15 من قوله: ( فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ..)

ثم قال تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:39] أي من تاب بعد سرقته وأناب إلى الله فإن الله يتوب عليه فما بينه وبينه، فأما أموال الناس فلا بد من ردها إليهم أو بدلها عند الجمهور، وقال أبو حنيفة: متى قطع وقد تلفت في يده فإنه لا يرد بدلها، وقد روى الحافظ أبو الحسن الدارقطني من حديث محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ أتي بسارق قد سرق شملة، فقال: ما إخاله سرق، فقال السارق: بلى يا رسول الله. قال اذهبوا به فاقطعوه، ثم احسموه، ثم ائتوني به فقطع ثم أتي به فقال تب إلى الله فقال: تبت إلى الله، فقال تاب الله عليك. وقد روي من وجه آخر مرسلًا، ورجح إرساله علي بن المديني وابن خزيمة رحمهما الله.الشيخ: المقصود من هذا أن السارق وهكذا قطاع الطريق كما تقدم إذا تابوا تاب الله عليهم، لكن عليهم أداء الحقوق التي للناس؛ لأن توبتهم تنفعهم فيما يتعلق بحق الله، أما حقوق الناس وما أخذوا من أموال الناس أو سفكوا من دماء الناس فعليهم أداؤها، فالسارق يرد السرقة، وقاطع الطريق يرد الأموال التي أخذها، وإن كان قتل أحدًا يؤخذ بذلك، ولا يسقط عنه إلا حق الله هو الذي يسقط عنه تحتم القتل، وشر الذنب بالتوبة إلى الله من ذلك، أما كونه يؤدي الحقوق التي عليه للناس يقتل بمن قتل، ويلزم بالمال الذي أخذه حتى يؤديها إلى صاحبه هذا أمر لا بدّ منه.
س: إن كان أنفق المال بعدما سرقة ثم تاب؟
الشيخ: يكون دين في ذمته.
س: القطع مع الرد؟
الشيخ: مع رد المال نعم، القطع حق الله ورد المال حق المخلوق.
س: إذا طلب فلم يوجد، ثم تاب من سرقته ورد الحق هل يقطع أحسن الله إليك؟ تاب قبل أن يقدر عليه!
الشيخ: ظاهر حديث: ما إخاله سرق.. الذي جاء تائبًا ما دام جاء وأقر يقطع؛ للحديث المرسل الذي تقدم. لأن الرسول ﷺ قال: ما إخاله سرق، فقال: بلى يا رسول الله قد سرقت، فأمر بقطعه.
س: هل يقطع وإن جاء تائبًا؟
الشيخ: نعم هذا جاء تائبًا الذي تقدم.
س: الحديث صحيح؟
الشيخ: فيه علة بالإرسال وقصة ماعز والغامدية تكفي في هذا فإنهما جاءا تائبين وأقيم عليهما الحدود.
س: قطاع الطريق إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:34]؟
الشيخ: هذا في قطاع الطريق، وهذا ما هو قاطع طريق.
س: يعني الآية في قطاع الطريق؟
الشيخ: نعم.
.........
الشيخ: على كل حال سواء [صح] وإلا ما صح قصة ماعز والغامدية تكفي.
وروى ابن ماجه من حديث ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن ثعلبة الأنصاري، عن أبيه أن عمر بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس، جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، إني سرقت جملًا لبني فلان، فطهرني فأرسل إليهم النبي ﷺ فقالوا: إنا افتقدنا جملًا لنا، فأمر به فقطعت يده، قال ثعلبة: أنا أنظر أليه حين وقعت يده وهو يقول: الحمد لله الذي طهرني منك، أردت أن تدخلي جسدي النار.
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة عن حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو قال: سرقت امرأة حليًا فجاء الذين سرقتهم، فقالوا: يا رسول الله، سرقتنا هذه المرأة، فقال رسول الله ﷺ: اقطعوا يدها اليمنى فقالت المرأة: هل من توبة؟ فقال رسول الله ﷺ أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك، قال: فأنزل الله : فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:39].
