12 من قوله: ( أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ..)

وقال ابن جرير : حدثنا علي بن سهل، حدثنا الوليد بن مسلم قال: ذاكرت الليث بن سعد ما كان من سمل النبي ﷺ أعينهم، وتركه حسمهم حتى ماتوا، فقال: سمعت محمد بن عجلان يقول: أنزلت هذه الآية على رسول الله ﷺ معاتبة في ذلك، وعلمه عقوبة مثلهم من القتل والقطع والنفي، ولم يسمل بعدهم غيرهم قال: وكان هذا القول ذكر لأبي عمرو يعني الأوزاعي، فأنكر أن يكون نزلت معاتبة، وقال: بل كانت عقوبة أولئك النفر بأعيانهم ثم نزلت هذه الآية في عقوبة غيرهم ممن حارب بعدهم، ورفع عنهم السمل.
ثم قد احتج بعموم هذه الآية جمهور من العلماء في ذهابهم إلى أن حكم المحاربة في الأمصار وفي السبلان على السواء لقوله: وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا.
الشيخ: وهذا هو الحق، الحق أن هذا عام سواء كان في الأمصار أو القرى أو في البوادي والصحراء متى وجد من يسعى في الأرض فسادًا بأخذ أموال الناس أو التعرض لدمائهم فهذا حكمه، حكمه القتل والصلب وقطع اليد والرجل من خلاف؛ لأن ذلك أنكى في زجر الناس عن العدوان والظلم، وذلك من رحمة الله وإحسانه إلى عباده، وأن من تعدى عليهم وأخاف بلادهم وقراهم وصحراءهم أن هذا جزاؤه، وأن ولي الأمر إن شاء قتل، وإن شاء صلب، وإن شاء قطع الأيدي والأرجل، وإن شاء نفى، ينظر ما فيه المصلحة للمسلمين فيعمل ما هو الأصلح، وإذا قتل يتعين القتل عند جمع من أهل العلم؛ لأن ذلك أزجر وأتم في الردع، ولا فرق بين كون ذلك في الأمصار والقرى أو في الصحراء والبوادي كل ذلك مضر بالناس.
وهذا مذهب مالك والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأحمد بن حنبل، حتى قال مالك في الذي يغتال الرجل فيخدعه حتى يدخله بيتا فيقتله، ويأخذ ما معه: إن هذه محاربة، ودمه إلى السلطان لا ولي المقتول، ولا اعتبار بعفوه عنه في إنفاذ القتل.الشيخ: وهذا هو الصواب، وهذا يسمى قتل غيلة كونه يخدعه يقول له: تفضل ثم إذا دخل بيته قتله هذا يسمى قتل غيلة، ولا رأي للورثة في هذا بل هذا إلى السلطان يجب قتله؛ لأن هذا شره عظيم، وهذا من جنس ما تقدم في اليهودي الذي قتل الجارية ورض رأسها بحجرين وأخذ حليها فقتله النبي ﷺ ولم يستأذن الورثة، أعني ورثة الجارية، فعرف أهل العلم أن هذا القاتل لا خيرة فيه للأولياء بل يجب أن يقتل صاحبه كالمحاربين.
الطالب: ولا اعتبار بعفوه عنه في إسقاط القتل.
الشيخ: أيش عندك؟
ولا اعتبار بعفوه عنه في إنفاذ القتل.
الشيخ: لهذا معنى ولهذا معنى، لا اعتبار بعفوه في إسقاط القتل، ولا اعتبار بعفوه في إنفاذ القتل من جهة ولي الأمر وهذا صحيح، إنقاذه من جهة ولي الأمر، وإسقاط القتل من جهة الأولياء، المعنى واحد.
س:..........................
الشيخ: هذا غلط، نزلت تشريعًا وإقرارًا لما فعله ﷺ، والسمل إنما يسمل إذا سمل، إذا سَملوا سُملوا قصاصًا، إذا سملوا العين سملت أعينهم، كما فعل النبي ﷺ  بهؤلاء الذين سملوا أعين الرعاة.
.........................
