4/827- وعن أَبي عبدِالله سَلْمان الفارِسي قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعة وَيَتَطهَّرُ مَا اسْتَطاعَ منْ طُهرٍ وَيدَّهنُ منْ دُهْنِهِ أوْ يَمسُّ مِنْ طِيب بَيْته ثُمَّ يَخْرُجُ فَلا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَين، ثُمَّ يُصَلِّي ما كُتِبَ لهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلَّمَ الإمامُ إِلَّا غُفِرَ لهُ مَا بَيْنَهُ وَبَين الجُمُعَةِ الأُخْرَى رواه البخاري.
5/828- وعن عمرو بن شُعَيْب، عن أبيهِ، عن جَدِّهِ : أنَّ رسول الله ﷺ قال: لا يحلُّ لِرَجُلٍ أنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلَّا بإذْنِهِمَا رواه أَبو داود، والترمذي وَقالَ: حديث حسن.
وفي روايةٍ لأبي داود: لا يَجلِس بَيْنَ رَجُلَيْن إِلَّا بإذْنِهمَا.
6/829- وعن حذيفة بن اليمان : أنَّ رسول الله ﷺ لَعَنَ مَنْ جَلَسَ وَسطَ الحَلقَة. رواه أَبُو داود بإسنادٍ حسنٍ.
وروى الترمذي عن أبي مِجْلزٍ: أنَّ رَجُلًا قَعَدَ وَسَطَ حَلقةٍ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: مَلْعُونٌ علَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ ﷺ، أوْ لَعَنَ اللهُ عَلَى لِسَانِ محمدٍ ﷺ مَنْ جَلَسَ وَسَطَ الْحَلْقةِ. قَالَ الترمذي: حديث حسن صحيح.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بآداب المجلس والجليس، تقدمت بعضُ الأحاديث في ذلك، وأن السنة للمؤمن أن يتحرى الآداب الشرعية في مجلسه مع إخوانه، وفي دخوله على إخوانه؛ حتى يُقتدى به في ذلك، وحتى يبتعد عن الأخلاق التي لا تليق بالمؤمن، وتقدم قوله جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11]، فهم مأمورون بالتَّفسح في المجالس، وأن يلينوا بيد صاحب المجلس، إذا قال: انشزوا، يرتفعوا من هذا المكان، قوموا من هذا المكان إلى هذا المكان، تعديل الجالسين أو الصفوف أو الحلقة أو غير ذلك، تقدم قوله ﷺ: لا يُقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن تفسَّحوا وتوسَّعوا.
وفي حديث سلمان الفارسي : قال رسول الله ﷺ: لا يغتسل الرجلُ يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهرٍ، ثم يمسّ من طيب بيته، ثم يتوجه إلى الجمعة، ولا يُفرق بين اثنين، ويُصلي ما كتب الله له، ثم يُنصت إذا سلَّم الإمامُ –أي الخطيب- إلَّا غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفي روايةٍ: ..... وفضل ثلاثة أيام، والحسنة بعشر أمثالها.
والشاهد قوله: ولم يُفرِّق بين اثنين، إذا قصد المسجد يتحرى نهاية الصفِّ، ولا يُزاحم، ولا يُفرق بين اثنين، أما إن تركوا فرجةً هم فلا مانع أن يسدَّها، ولا يُسمَّى: فرَّق بين اثنين؛ لأنهم هم الذين فرَّقوا على أنفسهم، الفرجة تُسدُّ، والنبي أمر بسدِّ الفُرج، بسدِّ الخلل، لكن إذا كانا متلاصقين ما هناك فرجة ما يصلح أنه يقول: وسّع يا فلان، وسّع يا فلان، ويجلس بينهما، قد يكون بينهما حاجز فلا يُفرق بينهما إذا كانا متلاصقين، أما إذا كانا تركا فرجةً فهما اللَّذان تساهلا، هما اللذان قصرا، فالمشروع للداخلين أن يسدّوا الفُرَج.
