16 من قوله: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ..)

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۝ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ۝ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ۝ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:41 -44].
نزلت هذه الآيات الكريمات في المسارعين في الكفر، الخارجين عن طاعة الله ورسوله، المقدمين آراءهم وأهواءهم على شرائع الله مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ أي أظهروا الإيمان بألسنتهم، وقلوبهم خراب خاوية منه، وهؤلاء هم المنافقون، وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا أعداء الإسلام وأهله، وهؤلاء كلهم سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أي يستجيبون له، منفعلون عنه، سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ أي يستجيبون لأقوام آخرين لا يأتون مجلسك يا محمد، وقيل: المراد أنهم يتسمعون الكلام وينهونه إلى أقوام آخرين ممن لا يحضر عندك من أعدائك، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ أي يتأولونه على غير تأويله، ويبدلونه من بعد ما عقلوه، وهم يعلمون.
يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا قيل: نزلت في أقوام من اليهود قتلوا قتيلًا، وقالوا: تعالوا حتى نتحاكم إلى محمد، فإن أفتانا بالدية فخذوا ما قال، وإن حكم بالقصاص فلا تسمعوا منه، والصحيح أنها نزلت في اليهوديين اللذين زنيا وكانوا قد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم من الأمر برجم من أحصن منهم، فحرفوه واصطلحوا فيما بينهم على الجلد مائة جلدة، والتحميم  والإركاب على حمار مقلوبين.

الشيخ: حمارين، المرأة على واحد والرجل على واحد مقلوبين، يعني وجههما إلى دبر الحيوان.
على حمارين مقلوبين، فلما وقعت تلك الكائنة بعد هجرة النبي ﷺ قالوا فيما بينهم: تعالوا حتى نتحاكم إليه، فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه واجعلوه حجة بينكم وبين الله، ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم بينكم بذلك، وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه في ذلك.
وقد وردت الأحاديث في ذلك فقال مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إن اليهود جاءوا إلى رسول الله ﷺ فذكروا له أن رجلًا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله ﷺ: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون، قال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم، فأتُوا بالتوراة، فأتَوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله ﷺ فرجما، فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة، أخرجاه، وهذا لفظ البخاري، وفي لفظ له: فقال لليهود: ما تصنعون بهما؟ قالوا: نسخم وجوههما ونخزيهما، قال: فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:93]، فجاؤوا فقالوا لرجل منهم ممن يرضون أعور: اقرأ فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها، فوضع يده عليه، قال: ارفع يدك فرفع، فإذا آية الرجم تلوح، قال: يا محمد إن فيها آية الرجم، ولكنا نتكاتمه بيننا، فأمر بهما فرجما.
وعند مسلم أن رسول الله ﷺ أُتي بيهودي ويهودية قد زنيا، فانطلق رسول الله ﷺ حتى جاء يهود فقال: ما تجدون في التوراة على من زنى؟ قالوا: نسود وجوههما ونحممهما، ونحملهما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما. قال: فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قال: فجاؤوا بها فقرؤوها حتى إذا مروا بآية الرجم، وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم، وقرأ ما بين يديها وما وراءها، فقال له عبد الله بن سلام وهو مع رسول الله ﷺ: مره فليرفع يده فرفع يده، فإذا تحتها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله ﷺ فرجما. قال عبد الله بن عمر: كنت فيمن رجمهما، فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه.

الشيخ: وهذا الذي وضع يده على آية الرجم يقال له: عبد الله بن صوريا الأعور، وهذا مما يدل على فضائحهم وكذبهم على الله جل وعلا، وتحريفهم الكلم عن مواضعه كما أخبر الله عنهم أنهم حرفوا وغيروا وبدلوا، فشرع الله لنا الرجم كما في التوراة، وهذا مما وافق فيه شرع محمد شرع التوراة، أن الزاني والزانية المحصنين يرجمان، أما البكران فيجلدان مائة جلدة كل واحد ويغرب سنة كما هو معلوم.
والمقصود من هذا الدلالة على كذبهم وافترائهم وحيلهم وتحريفهم الكلام عن مواضعه، وكثير من الناس اليوم يتشبه بهم في هذا كله، في الحيل والمكر والخداع وتحريف الكلم عن موضعه، نسأل الله العافية، كما أخبر النبي ﷺ يأتي من هذه الأمة من يشابه أعداء الله لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، والله المستعان.
س: عقوبة التحميم وإركابه مقلوبًا فهل يجوز فعله من باب التعزير؟
الشيخ: لا، هذا باطل، هذا من عملهم الذي حرفوا فيه الكلم عن مواضعه، يجب أن يرجما من دون حاجة إلى تحميم.