الشيخ: يعني مع القطع التوبة والحدود كفارة، لكن إذا جاء الحد مع التوبة صار ذلك أكمل وأكمل، وإلا كما قال في حديث عبادة يقول ﷺ: من أدركه الله في الدنيا كان كفارة له يعني إذا لم يعد للذنب، وإذا جمع بين الأمرين: قطعت يديه وأقيم عليه حد الزنا الرجم مثلاً أو القصاص ومع هذا تاب جمع الخيرين.
س: سرقة الجمل والسيارة هل يعتبر من حرز أم ما يعتبر؟
الشيخ: ينظر في هذا، إن كان سرقه من حرز مثله تم عليه، وإن كان ما سرقه من حرز مثله مثل جمل ضائع ما يصير سرقة، وكذلك السيارة إذا كانت في غير حرزها في محل ما هو بحرز ما يسمى حرزًا، ولكن يؤدب ويغرم.
س: المتعارف عليه أن السيارة تقف أمام البيوت؟
الشيخ: هذا حرزها، لكن إذا كانت مطروحة في محل ليس أمام البيت ما هي بمحرزة.
س: إن تاب ورد الحقوق إلى أهلها ثم جاء معترفًا؟
الشيخ: ظاهر النصوص أنه يقطع.
س: حتى وإن رد الحقوق؟
الشيخ: نعم.
س: إن سرق لحاجة؟
الشيخ: ولو، يقطع إلا من كان في وقت مجاعة وشدة وعموم مصيبة، فهذا قد يعفا عنه كما يروى عن عمر أنه لم يقطع في عام الرمادة لما اشتد الفقر والحاجة وعمت المصيبة، فهذا له وجه مثل ما يروى عن عمر أنه لم يقطع في تلك الساعة.
وقد رواه الإمام أحمد  بأبسط من هذا فقال: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو أن امرأة سرقت على عهد رسول الله ﷺ، فجاء بها الذين سرقتهم، فقالوا: يا رسول الله، إن هذه المرأة سرقتنا. قال قومها: فنحن نفديها، فقال رسول الله ﷺ: اقطعوا يدها، فقالوا: نحن نفديها بخمسمائة دينار، قال: اقطعوا يدها، فقطعت يدها اليمنى، فقالت المرأة: هل لي من توبة يا رسول الله؟ قال: نعم أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك، فأنزل الله في سورة المائدة فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
وهذه المرأة هي المخزومية التي سرقت، وحديثها ثابت في الصحيحين من رواية الزهري عن عروة، عن عائشة أن قريشًا أهمهم شأن المرأة التي سرقت، في عهد النبي ﷺ في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله ﷺ؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله ﷺ، فأتى بها رسول الله ﷺ، فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلون وجه رسول الله ﷺ فقال: أتشفع في حد من حدود الله ؟» فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله، فلما كان العشي، قام رسول الله ﷺ فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها، ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها. قالت عائشة: فحسنت توبتها بعد، وتزوجت وكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله ﷺ، وهذا لفظ مسلم، وفي لفظ له عن عائشة قالت: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي ﷺ بقطع يدها.
وعن ابن عمر قال: كانت امرأة مخزومية تستعير متاعا على ألسنة جاراتها وتجحده، فأمر رسول الله ﷺ بقطع يدها، رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وهذا لفظه، وفي لفظ له أن امرأة كانت تستعير الحلي للناس ثم تمسكه، فقال رسول الله ﷺ: لتتب هذه المرأة إلى الله وإلى رسوله، وترد ما تأخذ على القوم، ثم قال رسول الله ﷺ: قم يا بلال فخذ بيدها فاقطعها.
س:  فلتتب إلى الله وإلى رسوله، كيف التوبة إلى رسوله؟
الشيخ: إلى الله من حقه، وإلى الرسول من حق الرسول لو صح، مثل ما قالت عائشة في الحديث الآخر: أتوب إلى الله ولا أتوب إلى محمد، قال: عرفت الحق لأهله، هذا لو صح، يعني أتوب إلى الله من حقه سبحانه، ومن حق الرسول في السمع والطاعة للرسول، وعدم قربان ما نهى الله عنه ورسوله؛ لأن الرسول هو المبلغ عن الله.
س: من كان فيه تخلف عقلي يسير وسرق فهل يقطع؟
الشيخ: ينظر فيه إن كان عقله يلحقه بالمجانين لا، وإن كان عقله لا يلحقه بالمجانين يقطع، قد يكون يتحيل أو يتحيل له، فإذا كان عقله لا بأس به يلحق بالعقلاء يقطع، وإن كان النقص ألحقه بالمجانين لا يقطع.