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تكون المحاربة إلا في الطرقات، فأما في الأمصار فلا، لأنه يلحقه الغوث إذا استغاث، بخلاف الطريق لبعده ممن يغيثه ويعينه.الشيخ: وقول أبي حنيفة هذا ضعيف ليس بشيء، والصواب أنه عام في الصحراء والبلدان؛ لأن البلدان –أيضًا- كذلك، قد يجد من يغيثه قد يخدعه ولا يجد من يغيثه، وقد يكون هذا في البلدان والقرى أكثر من الحيلة والخديعة، نسأل الله العافية.
وأما قوله تعالى: أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ [المائدة:33]، قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية: من شهر السلاح في قبة الإسلام، وأخاف السبيل ثم ظفر به وقدر عليه فإمام المسلمين فيه بالخيار إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله، وكذا قال سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي والضحاك وروى ذلك كله أبو جعفر بن جرير  وحكي مثله عن مالك بن أنس -رحمه الله-، ومستند هذا القول أن ظاهر أو للتخيير كما في نظائر ذلك من القرآن كقوله في جزاء الصيد فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة:95]، وكقوله في كفارة الترفه: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ[البقرة:196]، وكقوله في كفارة اليمين: كَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المائدة:89] هذه كلها على التخيير فكذلك فلتكن هذه الآية.
وقال الجمهور: هذه الآية منزلة على أحوال، كما قال أبو عبد الله الشافعي: أنبأنا إبراهيم بن أبي يحيى عن صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس في قطاع الطريق، إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا المال نفوا من الأرض.
الشيخ: وهذا ضعيف، سنده ضعيف؛ لأنه إبراهيم بن أبي يحيى ساقط عند أئمة الحديث لا يحتج به، والشافعي رحمه الله حسن الرأي فيه، ولكنه ساقط، ثم هو عن ابن عباس لو صح لكان مخالفًا لصريح الآية، الآية مخير، فقول ابن عباس هنا يخالف صريح الآية، فصريح الآية مقدم على قول من قال بخلاف ذلك.
ثم الواقع من العرنيين أن الرسول ﷺ مع أنهم قتلوا، عدل عن القتل إلى قطع أيديهم وأرجلهم؛ لأنه أنكى وأشد في العقوبة، فعدل عن قتلهم وصلبهم إلى قطع أيديهم وأرجلهم لما فيه من النكاية العظيمة.
س:....................
الشيخ: محاربة خاصة. المراد بها محاربة غير  محاربة قطاع الطريق.
س .....................
 وقد رواه ابن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان، عن حجاج، عن عطية عن ابن عباس بنحوه، وعن أبي مخلد وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والسدي وعطاء الخراساني نحو ذلك، وهكذا قال غير واحد من السلف والأئمة، واختلفوا: هل يصلب حيًا ويترك حتى يموت بمنعه من الطعام والشراب، أو يقتله برمح أو نحوه، أو يقتل أولًا ثم يصلب تنكيلًا وتشديدًا لغيره من المفسدين، وهل يصلب ثلاثة أيام ثم ينزل أو يترك حتى يسيل صديدًا؟ في ذلك كله خلاف محرر في موضعه، وبالله الثقة وعليه التكلان.الشيخ: والصواب أنه مخير إن شاء قتل، وإن شاء صلب ولم يقتل حتى يموت، يصلب حتى يموت، ثم ينزل إذا اشتهر، ينزل ويغسل ويصلى عليه إن كان مسلمًا.
س: يصلب حيًا؟
الشيخ: هذا هو الصواب على ظاهر الآية؛ لأنه أنكى، حتى يموت مثل ما تقطع يده ورجله ويترك حتى يموت.
س: المحارب إذا سرق المال ولكنه لم يقتل؟
الشيخ: إذا أخذ المال فيه هذا، أخذ المال أو قتل، مخير ولي الأمر، السرقة غير السرقة، إذا أخذها من طريق خفي تقطع يده  هذه سرقة، وهذه محاربة، الذي يأخذه مجاهرة.
ويشهد لهذا التفصيل الحديث الذي رواه ابن جرير في تفسيره إن صح سنده فقال: حدثنا علي بن سهل، حدثنا الوليد بن مسلم، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب أن عبد الملك بن مروان، كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه الآية، فكتب إليه يخبره أنها نزلت في أولئك النفر العرنيين وهم من بجيلة، قال أنس: فارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي، واستاقوا الإبل، وأخافوا السبيل، وأصابوا الفرج الحرام، قال أنس: فسأل رسول الله ﷺ جبريل عن القضاء فيمن حارب، فقال: من سرق مالًا وأخاف السبيل، فاقطع يده بسرقته ورجله بإخافته، ومن قتل فاقتله، ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج الحرام فاصلبه.الشيخ: هذا ضعيف، ابن لهيعة ضعيف، ثم عنعنة الوليد بن مسلم أيضًا ضعيف، هذا أثر ضعيف.
