؛ ولأنهن أيضًا كما هو معلوم في الغالب أجهل في الأحكام، والذكور أفطن للأحكام وأعلم بالأحكام غالبًا.
وَكَانَ يَنْفُخُ فِي صَلَاتِهِ. ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَهُوَ فِي "السُّنَنِ".
وَأَمَّا حَدِيثُ: النَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ كَلَامٌ فَلَا أَصْلَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ سعيدٌ فِي "سُنَنِهِ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ قَوْلِهِ إِنْ صَحَّ.
الشيخ: علَّق بشيءٍ؟
الطالب: "وكان ينفخ في صلاته" ذكره الإمامُ أحمد، وهو في "السنن"، ورواه النَّسائي في "الكسوف" باب "صلاة الكسوف"، وأحمد في "المسند"، وهو في جملة حديثٍ طويلٍ عن عبدالله بن عمرو قال: وقام وصنع في الركعة الثانية مثلما صنع في الركعة الأولى من القيام والركوع والسجود والجلوس، فجعل ينظر في آخر سجوده. وذكر الحديثَ، وإسناده صحيح؛ لأنَّ راويه عن عطاء بن السائب: شعبة عند أحمد، وسفيان عند ابن خزيمة، وهما قد سمعا منه قبل الاختلاط، وذكره البخاري تعليقًا بصيغة التَّمريض في "العمل للصلاة" باب "ما يجوز من البصاق والنفخ في الصلاة" عن عبدالله بن عمرو: نفخ النبيُّ ﷺ في سجوده في كسوف.
الشيخ: الشاهد في "الصحيحين" من حديث ابن عباسٍ في صلاة الليل، ونفخه ﷺ ونومه لا يقطع وضوءه، ولا ينقض وضوءه؛ لأنه تنام عينه ولا ينام قلبه عليه الصلاة والسلام، ليس مثل الناس في هذا، نوم الناس ينقض الوضوء كما في حديث صفوان: لكن من غائطٍ وبولٍ ونومٍ، أما نومه فلا ينقضه، وهكذا نفخه، إذا نفخ في السجود ونحوه مما يدل على النوم فإنه قد يقع له شيء من هذا، لكنه لا يقطع صلاته.
س: رواية عطاء؟
ج: عطاء بن السائب يعني أنه اختلط، تغير حفظه في آخر حياته، لكنَّ ناسًا سمعوا منه قبل أن يختلط، فروايتهم عنه صحيحة، وناس سمعوا منه بعد الاختلاط، فروايتهم ضعيفة، معناه: أن زيد بن عمرو مثلًا قبل أن يبلغ الأربعين وهو عاقل جيد، وبعدما بلغ الأربعين اختلَّ عقله بسبب كبر السن، أو بسبب مرضٍ، فالذي روى عنه أحاديث قبل الأربعين يكون جيدًا، والذي روى عنه بعدما اختلَّ شعوره تكون أحاديثه ضعيفةً غير مقبولةٍ، هذا المعنى.
س: السترة للمُصلي واجبة؟
ج: سنة مُؤكدة، في الحديث الصحيح: إذا صلى أحدُكم فليُصلِّ إلى سترةٍ، وليدنُ منها، رواه أبو داود وغيره بإسنادٍ جيدٍ، ولكن ليست بواجبةٍ، وقد جاء عنه ﷺ أنه صلَّى إلى غير سترةٍ.
س: والخط؟
ج: والخط فيه ضعف أيضًا، ولكن ما تيسر شيء ..... في الأرض خطّ، اختلف فيه العلماء: منهم مَن ضعَّفه، ومنهم مَن حسَّنه، كالحافظ في "البلوغ" حسَّنه.
س: يدنو منها؟
ج: يدنو منها، السنة الدنو منها، يعني: يكون سجوده قربها.
وَكَانَ يَبْكِي فِي صَلَاتِهِ، وَكَانَ يَتَنَحْنَحُ فِي صَلَاتِهِ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : "كَانَ لِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَاعَةٌ آتِيهِ فِيهَا، فَإِذَا أَتَيْتُهُ اسْتَأْذَنْتُ، فَإِنْ وَجَدْتُهُ يُصَلِّي فَتَنَحْنَحَ دَخَلْتُ، وَإِنْ وَجَدْتُهُ فَارِغًا أَذِنَ لِي"، ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ وأحمد، وَلَفْظُ أحمد: "كَانَ لِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَدْخَلَانِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَكُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي تَنَحْنَحَ". رَوَاهُ أحمد، وَعَمِلَ بِهِ، فَكَانَ يَتَنَحْنَحُ فِي صَلَاتِهِ، وَلَا يَرَى النَّحْنَحَةَ مُبْطِلَةً لِلصَّلَاةِ.
