وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير [المائدة:38- 40]
يقول تعالى حاكمًا وآمرًا بقطع يد السارق والسارقة، وروى الثوري عن جابر بن يزيد الجعفي، عن عامر بن شراحيل الشعبي أن ابن مسعود كان يقرؤها «والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما» وهذه قراءة شاذة، وإن كان الحكم عند جميع العلماء موافقًا لها لا بها، بل هو مستفاد من دليل آخر، وقد كان القطع معمولًا به في الجاهلية.الشيخ: وجابر الجعفي لا يحتج به، لكن معناه صحيح، بهذا السند لا تثبت؛ لأن جابر ليس ممن يحتج به، ولكن أجمع المسلمون على أنه تقطع اليد اليمنى.
فقرر في الإسلام، وزيدت شروط أخر كما سنذكره إن شاء الله تعالى، كما كانت القسامة والدية والقراض وغير ذلك من الأشياء التي ورد الشرع بتقريرها على ما كانت عليه، وزيادات هي من تمام المصالح، ويقال: إن أول من قطع الأيدي في الجاهلية قريش، قطعوا رجلا يقال له: دويك مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة، كان قد سرق كنز الكعبة، ويقال: سرقه قوم فوضعوه عنده، وقد ذهب بعض الفقهاء من أهل الظاهر إلى أنه متى سرق السارق شيئًا قطعت يده به، سواء كان قليلًا أو كثيرًا لعموم هذه الآية وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، فلم يعتبروا نصابًا ولا حرزًا، بل أخذوا بمجرد السرقة. وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد المؤمن عن نجدة الحنفي، قال: سألت ابن عباس عن قوله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا أخاص أم عام؟ فقال: بل عام، يحتمل أن يكون موافقة من ابن عباس لما ذهب إليه هؤلاء، ويحتمل غير ذلك، فالله أعلم.الشيخ: ومراد ابن عباس أنه عام في جميع الناس، فإن صح الأثر عنه فمراده أنها عامة في جميع طبقات الناس، ليس خاصًا بقوم دون قوم، أما الحرز والنصاب فلا بدّ منه كما جاءت به النصوص، فلا يحمل كلام ابن عباس على العموم إلا فيما يتعلق بطبقات الناس، يعني لا فرق بين قرشي أو هاشمي أو عربي أو أعجمي عام في جميع طبقات الناس هذا مراده.
س:.........
الشيخ: على كل حال، صح وإلا ما صح المراد به العموم من جهة طبقات الناس، ليس المراد به أنه يقطع من دون حرز، وفي قليل وكثير لا، ليس مراد ابن عباس هذا لو صح.
وقد يحتمل أن يكون موافقة من ابن عباس لما ذهب إليه هؤلاء، ويحتمل غير ذلك، فالله أعلم.
وتمسكوا بما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده وأما الجمهور فاعتبروا النصاب في السرقة، وإن كان قد وقع بينهم الخلاف في قدره، فذهب كل من الأئمة الأربعة إلى قول على حدة، فعند الإمام مالك بن أنس -رحمه الله- النصاب ثلاثة دراهم مضروبة خالصة، فمتى سرقها أو ما يبلغ ثمنها فما فوقه، وجب القطع، واحتج في ذلك بما رواه عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم، أخرجاه في الصحيحين، قال مالك -رحمه الله-: وقطع عثمان في أترجة فقومت بثلاثة دراهم، وهو أحب ما سمعت في ذلك، وهذا الأثر عن عثمان قد رواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه، عن عمرة بنت عبد الرحمن أن سارقًا سرق في زمن عثمان أترجة، فأمر بها عثمان أن تقوم فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهمًا، فقطع عثمان يده. قال أصحاب مالك: ومثل هذا الصنيع يشتهر، ولم ينكر، فمن مثله يحكى الإجماع السكوتي، وفيه دلالة على القطع في الثمار خلافًا للحنفية، وعلى اعتبار ثلاثة دراهم خلافًا لهم في أنه لا بد من عشرة دراهم، وللشافعية في اعتبار ربع دينار، والله أعلم.
وذهب الشافعي -رحمه الله- إلى أن الاعتبار في قطع يد السارق بربع دينار أو ما يساويه من الأثمان أو العروض فصاعدًا، والحجة في ذلك ما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم من طريق الزهري عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدًا ولمسلم من طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا.