وهكذا حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: يقول ﷺ: لا يُفرّق الرجلُ بين اثنين، وفي اللفظ الآخر: لا يحل لرجلٍ أن يُفرِّق بين اثنين مثلما تقدم إذا كانا متلاصقين في الحلقة أو في الصفِّ، أما لو تركوا فرجةً فلا حرج في سدِّها، فالمشروع سدّ الصفوف، وهكذا في حلقات العلم إذا وجد فرجةً دخل فيها.
ومن هذا الباب الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن أبي واقدٍ الليثي قال: كان النبي ﷺ جالسًا يومًا بين أصحابه، يعني: يُحدِّثهم ويُذكرهم، فدخل ثلاثة في المسجد، فجاء أحدهم فوجد فرجةً في الحلقة فدخل فيها، والآخر جلس خلف الحلقة، والثالث خرج، ولما فرغ النبي ﷺ حديثه قال: ألا أُنبئكم بشأن الثلاث؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أما أحدهم فآوى فآواه الله الذي دخل في الحلقة، لما وجد في الحلقة دخل فيها، وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه الذي جلس خلفها، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه.
هذا يدل على أن الفجوات التي في الصفوف والحلقات لا بأس بسدِّها، ولا يُسمَّى مُفرِّقًا بين اثنين، إنما يُسمَّى: مُفرِّقًا إذا باعد بينهما ودخل بينهما، فإنه متصرف فيهم حينئذٍ، وليس له الحقّ في ذلك؛ لأنه قد سبق.
وهكذا حديث حذيفة في الحلقة، الجلوس وسط الحلقة، إذا كانت حلقة علم أو حلقة ..... يتحدثون في شؤونهم فليس له أن يجلس وسطهم، بل يجلس خلفهم، ومَن وجد فرجةً يجلس في الفرجة، ولا يجلس وسطهم، وليس له أن يتخطاهم ويجلس في وسطهم؛ ولهذا في الحديث أن الرسول لعن مَن جلس وسط الحلقة، وهذه الحلقة تشمل حلقات العلم، وحلقات دراسات القرآن وتحفيظه، وحلقات أخرى لشؤون بين أهل البيت أو غيرهم يتحلَّقون لدراستها والبحث فيها، فليس لأحدٍ أن يتخطَّى الحلقة ويجلس وسطها لهذا الحديث.
ولعلَّ السر في ذلك أنه قد أساء أدبه في حقهم، وربما أثَّر عليهم بحيث لا يُريدونه للجلوس بينهم، يضرهم في سماع أحاديثهم، أو في التشويش عليهم، أو في غير هذا مما يكون فيه سوء أدبٍ مع المتحلقين. وفَّق الله الجميع.
7/830- وعن أَبي سعيدٍ الخدريِّ قَالَ: سَمِعتُ رَسُول الله ﷺ يقول: خَيْرُ الْمَجَالِسِ أوْسَعُهَا رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيحٍ عَلَى شرطِ البخاري.
8/831- وعن أَبي هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: مَنْ جَلَسَ في مَجْلسٍ فَكثُرَ فيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أنْ يَقُومَ منْ مجلسه ذَلِكَ: سُبْحانَك اللَّهُمَّ وبحَمْدكَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا أنْتَ، أسْتَغْفِركَ وَأتوبُ إلَيْك، إلَّا غُفِرَ لَهُ ماَ كان في مَجْلِسِهِ ذلكَ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
9/832- وعن أَبي بَرْزَةَ قال: كان رسول الله ﷺ يقولُ بأَخَرَةٍ إذَا أرَادَ أنْ يَقُومَ مِنَ الْمَجْلِسِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدكَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا أنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ، فقال رَجُلٌ: يا رسول الله، إنَّكَ لَتَقُولُ قَوْلًا مَا كُنْتَ تَقُولُهُ فِيما مَضَى؟ قَالَ: ذلكَ كفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ في الْمَجْلِسِ رواه أَبُو داود، ورواه الحاكم أَبُو عبدالله في "المستدرك" من رواية عائشة رضي الله عنها، وقال: صحيح الإسناد.
الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بآداب المجلس والجليس، تقدمت في ذلك أحاديث تدل على مسائل كلها تتعلق بالمجلس والجليس، وذلك من محاسن الشريعة؛ لأن الشريعة الكاملة التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام عن الله قد اشتملت على الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والآداب في كل عملٍ: في صلاةٍ وصومٍ وزكاةٍ وبيعٍ وشراءٍ ونكاحٍ وغير ذلك، ومن جملة ذلك آداب المجلس والجليس، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11]، والله جلَّ وعلا أمر هنا بالتفسح، وأمر بالنُّشوز، يعني: الارتفاع والقيام من مكانٍ إلى مكانٍ لمصلحة الجليس؛ حتى يتوسع المكان، وحتى يأخذ من الناس أكثر.
وتقدم قوله ﷺ: لا يُقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن تفسَّحوا وتوسَّعوا متفق عليه، والسنة إذا دخل الإنسانُ المجلسَ أو الحلقة لا يُقيم أحدًا، بل يجلس حيث انتهى المجلس، فإذا وجد فرجةً جلس فيها، وإلا قصد أطراف الحلقة وجلس فيها، فإن كانت الحلقة كاملةً ليس فيها مكان جلس خلفها، ولا يُزاحم الناس، ولا يجلس وسط الحلقة، وتقدم قوله ﷺ: ملعون مَن جلس وسط الحلقة.
وفي هذا حديث أبي سعيدٍ: يقول ﷺ: خير المجالس أوسعها؛ لأنه إذا كان واسعًا اتَّسع للحلقات الكثيرة، والطلبة الكثيرين، والزوار الكثيرين، فينبغي أن يكون المجلس واسعًا حسب الطاقة؛ حتى لا يضيق بالجالسين والزوار، ولا سيما مجالس أهل العلم والأمراء ومَن يغشاهم الناس: كشيوخ القبائل وأشباههم ممن يغشاهم الناس، ينبغي أن تكون مجالسهم واسعةً حتى تتسع للناس ولأصحاب الحاجات ولطلبة العلم إذا كانوا من أهل العلم.
وفي الحديث الثاني والثالث الدلالة على كفَّارة المجلس، المجلس له كفَّارة، فإذا أراد الإنسانُ أن يقوم من المجلس يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك اللهم وأتوب إليك، يقول ﷺ: إذا جلس المسلم فكثر فيه لغطه فأتى بهذه الكلمات فهو كفَّارة له، وكان يفعل ذلك إذا أراد أن يقوم عليه الصلاة والسلام، ويقول: إنها كفَّارة المجلس، وقد فسَّر قوله جلَّ وعلا: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ [الطور:48] بهذا الذكر، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ يعني: حين تقوم من المجلس.
فالإنسان ينبغي له أن يستعمل هذا الذكر، مع التوبة، مع الندم، إذا كانت حصلت منه معصية لا بد من توبةٍ وعدم إصرارٍ، ويقول: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك اللهم وأتوب إليك" عند القيام، مُظهرًا للتوبة والندم، إن كانت هناك معصية صدرت في المجلس يندم عليها، ويعزم ألا يعود فيها حتى يكون صادقا، ولا يكون صادقًا إلا إذا لم يُصرّ؛ لأنَّ الله قال: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا [آل عمران:135]، التائب الصادق في الاستغفار هو الذي يتوب بقلبه ولسانه، بلسانه بالكلام، وبقلبه بعدم الإصرار، يندم على المعصية ويعزم ألا يعود فيها، ويجتهد في السلامة منها. وفَّق الله الجميع.
