الشيخ: نعم، حيث قال: وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ [البروج:3].
الشيخ: حدَّثنا؟
الطالب: حَدَّثَنَا عبدالله بن موسى.
الشيخ: عبيدالله بن موسى.
الطالب: عبدالله.
الشيخ: لا، غلط، هذا عبيدالله بن موسى العبسي، معروف، وأنتم ما عندكم نسخة أخرى؟ كلكم عبدالله بالتَّكبير؟
الطالب: نعم.
الشيخ: المعروف عبيدالله بن موسى بالتَّصغير.
الطالب: أَنْبَأَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ.
الشيخ: وهذا هو الربذي، وهذا يدل على ضعف الإسناد.
الشيخ: وهذا ضعيف؛ لأنَّ موسى بن عبيدة هذا ليس بشيءٍ عندهم، ويحتمل أنَّ شاهدًا ومشهودًا عامّ، وأن الشاهد كل شيءٍ يشهد، والمشهود كل مشهودٍ: من جمعة، ومن يوم عرفة، ومن غير ذلك، يحتمل أنَّ المراد جنس الشاهد، وجنس المشهود، يحتمل هذا، موسى بن عبيدة وأيش بعده؟ شيخه؟ شيخ موسى بن عبيدة؟
الطالب: أيوب بن خالد.
الشيخ: عن عبدالله بن رافع، نعم، نعم. انظر عبدالله بن موسى، في أحد بالتَّكبير؟
الطالب: في اثنين عبدالله بن موسى.
الشيخ: أيش يقول؟
الطالب: عبدالله بن موسى بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيدالله التَّيمي، أبو محمد المدني، صدوق، كثير الخطأ، من الثامنة. (ق).
الشيخ: ليس هذا لأنَّ هذا ما أدرك ابن زنجويه الثاني؟
الطالب: أيضًا من الثامنة، عبدالله بن موسى بن شيبة الأنصاري، أبو محمد، نزيل حلوان، لم يصح أنَّ ابن ماجه روى له، صدوق، من الثامنة. (ق).
الشيخ: كذلك ما أدركه، ما أدرك ابن زنجويه.
الطالب: عبيدالله بن موسى بن باذام، العبسي، الكوفي، أبو محمد، ثقة، كان يتشيَّع، من التاسعة، قال أبو حاتم: كان أثبت في إسرائيل من أبي نعيمٍ، واستُصغر في سفيان الثوري. مات سنة ثلاث عشرة على الصحيح. (ع).
الشيخ: ..... أنه هذا؛ لأنه ما أدركه، ابن زنجويه ما أدرك .....، قد يكون هناك رابع ليس في الستة، قد يكون هناك رابع وأكثر ليس في الستة اسمه: عبدالله بن موسى، محتمل هذا، يُنظر في شيوخ حميد ..... في شيوخ حميد بن زنجويه، من اسمه عبدالله بن موسى، فيكون صحيحًا، وإلا فهو عبيدالله، يُراجع في "التهذيب"، حطّ عليه إشارة عندك، عندك في التَّكبير، في نسخة عبيدالله، يُراجع.
س: ..............؟
ج: من شيوخ أبي داود والنَّسائي، المقصود من شيوخ بعض أهل السنن، انظر: حميد بن زنجويه.
وَرَوَاهُ الْحَارِثُ ابْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ روح، عن موسى بن عبيدة.
وَفِي "مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ" مِنْ حَدِيثِ محمد بن إسماعيل بن عياش: حَدَّثَنِي أَبِي: حَدَّثَنِي ضمضم بن زرعة، عَنْ شريح بن عبيد، عَنْ أبي مالك الأشعري قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ ذَخَرَهُ اللَّهُ لَنَا، وَصَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ.
الشيخ: وهذا أنسب من الذي قبله، هذا أحسن من الذي قبله؛ لأنَّ محمد بن إسماعيل بن عياش فيه كلام لأهل العلم، أيش قال المحشي عليه؟
الطالب: محمد بن إسماعيل بن عياش عابوا عليه أنه لم يسمع من أبيه، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" في تفسير سورة البروج، وقال فيه: محمد بن إسماعيل بن عياش، وهو ضعيف .....
حميد بن زنجويه هو ابن مخلد، يأتي.
حميد بن مخلد بن قتيبة بن عبدالله الأزدي، أبو أحمد ابن زنجويه، وهو لقب أبيه، ثقة، ثبت، له تصانيف، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وأربعين، وقيل: سنة إحدى وخمسين. (د، س).
زنجويه وإلا زنجويه؟
الشيخ: زنجويه، الذي نسمع ونقرأ: زنجويه، مثل: نفطويه، لقب لأبيه مخلد.
الشيخ: ..... المعاجم: نفطويه، وسيبويه، وعمرويه، يأتي على الكسر دائمًا.
قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ تَفْسِيرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا شعبة: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ زَيْدٍ، وَيُونُسَ بْنَ عُبَيْدٍ يُحَدِّثَانِ عَنْ عمار مولى بني هاشم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. أَمَّا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ فَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَأَمَّا يونس فَلَمْ يَعْدُ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ [البروج:3] قَالَ: الشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي تَفْزَعُ مِنْهُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْجِبَالُ وَالْبِحَارُ، وَالْخَلَائِقُ كُلُّهَا إِلَّا الْإِنْسَ وَالْجِنَّ، فَرَوَى أبو الجواب عَنْ عمار بن زريق.