الشيخ: وهذا هو القول الصواب أن النصاب ربع دينار فصاعدًا لصحة الحديث في ذلك، والمجن الذي قطع فيه النبي ﷺ لأنه كان ربع دينار؛ لأن نصاب الدينار ذاك الوقت اثنا عشر والمجن قيمته ثلاثة دراهم فصار ربع دينار، والحديث صريح في ذلك: تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا أخرجه البخاري وهو في الصحيحين، وفي اللفظ الآخر: لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدًا وهذا هو أرجح الأقوال في النصاب وأن النصاب السرقة ربع دينار، وربع الدينار اليوم سبع جنيه، سبع الجنيه السعودي ربع دينار؛ لأن الجنيه السعودي ديناران إلا ربع، فإذا كان الدينار اليوم يسوى سبعين ريالاً صار النصاب عشرة ربع دينار؛ لأنها سبع الجنيه السعودي وسبعه هو ربع الدينار، وإذا صار الجنيه يساوي مائة وأربعين صار ربع الدينار عشرين درهمًا وهكذا، لأن هذا الجنيه الموجود ديناران إلا ربع.
قال أصحابنا: فهذا الحديث فاصل في المسألة، ونص في اعتبار ربع الدينار لا ما ساواه.الشيخ: لا ما سواه، أما ساواه ما يخالف إذا ساواه يقطع.
قالوا: وحديث ثمن المجن، وأنه كان ثلاثة دراهم لا ينافي هذا؛ لأنه إذ ذاك كان الدينار باثني عشر درهما، فهي ثمن ربع دينار، فأمكن الجمع بهذا الطريق، ويروى هذا المذهب عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ، وبه يقول عمر بن عبد العزيز والليث بن سعد والأوزاعي والشافعي وأصحابه، وإسحاق بن راهويه في رواية عنه، وأبو ثور وداود بن علي الظاهري، رحمهم الله.
وذهب الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه في رواية عنه، إلى أن كل واحد من ربع الدينار والثلاثة دراهم مرد شرعي، فمن سرق واحدًا منهما أو ما يساويه، قطع عملًا بحديث ابن عمر وبحديث عائشة رضي الله عنها، ووقع في لفظ عند الإمام أحمد عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال: اقطعوا في ربع دينار، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم، والدينار اثني عشر درهما. وفي لفظ للنسائي: لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن. قيل لعائشة: ما ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار.الشيخ: والصواب مثل ما تقدم، الصواب ربع دينار فقط، باعتبار بالذهب ربع الدينار فصاعدًا.
فهذه كلها نصوص دالة على عدم اشتراط عشرة دراهم، والله أعلم.الشيخ: يعني رد على أبي حنيفة، لأن قول أبي حنيفة يشترط عشرة دراهم قول ضعيف لا وجه له، والصواب أن النصاب الذي يجب أن يلتزم به هو ربع الدينار.
س:.........
الشيخ: الحبل مثل ما قال العلماء يسرق الحبل، يعني يجره، يسرق الحبل فتقطع يده، والبيضة فتقطع يده، يعني يجره، سرقة الشيء القليل إلى أن يسرق الكثير فتقطع يده، وقال بعضهم: إن المراد به حبل السفن والبيضة يعني التي توضع على الرأس في الحرب، فهذا يحمل عليها، ولكن ما حاجة لنا إلى هذا، والمعنى والله أعلم وأنه يتساهل في الشيء القليل ثم يجره إلى الشيء الكثير.
وأما الإمام أبو حنيفة وأصحابه أبو يوسف ومحمد وزفر، وكذا سفيان الثوري، رحمهم الله، فإنهم ذهبوا إلى أن النصاب عشرة دراهم مضروبة غير مغشوشة، واحتجوا بأن ثمن المجن الذي قطع فيه السارق على عهد رسول الله ﷺ كان ثمنه عشرة دراهم. وقد روى أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا ابن نمير وعبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى، عن عطاء، عن ابن عباس قال: كان ثمن المجن على عهد النبي ﷺ عشرة دراهم، ثم قال:
حدثنا عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله ﷺ: لا تقطع يد السارق في دون ثمن المجن وكان ثمن المجن عشرة دراهم، قالوا: فهذا ابن عباس وعبد الله بن عمرو قد خالفا ابن عمر في ثمن المجن، فالاحتياط الأخذ بالأكثر، لأن الحدود تدرأ بالشبهات.