10/833- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قَلَّمَا كَانَ رسولُ الله ﷺ يَقُومُ مِنْ مَجْلسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بهؤلاءِ الدَّعَوَاتِ: اللَّهمَّ اقْسِم لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تحُولُ بِه بَيْنَنَا وبَينَ مَعاصيك، وَمِنْ طَاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنَا بِه جَنَّتَكَ، ومِنَ اليَقين ما تُهَوِّنُ بِه عَلَيْنا مَصَائِبَ الدُّنيَا، اللَّهُمَّ مَتِّعْنا بأسْمَاعِنا وأبْصَارنا وقُوَّتِنا مَا أحييتَنَا، واجْعَلْهُ الوَارِثَ منَّا، واجعَل ثَأْرَنَا عَلى مَنْ ظَلَمَنَا، وانْصُرْنا عَلى مَنْ عادَانَا، وَلا تَجْعَلْ مُصيبَتَنا فِي ديننا، وَلا تَجْعلِ الدُّنْيَا أكبَرَ همِّنا، وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلا تُسَلِّط عَلَينَا مَنْ لا يَرْحَمُنا رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
11/834- وعن أَبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: مَا مِنْ قَوْمٍ يَقومونَ منْ مَجْلسٍ لا يَذْكُرُون الله تَعَالَى فِيهِ إِلَّا قَاموا عَنْ مِثلِ جيفَةِ حِمَارٍ، وكانَ لَهُمْ حَسْرَةً رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيحٍ.
12/835- وعنه، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: مَا جَلَسَ قَومٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكرُوا الله تَعَالَى فِيهِ ولَم يُصلُّوا عَلَى نَبِيِّهم فِيهِ إلَّا كانَ عَلَيهِمْ تِرَةٌ، فإِنْ شاءَ عَذَّبَهُم، وإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُم رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
13/836- وعنه، عن رسول الله ﷺ قَالَ: مَنْ قعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ الله تَعَالَى فِيهِ كَانَت عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تِرَة، وَمَن اضطجَعَ مُضْطَجَعًا لا يَذْكرُ الله تَعَالَى فِيهِ كَاَنتْ عَليْه مِنَ اللهِ تِرَةٌ رواه أَبُو داود.
الشيخ: هذه الأحاديث الأربعة تتعلق بآداب المجلس والجليس، وتقدم في ذلك عدة أحاديث تتعلق بهذا المقام، وقد قال الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11]، فالمؤمنون مأمورون بالتَّفسح والتَّوسع والتَّأدب والنُّشوز من مكانٍ إلى مكانٍ إذا اقتضت المصلحة ذلك؛ حتى يُوسِّعوا لإخوانهم، حتى ينظموا مجالسهم على وجهٍ يُرضي الله جلَّ وعلا، ويحصل به نفعٌ للجميع.
وتقدم قوله ﷺ: لا يُقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن تفسَّحوا وتوسَّعوا، وتقدم نهيه ﷺ أن يُفرِّق الرجلُ بين اثنين؛ لأنَّ هذا قد يُسبب شحناء وعداوة، فلا يُزحزحهما ويجلس بينهما، أما إذا كانت هناك فرجة لم يسدّها الجالسون أو الصَّافون فإنه يُشرع سدّها، سواء كانت في صفٍّ أو حلقةٍ؛ لأنهم هم الذين قصَّروا وأهملوا، أما أن يُفرِّقهم وهم متلاصقون فلا، ينتهي حيث ينتهي المجلس .....
وفي هذا تقدم قوله ﷺ: ما من قومٍ يجلسون مجلسًا يجلس مجلسًا يكثر فيه لغطه فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك اللهم وأتوب إليك، إلا كان كفَّارة له، وكان يقول ذلك إذا قام من مجلسه عليه الصلاة والسلام، وهذا من آداب المجلس، إذا قام يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك اللهم وأتوب إليك إن كان خيرًا كالطابع عليه، وإن كان فيه نقص وسيئة كان من أسباب المغفرة.
والنبي ﷺ كان قلَّما يقوم من مجلسٍ إلا دعا بهذه الدعوات: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، وفي لفظٍ: معاصيك، ومن طاعتك ما تُبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تُهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على مَن ظلمنا، وانصرنا على مَن عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا تُسلط علينا مَن لا يرحمنا، هذه دعوات عظيمة ..... دعوات عظيمة مفيدة ونافعة.
