034 فصل صيام الدهر

فَصْلٌ

وَكَانَ ﷺ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِهِ فَيَقُولُ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، قَالَ: إِنِّي إِذًا صَائِمٌ، فَيُنْشِئُ النِّيَّةَ لِلتَّطَوُّعِ مِنَ النَّهَارِ.

وَكَانَ أَحْيَانًا يَنْوِي صَوْمَ التَّطَوُّعِ ثُمَّ يُفْطِرُ بَعْدُ، أَخْبَرَتْ عَنْهُ عائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِهَذَا وَهَذَا، فَالْأَوَّلُ فِي "صَحِيحِ مسلم"، وَالثَّانِي فِي كِتَابِ النَّسَائِيِّ.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي فِي "السُّنَنِ" عَنْ عائشةَ: كُنْتُ أَنَا وحفصةُ صَائِمَتَيْنِ، فَعَرَضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَبَدَرَتْنِي إِلَيْهِ حفصةُ، وَكَانَتِ ابْنَةَ أَبِيهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا صَائِمَتَيْنِ، فَعَرَضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ، فَقَالَ: اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ، فَهُوَ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ.

قَالَ الترمذي: رَوَاهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، ومعمر، وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ.

الشيخ: كذا عندك: عبدالله، وإلا عبيدالله؟

الطالب: عبدالله.

الشيخ: وأنت أيش عندك؟

الطالب: عبدالله.

الشيخ: بالتَّكبير؟

الطالب: نعم.

الشيخ: ما هو من الحُفَّاظ عبدالله، لعله عبيدالله، راجع النسخة الخطية، لعله عبيدالله؛ لأنَّ عبدالله ما هو من الحفَّاظ، من الضُّعفاء: عبدالله بن عمر بن حفص العمري، لعله عبيدالله بالتَّصغير.

وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عائشةَ مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ عروة، وَهَذَا أَصَحُّ.

الشيخ: يعني مُنقطع، المرسل: المنقطع، قد يُطلقون المرسلَ على المنقطع؛ لأنَّ الزهري ما أدرك عائشةَ ولا سمع منها، فتكون روايةُ الزهري عن عائشةَ مُنقطعةً.

وَرَوَاهُ أبو داود وَالنَّسَائِيُّ عَنْ حيوة بن شريح، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ زميل مولى عروة، عَنْ عروة، عَنْ عائشةَ مَوْصُولًا، قَالَ النَّسَائِيُّ: زميل لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يُعْرَفُ لزميل سَمَاعٌ مِنْ عروة، وَلَا ليزيد بن الهاد مِنْ زميل، وَلَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ.

الشيخ: ويدل على هذا أنه ﷺ دخل على صفيةَ ذات يومٍ -أو جويرية- وهي صائمة يوم الجمعة، فقال: هل صمتِ أمس؟ قالت: لا، قال: تصومين غدًا؟ يعني: السبت، قالت: لا، قال: أفطري، فلم يأمرها بالقضاء، وحديث عائشة في الصحيح، حديث عائشة في "صحيح مسلم": أن النبي دخل عليها ذات يومٍ فوجد عندها ..... فقدمته له فأكل، وقال: قد أصبحتُ صائمًا، فأكل ولم يقل: إني سوف أقضي.

فالمتطوع أمير نفسه، لا حرج عليه إذا أفطر، لكن الأفضل له الإتمام إذا لم تدع حاجةٌ إلى الفطر، أما إذا دعت حاجةٌ إلى الفطر؛ لكونه محتاجًا، أو جائعًا، أو عنده ضيوف، أو لأسبابٍ أخرى دعته للإفطار، فالأمر واسع، والحمد لله.

..........

وَكَانَ ﷺ إِذَا كَانَ صَائِمًا وَنَزَلَ عَلَى قَوْمٍ أَتَمَّ صِيَامَهُ وَلَمْ يُفْطِرْ، كَمَا دَخَلَ عَلَى أم سليم، فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، فَقَالَ: أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ؛ فَإِنِّي صَائِمٌ، وَلَكِنَّ أم سليم كَانَتْ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، والبيهقي، عَنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَرْفَعُهُ: مَنْ نَزَلَ عَلَى قَوْمٍ فَلَا يَصُومَنَّ تَطَوُّعًا إِلَّا بِإِذْنِهِمْ، فَقَالَ الترمذي: هَذَا الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ، لَا نَعْرِفُ أَحَدًا مِنَ الثِّقَاتِ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ.

فَصْلٌ

وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ كَرَاهَةُ تَخْصِيصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ، فِعْلًا مِنْهُ وَقَوْلًا، فَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ إِفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وجويرية بنت الحارث، وعبدالله بن عمرو، وجنادة الأزدي، وَغَيْرِهِمْ.

الطالب: عندنا عبدالله بن مسعود.

الشيخ: عندكم عبدالله بن مسعود. أنا ما أعرف رواية عبدالله بن مسعود، ولا رواية عبدالله بن عمرو، المعروف هذه الثلاث روايات: جابر في "الصحيحين"، وأبو هريرة، وجويرية بنت الحارث في البخاري، هذه صحيحة كلها، جاء النهي عن صوم يوم الجمعة -عن إفراده.

الطالب: في التَّعليق: وحديث عبدالله بن عمرو أخرجه ابن خزيمة وابن حبَّان.

الشيخ: شعيب؟

الطالب: إيه، نعم.

الشيخ: عندك شيء غيره؟

الطالب: .........

الشيخ: هذا يُؤيد حديث عبدالله بن عمرو.

وَشَرِبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، يُرِيهِمْ أَنَّهُ لَا يَصُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَعَلَّلَ الْمَنْعَ مِنْ صَوْمِهِ بِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ، فَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ، فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ، إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَيَوْمُ الْعِيدِ لَا يُصَامُ مَعَ مَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ.

قِيلَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مُشَبَّهًا بِالْعِيدِ أَخَذَ مِنْ شَبَهِهِ النَّهْيَ عَنْ تَحَرِّي صِيَامِهِ، فَإِذَا صَامَ مَا قَبْلَهُ أَوْ مَا بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَحَرَّاهُ، وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ صَوْمِ الشَّهْرِ، أَوِ الْعُشْرِ مِنْهُ، أَوْ صَوْمِ يَوْمٍ وَفِطْرِ يَوْمٍ، أَوْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ إِذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

الشيخ: لأنه لم يتحرَّ، لكن كونه يصوم معه يومًا يكون أكمل: يوم عرفة يصوم قبله يوم الخميس، ويوم عاشوراء يصوم قبله أو بعده يومًا؛ حتى يكون أكمل وأبعد عن النَّهي، بخلاف مَن يصوم يومًا ويُفطر يومًا، هذا ظاهر فيه أنه ليس قاصدًا للتَّحري، فإنه قد يُوافق صومُه يوم الخميس، ويكون يومُ فطره يوم الجمعة، ثم يصوم يوم السبت، وقد يكون يومُ الخميس يومَ فطره، ويصوم يوم الجمعة، ثم يُفطر يوم السَّبت، فهو غير مُتَحَرٍّ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِحَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُفْطِرُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ"، رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ؟

قِيلَ: نَقْبَلُهُ إِنْ كَانَ صَحِيحًا، وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى صَوْمِهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَنَرُدُّهُ إِنْ لَمْ يَصِحَّ؛ فَإِنَّهُ مِنَ الْغَرَائِبِ. قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

الشيخ: أيش قال المحشي عليه؟ تم كلامُ المؤلف.

الطالب: إيه، نعم.

الشيخ: لعله ما تمكَّن من مُراجعته؛ لأنه في السفر ما تمكن أن يُراجع أسانيده، أيش قال المحشي عليه؟

الطالب: أخرجه الترمذي في "الصوم" باب "بعض ما جاء في صوم يوم الجمعة"، وسنده حسن.

..........

الشيخ: على كل حالٍ، ما ينبغي أن يكون حسنًا إلا إذا أُوِّل، بل هو شاذٌّ مخالفٌ للأحاديث الصَّحيحة.

........

فَصْلٌ

فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي الِاعْتِكَافِ

لَمَّا كَانَ صَلَاحُ الْقَلْبِ وَاسْتِقَامَتُهُ عَلَى طَرِيقِ سَيْرِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مُتَوَقِّفًا عَلَى جَمْعِيَّتِهِ عَلَى اللَّهِ، وَلَمِّ شَعَثِهِ بِإِقْبَالِهِ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ شَعَثَ الْقَلْبِ لَا يَلُمُّهُ إِلَّا الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ فُضُولُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَفُضُولُ مُخَالَطَةِ الْأَنَامِ، وَفُضُولُ الْكَلَامِ، وَفُضُولُ الْمَنَامِ مِمَّا يَزِيدُهُ شَعَثًا، وَيُشَتِّتُهُ فِي كُلِّ وَادٍ، وَيَقْطَعُهُ عَنْ سَيْرِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ يُضْعِفُهُ، أَوْ يَعُوقُهُ وَيُوقِفُهُ؛ اقْتَضَتْ رَحْمَةُ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ بِعِبَادِهِ أَنْ شَرَعَ لَهُمْ مِنَ الصَّوْمِ مَا يُذْهِبُ فُضُولَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَيَسْتَفْرِغُ مِنَ الْقَلْبِ أَخْلَاطَ الشَّهَوَاتِ الْمُعَوِّقَةِ لَهُ عَنْ سَيْرِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَشَرْعِهِ بِقَدْرِ الْمَصْلَحَةِ، بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَبْدُ فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ، وَلَا يَضُرُّهُ وَلَا يَقْطَعُهُ عَنْ مَصَالِحِهِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ.

وَشَرَعَ لَهُم الِاعْتِكَافَ الَّذِي مَقْصُودُهُ وَرُوحُهُ عُكُوفُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَجَمْعِيَّتُهُ عَلَيْهِ، وَالْخَلْوَةُ بِهِ، وَالِانْقِطَاعُ عَن الِاشْتِغَالِ بِالْخَلْقِ، وَالِاشْتِغَالُ بِهِ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ، بِحَيْثُ يَصِيرُ ذِكْرُهُ وَحُبُّهُ وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ هُمُومِ الْقَلْبِ وَخَطَرَاتِهِ، فَيَسْتَوْلِي عَلَيْهِ بَدَلَهَا، وَيَصِيرُ الْهَمُّ كُلُّهُ بِهِ، وَالْخَطَرَاتُ كُلُّهَا بِذِكْرِهِ، وَالتَّفَكُّرُ فِي تَحْصِيلِ مَرَاضِيهِ وَمَا يُقَرِّبُ مِنْهُ، فَيَصِيرُ أُنْسُهُ بِاللَّهِ بَدَلًا عَنْ أُنْسِهِ بِالْخَلْقِ، فَيَعُدُّهُ بِذَلِكَ لِأُنْسِهِ بِهِ يَوْمَ الْوَحْشَةِ فِي الْقُبُورِ حِينَ لَا أَنِيسَ لَهُ، وَلَا مَا يَفْرَحُ بِهِ سِوَاهُ، فَهَذَا مَقْصُودُ الِاعْتِكَافِ الْأَعْظَمُ.

الشيخ: وهذا الذي قاله المؤلفُ كلام حسن، فإنَّ مقصود الاعتكاف هو قطع العلائق عن الاتصال بالخلائق؛ للتَّفرغ لعبادة الخالق، وجمع القلب عليه، المقصود أنَّ الإنسان قد يتشوش عليه قلبُه ويتشعث؛ لاختلاطه بالناس، وكثرة القيل والقال، والذهاب هاهنا وهاهنا وهاهنا، فشرع اللهُ للمؤمن نوعًا من العبادة تُسبب جمعَ القلب على الله، كما شرع له نوعًا من العبادة يُضعف من تعاطيه الأكل والشرب، ويحدّ من ذلك.

وهكذا شرع له من العبادة ما يُقبل فيها على الله، ويقرأ كتابه، ويُعظمه، ويُسبحه، كالصلاة، وشرع له من العبادة ما يتقرب به إلى الله من المال؛ ليذهب عنه شرُّ البخل وآثاره الخبيثة، فالاعتكاف عليه شيء من جمع القلب على الله، والإقبال عليه، والأنس به، وذكره جلَّ وعلا، والخلوة به سبحانه، فكان هذا من أسباب صلاح القلب وجمعه على الله، وقطع شواغله الأخرى يومًا من الزمان، ويومًا من الدهر، يُصلح اللهُ به وقتًا كثيرًا.