الشيخ: علَّق عليه؟
الطالب: رواه أحمد في "المسند"، والنسائي في "الصلاة" باب "التنحنح في الصلاة"، وابن خزيمة، من حديث عبدالله بن نجي، عن أبيه. وفيه انقطاع؛ لأنَّ عبدالله بن نجي، عن أبيه، عن عليٍّ. ونجي مجهول، لم يُوثقه غير ابن حبان.
الشيخ: توثيق ابن حبان ..... هذا قاعدة: إذا روى عن الشخص شخصان ولم يُوثق فهو مجهول الحال، وإن لم يروِ عنه إلا واحد فهو مجهول العين، لكن متى وثق من أهل التوثيق زالت الجهالةُ: جهالة الحال، وجهالة العين جميعًا.
وهذا يُبين لنا أنَّ النحنحة لا تضرّ الصلاة: أنه ضرب عليه الباب وتنحنح ليعلم أنه يُصلي، أو قال: "سبحان الله، سبحان الله" فلا بأس، والتَّسبيح أفضل؛ لأنه الثابت في الأحاديث الصَّحيحة: مَن نابه في الصلاة شيءٌ فليقل: سبحان الله، فإن قال: "سبحان الله" علم مَن استأذن أنه يُصلي، وإن تنحنح فلا بأس، نعم.
س: والمرأة تُصفق؟
ج: والمرأة تُصفق، نعم.
س: إذا تنحنح لغير الحاجة؟
ج: إذا كان عبثًا ما يصلح، أما إذا كان لحاجةٍ مثل: شيء عرض له في حلقه فلا بأس، أما التنحنح مثلما يفعل بعضُ الناس كل ساعةٍ يتنحنح فهذا عبث، ما ينبغي هذا، وإذا كثر على القاعدة يُبطل الصلاة إذا كثر وتوالى.
س: ..............؟
ج: ولو في الفاتحة ضرب عليه الباب، أو سها الإمام، ولو أنت في الفاتحة تقول: "سبحان الله"، ولا يقطع الفاتحة.
س: ..............؟
ج: تضرب يدًا على يدٍ؛ لتنبيه الإمام، قال النبي ﷺ: يُسبح الرجال، وتُصفق النساء.
س: بعض الناس إذا دخل والإمام راكع تنحنح؟
ج: ما نعرف فيه شيئًا.
س: بعضهم يتلو بعض الآيات؟
ج: الله أعلم، ولكن لا نعلم أنه مشروع .....، ما ورد فيه شيء دلَّ على مشروعيته، والسنة للإمام ألا يعجل إذا سمع حركةً.
الشيخ: وهذا رواه عبدالله بإسنادٍ جيدٍ: أنه صلَّى حافيًا ومُنتعلًا ﷺ، وكذلك مشى حافيًا ومُنتعلًا عليه الصلاة والسلام، فلبس النِّعال معلوم فضله، وأنه يقي الرجلَ، وهو أفضل، لكن إذا ترك الانتعال بعض الأحيان حتى تعتاد الرجلُ القوةَ والصلابةَ يكون أحسنَ؛ حتى لا تُصاب بالرقة والضعف، أيش قال المحشي؟
الطالب: رواه أبو داود في "الصلاة" باب "الصلاة في النعل"، وابن ماجه باب "الصلاة في النعال"، وأحمد في "المسند"، وسنده حسن، ورواه النَّسائي من حديث عائشة رضي الله عنها في السَّهو .....، وإسناده حسن.
الشيخ: كذلك حديث أبي سعيدٍ عند أحمد وأبي داود لما نبَّهه جبرائيلُ خلع نعليه وصلَّى حافيًا عليه الصلاة والسلام، وثبت عنه أنه صلَّى عند البيت في بعض أطوفته، وجعل نعله عن يساره عليه الصلاة والسلام، صلَّى حافيًا وجعل نعليه عن يساره عليه الصلاة والسلام.
س: إذا كان ما هو بواثقٍ هل فيها أذى أو شيء؟
ج: ينظرها، عند دخوله المسجد ينظرها.
س: .............؟
ج: الأصل الطَّهارة إذا علم .....، وإن كان في ..... يحكّه بالتراب ويكفي.
وَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ بِالنَّعْلِ مُخَالَفَةً لِلْيَهُودِ.
وَكَانَ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ تَارَةً، وَفِي الثَّوْبَيْنِ تَارَةً، وَهُوَ أَكْثَرُ.
الشيخ: أيش قال على "وأمر بالصلاة بالنعل"؟
الطالب: رواه أبو داود في "الصلاة" باب "الصلاة في النعل"، وسنده قوي، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، ورواه البيهقي.
الشيخ: نعم.