فينبغي الدعاء بالدعوات الطيبة إذا جلس مجلسًا فيه إنسان، ويسأل الله المغفرة والعفو؛ لأنَّ المجالس مظنة أن يقع فيها شيء من الخطأ أو الغيبة أو غير ذلك من المعاصي، فإذا أكثر فيها من ذكر الله ومن الدَّعوات الطيبة كان هذا من أسباب المغفرة.
وهكذا إذا ختم الجلوس بهذا الذكر: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك اللهم وأتوب إليك كان هذا من أسباب المغفرة.
وفي الأحاديث الثلاثة الأخيرة الدلالة على أنه ما ينبغي للمؤمن الغفلة إذا جلس في المجلس، بل ينبغي له إذا قعد مقعدًا -أي مقعدٍ في المسجد أو في البيت- ألا يُخليه من ذكر الله والصلاة على النبي ﷺ، متى خلا من ذلك وصار محلَّ غفلةٍ صارت عليهم ترة، يعني: نقص وحسرة يوم القيامة.
وهكذا أي إنسانٍ يضطجع مضطجعًا لم يذكر الله فيه ولم يُصلِّ على النبي ﷺ إلا كان عليه ترة، يعني: نقص، وفي روايةٍ: حسرة يوم القيامة، ويتندم، كون هذا المجلس لم يُعمر بذكر الله ولا بالصلاة على النبي ﷺ.
وفي اللفظ الآخر: أنهم إذا قاموا ولم يذكروا الله ولم يُصلوا على النبي ﷺ قاموا عن مثل جيفة حمار يعني: قاموا عن محلٍّ نتنٍ رديءٍ فاتتهم فيه أسباب المغفرة، وكان عليهم ترة يعني: حسرة يوم القيامة، قال: وهو معناه كان عليهم نقص يندمون عليه.
فالمقام مقام عظيم، وهو أنه ينبغي للجالسين ألا يغفلوا في المجالس عن ذكر الله والصلاة على النبي ﷺ أينما كانوا: في الصحراء، أو في البيوت، أو في المساجد، أو في الطائرة، أو في المركبات البحرية، أو في السيارة، أينما كانوا، ينبغي للمؤمن أن تكون له عناية بمجلسه؛ يذكر الله فيه، ويُصلي على النبي ﷺ، ولا يغفل، وإذا كان مع قومٍ ذكروا الله ورفع صوته بذلك حتى يُذكرهم، ويُصلي على النبي حتى يُسمعهم، حتى يُعينهم على ذكر الله والصلاة على نبيه عليه الصلاة والسلام، فيكون له مثل أجورهم؛ لأنه ذكرهم الخير، ودعاهم إليه بقوله أو بفعله، وهذا من نعم الله العظيمة، فإن الذكر ميسر بحمد الله وخفيف، ليس فيه مشقة، ومع هذا فيه خير عظيم.
فينبغي للعبد أن يُكثر من ذكر الله، يقول النبي ﷺ: سبق المفردون، قيل: يا رسول الله، ما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات، وقال عليه الصلاة والسلام: الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحبّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس هذا فيه خير عظيم، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: أحبّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
وفي الحديث الصحيح: الإيمان بضع وسبعون شعبة -أو قال: بضع وستون- فأفضلها قول: لا إله إلا الله، أفضل الكلام: لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، ثم التسبيح والتهليل، كله من طيب الكلام، فإن جمع بين ذلك جمع الخير كله: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهو ماشٍ أو مُضطجع أو في مجلسٍ مع الناس، في أي حالٍ ينبغي أن تكون أوقاته معمورةً بالذكر، ولسانه رطب من الذكر.
وفَّق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.
130- باب الرؤيا وَمَا يتعلق بها
قَالَ الله تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [الروم:23].
1/837- وعن أبي هريرةَ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يقول: لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّة إِلَّا المُبَشِّراتُ، قالوا: وَمَا المُبَشِّراتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحةُ رواه البخاري.
2/838- وعنه: أنَّ النبيَّ ﷺ قَالَ: إذَا اقتَربَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا المُؤْمن تَكذبُ، وَرُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ منْ ستَّةٍ وَأرْبَعينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوةِ متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي روايةٍ: أصْدَقُكُم رُؤْيَا أصْدقكُم حَديثًا.