فالعبادات كلها شُرعت لإصلاح قلب العبد، وإصلاح سيره إلى الله؛ حتى لا ينقطع عن الله لقواطع الطريق للمخلوقين، وكلامهم، وأعمالهم، وتوجيهاتهم إلى ما لا تُحمد عُقباه، فاشتغاله بالصلاة والصوم والاعتكاف والأذكار وحلقات العلم وزيارة الإخوان في الله من أسباب صلاح قلبه وسلامته، وإذا تساهل في ذلك واجتمع مع الأغيار الذين يضرّونه ولا ينفعونه تشعَّث عليه قلبُه، وإذا انضاف إلى ذلك الأكلُ والشربُ وتنوع الأكل زاد التَّشعث، وهكذا إذا انضاف إلى ذلك قلَّة العناية بالصلاة والخشوع فيها زاد الشَّعث، وهكذا كلما قلَّت العبادات زاد تشعث القلب وكدره وانحرافه أو موته أو قسوته، نسأل الله السَّلامة.

..........

وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَقْصُودُ إِنَّمَا يَتِمُّ مَعَ الصَّوْمِ، شُرِعَ الِاعْتِكَافُ فِي أَفْضَلِ أَيَّامِ الصَّوْمِ، وَهُوَ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ اعْتَكَفَ مُفْطِرًا قَطُّ، بَلْ قَدْ قَالَتْ عائشةُ: "لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ".

وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الِاعْتِكَافَ إِلَّا مَعَ الصَّوْمِ، وَلَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَّا مَعَ الصَّوْمِ.

الشيخ: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، ما فيه: وأنتم صائمون، فكونه في سياق الصيام ما يمنع، كونه في سياق الصيام ما يدل على وجوب الصيام.

كذا قول ابن عباس: "ليس على المعتكف صومٌ إلا أن يجعله على نفسه"، ثم أيضًا ..... جمعية القلب وإن كان غير صائمٍ؛ لأنَّ في خلوته في المساجد وجلوسه في المساجد يقلّ اختلاطه بالناس، ويقلّ الشّعث، ..... الشّعث كله، مع الصوم أكمل، ومن دون الصوم لا بأس، ولا حرج، وقد ثبت عنه ﷺ أنه اعتكف العشر الأول من شوال، شُغل عنها في العشر الأخيرة، فاعتكف عشرًا من شوال، ولا نعلم أحدًا نقل أنه صائم، شُغل عنها فاعتكف عشرًا من شوال، ولو نُقل أنه صام فلا يلزم من ذلك وجوب الصَّوم، لكن لا أذكر الآن أنَّ أحدًا ذكر أنه صام العشر من شوال لما اعتكفها.

فَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ فِي الدَّلِيلِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ: أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فِي الِاعْتِكَافِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُرَجِّحُهُ شيخُ الإسلام أبو العباس ابن تيمية.

وأما الكلام فإنه شرع للأمة حبس اللسان عن كلِّ ما لا ينفع في الآخرة.

الشيخ: وهذا القول الذي اختاره المؤلفُ، وإن اختاره شيخ الإسلام فهو ضعيف، والصواب أنه لا يلزم الصومُ، وأنه لا بأس بالاعتكاف وإن كان غير صائمٍ، كما قال حبرُ الأمة ابن عباسٍ؛ ولأنه الأصل في العبادات، الأصل جواز استقلال العبادة عن العبادة، كما تستقلّ الصلاة عن الصوم، والصوم عن الصلاة، فليس من شرط الصلاة أن يكون معها صومٌ، وليس من شرط الزكاة أن يكون معها صومٌ، وليس من شرط الحجِّ أن يكون معه صومٌ، فهكذا الاعتكاف ليس من شرطه أن يكون معه صومٌ.

س: حديث عمر ما هو حجّة في نقض هذا الكلام؟

ج: "نذرتُ أن أعتكف ليلةً" هو من الأدلة نعم، رواه البخاري في "الصحيح" رحمه الله.

س: في بعض الروايات: يومًا أو ليلة؟

ج: كله واحد، لكن رواية "ليلة" حُجَّة، وأما رواية "يومًا" فهي حجّة أيضًا؛ لأنه ما قال: "صم"، قال: اعتكف يومًا، ولم يقل: صم معه. فكلا الروايتين حُجَّة، الليل ما هو محلّ صومٍ، ورواية النَّهار ما قال له النبيُّ: صم معه. قال: اعتكف، ولم يقل: صم. ولو كان واجبًا لقال له: صم.

الطالب: تخريج حديث أبي موسى السَّابق: مَن صام الدَّهر حُلِّقَتْ عليه جهنم حتى تكون هكذا وقبض كفَّه.
قال الإمامُ عبدالله بن أحمد: حدَّثني أبي: حدَّثنا وكيع قال: حدَّثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي تميمة، عن أبي موسى . قال وكيع: حدَّثني الضَّحاك -أبو العلاء- أنه سمعه من أبي تميمة، عن أبي موسى ، عن النبي ﷺ قال: مَن صام الدَّهر ضُيِّقت عليه جهنم وقبض كفَّه.

وقال ابنُ خزيمة: باب "فضل صيام الدهر إذا أفطر الأيام التي زُجر عن الصيام فيها": حدَّثنا محمد بن بشار وأبو موسى، قالا: حدَّثنا ابنُ عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي تميمة، عن الأشعري -يعني: أبا موسى - عن النبي ﷺ قال: مَن صام الدَّهر ضُيِّقت عليه جهنم هكذا وعقد تسعين.

حدثنا موسى ومحمد بن عبدالله بن بزيع قالا: حدثنا ابنُ أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي موسى الأشعري : أن رسول الله ﷺ قال: الذي يصوم الدَّهر تُضيق عليه جهنم، تُضيق هذه وعقد تسعين.

قال ابنُ بزيع في الذي يصوم الدَّهر وقال: عقد التِّسعين، سمعتُ أبا موسى يقول.

اسم أبي تميمة: طريف بن مجاهد، سمعه من مسلمة بن الصَّلت الشيباني، عن جهرم الهجيمي.