الشيخ: كذا عندك بالزاي أو رزيق؟
الطالب: ابن رزيق.
الشيخ: نعم، بتقديم الراء، نعم.
عن عمار بن رزيق، عَنْ منصور، عَنْ مجاهد، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اجْتَمَعَ كعب وَأَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ.
فَقَالَ كعب: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَزِعَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْجِبَالُ، وَالْبِحَارُ، وَالْخَلَائِقُ كُلُّهَا إِلَّا ابْنَ آدَمَ وَالشَّيَاطِينَ، وَحَفَّتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ، فَيَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، وَمَنْ جَاءَ بَعْدُ جَاءَ لِحَقِّ اللَّهِ، وَلِمَا كُتِبَ عَلَيْهِ، وَيَحِقُّ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِيهِ كَاغْتِسَالِهِ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَالصَّدَقَةُ فِيهِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَلَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ وَلَمْ تَغْرُبْ عَلَى يَوْمٍ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا حَدِيثُ كعب وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَا أَرَى مَنْ كَانَ لِأَهْلِهِ طِيبٌ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: لَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَلَا تَغْرُبُ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ تَفْزَعُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ إِلَّا هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي تَقُومُ فِيهِ السَّاعَةُ، وَيُطْوَى الْعَالَمُ، وَتَخْرَبُ فِيهِ الدُّنْيَا، وَيُبْعَثُ فِيهِ النَّاسُ إِلَى مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ.
التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي ادَّخَرَهُ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَضَلَّ عَنْهُ أَهْلَ الْكِتَابِ قَبْلَهُمْ، كَمَا فَي "الصَّحِيحِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ خَيْرٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، هَدَانَا اللَّهُ لَهُ، وَضَلَّ النَّاسُ عَنْهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، هُوَ لَنَا، وَلِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَلِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: ذَخَرَهُ اللَّهُ لَنَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ حصين بن عبدالرحمن، عَنْ عمر بن قيس، عَنْ محمد بن الأشعث، عَنْ عائشةَ قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ إِذِ اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: وَعَلَيْكَ. قَالَتْ: فَهَمَمْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ. قَالَتْ: ثُمَّ دَخَلَ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: وَعَلَيْكَ. قَالَتْ: فَهَمَمْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، ثُمَّ دَخَلَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: بَلِ السَّامُ عَلَيْكُمْ وَغَضَبُ اللَّهِ إِخْوَانَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، أَتُحَيُّونَ رَسُولَ اللَّهِ بِمَا لَمْ يُحَيِّهِ بِهِ اللَّهُ ؟! قَالَتْ: فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ: مَهْ! إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ، قَالُوا قَوْلًا فَرَدَدْنَاهُ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَضُرَّنَا شَيْئًا، وَلَزِمَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَنَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَنَا عَلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ: آمِينَ.
الشيخ: أيش قال المحشي؟
الطالب: رواه أحمد، وسنده حسن، وله شاهد في الصحيح وغيره.
الشيخ: سنده؟
الطالب: وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ حصين بن عبدالرحمن، عَنْ عمر بن قيس، عَنْ محمد بن الأشعث، عَنْ عائشة.
الشيخ: المقصود أنه مثلما جاء في الحديث الصحيح عنها في "الصحيحين": "عليكم السَّام واللَّعنة"، وفي اللفظ الآخر: "لعنكم الله وغضب عليكم"، فردَّ عليه النبيُّ بهذا المعنى قال: يُستجاب لنا فيهم، ولا يُستجاب لهم فينا؛ لأنه قال: وعليكم، وهم يقصدون الموتَ، السام يعني الموت، ولكن يُدغمونها حتى لا تبين، ينطقون بها مُدغمةً، غير واضحةٍ، ففطنت لها عائشةُ، فقالت ما قالت.
وهذا يدل على حلمه عليه الصلاة والسلام، وتحمّله أذى اليهود، وصبره عليهم؛ تألفًا، ولعلهم يهتدون؛ ولهذا قال: قلنا لهم مثلما قالوا، ويُستجاب لنا فيهم، ولا يُستجاب لهم فينا.
وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ: الْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ.
وَفِي "بَيْدَ" لُغَتَانِ: بِالْبَاءِ، وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ، وَ"مَيْدَ" بِالْمِيمِ، حَكَاهَا أبو عبيدٍ.
وَفِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا بِمَعْنَى "غَيْرَ"، وَهُوَ أَشْهَرُ مَعْنَيَيْهَا.
وَالثَّانِي: بِمَعْنَى "عَلَى"، وَأَنْشَدَ أبو عبيدٍ شَاهِدًا لَهُ:
عَمْدًا فَعَلْتُ ذَاكَ بَيْدَ أَنِّي | إِخَالُ لَوْ هَلَكْتُ لَمْ تَرِنِّي |
تَرِنِّي: تَفْعَلِي، مِنَ الرَّنِينِ.
الشيخ: والمعنى الواضح على "غير"، وعلى "على"، في هذا أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، يعني: نحن فضَّلنا الله عليهم، وخصَّنا بهذا الخير العظيم، بيد أنهم: غير أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ولا يكون ذلك من تفضيلنا عليهم.
س: .............؟
ج: وعليكم، مثلما قال: إذا سلَّم عليكم أهلُ الكتاب فقولوا: وعليكم، ما فصَّل عليه الصلاة والسلام، يعني: ولو سلَّموا تسليمًا صحيحًا يُقال: وعليكم.