وذهب بعض السلف إلى أنه تقطع يد السارق في عشرة دراهم أو دينار أو ما يبلغ قيمته واحدًا منهما، يحكى هذا عن علي وابن مسعود وإبراهيم النخعي وأبي جعفر الباقر -رحمهم الله تعالى-. وقال بعض السلف: لا تقطع الخمس إلا في خمس، أي في خمسة دنانير أو خمسين درهمًا، وينقل هذا عن سعيد بن جبير -رحمه الله-.الشيخ: وهذا قول ساقط وضعيف ورأي فاسد ولا وجه له، والعمدة على ما ثبت به النص عن النبي ﷺ وهو أنها تقطع في ربع دينار فصاعدًا، هذا هو الحد الذي لا شبهة فيه ولا إشكال فيه ولا يعتريه شيء من الشبه.
س: ما في نسبة بين الريال السعودي المعاصر اليوم وربع الدينار؟ نسبة تقريبية؟
الشيخ: العمدة على الدينار الذهب.
وقد أجاب الجمهور عما تمسك به الظاهرية من حديث أبي هريرة يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده بأجوبة [أحدها] أنه منسوخ بحديث عائشة، وفي هذا نظر؛ لأنه لا بد من بيان التاريخ. [والثاني] أنه مؤول ببيضة الحديد وحبل السفن، قاله الأعمش فيما حكاه البخاري وغيره عنه. [والثالث] أن هذا وسيلة إلى التدرج في السرقة من القليل إلى الكثير الذي تقطع فيه يده.
الشيخ: وهذا هو الصواب أنه على سبيل التحذير، وأن النبي ضرب مثلاً بالبيضة والحبل؛ لأنه قد يتساهل الولد أو الرجل بالشيء القليل حتى يجره ذلك إلى ما تقطع فيه يده.
س: إذا سرق الحبل والبيضة يقطع؟
الشيخ: إذا كان يبلغ ربع الدينار.
الشيخ: هذا محل نظر، إنما هذا في قطاع الطريق، الردء يعتبر في قطاع الطريق، أما في السرقة فهو الذي باشر السرقة.
س: قول أبي العلاء المعري، يكفي هذا وحده لكفره وردته؟
الشيخ: نعم، هذا اعتراض على الله نسب التناقض إلى الله.
س: من ساعد على القتل؟
الشيخ: إذا شارك في القتل مشاركة ضربوه بالسيف جميعًا، أو هذا ضرب بالسيف وهذا ضرب بالخنجر، فهذا يقتلون جميعًا، أما مجرد الكلام بدون مباشرة، فالذي يقتل هو المباشر.
س: من مسك الضحية والآخر أجهز عليه؟
الشيخ: هذا جاء في الحديث أن الممسك يمسك حتى يموت، وقالت جماعة: يقتل، وجاء في الحديث: يقتل القاتل ويحبس الذي أمسك حتى يموت، يسجن إلى أن يموت.
يقول تعالى حاكمًا وآمرًا بقطع يد السارق والسارقة، وروى الثوري عن جابر بن يزيد الجعفي، عن عامر بن شراحيل الشعبي أن ابن مسعود كان يقرؤها «والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما» وهذه قراءة شاذة، وإن كان الحكم عند جميع العلماء موافقًا لها لا بها، بل هو مستفاد من دليل آخر، وقد كان القطع معمولًا به في الجاهلية.الشيخ: وجابر الجعفي لا يحتج به، لكن معناه صحيح، بهذا السند لا تثبت؛ لأن جابر ليس ممن يحتج به، ولكن أجمع المسلمون على أنه تقطع اليد اليمنى.
فقرر في الإسلام، وزيدت شروط أخر كما سنذكره إن شاء الله تعالى، كما كانت القسامة والدية والقراض وغير ذلك من الأشياء التي ورد الشرع بتقريرها على ما كانت عليه، وزيادات هي من تمام المصالح، ويقال: إن أول من قطع الأيدي في الجاهلية قريش، قطعوا رجلا يقال له: دويك مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة، كان قد سرق كنز الكعبة، ويقال: سرقه قوم فوضعوه عنده، وقد ذهب بعض الفقهاء من أهل الظاهر إلى أنه متى سرق السارق شيئًا قطعت يده به، سواء كان قليلًا أو كثيرًا لعموم هذه الآية وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، فلم يعتبروا نصابًا ولا حرزًا، بل أخذوا بمجرد السرقة. وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد المؤمن عن نجدة الحنفي، قال: سألت ابن عباس عن قوله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا أخاص أم عام؟ فقال: بل عام، يحتمل أن يكون موافقة من ابن عباس لما ذهب إليه هؤلاء، ويحتمل غير ذلك، فالله أعلم.الشيخ: ومراد ابن عباس أنه عام في جميع الناس، فإن صح الأثر عنه فمراده أنها عامة في جميع طبقات الناس، ليس خاصًا بقوم دون قوم، أما الحرز والنصاب فلا بدّ منه كما جاءت به النصوص، فلا يحمل كلام ابن عباس على العموم إلا فيما يتعلق بطبقات الناس، يعني لا فرق بين قرشي أو هاشمي أو عربي أو أعجمي عام في جميع طبقات الناس هذا مراده.