قال أبو بكر: لم يُسند هذا الخبر عن قتادة غير ابن عدي، عن أبي سعيدٍ.

قال أبو بكر: سألتُ المزني عن معنى هذا الحديث فقال: يُشبه أن يكون عليه معناه: أي ضُيِّقت عنه جهنم، فلا يدخل جهنَّم. ولا يُشبه أن يكون معناه غير هذا؛ لأنَّ مَن ازداد لله عملًا وطاعةً ازداد عند الله رفعةً، وعليه كرامة، وإليه قُربةً، هذا معنى جواب المزني.

الشيخ: من هذا قول الشاعر: "إذا رضيت علي بني قشير"، "علي" يعني "عني"، تأتي "على" بمعنى "عن"، ولكن في سنده قتادة، وقد عنعن، وفي الرواية الأخرى: أبو العلاء، الضَّحاك أبو العلاء، تمَّ الكلامُ؟

الطالب: لا، قال عبدُالرزاق في "المصنف": عن الثَّوري، عن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي موسى الأشعري قال: "مَن صام الدَّهر ضيَّق اللهُ عليه جهنَّم هكذا" وعقد عشرًا.

الشيخ: هذا مُتابع لقتادة، سلم من قتادة.

الطالب: وقال ابنُ أبي شيبة في "مصنفه": "مَن كره صوم الدَّهر": حدَّثنا وكيع، عن شعبة، عن قتادة، عن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي موسى قال: "مَن صام الدَّهر ضُيِّقت عليه جهنم هكذا" وطبق بكفِّه.

الشيخ: وهذا يدل على أنَّ الثوري ما سمع من أبي تميمة، رواية عبدالرزاق ساقط قتادة، كأنه ما أدرك أبا تميمة، وهنا ذكر قتادة.

الطالب: حدثنا وكيع، عن الضَّحاك، عن يسار، سمعه عن أبي تميمة، عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي ﷺ مثله.

وفي "كشف الأستار": باب "صيام الدهر": حدثنا محمد بن المثنى وعمرو بن عليٍّ قالا: حدَّثنا محمد ابن أبي عدي، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن أبي تميمة، عن أبي موسى ، عن النبي ﷺ قال: مَن صام الأبدَ ضُيِّقت عليه جهنم كذا وعقد تسعين.

حدَّثنا عمرو بن عليٍّ: حدثنا أبو داود: حدثنا الضَّحاك بن يسار: حدثنا أبو تميمة، عن أبي موسى قال. وذكره، قال البزار: قد رواه بعضُهم عن أبي تميمة، عن أبي موسى موقوفًا. وأسنده ابنُ أبي عديٍّ، وابن أبي عروبة، وقال البيهقي في "السنن الكبرى": باب "مَن لم يرَ في سرد الصيام بأسًا".

الشيخ: يكفي، يكفي، إن صحَّ فهو شاذٌّ، ولا يُعول عليه، إن صحَّ السند وسلم من قتادة، وأيضًا أبو تميمة لم يُصرح بالسَّماع من أبي موسى، ولا ندري هل سمع منه أو ما سمع منه؟ يحتاج إلى مزيد عنايةٍ، فهو على كل تقديرٍ لو صحَّ وسلم من العنعنة فهو مخالفٌ للأحاديث الصَّحيحة، فيكون شاذًّا.

النبي قال: لا صام، ولا أفطر، لا صام مَن صام الأبد، وهذه صِحاح، وقال في حديث عبدالله بن عمرو: لا أفضل من ذلك، كيف يكون لا أفضلَ من ذلك وتُضيق عليه جهنَّم، هذه العبارة يُخشى أن تكون وعيدًا، لا وعدًا، وأنه يدخلها وتُضيق عليه، فهو يخشى أن يكون وعيدًا، لا وعدًا، والنبي عليه السلام قال: لا أفضل من ذلك.

الحاصل أنَّ هذا الحديثَ لو صحَّ فهو شاذٌّ مخالفٌ للأحاديث الصَّحيحة.

الطالب: في كلامٍ للحافظ ابن حجر على الحديث منقول في "الفتح"، أقرأه؟

الشيخ: نعم.

الطالب: قال الحافظُ ابن حجر رحمه الله تعالى في "فتح الباري": باب "حقِّ الأهل في الصوم". وساق حديث عبدالله بن عمرو . قال في شرح قوله ﷺ: لا صام مَن صام الأبد: وإلى كراهة صوم الدَّهر مطلقًا ذهب إسحاق وأهلُ الظاهر، وهي رواية عن أحمد، وشذَّ ابنُ حزم فقال: يحرم.

واحتجوا أيضًا بحديث أبي موسى رفعه: من صام الدهر ضيقت عليه جهنم، وعقد بيده. أخرجه أحمد، والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان، وظاهره أنها تُضيق عليه حصرًا له فيها؛ لتشديده على نفسه، وحمله عليها، ورغبته عن سنة نبيه ﷺ.

الشيخ: جعله من باب الوعيد لظاهر السِّياق.

واعتقاده أنَّ غير سنَّته أفضل منها، وهذا يقتضي الوعيد الشَّديد، فيكون حرامًا.

وإلى الكراهة مطلقًا ذهب ابنُ العربي من المالكية، فقال: قوله: لا صام مَن صام الأبد إن كان معناه الدعاء فيا ويحَ مَن أصابه دعاءُ النبي ﷺ، وإن كان معناه الخبرَ فيا ويح مَن أخبر عنه النبيُّ ﷺ أنه لم يصم، وإذا لم يصم شرعًا لم يُكتب له الثواب؛ لوجوب صدق قوله ﷺ؛ لأنه نفى عنه الصوم، وقد نفى عنه الفضلَ كما تقدم، فكيف يطلب الفضلَ فيما نفاه النبيُّ ﷺ؟

وذهب آخرون إلى جواز صيام الدَّهر، وحملوا أخبارَ النَّهي على مَن صامه حقيقةً، فإنه يدخل فيه ما حرم صومه كالعيدين.