س: إذا كان ما يعلم هل هو مُسلم أو كافر؟
ج: ما دام في بلاد المسلمين يقول: السلام عليكم، يبدأ بالسلام؛ لأنَّ الأصل أنه مسلم، أما في بلاد الكفرة لا، لا يبدأ حتى يعلم أنه مسلم.
الشيخ: يعني أفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة، وأفضل الشهور شهر رمضان، وهذا من حكمة الله ، وأفضل الليالي ليلة القدر، وأفضل البلاد مكة المكرمة، وأفضل الخلق محمد عليه الصلاة والسلام، وهو يختصُّ برحمته وفضله مَن يشاء جلَّ وعلا: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68].
قَالَ آدَمُ ابْنُ أَبِي إِيَاسٍ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمِ ابْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أبي صالح، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ الشُّهُورَ، وَاخْتَارَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَاخْتَارَ الْأَيَّامَ، وَاخْتَارَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاخْتَارَ اللَّيَالِي، وَاخْتَارَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَاخْتَارَ السَّاعَاتِ، وَاخْتَارَ سَاعَةَ الصَّلَاةِ، وَالْجُمُعَةُ تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَتَزِيدُ ثَلَاثًا، وَرَمَضَانُ يُكَفِّرُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمَضَانَ، وَالْحَجُّ يُكَفِّرُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةُ تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ، وَيَمُوتُ الرَّجُلُ بَيْنَ حَسَنَتَيْنِ: حَسَنَةٍ قَضَاهَا، وَحَسَنَةٍ يَنْتَظِرُهَا -يَعْنِي صَلَاتَيْنِ- وَتُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ فِي رَمَضَانَ، وَتُغْلَقُ أَبْوَابُ النَّارِ، وَتُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَيُقَالُ فِيهِ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ هَلُمَّ. رَمَضَانُ أَجْمَعُ، وَمَا مِنْ لَيَالٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ لَيَالِي الْعَشْرِ.
الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ: إِنَّ الْمَوْتَى تَدْنُو أَرْوَاحُهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَتُوَافِيهَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَيَعْرِفُونَ زُوَّارَهُمْ وَمَنْ يَمُرُّ بِهِمْ، وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، وَيَلْقَاهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ بِهِمْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ، فَهُوَ يَوْمٌ تَلْتَقِي فِيهِ الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ.
الشيخ: يحتاج إلى دليلٍ، ولا نعلم ثبت فيه شيء عن النبي ﷺ، فالدَّعاوى في هذا الباب وفي غيره ما تنفع أهلها شيئًا، ولا يُقام لها وزن، هذه أمور عظيمة، فلا يثبت منها إلا ما قام عليه الدليلُ الثابت: إما من قرآنٍ، أو سنةٍ، أو إجماعٍ، ما علَّق عليه بشيءٍ؟
الطالب: ما علَّق بشيءٍ.
الشيخ: المقصود أنَّ هذه تُؤخذ على المؤلف رحمه الله: الجزم بهذا يُؤخذ عليه، على جلالته وفقهه وعلمه تُؤخذ عليه هذه المسألة، كما تُؤخذ عليه مواضع في كتابه "جلاء الأفهام"، تساهل فيها رحمه الله.
الشيخ: آخره صحيح، الآخر صحيح، والأول لا، آخره صحيح: القيامة تكون في الجمعة، هذا ثابت في الأحاديث الصَّحيحة: يلتقي فيه الأوَّلون والآخرون، لكن ..... الأرواح واجتماعها على القبور هذا هو محل البحث، فلا يسلم إلا بدليلٍ.
وَلِهَذَا يَلْتَقِي النَّاسُ فِيهِ فِي الدُّنْيَا أَكْثَرَ مِنِ الْتِقَائِهِمْ فِي غَيْرِهِ، فَهُوَ يَوْمُ التَّلَاقِ.
قَالَ أبو التياح يزيد بن حميد: كَانَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِاللهِ يُبَادِرُ فَيَدْخُلُ كُلَّ جُمُعَةٍ، فَأَدْلَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الْمَقَابِرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ: فَرَأَيْتُ صَاحِبَ كُلِّ قَبْرٍ جَالِسًا عَلَى قَبْرِهِ، فَقَالُوا: هَذَا مُطرف يَأْتِي الْجُمُعَةَ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُمْ: وَتَعْلَمُونَ عِنْدَكُمُ الْجُمُعَةَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، وَنَعْلَمُ مَا تَقُولُ فِيهِ الطَّيْرُ، قُلْتُ: وَمَا تَقُولُ فِيهِ الطَّيْرُ؟ قَالُوا: تَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، يَوْمٌ صَالِحٌ.
الشيخ: في الحاشية قال شيئًا؟
الطالب: أورده المصنفُ رحمه الله في كتاب "الروح" ..... لابن أبي الدنيا، من طريق خالد بن حذاء: حدثنا جعفر بن سليمان، عن أبي التياح.
الشيخ: فقط؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ليس بشيءٍ حتى يثبت عن المصطفى عليه الصلاة والسَّلام.