س: لكن من غير الرجم أحسن الله إليك من باب التعزير؟
الشيخ: هذا يرجع إلى ولي الأمر، المسائل التي ما فيها حدود هذه ترجع إلى ولي الأمر فيما يراه رادعًا.
س: التغريب خاص بالرجل؟
الشيخ: كلاهما والبكر بالبكر جلد مائة والنفي.
وقال أبو داود: حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني، حدثنا ابن وهب، حدثنا هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه عن ابن عمر قال: أتى نفر من اليهود فدعوا رسول الله ﷺ إلى القف، فأتاهم في بيت المدارس، فقالوا: يا أبا القاسم، إن رجلا منا زنى بامرأة فاحكم. قال: ووضعوا لرسول الله ﷺ وسادة فجلس عليها، ثم قال: ائتوني بالتوراة فأتي بها، فنزع الوسادة من تحته ووضع التوراة عليها، وقال: آمنت بك وبمن أنزلك ثم قال: ائتوني بأعلمكم فأتي بفتى شاب، ثم ذكر قصة الرجم نحو حديث مالك عن نافع.
الشيخ: وفي رواية أنه دعا بكرسي فوضع التوراة عليه، وهذا فيه تعظيم لكتاب الله من ذلك رفعه على كرسي على وسادة هذا من التعظيم، فإذا كانت التوراة يفعل بها هذا فالقرآن أعظم، وهذا سند جيد لا بأس به من طريق هشام بن سعد عن زيد.
س: هل يقال التوراة كلام الله؟
الشيخ: نعم التوراة كلام الله، والإنجيل كلام الله، كلها منزلة من الله لكن حرفوا وغيروا وبدلوا، نسأل الله العافية.
س: التوراة الموجودة كلها محرفة؟
الشيخ: فيها بعض التحريف.
وقال الزهري: سمعت رجلًا من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه، ونحن عند ابن المسيب، عن أبي هريرة قال: زنى رجل من اليهود بامرأة فقال بعضهم لبعض: اذهبوا إلى هذا النبي فإنه بعث بالتخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله، قلنا: فتيا نبي من أنبيائك. قال: فأتوا النبي ﷺ وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم، ما تقول في رجل وامرأة منهم زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مدارسهم، فقام على الباب فقال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمم ويجبه ويجلد، والتجبية أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما، قال: وسكت شاب منهم، فلما رآه رسول الله ﷺ سكت، ألظ به رسول الله ﷺ النشدة، فقال: اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم، فقال النبي ﷺ: فما أول ما ارتخصتم أمر الله قال: زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم، ثم زنى رجل في أثره من الناس فأراد رجمه، فحال قومه دونه وقالوا: لا نرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم، فقال النبي ﷺ: فإني أحكم بما في التوراة فأمر بهما فرجما، قال الزهري: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا فكان النبي ﷺ منهم، رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، وابن جرير.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة، عن البراء بن عازب، قال: مر على رسول الله ﷺ يهودي محمم مجلود، فدعاهم، فقال: «أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟» فقالوا: نعم، فدعا رجلًا من علمائهم فقال: أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ فقال: لا والله، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا حتى نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد، فقال النبي ﷺ: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه قال: فأمر به فرجم، قال: فأنزل الله : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ   إلى قوله: يقولون إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ [المائدة:41]، يقولون: ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]، قال في اليهود، إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45] قال في اليهود: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47] قال: في الكفار كلها، انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري وأبو  داود والنسائي وابن ماجه من غير وجه عن الأعمش به.

الشيخ: وفي هذا المعنى قال النبي ﷺ في قصة المخزومية: إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها هؤلاء تركوا الحد وتعوضوا عنه بالتحميم والجلد لما كثر في رؤسائهم وأعيانهم، نسأل الله العافية، فأحياه الله وبين فضيحتهم بقصة هذين الرجلين، وكانوا يكتبون بأيديهم ويقولون: هذا من عند الله، يكتبون أشياء ويزعمون أنها من عند الله كما قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة: 79]، نسأل الله العافية.
س: بعض العشائر يوجد إذا خطف رجل امرأة يركبونه على دابة مقلوبًا، ويضعوا قارًا على الدابة، كلما أصاب جلده القار يقطعوا منه، هل يجوز لنا الحكم بهذا؟
الشيخ: هذا من جنس عمل اليهود، كل ما يكون من أعمال الجاهلية التي تكون عند القبائل يلزمون بها الناس هذه من أعمال الجاهلية لا يجوز فعلها، بل يجب إحالة الناس إلى الشرع المطهر، سواء كان من رؤساء الناس من قبائلهم أو من أوساط الناس أو من أدنى الناس، يجب أن يحالوا كلهم إلى الشرع، ولا يجوز لأحد أن يتشبه باليهود، والعياذ بالله.