وهذا اختيار ابن المنذر وطائفة، ورُوي عن عائشةَ نحوه. وفيه نظر؛ لأنه ﷺ قد قال جوابًا لمن سأله عن صوم الدهر: لا صام، ولا أفطر، وهو يُؤذن بأنه ما أجر ولا أثم، ومَن صام الأيام المحرَّمة لا يُقال فيه ذلك؛ لأنه عند مَن أجاز صومَ الدهر إلا الأيام المحرَّمة يكون قد فعل مُستحبًّا وحرامًا.

وأيضًا فإنَّ أيام التَّحريم مُستثناة بالشرع، غير قابلةٍ للصوم شرعًا، فهي بمنزلة الليل وأيام الحيض، فلم تدخل في السؤال عند مَن علم تحريمها، ولا يصلح الجواب بقوله: لا صام، ولا أفطر لمن لم يعلم تحريمها.

وذهب آخرون إلى استحباب صيام الدهر لمن قوي عليه ولم يفوت فيه حقًّا، وإلى ذلك ذهب الجمهورُ؛ قال السبكي: أطلق أصحابُنا كراهةَ صوم الدهر لمن فوت حقًّا، ولم يُوضِّحوا هل المراد الحقّ الواجب أو المندوب؟ ويتجه أن يُقال: إن علم أنه يفوت حقًّا واجبًا حرم، وإن علم أنه يُفوت حقًّا مندوبًا أولى من الصيام كره، وإن كان يقوم مقامه فلا.

وإلى ذلك أشار ابنُ خزيمة، فترجم: "ذكر العلَّة التي بها زجر النبي ﷺ عن صوم الدَّهر"، وساق الحديثَ الذي فيه: إذا فعلتَ ذلك هجمت عينك، ونفهت نفسك.

ومن حُجَّتهم حديث حمزة بن عمرو الذي مضى؛ فإنَّ في بعض طرقه عند مسلم أنه قال: يا رسول الله، إني أسرد الصومَ. فحملوا قوله ﷺ لعبدالله بن عمرو: لا أفضلَ من ذلك أي: في حقِّك، فيلتحق به مَن في معناه ممن يُدخل فيه على نفسه مشقَّةً، أو يُفوِّت حقًّا؛ ولذلك لم ينهَ حمزة بن عمرو عن السَّرد، فلو كان السَّردُ ممتنعًا لبيَّنه له؛ لأنَّ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. قاله النَّووي، وتُعقب بأنَّ سؤال حمزة إنما كان عن الصوم في السَّفر، لا عن صوم الدَّهر، ولا يلزم من سرد الصيام صوم الدهر؛ فقد قال أسامةُ بن زيد: أن النبي ﷺ كان يسرد الصومَ فيُقال: لا يُفطر. أخرجه أحمد. ومن المعلوم أنَّ النبي ﷺ لم يكن يصوم الدهر، فلا يلزم من ذكر السَّرد صيام الدهر.

وأجابوا عن حديث أبي موسى المتقدم ذكره: بأنَّ معناه ضيقت عليه فلا يدخلها، فعلى هذا تكون "على" بمعنى "عن"، أي: ضيّقت عنه.

وهذا التأويل حكاه الأثرمُ عن مسدد، وحكى ردَّه عن أحمد، وقال ابنُ خُزيمة: سألتُ المزني عن هذا الحديث فقال: يُشبه أن يكون معناه: ضيّقت عنه فلا يدخلها. ولا يُشبه أن يكون على ظاهره؛ لأنَّ مَن ازداد لله عملًا وطاعةً ازداد عند الله رفعةً، وعلته كرامة.

ورجَّح هذا التأويلَ جماعةٌ منهم الغزالي، فقالوا: له مناسبة من جهة أنَّ الصائم لما ضيَّق على نفسه مسالكَ الشَّهوات بالصوم؛ ضيَّق اللهُ عليه النارَ، فلا يبقى له فيها مكانٌ؛ لأنه ضيَّق طرقها بالعبادة.

وتُعقب بأنه ليس كلُّ عملٍ صالحٍ إذا ازداد العبدُ منه ازداد من الله تقربًا، بل رُبَّ عملٍ صالحٍ إذا ازداد منه ازداد بعدًا: كالصلاة في الأوقات المكروهة.

والأولى إجراء الحديث على ظاهره، وحمله على مَن فوَّت حقًّا واجبًا بذلك، فإنه يتوجه إليه الوعيدُ، ولا يُخالف القاعدة التي أشار إليها المزني.

الشيخ: صوابه أنَّ الحديث شاذٌّ مخالفٌ للأحاديث الصَّحيحة إن سلم من العلَّة، فإنَّ فيه علتين: علة عنعنة قتادة، وعلَّة الشَّك في سماع أبي تميمة من أبي موسى، ثم ظاهره الوعيد، وليس ظاهره الوعد.

س: ..............؟

ج: ما له حدٌّ محدود، نعم، ليس له حدٌّ محدود.

وَأَمَّا الْكَلَامُ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِلْأُمَّةِ حَبْسُ اللِّسَانِ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ.

وَأَمَّا فُضُولُ الْمَنَامِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لَهُمْ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ مَا هُوَ مِنْ أَفْضَلِ السَّهَرِ وَأَحْمَدِهِ عَاقِبَةً.

الشيخ: قبل هذا؟

الطالب: هذا في الاعتكاف.

الشيخ: نعم.

الطالب: قبله: فَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ فِي الدَّلِيلِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ: أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فِي الِاعْتِكَافِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُرَجِّحُهُ شيخُ الإسلام أبو العباس ابن تيمية.

وَأَمَّا الْكَلَامُ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِلْأُمَّةِ حَبْسُ اللِّسَانِ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ.

الشيخ: نعم، مثلما قال ﷺ: مَن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، فالاعتكاف فيه ..... من خلوةٍ بالله، والإقبال عليه، والتَّفكير بما ينفع، ومُناجاته ، وغضّ البصر عمَّا ينبغي ..... يُوجب حبس اللِّسان عمَّا يضرهم من السَّب والشَّتم والقذف والكذب وغير ذلك، وشرع لهم ما هو أعظم من ذلك: وهو كفُّه وحبسه عن كلِّ ما لا فائدةَ فيه؛ لأنه خطير: مَن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114].