الشيخ: اجتماع الأرواح وتلاقيها هذا ممكن، وليس ببعيدٍ؛ لأنَّ أرواح المؤمنين في الجنة، كل روحٍ تكون طائرًا في الجنة، يعني: يُعطيها صورة طائرٍ، تسرح في الجنة، تأكل من ثمارها، وأرواح الشُّهداء كذلك، لكنها في أجواف طيرٍ خضرٍ تسرح في الجنة حيث شاءت.
وأما تخصيص يوم الجمعة بهذه المعلومات، فهذا يحتاج إلى نصٍّ عن المعصوم، ما تكفي فيه المرائي -مرائي النوم- وزيارة القبور سنة دائمًا: زوروا القبورَ فإنها تُذكركم الآخرة، وجاء في بعض الروايات أنَّ الزائر يعرفه المزورون، ويأنسون به، ذكر ابنُ القيم في كتاب "الروح" شيئًا من ذلك عن جماعةٍ، وذكر بعض الأسانيد في ذلك، وهذا ليس ببعيدٍ من جهة تلاقيهم في الجنة؛ فإنَّ أرواحهم في الجنة تتلاقى، ليس ببعيدٍ هذا.
وأما الزيارة للقبور فإنها تُشرع دائمًا، واختلف الناسُ: هل يعرف المزورُ زائرَه؟ فقال بعضُهم: نعم يعرفه. وجاء في هذا بعض الأحاديث، وروى ابن منده بعضها بسندٍ جيدٍ، ذكره ابن عبدالبر أيضًا، وليس ببعيدٍ أن تلتقي الروحُ بالزور؛ لأنَّ أمر الروح أمرٌ عظيم، ليس من جنس أمور الدنيا المعتادة، الروح في سرعتها وذهابها وإيابها بأمر الله أمر ليس مما يخطر في البال؛ ولهذا يقول جلَّ وعلا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:85]، فأمرها عظيم، وشأنها كبير في ذهابها وإيابها، ولقاء الروح بالأرواح الأخرى لله فيه حكمة ، وهو أعلم بتفاصيلها جلَّ وعلا.
ويكفي المؤمن في هذا المشروع له: أن يزور القبور، وأن يُسلم عليهم، وأن يدعو لهم، سواء شعروا به، أو لم يشعروا به، المهم هذه الزيارة: أن يقوم بهذه العبادة، ولا شكَّ أنها تنفعهم، يحصل لهم خيرٌ من جهة الدُّعاء لهم، والتَّرحم عليهم ..... تنفع الزائر بذكر الآخرة، وذكر الموت، وتذكر أهله وأحبابه وأقاربه.
فالزيارة فيها خيرٌ كثيرٌ للزائر والمزور؛ ولهذا جاءت بها الشريعة، وصحَّت بها الأخبار عن رسول الله ﷺ، قال: زوروا القبورَ فإنها تُذكركم الآخرة، وقال: كنتُ نهيتُكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنها تُذكركم الموت.
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ: أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ كُلَّ غَدَاةِ سَبْتٍ حَتَّى يَأْتِيَ الْجَبَّانَةَ، فَيَقِفُ عَلَى الْقُبُورِ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، وَيَدْعُو لَهُمْ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ. فَقِيلَ لَهُ: لَوْ صَيَّرْتَ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ؟ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ بِزُوَّارِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمًا قَبْلَهُ، وَيَوْمًا بَعْدَهُ.
وَذَكَرَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي عَنِ الضَّحاك أَنَّهُ قَالَ: مَنْ زَارَ قَبْرًا يَوْمَ السَّبْتِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَلِمَ الْمَيِّتُ بِزِيَارَتِهِ. فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِمَكَانِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.
س: .............؟
ج: جبَّانة يعني المقبرة.
الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّهُ يُكْرَهُ إِفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ، هَذَا مَنْصُوصُ أحمد، قَالَ الأثرم: قِيلَ لأبي عبدالله: صِيَامُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُفْرَدَ، ثُمَّ قَالَ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صِيَامٍ كَانَ يَصُومُهُ، وَأَمَّا أَنْ يُفْرَدَ فَلَا. قُلْتُ: رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، فَوَقَعَ فِطْرُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَصَوْمُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَفِطْرُهُ يَوْمَ السَّبْتِ، فَصَارَ الْجُمُعَةُ مُفْرَدًا؟ قَالَ: هَذَا إِلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ صَوْمَهُ خَاصَّةً، إِنَّمَا كُرِهَ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْجُمُعَةَ.
وَأَبَاحَ مالك وأبو حنيفة صَوْمَهُ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ، قَالَ مالك: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ يَنْهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَصِيَامُهُ حَسَنٌ، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهُ.
الشيخ: وهذا الذي قاله مالك رحمه الله كأنه لم يسمع الأحاديث الواردة في ذلك، وهكذا مَن قاله من غير أهل العلم، كأنها لم تبلغهم السنة؛ ولهذا قالوا ما قالوا، والسنة ثابتة عن الرسول ﷺ في النَّهي عن إفراد يوم الجمعة، وليس لأحدٍ كلام معه، متى جاءت السنةُ انتهى كل شيءٍ؛ ولهذا ثبت عنه ﷺ في "الصحيحين" أنه نهى عن صوم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده، في رواية مسلم: لا تخصُّوا يوم الجمعة بصيامٍ إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدُكم، إذا كان في صومٍ يصومه الإنسان فلا بأس، إذا كان يصوم يومًا، أو يُفطر يومًا، ووافق فطره يوم الخميس، وصومه يوم الجمعة ..... لا بأس؛ لأنه لم يخصّه بشيءٍ.