3/839- وعنه قَالَ: قالَ رسولُ الله ﷺ: مَنْ رَآنِي في المنَامِ فَسَيَرَاني في اليَقَظَةِ -أوْ كأنَّمَا رآني في اليَقَظَةِ- لا يَتَمثَّلُ الشَّيْطانُ بي مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالرؤيا، والرؤيا أقسام: منها الرؤيا الصالحة من الله، ومنها رؤيا من الشيطان، ومنها أشياء يتحدث بها الإنسان قبل النوم فيراها في النوم من أمور دنياه.
وفي هذا الحديث يقول ﷺ: لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات؛ لأنَّ النبوة خُتمت بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام، هو خاتم الأنبياء، ما بعده نبي عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]، وتواترت عنه الأحاديث عليه الصلاة والسلام أنه قال: أنا خاتم النبيين، لا نبيَّ بعدي، فالنبوة ذهبت بمحمدٍ ﷺ، ختم بها، ولكن بقيت المبشرات، وهي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له هذه المبشرات، ولما سُئل عنها عليه الصلاة والسلام قال: الرؤيا الصالحة، وفي الرواية الأخرى: يراها المسلم أو تُرى له.
هذه المبشرات نوع من النبوة؛ ولهذا قال: الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وقال: إذا اقترب الزمان -أي عند آخر الزمان وتغير الأحوال- لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب يعني: إذا رآها تكون مثل فلق الصبح، قال: وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا، فالمؤمن إذا صدق في اليقظة في حديثه وأكمل في دينه كان أصدق في رؤياه، وأقرب إلى صحة ما رأى.
وفي الحديث الثالث يقول ﷺ: مَن رآني في المنام فقد رآني، وفي اللفظ الآخر: فسيراني، فإنَّ الشيطان لا يتمثل بصورتي ..... فقد رآني يعني حقيقةً؛ لأن الشيطان لا يتمثل بصورته، وفي اللفظ الآخر: لا يتمثل بي، فمَن رآه ﷺ على صورته التي هو عليها فقد رآه، وهي بُشرى، إذا رآه، أو رآه يأمر بخيرٍ، أو ينهاه عن شرٍّ فهذه بشرى، ينبغي له أن يتأدَّب وينتبه ويفعل ما أُرشد إليه، أما إذا رآه على غير صورته: كأن يراه شابًّا لا لحيةَ له، أو بلحية كبيرة قد شاب شيبًا واضحًا، أو يراه قصيرًا جدًّا، أو طويلًا جدًّا فلم يره؛ لأنه ربعة من الرجال ﷺ، أبيض اللون مُشرب بحُمرة، لحيته سوداء، ليس فيها إلا شعرات قليلة عند موته من الشيب، وإذا رآه يأمره بشرٍّ أو ينهاه عن خيرٍ فهي علامة أنه من الشيطان، وأنه لم يرَ النبي ﷺ إذا رآه يأمر بالفواحش .....
فليُحدِّث به مَن يُحب، وفي اللفظ الآخر: يُحدِّث به مَن شاء، وهي بشرى المسلم، فإذا رأى أنه دخل الجنة، رأى أنه لقي النبي ﷺ وهو راضٍ عنه، رأى أنه يُصلي، يقرأ القرآن، رأى أنه يُجاهد في سبيل الله، رأى أنه يطلب العلم، رأى أنه مع الأخيار في مجالس العلم، أو في مجالس الخير، فهذه رؤيا صالحة يُحدِّث بها مَن شاء، ويحمد الله عليها.
أما إن رأى رُؤى تسوؤه: كأن يرى أنه يُقتل أو يُضرب، أو أنه مع أصحاب الجرائم، أو أنه في محل خطرٍ، هذه من الشيطان، فإذا استيقظ فلينفث عن يساره ثلاث مرات، يتفل عن يساره ثلاث مرات ويقول: "أعوذ بالله من الشيطان ومن شرِّ ما رأيتُ" ثلاث مرات، ثم ينقل على جنبه الآخر، فإنها لا تضرّه، ولا يُخبر بها أحدًا، هكذا أمر النبي ﷺ.