وَأَمَّا فُضُولُ الْمَنَامِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لَهُمْ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ مَا هُوَ مِنْ أَفْضَلِ السَّهَرِ وَأَحْمَدِهِ عَاقِبَةً، وَهُوَ السَّهَرُ الْمُتَوَسِّطُ الَّذِي يَنْفَعُ الْقَلْبَ وَالْبَدَنَ، وَلَا يَعُوقُ عَنْ مَصْلَحَةِ الْعَبْدِ، وَمَدَارُ رِيَاضَةِ أَرْبَابِ الرِّيَاضَاتِ وَالسُّلُوكِ عَلَى هَذِهِ الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَسْعَدُهُمْ بِهَا مَنْ سَلَكَ فِيهَا الْمِنْهَاجَ النَّبَوِيَّ الْمُحَمَّدِيَّ، وَلَمْ يَنْحَرِفِ انْحِرَافَ الْغَالِينَ، وَلَا قَصَّرَ تَقْصِيرَ الْمُفَرِّطِينَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَدْيَهُ ﷺ فِي صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ وَكَلَامِهِ.

الشيخ: والحاصل أنَّ الإنسان على خطرٍ من فضول المخالطة، ومن فضول النظر، ومن فضول الكلام، ومن فضول النوم، هذه أخطار، فينبغي للمؤمن أن يحذرها، واستعمال هذه الجوارح وهذا البدن فيما ينفع، فيغضّ بصرَه عن محارم الله، ويحفظ سمعَه عن محارم الله، ويحفظ لسانَه عن محارم الله، ويترك النوم الذي يُعطله عمَّا أوجب الله، أو كسب الأرزاق، ويتعاطى النَّوم الذي يُعينه على طاعة الله، فينام في الليل، وفي الأوقات التي يُناسب فيها النوم، وفي حاجته إليه، ويستيقظ في الأوقات التي يجب أو ينبغي فيها الاستيقاظ؛ لعبادة ربِّه، أو لكسب رزقه، فمَن غضَّ بصره وحفظ سمعَه وفرجَه ولسانَه ووقته عمَّا يضرُّه تمَّت سعادته.

فَلْنَذْكُرْ هَدْيَهُ فِي اعْتِكَافِهِ:

كَانَ ﷺ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ، وَتَرَكَهُ مَرَّةً، فَقَضَاهُ فِي شَوَّالٍ.

الشيخ: وهذا مثلما تقدم من الأدلة على أنَّ الصوم ليس بشرطٍ، وإن صام فهو أفضل، وإن اعتكف في الفطر بدون صومٍ فهذا هو الصواب، ولا حرج في ذلك؛ لقول ابن عباسٍ: "ليس على مُعتكفٍ صومٌ إلا أن يجعله على نفسه"؛ ولأنَّ الأصل عدم وجوب الشيء إلا بدليلٍ، كونه اعتكف صائمًا لا يلزم منه أن يجب الصومُ بالاعتكاف، مع ثبوت أنه اعتكف عشرًا من شوال، ولم يثبت أنه صام فيها، وقال لعمر: اعتكف ليلةً، وفي لفظٍ آخر: يومًا، ولم يأمره بالصيام.

وَاعْتَكَفَ مَرَّةً فِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ الْأَوْسَطِ، ثُمَّ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ، يَلْتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ، فَدَاوَمَ عَلَى اعْتِكَافِهِ حَتَّى لَحِقَ بِرَبِّهِ .

وَكَانَ يَأْمُرُ بِخِبَاءٍ فَيُضْرَبُ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ، يَخْلُو فِيهِ بِرَبِّهِ .

الشيخ: وفي هذا دلالة على أنه لا بأس بضرب الخباء -خيمة- في المسجد للاعتكاف، أو لغريبٍ احتاج إلى ذلك، أو ما أشبه ذلك ..... ضرب خيمةً لسعد بن معاذ لما طُعن في يوم الأحزاب، لما أصابه سهمٌ يوم الأحزاب ..... قريبة جعل له خيمةً في المسجد حتى ..... عن ذلك.

المقصود أنه لا بأس بخيمةٍ في المسجد للاعتكاف، أو لحاجةٍ، إذا كانت لا تضرّ على الناس، لا تشقّ على المصلين، إذا كان في المسجد سعة، ولا تضرّ الخيمة؛ فلا بأس بوجودها للمُعتكف، وإذا كانت في المسجد حجرة تابعة للمسجد كفت عن الخيام.

وكَانَ إِذَا أَرَادَ الِاعْتِكَافَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَهُ، فَأَمَرَ بِهِ مَرَّةً، فَضُرِبَ، فَأَمَرَ أَزْوَاجُهُ بِأَخْبِيَتِهِنَّ فَضُرِبَتْ، فَلَمَّا صَلَّى الْفَجْرَ نَظَرَ فَرَأَى تِلْكَ الْأَخْبِيَةَ، فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ، وَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ شَوَّالٍ.

الشيخ: علَّق عليه؟

الطالب: أخرجه البخاري في "الاعتكاف" باب "اعتكاف النساء"، ومسلم في "الاعتكاف" باب "متى يدخل مَن أراد الاعتكافَ في مُعتكفه".

الشيخ: وكانت أسبابُ ذلك أنه حصل عندهن تنافس، وفي روايةٍ: أن النبي ﷺ قال: آلبرّ يُردنَ؟! ثم أمر بنزع الأخبية كلها، وكأنَّ ذلك نوعٌ من التَّعزير أو التَّوبيخ عمَّا يقع من المنافسة التي لا تُحمد عقباها، أو لا تكون على وجه الإخلاص، أو لأسبابٍ أخرى، وطوى خباءه معهن أيضًا؛ لسدِّ الباب.

س: ..............؟

ج: لا، كان في المسجد، لكن هذا لعلَّة ..... لا حرج أن تعتكف في المسجد إذا كانت فيه سعة، وإذا لم يترتب على الاعتكاف شرٌّ فلا بأس، في المسجد إذا كانت فيه سعة، ولم يترتب على اعتكافها شرٌّ فلا بأس، وأزواج النبي يعتكفن في المسجد عليه الصلاة والسلام.

وَكَانَ يَعْتَكِفُ كُلَّ سَنَةٍ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا.

وَكَانَ يُعَارِضُهُ جِبْرِيلُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ عَارَضَهُ بِهِ مَرَّتَيْنِ.