س: التَّحريم للنَّهي أو للكراهة؟
ج: ظاهر النَّهي للتَّحريم، هذا هو الأصل.
وَأَرَاهُ كَانَ يَتَحَرَّاهُ.
قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهُ.
قال ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ: اخْتَلَفَتِ الْآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ: فَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. وَقَالَ: قَلَّمَا رَأَيْتُهُ مُفْطِرًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَطُّ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ لَيْثِ ابْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عمير ابن أبي عمير، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ وَيُوَاظِبُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرَهُ مالك، فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ. وَقِيلَ: صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ.
وَرَوَى الدَّراوردي عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي جُشَمَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ صَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كُتِبَ لَهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ غُرَرٌ زُهْرٌ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ، لَا يُشَاكِلُهُنَّ أَيَّامُ الدُّنْيَا.
الشيخ: وهذا ضعيف؛ لأنه من رواية مُبهم ..... ليث ابن أبي سليم ضعيف أيضًا، وأثر ابن مسعودٍ إن صحَّ فالمراد يعني من جملة الثلاث، إذا صامها مع الثلاث التي يصومها في كل شهرٍ هذا لا محذورَ فيه، إذا صامها من جملة الثلاثة لم يُفردها، إنما النهي عن إفراده، وكونه يصومها مع الخميس والأربعاء، أو مع السبت والأحد، أو مع الخميس والسبت؛ لا كراهةَ في ذلك، وأما أثر ابن عمر فضعيف بهذا السند المذكور من رواة ليث ابن أبي سليم، وحديث أبي هريرة أيضًا غير صحيحٍ؛ لأنه من رواية رجلٍ مُبهمٍ.
س: ............؟
ج: إن صحَّ عنه فهو محمول على أنه لم تبلغه السنة.
وَالْأَصْلُ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ عَمَلُ بِرٍّ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ.
قُلْتُ: قَدْ صَحَّ الْمُعَارِضُ صِحَّةً لَا مَطْعَنَ فِيهَا الْبَتَّةَ؛ فَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: سَأَلْتُ جابرًا: أَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَفِي "صَحِيحِ مسلم" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ: أَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ.
وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
وَفِي "صَحِيحِ مسلم" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَيَّامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ.
وَفِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ" عَنْ جويرية بنت الحارث: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ: أَصُمْتِ أَمْسِ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: فَتُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: فَأَفْطِرِي.
وَفِي "مُسْنَدِ أحمد" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ.
الشيخ: علَّق عليه؟
الطالب: رواه أحمد في "المسند"، وفي إسناده حسين بن عبدالله .....، وهو ضعيف.
الطالب: رواه أحمد والحاكم من حديث جنادة الأزدي، وفي سنده حذيفة البارقي، أو الأزدي، وهو مجهول .....
الشيخ: ماشٍ.
الشيخ: علَّق بشيءٍ؟
الطالب: رواه أحمد في "المسند"، والحاكم في "المستدرك"، وفي سنده أبو بشر مؤذن مسجد دمشق ..... لم يُوثقهما غير العجلي، وقد مرَّ حديثُ أبي هريرة المتفق عليه .....
الشيخ: العمدة في هذا على أربعة أحاديث صحيحة ثابتة: حديث جابر، وحديث أبي هريرة: لا يصومنَّ أحدُكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده، وحديث أبي هريرة الثاني: لا تخصُّوا ليلة الجمعة بقيامٍ، ولا يومها بصيامٍ، إلا أن يكون صومٌ يصومه أحدكم، والرابع: حديث جويرية عند البخاري، هذه الأربعة هي العمدة في النَّهي عن صوم يوم الجمعة، كلها صحيحة، وما جاء في معناها فهو تابعٌ لها، ومُؤيد لها، ولكن ليس هو العُمدة.
الشيخ: أيش قال عليه المحشي؟
الطالب: قال: عمران بن ظبيان ضعيف.
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مغيرة، عَنْ إبراهيم: أَنَّهُمْ كَرِهُوا صَوْمَ الْجُمُعَةِ لِيَقْوَوْا عَلَى الصَّلَاةِ.
قُلْتُ: الْمَأْخَذُ فِي كَرَاهَتِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ، هَذَا أَحَدُهَا، وَلَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ زَوَالُ الْكَرَاهِيَةِ بِضَمِّ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ إِلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ﷺ، وَقَدْ أُورِدَ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ إِشْكَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ صَوْمَهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَصَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ حَرَامٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَزُولُ بِعَدَمِ إِفْرَادِهِ.
وَأُجِيبَ عَنِ الْإِشْكَالَيْنِ بِأَنَّهُ لَيْسَ عِيدَ الْعَامِ، بَلْ عِيدُ الْأُسْبُوعِ، وَالتَّحْرِيمُ إِنَّمَا هُوَ لِصَوْمِ عِيدِ الْعَامِ.
وَأَمَّا إِذَا صَامَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ قَدْ صَامَهُ لِأَجْلِ كَوْنِهِ جُمُعَةً وَعِيدًا، فَتَزُولُ الْمَفْسَدَةُ النَّاشِئَةُ مِنْ تَخْصِيصِهِ، بَلْ يَكُونُ دَاخِلًا فِي صِيَامِهِ تَبَعًا.
وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ إِنْ صَحَّ، قَالَ: "قَلَّمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُفْطِرُ يَوْمَ جُمُعَةٍ"، فَإِنْ صَحَّ هَذَا تَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ فِي صِيَامِهِ تَبَعًا، لَا أَنَّهُ كَانَ يُفْرِدُهُ لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْهُ.
الشيخ: وهذا متعين في رواية ابن مسعودٍ إن صحَّت: أنه يصومه ..... الثلاث.
وَأَيْنَ أَحَادِيثُ النَّهْيِ الثَّابِتَةُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ حَدِيثِ الْجَوَازِ الَّذِي لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ حَكَمَ الترمذي بِغَرَابَتِهِ؟! فَكَيْفَ تُعَارَضُ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ، ثُمَّ يُقَدَّمُ عَلَيْهَا؟!
وَالْمَأْخَذُ الثَّالِثُ: سَدُّ الذَّرِيعَةِ مِنْ أَنْ يُلْحِقَ بِالدِّينِ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَيُوجِبَ التَّشَبُّهَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي تَخْصِيصِ بَعْضِ الْأَيَّامِ بِالتَّجَرُّدِ عَنِ الْأَعْمَالِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَيَنْضَمُّ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى: أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ لَمَّا كَانَ ظَاهِرَ الْفَضْلِ عَلَى الْأَيَّامِ، كَانَ الدَّاعِي إِلَى صَوْمِهِ قَوِيًّا، فَهُوَ فِي مَظِنَّةِ تَتَابُعِ النَّاسِ فِي صَوْمِهِ، وَاحْتِفَالِهِمْ بِهِ مَا لَا يَحْتَفِلُونَ بِصَوْمِ يَوْمٍ غَيْرِهِ، وَفِي ذَلِكَ إِلْحَاقٌ بِالشَّرْعِ مَا لَيْسَ مِنْهُ؛ وَلِهَذَا الْمَعْنَى -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- نُهِيَ عَنْ تَخْصِيصِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِالْقِيَامِ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ اللَّيَالِي، حَتَّى فَضَّلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَحُكِيَتْ رِوَايَةٌ عَنْ أحمد، فَهِيَ فِي مَظِنَّةِ تَخْصِيصِهَا بِالْعِبَادَةِ، فَحَسَمَ الشَّارِعُ الذَّرِيعَةَ وَسَدَّهَا بِالنَّهْيِ عَنْ تَخْصِيصِهَا بِالْقِيَامِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا تَقُولُونَ فِي تَخْصِيصِ يَوْمٍ غَيْرِهِ بِالصِّيَامِ؟
قِيلَ: أَمَّا تَخْصِيصُ مَا خَصَّصَهُ الشَّارِعُ: كَيَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَسُنَّةٌ، وَأَمَّا تَخْصِيصُ غَيْرِهِ: كَيَوْمِ السَّبْتِ وَالثُّلَاثَاءِ وَالْأَحَدِ وَالْأَرْبِعَاءِ فَمَكْرُوهٌ، وَمَا كَانَ مِنْهَا أَقْرَبَ إِلَى التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ لِتَخْصِيصِ أَيَّامِ أَعْيَادِهِمْ بِالتَّعْظِيمِ وَالصِّيَامِ فَأَشَدُّ كَرَاهَةً، وَأَقْرَبُ إِلَى التَّحْرِيمِ.
الطالب: في أول الكلام حكم عليه بالصحّة؟
الشيخ: على ابن مسعودٍ؟
الطالب: نعم.
الشيخ: أعد لفظَه.
الطالب: وروى ابنُ مسعودٍ، يقول: أن النبي ﷺ كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهرٍ. وقال: قلما رأيتُه مُفطرًا يوم الجمعة. وهذا حديث صحيح.
الشيخ: هذا في المتن؟
الطالب: نعم، من كلام ابن القيم.
الشيخ: تعرَّض له المحشي؟
الطالب: رواه أحمد في "المسند"، والترمذي في "الصوم" باب "ما جاء في صوم يوم الجمعة"، والنَّسائي في "الصيام" باب "صيام النبي ﷺ"، وأبو داود، وسنده حسن، ولا يُعارض هذا الحديث أحاديث النَّهي عن صوم يوم الجمعة؛ لأنه يُحمل على أنه لم يكن ..... إذا وقع في الأيام التي كان يصومها ولا يُضاد ذلك كراهة إفراده بالصوم؛ جمعًا بين الفعل والقول.
الشيخ: يحتمل قوله ..... زيادة من بعض النّسخ، تُراجع المخطوطة، ويحتمل قوله: "إن صحَّ" أنها أيضًا غلط، إحدى الكلمتين غلط؛ لأنه جزم أولًا بالصحة، ثم علَّقها، فإحدى الكلمتين غلط: إما الأولى، وإما الثانية، تُراجع المخطوطة.
وبكل حالٍ، ولو كان في "الصحيحين" لا يُقاوم تلك الأحاديث، ثم تأويله ممكن، بخلاف تلك الأحاديث؛ فلو صحَّ ولو كان في "الصحيحين" لا يُعارضها، ولا يُقاومها، ولا يُضادها، بل يعمل على أنه كان من جملة الثلاث التي كان يصومها.
س: النَّهي للتَّحريم؟
ج: الأصل للتَّحريم نعم.