س:.......................
الشيخ: يصلب ما يراه ولي الأمر، ما فيه ثلاثة أيام، يصلب ما يراه يومين أو ثلاثة أو خمسة أو سبعة أو أكثر حتى يشتهر بين الناس ويموت أيضًا، يشتهر صلبه عند الناس حتى يحصل الفائدة من الردع، حتى يتساءل الناس ويش بلاه، ويش بلاه لماذا صلب؟ لأنه فعل كذا وكذا.
س...................
وأما قوله تعالى: أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ قال بعضهم: هو أن يطلب حتى يقدر عليه فيقام عليه الحد أو يهرب من دار الإسلام، رواه ابن جرير عن ابن عباس، وأنس بن مالك وسعيد بن جبير والضحاك والربيع بن أنس والزهري والليث بن سعد ومالك بن أنس وقال آخرون: هو أن ينفى من بلده إلى بلد آخر، أو يخرجه السلطان، أو نائبه من معاملته بالكلية، وقال الشعبي: ينفيه- كما قال ابن هبيرة- من عمله كله. وقال عطاء الخراساني ينفى من جند إلى جند سنين، ولا يخرج من أرض الإسلام، وكذا قال سعيد بن جبير وأبو الشعثاء والحسن والزهري والضحاك ومقاتل بن حيان إنه ينفى ولا يخرج من أرض الإسلام، وقال آخرون: المراد بالنفي هاهنا السجن، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، واختار ابن جرير أن المراد بالنفي هاهنا أن يخرج من بلده إلى بلد آخر فيسجن فيه.الشيخ: نعم، وهو قول قوي، وهذا مثل ما في نفي الزاني البكر، ينفى ويغرب سنة من بلده، ينفى من الأرض ويبعد عن الأرض التي هو فيها على طريقة يسلم من شره، ينفى إلى بلد آخر يسجن بما يراه ولي الأمر؛ لأنه متى أبعد عن بلده وسجن فقد نفي من الأرض، ولكن هذا يتعلق بما يراه ولي الأمر من المصلحة، فبعضهم خص هذا بمن لم يأخذ مالاً ولم يقتل وإنما أخاف السبيل، فهذه عقوبته أخف، والآية الكريمة سوت بين الأربع القتل والصلب والقطع والنفي، وولي الأمر مخير فيها كلها، والصواب هو الأخذ بظاهرها هو جعل ذلك إلى ولي الأمر، فإذا رأى ولي الأمر نفيه إلى بلد آخر يسجن فيها، أو نفيه من بلد إلى بلد وينقل من بلد إلى بلد لإشهار أمره وإظهار ذنبه العظيم فهو إليه، المقصود لا يترك يعيث فسادًا، بل ينقل من بلد إلى بلد معاقبة له، من بلد إلى بلد سجن وإشهارًا لخطيئته ومعصيته.
س:.....................
الشيخ: هذا إذا رآه ولي الأمر قد يكون عمله سهل، مثل ما قال بعض العلماء أخاف السبيل ولم يفعل شيئًا لم يقتل ولم يسرق ولم يأخذ مالاً على حسب ما يراه ولي الأمر، وعلى حسب جريمة الشخص.