الشيخ: من باب المدارسة لكتاب الله بينه وبين جبرائيل عليه الصلاة والسلام؛ لمزيد العلم والتَّلقي عن الله بواسطة جبرائيل ما يُعينه على فهم كتاب الله، ويُبصره بما عليه من جهة ربِّه .

س: ..............؟

ج: هذا هو، نعم، يقرأ هذا، ويستمع هذا، ويقرأ هذا، ويستمع هذا.

وَكَانَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ أَيْضًا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، فَعَرَضَ عَلَيْهِ تِلْكَ السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ.

وَكَانَ إِذَا اعْتَكَفَ دَخَلَ قُبَّتَهُ وَحْدَهُ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ فِي حَالِ اعْتِكَافِهِ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَى بَيْتِ عائشةَ فَتُرَجِّلُهُ وَتَغْسِلُهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهِيَ حَائِضٌ.

س: في فرق بين المعارضة والعرض؟

ج: الظاهر المعارضة: كل واحدٍ يقرأ على الآخر، ويعرض أحدُهما على الآخر، هذا في المدارسة ..... المدارسة والمعارضة والعرض، والمعنى متقارب، والمعنى أنهما يتدارسان: هذا يقرأ، وهذا يقرأ، يعرض هذا على هذا، ويعرض هذا على هذا، فالمعارضة من الجانبين، والمدارسة من الجانبين.

الطالب: المؤلف كررها مرتين، قال: وكان يُعارضه جبريلُ بالقرآن في كل سنةٍ مرةً، فلما كان ذلك العام عارض به مرتين. بعدها قال: وكان يعرض عليه القرآن ..... مرة.

الشيخ: المعنى واحد.

وَكَانَتْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ تَزُورُهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَإِذَا قَامَتْ تَذْهَبُ قَامَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا، وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلًا.

الشيخ: واحتجَّ بهذا العلماءُ على أنه ينبغي للمُؤمن عند كبر السن وقُرب الأجل أن يزداد في العمل الصالح، وأن يتوسع في الخير، كان في آخر حياته ما قام ولا جلس إلا يقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، وقال: إني أمرتُ بهذا، وقرأ قوله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر]، فأُمر بهذا في آخر حياته: أن يُكثر من التَّسبيح والتَّحميد والاستغفار، وعرض لجبرائيل مرتين القرآن، فدلَّ ذلك على أنه ينبغي للمؤمن إذا زاد العمرُ وطال العمرُ أن يستكثر من الخير، وأن يزداد في الخير، وأن تكون أعمالُه الأخيرة أكثر من الأولى، وأسلم من الأولى وأكمل؛ حتى يختم بالخير، فالأعمال بالخواتيم.

ولهذا اعتكف عشرين في السنة الأخيرة، عارضه مرتين في السنة الأخيرة عليه الصلاة والسلام.

وَكَانَتْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ تَزُورُهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَإِذَا قَامَتْ تَذْهَبُ قَامَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا، وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلًا.

الشيخ: وهذا من كريم الأخلاق، وطيب الأخلاق: كون الإنسان يمشي مع ضيفه، ويخرج معه إلى الباب، أو إلى قرب الباب؛ للتَّحدث معه، وإيناسه إذا تيسر ذلك؛ ولهذا كان يقوم مع بعض أزواجه يُحدثها ويقلبها إلى باب المسجد، كما فعل مع صفية.

س: ..............؟

ج: لا، هذا ما يخرج المعتكف، في المسجد، إلى باب المسجد.

س: ما كان يقلبها إلى سكنها في دار أسامة؟

ج: لا، فقط إلى باب المسجد.

س: قصة الصَّحابيين اللَّذين اتَّبعاه، ظاهره أنه وصلها إلى البيت؟

ج: المعروف أنه يتحدث معها عند الباب، فأسرعا، فقال: على رسلكما، إنها صفية بنت حُيي، كان هذا في المسجد.

س: قام معها يقلبها؟

ج: يعني من محل المعتكف إلى باب المسجد.

الطالب: في تعليق: أخرجه البخاري في "الاعتكاف" باب "هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد"، وباب "زيارة المرأة زوجها في اعتكافه"، ومسلم في "السلام" باب "بيان أنه مستحب لمن رُئي خاليًا بامرأةٍ أن يقول: هذه فلانة"، من حديث صفية رضي الله عنها قالت: كان النبيُّ ﷺ مُعتكفًا، فأتيته أزوره ليلًا، فحدَّثتُه، ثم قمتُ لأنقلب، فقام معي ليقلبني. وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمرَّ رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبيَّ ﷺ أسرعا، فقال النبيُّ ﷺ: على رسلكما، إنها صفية بنت حُيي، فقالا: سبحان الله يا رسول الله! قال: إنَّ الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيتُ أن يقذف في قلوبكما شرًّا، أو قال: شيئًا. اهـ.

الشيخ: هذا خبر أنَّ دارها عند دار أسامة، وليس المقصود أنه قلبها إليه، إنما قلبها إلى باب المسجد ..... نوع إجمالٍ في الرواية، أما ..... فهو مروره معها عند باب المسجد، ولو صحَّ لكان من الدلائل على جواز الخروج لمثل هذه الحاجة؛ لإيصال أهله إلى بيتها؛ لأنها حاجة مهمَّة، لو صحَّ لكن الذي يظهر من الروايات أنه إلى الباب، وأنَّ خروجها إلى بيتها ليس هناك شيء خطر ولا خوف حتى يحتاج إلى قلبها؛ لأنَّ البلاد آمنة، النساء يخرجن بدون خوفٍ ولا خطرٍ.

س: .............؟

ج: للحاجة، لا بأس بخروجه للحاجة؛ ليقضي حاجةً: من بولٍ، أو غائطٍ، أو وضوءٍ، أو غسلٍ، إلى بيته، أو أكلٍ وشربٍ، إذا كان لا يُؤتى به إليه لا بأس به، أما الخروج لغير حاجةٍ يقطع الاعتكاف، يبتدئ من جديدٍ، إذا عود عليه يبتدئ من جديدٍ؛ لأنه نافلة، ما هو بفرضٍ، الاعتكاف نافلة .....، فإذا خرج من دون حاجةٍ انقطع، فإذا خرج ..... الاعتكاف من جديدٍ، إلا إذا كان نذر؛ فمَن نذر يكون .....