الشيخ: لأنه اليوم الذي تقوم فيه الساعة، فإنها تقوم في صباح يوم الجمعة، فكان من حكمة الله أن شرع في الاجتماع على الصلاة، وقراءة سورة تنزيل السّجدة، وهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ [الإنسان] في فجره حتى يتذكَّر الناس هذا اليوم، ويعدّوا له عُدَّته من طاعة الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، فهو يوم الجمع، يوم تقوم الساعة في هذا الجمع العظيم، وهو يوم الجمعة، وهو آخر يومٍ من أيام الدنيا، هذا اليوم في صباحه تقوم الساعة.
الشيخ: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلً} [الفرقان:24] يعني: إذا انتصف النهارُ، فإذا أهل الجنة قد نالوا منازلهم، وقد أحسنوا مقيلًا، والمقيل: ما يكون قرب الزوال، فدلَّ ذلك على أنه لا ينتصف النهار يوم القيامة إلا وقد صار أهلُ الجنة إلى منازلهم، وأهل النار إلى منازلهم، نسأل الله العافية، وهو يوم طويل مقداره خمسون ألف سنة، هذا اليوم -وهو يوم القيامة- يبدأ بيوم الجمعة، ويستمر هذا اليوم مقدار خمسين ألف سنة.
الشيخ: يعني قراءة القراءة المشهورة: مرجعهم.
الشيخ: ليس الأمر كذلك، لم يشرع قراءة الم تنزيل السجدة من أجل السجدة يوم الجمعة، في صباح الجمعة، وإنما شرع الله ذلك لما في هذه السورة من أخبار يوم القيامة، وأخبار الجنة والنار، وأخبار خلق الإنسان ومُنتهاه، وهكذا سورة هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ [الإنسان]، ففيهما عظة وذكرى وتذكير بالمبدأ والمعاد، والجنة والنار؛ فلهذا شرع الله قراءتهما في صلاة الفجر يوم الجمعة، وليس المقصود أن يسجد الناس في صبيحتها، لا، فيظن بعضُ الناس أنَّ هذا هو المقصود؛ ولهذا يقرأ في بعض الأحيان سورةً أخرى فيها سجدة، ويكتفي، وليس الأمر كذلك، بل السنة قراءة هاتين السورتين؛ لما فيهما من المعاني العظيمة، لا لمجرد السّجدة.
الشيخ: ولهذا شرع الله قراءة سورة "سبح" والغاشية في الجمعة والعيد، وسورة الجمعة والمنافقين في الجمعة أيضًا، وسورة الجمعة وهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية] أيضًا، وجاء النص في هذه السور في صلاة الجمعة: "سبح" والغاشية، والجمعة والمنافقين، والجمعة وهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ، شرع الله قراءة ذلك في العيد، وقراءة ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق]، واقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ [القمر]، صلَّى بهما في العيد عليه الصلاة والسلام؛ لما فيهما من العظة والذِّكرى في يوم القيامة، والجمع يوم القيامة، وأهوال يوم القيامة؛ حتى يتذكر الناسُ في هذه السَّاعات مصيرهم، وأنهم إلى هذا اليوم صائرون، وأنهم هناك يكون حسابهم وجزاؤهم، وعذابهم ونعيمهم؛ ليستعدوا لهذا اليوم العظيم، وليأخذوا حذرهم.
كَمَا كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ بِسُورَتَيْ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق] وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر]، وَتَارَةً بِـسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى] وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية]، وَتَارَةً يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ؛ لِمَا تَضَمَّنَتْ مِنَ الْأَمْرِ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ، وَإِيجَابِ السَّعْيِ إِلَيْهَا، وَتَرْكِ الْعِلْمِ الْعَائِقِ عَنْهَا، وَالْأَمْرِ بِإِكْثَارِ ذِكْرِ اللَّهِ لِيَحْصُلَ لَهُمُ الْفَلَاحُ فِي الدَّارَيْنِ، فَإِنَّ فِي نِسْيَانِ ذِكْرِهِ تَعَالَى الْعَطَبَ وَالْهَلَاكَ فِي الدَّارَيْنِ.
وَيَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ [المنافقون]؛ تَحْذِيرًا لِلْأُمَّةِ مِنَ النِّفَاقِ الْمُرَدِّي، وَتَحْذِيرًا لَهُمْ أَنْ تَشْغَلَهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ عَنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَعَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَأَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ خَسِرُوا وَلَا بُدَّ؛ وَحَضًّا لَهُمْ عَلَى الْإِنْفَاقِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ سَعَادَتِهِمْ، وَتَحْذِيرًا لَهُمْ مِنْ هُجُومِ الْمَوْتِ وَهُمْ عَلَى حَالَةٍ يَطْلُبُونَ الْإِقَالَةَ، وَيَتَمَنَّوْنَ الرَّجْعَةَ وَلَا يُجَابُونَ إِلَيْهَا، وَكَذَلِكَ كَانَ ﷺ يَفْعَلُ عِنْدَ قُدُومِ وَفْدٍ يُرِيدُ أَنْ يُسْمِعَهُمُ الْقُرْآنَ.
وَكَانَ يُطِيلُ قِرَاءَةَ الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ لِذَلِكَ.
الشيخ: يعني بعض الأحيان يُطولها، وبعض الأحيان يقصرها.
الشيخ: وقرأ فيها أيضًا بالمرسلات، أما "ق" ما أذكرها، التمسها، تُراجع هذه. ثبت قراءته بالأعراف وبالطور وبالمرسلات، كل هذا ثبت عنه عليه الصلاة والسَّلام.