س:.........
الشيخ: على كل حال، صح وإلا ما صح المراد به العموم من جهة طبقات الناس، ليس المراد به أنه يقطع من دون حرز، وفي قليل وكثير لا، ليس مراد ابن عباس هذا لو صح.
وقد يحتمل أن يكون موافقة من ابن عباس لما ذهب إليه هؤلاء، ويحتمل غير ذلك، فالله أعلم.
وتمسكوا بما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده وأما الجمهور فاعتبروا النصاب في السرقة، وإن كان قد وقع بينهم الخلاف في قدره، فذهب كل من الأئمة الأربعة إلى قول على حدة، فعند الإمام مالك بن أنس -رحمه الله- النصاب ثلاثة دراهم مضروبة خالصة، فمتى سرقها أو ما يبلغ ثمنها فما فوقه، وجب القطع، واحتج في ذلك بما رواه عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم، أخرجاه في الصحيحين، قال مالك -رحمه الله-: وقطع عثمان في أترجة فقومت بثلاثة دراهم، وهو أحب ما سمعت في ذلك، وهذا الأثر عن عثمان قد رواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه، عن عمرة بنت عبد الرحمن أن سارقًا سرق في زمن عثمان أترجة، فأمر بها عثمان أن تقوم فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهمًا، فقطع عثمان يده. قال أصحاب مالك: ومثل هذا الصنيع يشتهر، ولم ينكر، فمن مثله يحكى الإجماع السكوتي، وفيه دلالة على القطع في الثمار خلافًا للحنفية، وعلى اعتبار ثلاثة دراهم خلافًا لهم في أنه لا بد من عشرة دراهم، وللشافعية في اعتبار ربع دينار، والله أعلم.
وذهب الشافعي -رحمه الله- إلى أن الاعتبار في قطع يد السارق بربع دينار أو ما يساويه من الأثمان أو العروض فصاعدًا، والحجة في ذلك ما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم من طريق الزهري عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدًا ولمسلم من طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا.
الشيخ: وهذا هو القول الصواب أن النصاب ربع دينار فصاعدًا لصحة الحديث في ذلك، والمجن الذي قطع فيه النبي ﷺ لأنه كان ربع دينار؛ لأن نصاب الدينار ذاك الوقت اثنا عشر والمجن قيمته ثلاثة دراهم فصار ربع دينار، والحديث صريح في ذلك: تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا أخرجه البخاري وهو في الصحيحين، وفي اللفظ الآخر: لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدًا وهذا هو أرجح الأقوال في النصاب وأن النصاب السرقة ربع دينار، وربع الدينار اليوم سبع جنيه، سبع الجنيه السعودي ربع دينار؛ لأن الجنيه السعودي ديناران إلا ربع، فإذا كان الدينار اليوم يسوى سبعين ريالاً صار النصاب عشرة ربع دينار؛ لأنها سبع الجنيه السعودي وسبعه هو ربع الدينار، وإذا صار الجنيه يساوي مائة وأربعين صار ربع الدينار عشرين درهمًا وهكذا، لأن هذا الجنيه الموجود ديناران إلا ربع.
قال أصحابنا: فهذا الحديث فاصل في المسألة، ونص في اعتبار ربع الدينار لا ما ساواه.الشيخ: لا ما سواه، أما ساواه ما يخالف إذا ساواه يقطع.
قالوا: وحديث ثمن المجن، وأنه كان ثلاثة دراهم لا ينافي هذا؛ لأنه إذ ذاك كان الدينار باثني عشر درهما، فهي ثمن ربع دينار، فأمكن الجمع بهذا الطريق، ويروى هذا المذهب عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ، وبه يقول عمر بن عبد العزيز والليث بن سعد والأوزاعي والشافعي وأصحابه، وإسحاق بن راهويه في رواية عنه، وأبو ثور وداود بن علي الظاهري، رحمهم الله.