س: من أخذ أموال الناس دينًا ثم يجحدها؟
الشيخ: لا لا، هذا ما هو عارية هذا دين، هذا يعاقب يؤدب على ظلمه، يستحق التأديب إذا جحده وثبت عليه، يؤدب.
س:.........
الشيخ: الكلام في العارية، الدين ما هو عارية، هذه تستعير تقول: أعيروني أعطوني أنا عندي حاجة أعطوني هذه السلعة، أعطيني ثوبك، تقول: عندي عرس عندي كذا، ثم تجحد.
س: يعني يكون كأنها أخذتها من حرز؟
الشيخ: نعم وأي حرز أخذتها من نفس صاحبتها.
وقد ورد في أحكام السرقة أحاديث كثيرة مذكورة في كتاب الأحكام، ولله الحمد والمنة.الشيخ: والمقصود من هذا أن الرسول شدد في الأمر، خطب الناس وقال: إنما أهلك من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، هكذا جاء في الصحيحين، وذلك لأن السرقة أمرها خطير، لو أن الناس وجدوا تساهلاً لأخذوا أموال الناس وعذبوهم وآذوهم، فإن الإنسان قد يتساهل قد يغفل فيتعدى عليه، ولكن من رحمة الله أن شرع القطع في السرقة صيانة لأموال الناس عن التلاعب بها وعن ظلمهم وإيذائهم، كما شرع القصاص حفظًا لدماء الناس ونفوسهم، فلو أن الناس أَمِنُوا القتل لكثر القتل، ولو أن الناس أَمِنُوا القطع لكثرت السرقة، ولكن من رحمة الله أن هذا الحد العظيم صار صيانة للناس، وهكذا القتل صيانة لدماء الناس، كله بأسباب ما شرع الله من هذه الحدود، أنا مكثت في قضاء الخرج أربعة عشر سنة وأشهر لم يثبت عندي إلا سرقة واحدة، ولم أقطع إلا واحدًا، خمسة عشر إلا قليلاً، لولا الله ثم الحدود كيف تكون الحال، بلاد مترامية الأطراف وفيها الفقراء، ولكن الله صان الأموال وحماها بهذا الحد العظيم.
كذلك ما في الناس من الظلم والجور لو أن الناس لا يقتلون إذا قتلوا كيف تكون الحال؟ كيف يكون تعدي فلان على فلان وأخذ ماله وقتله وغير ذلك، لكن إذا تذكر أنه يمسك ويقتل صار هذا من أعظم الروادع والزواجر عن عدوانه على الناس وظلمه للناس، إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام:83] ، إن ربك هو الحكيم العليم، اللطيف بعباده.
س:..........
الشيخ: لا يطلب، يطلبه ولي الأمر ويتابع.
 ثم قال تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [المائدة:40] أي هو المالك لجميع ذلك، الحاكم فيه، الذي لا معقب لحكمه، وهو الفعال لما يريد يعذب من يشاء، ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قديرس: البعض يقولون أن القطع فيه تشويه وإكثار للمعاقين في المجتمع؟
الشيخ: تشويه وفيه ردع للأشرار ورحمة للمسلمين، فهذا التشوية مصلحة للمسلمين، أما إذا قاله يتنقص الدين ويعيب الدين يكون ردة عن الإسلام، لكن إذا قاله يخبر فيه تشويه لكن الله شرع لما فيه من الرحمة ولما فيه من العصمة لأموال الناس ولما فيه من حفظ أموالهم فهذا ما يسمى متنقصًا.
س:.........
الشيخ: يؤخذ بحقوق الناس، حقوق الناس يؤخذ بها، إنما يسقط عنه تحتم القتل إذا قتل يقتل، وإذا سرق يقطع، لكن الشيء الذي أخذه بسبب عدوانه وتمرده إذا تاب سقط عنه، أما حق المخلوق يبقى.
س:.........
الشيخ: إذا كان ذهابها إليهم يفسدها عليه نعم يمنعها منهم. حتى تزول العلة.
س: شروط قطع اليد؟
الشيخ: تراجع في كتب الفقهاء باب السرقة في جميع المذاهب الأربعة.