وقوله تعالى: ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33] أي هذا الذي ذكرته من قتلهم ومن صلبهم وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ونفيهم، خزي لهم بين الناس في هذه الحياة الدنيا مع ما ادخر الله لهم من العذاب العظيم يوم القيامة، وهذا قد يتأيد من ذهب إلى إن هذه نزلت في المشركين، فأما أهل الإسلام فقد ثبت في الصحيح عند مسلم عن عبادة بن الصامت قال: أخذ علينا رسول الله ﷺ كما أخذ على النساء ألا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا يَعْضَهُ بعضنا بعضًا، فمن وفي منكم فأجره على الله تعالى، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب فهو كفارة له، ومن ستره الله فأمره إلى الله: إن شاء عذبه وإن شاء عفر له، وعن علي قال: قال رسول الله ﷺ: من أذنب ذنبًا في الدنيا فعوقب به، فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده، ومن أذنب ذنبًا في الدنيا فستره الله عليه وعفا عنه، فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه. ورواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن غريب. وقد سئل الحافظ الدارقطني عن هذا الحديث، فقال: روي مرفوعًا وموقوفًا، قال: ورفعه صحيح.الشيخ: ولا منافاة، فإنه -- يتوعد المذنبين والمجرمين بالعقوبة في الدنيا والعقوبة في الآخرة إلا من تاب ولو مسلم، قال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، فأهل المعاصي متوعدون، إلا من تاب، قال: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ۝ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ۝ إِلَّا مَنْ تَابَ  [الفرقان:68-70]، هكذا هنا، فهؤلاء المحاربون هذا جزاؤهم في الدنيا، وإذا تابوا من ذلك فجزاء الدنيا الذي حصل لهم وفي الآخرة لهم النجاة والسعادة بسبب توبتهم ولهذا قال بعدها: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:34] لا منافاة.
س: قول الحافظ الدارقطني ورفعه صحيح؟
الشيخ: نعم إلى النبي ﷺ.
س: قوله في الحديث: ولا يعضه بعضنا بعضا.
الشيخ: يظلم بعضهم بعضًا، يعني.
وقال ابن جرير في قوله: ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا يعني شر وعار ونكال وذلة وعقوبة في عاجل الدنيا قبل الآخرة، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ أي إذا لم يتوبوا من فعلهم ذلك حتى هلكوا في الآخرة مع الجزاء الذي جازيتهم به في الدنيا، والعقوبة التي عاقبتهم بها فيها عَذَابٌ عَظِيمٌ يعني عذاب جهنم، وقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أما على قول من قال: إنها في أهل الشرك فظاهر، وأما المحاربون المسلمون فإذا تابوا قبل القدرة عليهم، فإنه يسقط عنهم انحتام القتل والصلب وقطع الرجل، وهل يسقط قطع اليد أم لا؟ فيه قولان للعلماء، وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع، وعليه عمل الصحابة، كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة، عن مجاهد.الطالب: عندنا عن مجالد؟
الشيخ:  هو مجالد باللام هو الذي يروي عن الشعبي نعم، مجالد بن سعيد الهمداني.
عن مجالد عن الشعبي قال: كان حارثة بن بدر التميمي من أهل البصرة، وكان قد أفسد في الأرض وحارب، فكلم رجالًا من قريش منهم الحسن بن علي وابن عباس وعبد الله بن جعفر، فكلموا عليًا فلم يؤمنه، فأتى سعيد بن قيس الهمداني فخلفه في داره، ثم أتى عليًا، فقال: يا أمير المؤمنين، أرأيت من حارب الله ورسوله، وسعى في الأرض فسادًا، فقرأ حتى بلغ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ  قال: فكتب إليه أمانًا، قال سعيد بن قيس: فإنه حارثة بن بدر، وكذا رواه ابن جرير من غير وجه عن مجالد عن الشعبي به، وزاد فقال حارثة بن بدر:
ألا أبلغن همدان إما لقيتها على النأي لا يسلم عدو يعيبها
الشيخ: على النأي: على البعد، يعني.
لعمر أبيها إن همدان تتقي الإله ويقضي بالكتاب خطيبها
وروى ابن جرير من طريق سفيان الثوري عن السدي، ومن طريق أشعث، كلاهما عن عامر الشعبي قال: جاء رجل من مراد إلى أبي موسى وهو على الكوفة في إمارة عثمان بعد ما صلى المكتوبة، فقال: يا أبا موسى هذا مقام العائذ بك، أنا فلان ابن فلان المرادي، وإني كنت حاربت الله ورسوله وسعيت في الأرض فسادًا، وإني تبت من قبل أن يقدروا علي، فقام أبو موسى فقال: إن هذا فلان ابن فلان، وإنه كان حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادًا، وإنه تاب من قبل أن يقدر عليه فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير، فإن يك صادقًا فسبيل من صدق، وإن يك كاذبًا تدركه ذنوبه، فأقام الرجل ما شاء الله، ثم إنه خرج فأدركه الله تعالى بذنوبه فقتله.
..........................