كثيرٌ من الناس تُتعبهم المرائي، وتُشوش عليهم حياتهم، ولو استعملوا ما قاله النبي سلموا من هذا التشويش، فإذا رأى الإنسانُ ما يكره –أي: رؤيا في الليل أو في النهار- فلينفث عن يساره ثلاث مرات، يتفل عن يساره ثلاث مرات ويقول: "أعوذ بالله من الشيطان ومن شرِّ ما رأيتُ" ثلاث مرات، ثم ينقلب على جنبه الآخر، فإنها لا تضرّه، ولا يُخبر بها أحدًا، يتركها كأنه ما رأى شيئًا، هذا هو المشروع له، وبذلك تنتهي المشكلة، ولا يهمه ما رأى؛ لأنَّ الشيطان حريص على إحزان بني آدم، ولا سيما المسلم حريص على إحزانه وإيذائه والتَّشويش عليه، فينبغي للمسلم أن يُهين عدو الله؛ إذا رأى ما يكره أن ينفث عن يساره ثلاث مرات ويقول: "أعوذ بالله من الشيطان ومن شرِّ ما رأيت" ..... حتى يُهينه بذلك ويرد عليه كيده. وفَّق الله الجميع.
4/840- وعن أَبي سعيدٍ الخدريِّ : أنَّه سمِع النَّبيَّ ﷺ يقول: إِذَا رَأى أَحدُكُم رُؤْيَا يُحبُّهَا فَإنَّما هِيَ مِنَ اللهِ تَعَالَى، فَلْيَحْمَدِ اللهَ عَلَيهَا، وَلْيُحَدِّثْ بِها. وفي روايةٍ: فَلا يُحَدِّثْ بَها إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، وَإذا رَأَى غَير ذَلك مِمَّا يَكْرَهُ فإنَّما هِيَ منَ الشَّيْطانِ، فَلْيَسْتَعِذْ منْ شَرِّهَا، وَلا يَذكرها لأَحَدٍ، فَإنَّهَا لا تضرُّه متفقٌ عَلَيْهِ.
5/841- وعن أَبي قَتَادَة قَالَ: قَالَ النبيُّ ﷺ: الرُّؤْيَا الصَّالحةُ -وفي روايةٍ: الرُّؤيَا الحَسَنَةُ- منَ اللهِ، والحُلُم مِنَ الشَّيْطَان، فَمَن رَأى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَن شِمَاله ثَلاثًا، ولْيَتَعَوَّذْ مِنَ الشَّيْطان، فَإنَّها لا تَضُرُّهُ متفق عليه.
6/842- وعن جابرٍ ، عن رَسُولِ الله ﷺ قَالَ: إذَا رَأى أحَدُكُم الرُّؤيا يَكْرَهُها فلْيَبْصُقْ عَن يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ ثَلاثًا، وليَتَحوَّل عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رواه مسلم.
7/843- وعن أَبي الأسقع واثِلةَ بن الأسقعِ قال: قال رسولُ الله ﷺ: إنَّ مِنْ أعظَم الفِرَى أنْ يَدَّعِي الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أبِيه، أوْ يُرِي عَيْنَهُ مَا لم تَرَ، أوْ يقولَ عَلَى رسول الله ﷺ مَا لَمْ يَقُلْ رواه البخاري.
الشيخ: هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالرؤيا، تقدم قول النبي ﷺ: ذهبت النبوة وبقيت المبشرات، وفي اللفظ الآخر: لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات، قيل: يا رسول الله، ما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها المسلمُ أو تُرى له، فالنبوة انقطعت وذهبت بختمها بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام، هو خاتم الأنبياء، ليس بعده نبي ولا رسول، ولكن بقيت المبشرات التي تُبشر المسلم والمسلمة بالخير، وهي الرؤيا الصالحة التي يراها الإنسانُ أو يراها له أخوه.