س: .............؟

ج: إذا كان تبع الحاجة الأخرى، إذا كان تبع قضاء الحاجة: من بولٍ، أو غائطٍ، ينبغي أن يكون تبعًا، وقد يُقال: إنه حاجة؛ لأنه قد يضطر إلى ..... الحرّ، من باب الحاجة، قد يكون الحرُّ شديدًا فيحتاج إلى ذلك، فيُسمَّى: حاجة.

س: .............؟

ج: ما يكفي، المعتكف يحتاج إلى سحورٍ، يحتاج إلى أكلٍ ..... إن تيسر مَن يأتي به إليه كان ذلك أنسب، وإذا خرج من أجله فهي حاجة.

س: .............؟

ج: من باب تأكيد الشيء، ولو .....

وَلَمْ يُبَاشِرِ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، لَا بِقُبْلَةٍ، وَلَا غَيْرِهَا.

وَكَانَ إِذَا اعْتَكَفَ طُرِحَ لَهُ فِرَاشُهُ، وَوُضِعَ لَهُ سَرِيرُهُ فِي مُعْتَكَفِهِ.

وَكَانَ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ مَرَّ بِالْمَرِيضِ وَهُوَ عَلَى طَرِيقِهِ، فَلَا يَعْرُجُ عَلَيْهِ، وَلَا يَسْأَلُ عَنْهُ.

.........

الشيخ: علَّق عليه؟

الطالب: أخرجه أبو داود في "الصوم" باب "المعتكف يعود المريض"، من حديث عائشة رضي الله عنها، وفي سنده ليث ابن أبي سليم، وهو ضعيف.

الشيخ: المعروف من عمل عائشة أنها كانت تمرُّ عليه، وتُسلم عليه وهي مارَّة ..... كما في الصحيح، يعني معناه: أنَّ المعتكف لا يعود المرضى، ولا يزور الإخوان، يبقى في مُعتكفه.

س: إذا اشترط زيارة المرضى واتِّباع الجنائز؟

ج: الله أعلم، يُروى أنَّ بعضهم اشترط، لكن ما أعرف فيه شيئًا واضحًا، وقد يحتجّ بالعموم: المسلمون على شروطهم، المطلوب من المعتكف الخلوة، والبقاء في المحلِّ هذا، والتَّفرغ للعبادة، فهل ..... بالاشتراط؟ محل نظرٍ.

س: ...............؟

ج: الله أعلم، يحتاج إلى تأمُّلٍ.

وَاعْتَكَفَ مَرَّةً فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ.

الشيخ: والظاهر أنه لا بأس إذا خرج لاتِّباع الجنازة ..... هو نافلة، يكون خروجُه أعظم من بقائه في الاعتكاف، ما هو بلازم الاعتكاف، أما إذا كان نذر ينبغي ألا يخرج؛ لما نصَّ عليه من فعله عليه الصلاة والسلام؛ لأنَّ النذر فريضة، أما إذا كان الاعتكافُ نافلةً بدون نذرٍ فالأمر فيه أوسع ..... دعت الحاجةُ لخروجه مع أبيه أو أمه أو قريبه أو إنسانٍ له أهمية في حقِّه؛ فتُعتبر حاجة قوية.

س: ..............؟

ج: الله أعلم.

وَاعْتَكَفَ مَرَّةً فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ، وَجَعَلَ عَلَى سُدَّتِهَا حَصِيرًا.

الشيخ: بإمكانه أن ينوي الاعتكافَ نهارًا، مثل: ليلًا بإمكانه أن ينوي، والنية نوع اشتراطٍ، يعني: ينوي الاعتكاف نهارًا أو ليلًا دون النهار، أوقاتًا مُعينةً لا يشقّ عليه البقاء فيها في المسجد، وينوي أوقاتًا أخرى أنه لا يعتكف فيها؛ حتى لا يكون قطعًا، فيكون اعتكافًا مُوزَّعًا بالنية، فينوي اعتكافه مثلًا في النهار إلى غروب الشمس، وبعد صلاة المغرب يذهب إلى أهله، في صلاة العشاء، ما في مانع: الأعمال بالنيات، وهو نوع شرطٍ .....، مثل أن يقول: أشترط يا ربي، النية شرط.

كُلُّ هَذَا تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الِاعْتِكَافِ وَرُوحِهِ، عَكْسُ مَا يَفْعَلُهُ الْجُهَّالُ مِنِ اتِّخَاذِ الْمُعْتَكَفِ مَوْضِعَ عِشْرَةٍ وَمَجْلَبَةٍ لِلزَّائِرِينَ، وَأَخْذِهِمْ بِأَطْرَافِ الْأَحَادِيثِ بَيْنَهُمْ، فَهَذَا لَوْنٌ، وَالِاعْتِكَافُ النَّبَوِيُّ لَوْنٌ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

س: بعض الناس يعتكفون في الحرم، ويبقى غالب وقته في النوم والكلام وغيره .....؟

ج: مثلما أشار المؤلف؛ الاعتكاف ..... التَّفرغ للعبادة ..... ينبغي للمؤمن أن يعرف قدرَ الاعتكاف، وإلا هذا لا يضرّ، هو مُعتكفٌ، لكن ينبغي له أن يعمر اعتكافه بما ينفعه، وإذا كان يغلب عليه النوم؛ لأنه مثلًا ليس طالب علمٍ، وليس ممن يقرأ القرآنَ، قد يغلب عليه النوم.

س: ..............؟

ج: الظاهر يفعل ما هو أصلح .....، فإذا كان نشاطُهم في هذا الاجتماع، فهذا خيرٌ: أن يكون الاعتكافُ من أسباب الخير لهم، وإذا كان يرى أنَّ انفراده بنفسه وقراءته القرآن ..... والتَّسبيح والتَّكبير، أو مُطالعته بنفسه أنَّ هذا أصلح لقلبه فعل، يفعل ما هو أصلح لقلبه، وأكثر نشاطًا في الخير.

س: ..............؟

ج: ..... وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، الاعتكاف يكون في المساجد.

س: ..............؟

ج: ..... إذا كان في المسجد لا يذهب، يتعبد في ..... إلا أن يشاء الله، والحمد لله.