الشيخ: المقصود من هذا أنَّ المشروع للخطيب أن يتحرى ما يُقوي إيمان الناس، ويعرفهم بالله وبتوحيده، ويملأ قلوبهم خوفًا من الله، وخشيةً له، وتعظيمًا لحُرماته، وبُعْدًا عن معاصيه، لا مجرد ذكر الموت، وزوال الدنيا، بل يزيد في هذا ما يفهمهم ويفقههم في الدين، ويُبصرهم بدينهم، ويُعلمهم أصل دينهم الذي هو الإيمان بالله واليوم الآخر، وما أوجب الله عليهم، وما حرَّم عليهم، وما أعطاهم الله من النِّعَم مما يُسبب حبّهم لله؛ لصفاته وإحسانه .
س: .............؟
ج: هذا من هذا الباب أيضًا، تارة وتارة، طبيبًا ينظر حاجات الناس، وينظر ما يُسبب رجوعهم إلى الله، ويُعينهم على ترك ما يصدّهم عن الهدى.
الشيخ: وما ذاك إلا لكمال علمهم، وكمال بصيرتهم؛ فلذلك ..... خطبهم ومواعظهم مُقتبسة من كتاب الله، ومما سمعوه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، هكذا أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، مَن تأمّل خطبه ﷺ وخطب أصحابه وجدها دالةً على تعظيم الله، وتعظيم أسمائه وصفاته، ودالة على توحيده، واستحقاقه للعبادة، وأنه المستحقّ لأن يُعبد، وأنه الإله الحقّ، ودالة على وجوب طاعته، واتِّباع شريعته، وتعظيم أمره ونهيه، فينصرف المستمعون لخطبه ﷺ ولخطب أصحابه وقد امتلأت قلوبهم بمحبَّته والشَّوق إليه، وتعظيم أمره ونهيه، والشوق إلى جنته وكرامته، وينصرفون أيضًا وهو سبحانه قد أحبَّهم، وأعلا ذكرهم بين الملأ الأعلى بثنائهم عليه، وكمال حبّهم إياه، وتحابهم فيه، وتعاونهم على البر والتَّقوى.
الشيخ: يعني تكلَّفوا وتنطَّعوا واعتنوا بالألفاظ وتحسين الألفاظ والسّجعات ومراعاة الكلمات التي تتفق مع بقية مقطع الكلام من حصول السّجع والكلمات التي تُناسب في سرد الكلام، ولم يلتفتوا إلى المعاني والتأثير على القلوب، هذه حال المتأخرين، هذه حال أكثر المتأخرين: العناية بالألفاظ، والتَّكلف، والتَّنطع، من دون عنايةٍ بالمعاني والتأثير على القلوب.
فَمِمَّا حُفِظَ مِنْ خُطَبِهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَخْطُبَ بِالْقُرْآنِ وَسُورَةِ "ق".
قَالَتْ أم هشام بنت الحارث بن النعمان: "مَا حَفِظْتُ "ق" إِلَّا مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ مِمَّا يَخْطُبُ بِهَا عَلَى الْمِنْبَرِ".
وَحُفِظَ مِنْ خُطْبَتِهِ ﷺ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وَفِيهَا ضَعْفٌ.
الشيخ: الصواب فيه، هو الذي فيه الضَّعف.
س: .............؟
ج: ظاهر السياق أنه يقرأها كلها.
س: .............؟
ج: نعم، إذا حمد الله، وصلى على النبي ﷺ، وتشهد الشَّهادتين، هذه أعظم عظةٍ، وفي بعضها أعظم عظة في هذه الرواية .....
الشيخ: الرواية، يعني فيها، الرواية، يعود على الرواية، طيب.
وَفِيهَا ضَعْفٌ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا، وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ؛ تُؤْجَرُوا وَتُحْمَدُوا وَتُرْزَقُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْجُمُعَةَ فَرِيضَةً مَكْتُوبَةً فِي مَقَامِي هَذَا، فِي شَهْرِي هَذَا، فِي عَامِي هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَنْ وَجَدَ إِلَيْهَا سَبِيلًا، فَمَنْ تَرَكَهَا فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدَ مَمَاتِي جُحُودًا بِهَا أَوِ اسْتِخْفَافًا بِهَا، وَلَهُ إِمَامٌ جَائِرٌ أَوْ عَادِلٌ، فَلَا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ، وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أَمْرِهِ، أَلَا وَلَا صَلَاةَ لَهُ، أَلَا وَلَا وُضُوءَ لَهُ، أَلَا وَلَا صَوْمَ لَهُ، أَلَا وَلَا زَكَاةَ لَهُ، أَلَا وَلَا حَجَّ لَهُ، أَلَا وَلَا بَرَكَةَ لَهُ حَتَّى يَتُوبَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، أَلَا وَلَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا، أَلَا وَلَا يَؤُمَّنَّ أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا، أَلَا وَلَا يَؤُمَّنَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا، إِلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ سُلْطَانٌ فَيَخَافَ سَيْفَهُ وَسَوْطَهُ.
وَحُفِظَ مِنْ خُطْبَتِهِ أَيْضًا: الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ، وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا. رَوَاهُ أبو داود.
وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُ خُطَبِهِ فِي الْحَجِّ.