س.........
الشيخ: الكافر ما يقام عليه الحد، هم جاءوا يتحاكمون إلى الرسول، هم جاؤوا يتحاكمون إليه، أما إذا كان عندنا الكافر فهذا يقام عليه الحد، إذا كان الحد مثل اليهود والنصارى، أما مسألة الكفار الآخرين المستأمنين فهذا يعزرون لأنهم ليسوا من أهل الحدود، مثل الوثني والمجوسي وأشباههم هؤلاء يعزرون على أعمالهم القبيحة؛ لأنهم لم يلتزموا الإٍسلام، ما بعد دخلوا في الإسلام، أما اليهود والنصارى فيعاقبون بما في شريعتهم التي أصروا عليها.
س:.........
الشيخ: نعم اليهود والنصارى يقام عليهم الحد، أما الآخرون فيعزرون إذا فعلوا شيئًا منكرًا أظهروه، ضربوا أحدًا أو آذوا أحدًا أو آذوا النساء في الطرقات فعلوا شيئًا زنا بعضهم ببعض ورفع إلينا يعزرون.
س: لو زنا الكافر بامرأة مسلمة يقام عليه الحد؟
الشيخ: هذا شأن آخر، هذا من باب التعزير الظاهر، إذا قتل من باب التعزير، هذا لم يلتزم بحكم الله، ليس من الملتزمين بحكم الله، الكفار ما يخاطبوا بفروع الشريعة إلا إذا أسلموا، لا يحكم عليهم بفروع الشريعة إلا إذا أسلموا، لكن لولي الأمر تعزيرهم بما يرى من الروادع عن تعديهم على المسلمين بقتل وغيره.
..............
الشيخ: يعني من محبته لها يقيها الحجارة، يحمي عليها، وقد قتلا جميعًا، لكن مما في نفسه من رحمتها يقيها الحجارة، اليهودي يقي اليهودية.
س: المقصود بالتحميم؟
الشيخ: يسودوا وجهه بالحممة بالفحم. يسودوا وجهه ووجهها.
س:.........
الشيخ: نعم مثل ما قال عمر أقيم في عهد النبي ﷺ وبين عمر أنهم رجموا مع رسول الله ﷺ، والآية نزلت في الرجم، ثم رفعت رفع لفظها وبقي حكمها فنفذه النبي ﷺ في اليهوديين في ماعز وفي الغامدية وفي الجهنية.
س:.........
الشيخ: يحتاج تأمل يغلب على ظني أنه وقع في عهد عمر وعهد علي كذلك.
وقال الإمام أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي في مسنده: حدثنا سفيان بن عيينة، عن مجالد بن سعيد الهمداني عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله، قال: زنى رجل من أهل فدك، فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة، أن سلوا محمدًا عن ذلك، فإذا أمركم بالجلد فخذوه عنه، وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه عنه، فسألوه عن ذلك، فقال: أرسلوا إلي أعلم رجلين فيكم فجاؤوا برجل أعور يقال له ابن صوريا، وآخر، فقال لهما النبي ﷺ: أنتما أعلم من قبلكما فقالا: قد دعانا قومنا لذلك، فقال النبي ﷺ لهما أليس عندكما التوراة فيها حكم الله قالا: بلى، فقال النبي ﷺ: أنشدكم بالذي فلق البحر لبني إسرائيل، وظلل عليكم الغمام، وأنجاكم من آل فرعون، وأنزل المن والسلوى على بني إسرائيل، ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقال أحدهما للآخر: ما نشدت بمثله قط، ثم قالا: نجد ترداد النظر زنية، والاعتناق زنية، والتقبيل زنية، فإذا شهد أربعة أنهم رأوه يبدئ ويعيد، كما يدخل الميل في المكحلة، فقد وجب الرجم، فقال النبي ﷺ: هو ذاك فأمر به فرجم، فنزلت فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [المائدة:42].
ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث مجالد به نحوه.

الشيخ: مجالد يضعف في الحديث، والمعروف أنهم جحدوا ولكن افتضحوا لما أزال يده عن آية الرجم، وهذه الراوية ضعيفة، لأن مجالدًا لا يحتج به.
س:.........
الشيخ: الخمر كان أبيح في صدر الإسلام ثم نسخ الله ذلك وحرم الخمر، ونزل في ذلك:  إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ [المائدة:90].
س: في شريعة النصارى هل كان مباحًا؟
الشيخ: ما أدري الله أعلم.