وذهب الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه في رواية عنه، إلى أن كل واحد من ربع الدينار والثلاثة دراهم مرد شرعي، فمن سرق واحدًا منهما أو ما يساويه، قطع عملًا بحديث ابن عمر وبحديث عائشة رضي الله عنها، ووقع في لفظ عند الإمام أحمد عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال: اقطعوا في ربع دينار، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم، والدينار اثني عشر درهما. وفي لفظ للنسائي: لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن. قيل لعائشة: ما ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار.الشيخ: والصواب مثل ما تقدم، الصواب ربع دينار فقط، باعتبار بالذهب ربع الدينار فصاعدًا.
فهذه كلها نصوص دالة على عدم اشتراط عشرة دراهم، والله أعلم.الشيخ: يعني رد على أبي حنيفة، لأن قول أبي حنيفة يشترط عشرة دراهم قول ضعيف لا وجه له، والصواب أن النصاب الذي يجب أن يلتزم به هو ربع الدينار.
س:.........
الشيخ: الحبل مثل ما قال العلماء يسرق الحبل، يعني يجره، يسرق الحبل فتقطع يده، والبيضة فتقطع يده، يعني يجره، سرقة الشيء القليل إلى أن يسرق الكثير فتقطع يده، وقال بعضهم: إن المراد به حبل السفن والبيضة يعني التي توضع على الرأس في الحرب، فهذا يحمل عليها، ولكن ما حاجة لنا إلى هذا، والمعنى والله أعلم وأنه يتساهل في الشيء القليل ثم يجره إلى الشيء الكثير.
وأما الإمام أبو حنيفة وأصحابه أبو يوسف ومحمد وزفر، وكذا سفيان الثوري، رحمهم الله، فإنهم ذهبوا إلى أن النصاب عشرة دراهم مضروبة غير مغشوشة، واحتجوا بأن ثمن المجن الذي قطع فيه السارق على عهد رسول الله ﷺ كان ثمنه عشرة دراهم. وقد روى أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا ابن نمير وعبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى، عن عطاء، عن ابن عباس قال: كان ثمن المجن على عهد النبي ﷺ عشرة دراهم، ثم قال:
حدثنا عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله ﷺ: لا تقطع يد السارق في دون ثمن المجن وكان ثمن المجن عشرة دراهم، قالوا: فهذا ابن عباس وعبد الله بن عمرو قد خالفا ابن عمر في ثمن المجن، فالاحتياط الأخذ بالأكثر، لأن الحدود تدرأ بالشبهات.
وذهب بعض السلف إلى أنه تقطع يد السارق في عشرة دراهم أو دينار أو ما يبلغ قيمته واحدًا منهما، يحكى هذا عن علي وابن مسعود وإبراهيم النخعي وأبي جعفر الباقر -رحمهم الله تعالى-. وقال بعض السلف: لا تقطع الخمس إلا في خمس، أي في خمسة دنانير أو خمسين درهمًا، وينقل هذا عن سعيد بن جبير -رحمه الله-.الشيخ: وهذا قول ساقط وضعيف ورأي فاسد ولا وجه له، والعمدة على ما ثبت به النص عن النبي ﷺ وهو أنها تقطع في ربع دينار فصاعدًا، هذا هو الحد الذي لا شبهة فيه ولا إشكال فيه ولا يعتريه شيء من الشبه.
س: ما في نسبة بين الريال السعودي المعاصر اليوم وربع الدينار؟ نسبة تقريبية؟
الشيخ: العمدة على الدينار الذهب.
وقد أجاب الجمهور عما تمسك به الظاهرية من حديث أبي هريرة يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده بأجوبة [أحدها] أنه منسوخ بحديث عائشة، وفي هذا نظر؛ لأنه لا بد من بيان التاريخ. [والثاني] أنه مؤول ببيضة الحديد وحبل السفن، قاله الأعمش فيما حكاه البخاري وغيره عنه. [والثالث] أن هذا وسيلة إلى التدرج في السرقة من القليل إلى الكثير الذي تقطع فيه يده.
الشيخ: وهذا هو الصواب أنه على سبيل التحذير، وأن النبي ضرب مثلاً بالبيضة والحبل؛ لأنه قد يتساهل الولد أو الرجل بالشيء القليل حتى يجره ذلك إلى ما تقطع فيه يده.
س: إذا سرق الحبل والبيضة يقطع؟
الشيخ: إذا كان يبلغ ربع الدينار.
ويحتمل أن يكون هذا خرج مخرج الإخبار عما كان الأمر عليه في الجاهلية حيث كانوا يقطعون في القليل والكثير، فلعن السارق الذي يبذل يده الثمينة في الأشياء المهينة، وقد ذكروا أن أبا العلاء المعري لما قدم بغداد، اشتهر عنه أنه أورد إشكالًا على الفقهاء في جعلهم نصاب السرقة ربع دينار، ونظم في ذلك شعرًا دل على جهله وقلة عقله، فقال:
الشيخ: أبو العلاء المعري ملحد لا يلتفت إليه، والله -جل وعلا- هو الحكم العدل، وهو الحكيم في عباده -جل وعلا-، وأموال الناس لها حرمتها ولها قيمتها، وإذا تساهل مع السراق أخذت أموال الناس، فمن رحمة الله أن شرع القطع في السرقة؛ صيانة لأموال الناس واحترامًا لها، والغالب على السراق لا يرضون بالقليل يسرقون الشيء الكثير، فجعل الله النصاب هذا المقدار سدًا لذريعة التساهل في السرقة.
يد بخمس مئين عسجد وديت | ما بالها قطعت في ربع دينار |
تناقض ما لنا إلا السكوت له | وأن نعوذ بمولانا من النار |
ولما قال ذلك واشتهر عنه تطلبه الفقهاء فهرب منهم، وقد أجابه الناس في ذلك، فكان جواب القاضي عبد الوهاب المالكي -رحمه الله- أن قال: لما كانت أمينة، كانت ثمينة، ولما خانت هانت.
الشيخ: وهذا كلام صحيح لما كانت أمينة كانت ثمينة، لما كانت سليمة من الخيانة كانت ثمينة، فلما خانت هانت، لما خانت الأمر الشرعي هانت على الله وعلى عباده.
ومنهم من قال: هذا من تمام الحكمة والمصلحة وأسرار الشريعة العظيمة، فإنه في باب الجنايات ناسب أن تعظم قيمة اليد بخمسمائة دينار لئلا يجنى عليها. وفي باب السرقة ناسب أن يكون القدر الذي تقطع فيه ربع دينار، لئلا يسارع الناس في سرقة الأموال، فهذا هو عين الحكمة عند ذوي الألباب، ولهذا قال: جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38] أي مجازاة على صنيعهما السيئ في أخذهما أموال الناس بأيديهم، فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك نكالًا من الله، أي تنكيلا من الله بهما على ارتكاب ذلك، وَاللَّهُ عَزِيزٌ أي في انتقامه، حَكِيمٌ أي في أمره ونهيه وشرعه وقدره.
ثم قال تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:39] أي من تاب بعد سرقته وأناب إلى الله فإن الله يتوب عليه فما بينه وبينه، فأما أموال الناس فلا بد من ردها إليهم أو بدلها عند الجمهور، وقال أبو حنيفة: متى قطع وقد تلفت في يده فإنه لا يرد بدلها.
س: معاون السارق الذي يعاونه في الترصد؟ثم قال تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:39] أي من تاب بعد سرقته وأناب إلى الله فإن الله يتوب عليه فما بينه وبينه، فأما أموال الناس فلا بد من ردها إليهم أو بدلها عند الجمهور، وقال أبو حنيفة: متى قطع وقد تلفت في يده فإنه لا يرد بدلها.
الشيخ: هذا محل نظر، إنما هذا في قطاع الطريق، الردء يعتبر في قطاع الطريق، أما في السرقة فهو الذي باشر السرقة.
س: قول أبي العلاء المعري، يكفي هذا وحده لكفره وردته؟
الشيخ: نعم، هذا اعتراض على الله نسب التناقض إلى الله.
س: من ساعد على القتل؟
الشيخ: إذا شارك في القتل مشاركة ضربوه بالسيف جميعًا، أو هذا ضرب بالسيف وهذا ضرب بالخنجر، فهذا يقتلون جميعًا، أما مجرد الكلام بدون مباشرة، فالذي يقتل هو المباشر.
س: من مسك الضحية والآخر أجهز عليه؟
الشيخ: هذا جاء في الحديث أن الممسك يمسك حتى يموت، وقالت جماعة: يقتل، وجاء في الحديث: يقتل القاتل ويحبس الذي أمسك حتى يموت، يسجن إلى أن يموت.