ولفظ أبي داود عن جابر، قال: جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا، فقال ائتوا بأعلم رجلين منكم فأتوه بابني صوريا، فنشدهما كيف تجدان أمر هذين في التوراة؟ قالا: نجد إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، رجما، قال: فما يمنعكم أن ترجموهما؟ قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل، فدعا رسول الله ﷺ بالشهود، فجاء أربعة، فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر رسول الله ﷺ برجمهما.
الشيخ: في المُكحلة شف القاموس في كحل، في ضبطها المُكحلة.
الطالب: ضبطت بالضم.
الشيخ: نعم المُكحلة. الأصل في القاعدة مِكحلة مثل مطرقة، ولكن المعروف الآن سماعًا فيما أذكر مُكحلة بضم الميم وضم الحاء وتسكين الكاف على غير القياس، أما القياس مِكحلة كمطرقة.
أيش عندكم في القاموس كحل في باب اللام فصل الكاف؟
 ثم رواه أبو داود عن الشعبي وإبراهيم النخعي مرسلا، ولم يذكر فيه: فدعا بالشهود فشهدوا.
فهذه الأحاديث دالة على أن رسول الله ﷺ، حكم بموافقة حكم التوراة، وليس هذا من باب الإلزام لهم بما يعتقدون صحته، لأنهم مأمورون باتباع الشرع المحمدي لا محالة، ولكن هذا بوحي خاص من الله إليه بذلك، وسؤاله إياهم عن ذلك، ليقررهم على ما بأيديهم مما تراضوا على كتمانه وجحده وعدم العمل به تلك الدهور الطويلة، فلما اعترفوا به مع عملهم على خلافه بأن زيغهم وعنادهم وتكذيبهم لما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم، وعدولهم إلى تحكيم رسول الله ﷺ إنما كان عن هوى منهم، وشهوة لموافقة آرائهم لا لاعتقادهم صحة ما يحكم به، ولهذا قالوا إن أوتيتم هذا أي: الجلد والتحميم، فخذوه، أي اقبلوه، وإن لم تؤتوه فاحذروا أي من قبوله واتباعه.
وقال الله تعالى: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۝ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أي الباطل أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ [المائدة:42] أي الحرام، وهو الرشوة، كما قاله ابن مسعود وغير واحد، أي ومن كانت هذه صفته كيف يطهر الله قلبه، وأنى يستجيب له، ثم قال لنبيه فَإِنْ جَاءُوكَ أي يتحاكمون إليك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا أي فلا عليك أن لا تحكم بينهم، لأنهم لا يقصدون بتحاكمهم إليك اتباع الحق، بل ما وافق أهواءهم، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والسدي وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني: هي منسوخة  بقوله: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ [المائدة:49]، وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [المائدة:42] أي بالحق والعدل، وإن كانوا ظلمة خارجين عن طريق العدل إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [المائدة:42].
ثم قال تعالى منكرا عليهم في آرائهم الفاسدة، ومقاصدهم الزائغة في تركهم ما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم، الذي يزعمون أنهم مأمورون بالتمسك به أبدًا، ثم خرجوا عن حكمه، وعدلوا إلى غيره مما يعتقدون في نفس الأمر بطلانه وعدم لزومه لهم، فقال: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [المائدة:43]، ثم مدح التوراة التي أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران، فقال إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا [المائدة:44] أي لا يخرجون عن حكمها ولا يبدلونها ولا يحرفونها، وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ أي وكذلك الربانيون منهم، وهم العلماء العباد، والأحبار وهم العلماء بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أي بما استودعوا من كتاب الله الذي أمروا أن يظهروه ويعملوا به، وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ أي لا تخافوا منهم وخافوا مني، وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ فيه قولان سيأتي بيانهما.
س:..........
الشيخ: هذا الأصل لأنه قال بعدها: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ في الأول خير، ثم أمر بالحكم بما أنزل الله.
س:..........
الشيخ: إذا دعت الحاجة لأهل العلم أو ولي الأمر فلا بأس لتكذيبهم وفضيحتهم وإلا فالأصل الإعراض عنها ويكفي كتاب الله القرآن، لكن إذا دعت الحاجة لولاة الأمور أو العلماء للدعوة لفضيحة أعداء الله فلا بأس.
س:.........
الشيخ: الرباني: المعروف في الرباني هو العالم الكبير الذي له البسطة في العلم... وقال هنا الربانيون العلماء العباد الذين جمعوا مع العلم العبادة، والأحبار: جنس العلماء الذين ما اشتهروا بالعبادة ولكنهم علماء ما اشتهروا بمزيد من العبادة على ما ذكر ابن كثير هنا، وقال آخرون: الربانيون هم الذين يتوسع علمهم، وبعضهم قال: يربون الناس بصغار العلم قبل كباره، الرباني الذي عنده توسع في العلم.
.........
الشيخ: التربية التربية، نعم.