وفي هذا حديث أبي سعيدٍ: أمر النبي ﷺ مَن رأى رؤيا صالحة أن يحمد الله أن يسَّر له هذه الرؤيا التي تُبشره بالخير، وليُحدِّث بها، يُخبر بها مَن شاء، وفي اللفظ الآخر: ولا يُحدِّث بها إلا مَن يُحبُّ يعني: يُخبر بها أحبابه ومَن يسرهم ذلك، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرِّها، وفي اللفظ الآخر: فليتعوّذ بالله من الشيطان، وفي حديث جابرٍ: فليبصق عن شماله ويتعوّذ بالله من الشيطان.
وحديث أبي قتادة وحديث جابر كلاهما وما جاء في معناهما يدل على أنه يُشرع للمؤمن إذا رأى رؤيا صالحة أن يحمد الله عليها، وإذا رأى رؤيا مكروهة أن يستعيذ بالله من الشيطان ومن شرِّ ما رأى ثلاث مرات، ينفث عن يساره ثلاث مرات ويقول: "أعوذ بالله من الشيطان ومن شرِّ ما رأيتُ" ثلاث مرات، يُكررها، ثم ينقلب على جنبه الآخر، ولا يُخبر بها أحدًا، فإنه لا تضرّه.
والرؤيا الصالحة والرؤيا المكروهة لها أمثلة كثيرة:
الرؤيا الصالحة: إذا رأى أنه يطلب العلم، يحضر حلقات العلم، يرى أنه دخل الجنة، يرى أنه لقي النبي ﷺ بشَّره بخيرٍ، يرى أنه يصحب الصالحين والأخيار، يرى أنه يُصلي، إلى غير هذا من المرائي الحسنة.
والرؤيا السيئة: يرى أنه يُضرب، يرى أنه مخنوق، يرى أنه غرق في الماء، يرى أنه أُحرق بالنار، يرى أنه في محلٍّ خطيرٍ موحشٍ، يرى أنه مع أناس أشرار، إلى غير هذا من المرائي السيئة.
فإذا رأى ما يُحب فليحمد الله، إذا كانت رؤيا صالحة فليُحدِّث بها مَن يُحب، وإذا رأى ما يكره فإنه يبصق عن يساره ثلاث مرات ويقول: "أعوذ بالله من الشيطان ومن شرِّ ما رأيتُ" ثلاث مرات، ثم ينقلب على جنبه الآخر، فإنها لا تضرّه، ولا يُخبر بها أحدًا، لا يُخبر الناس؛ لأنها غير سارة، غير طيبة، فلا حاجة إلى إخبار الناس.
وفي حديث واثلة بن الأسقع الدلالة على ثلاث مسائل:
إحداها: أن من أعظم الفِرَى أن يدَّعي الإنسانُ إلى غير أبيه، الفرى: الكذب، يعني: قد افترى على الله الكذب، يعني: كذب، والفرية: الكذبة، من أعظم الكذب أن يدَّعي لغير أبيه من أجل طمعٍ في مالٍ أو لأسبابٍ أخرى، ليس له أن ينتسب إلى غير أبيه مثلما يفعل بعضُ الناس؛ ينتسب إلى أنساب غير أبيه لأنه معروف في الدولة، ومعروف في الشعب؛ حتى يقال نسيب أو ما أشبه ذلك، أو لأسبابٍ أخرى، ليس له ذلك، والله أمر الناس أن يدعو الأولاد إلى آبائهم: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5]، ومن الكبائر العظيمة: أن ينتسب لغير أبيه.
الثانية: أن يُري عينه ما لم ترَ، يقول: رأيتُ كذا ..... وهو يكذب، هذا من الكذب أيضًا، سواء في اليقظة، أو في النوم، كله كذب لا يجوز، فلا يجوز له أن يُري عينه: رأيتُ كذا ورأيتُ كذا، وهو لم يرَ شيئًا.
كذلك أعظم من ذلك وأكبر أن يقول على الرسول ﷺ ما لم يقل، يعني: يكذب على الرسول ﷺ، يقول ﷺ: مَن كذب عليَّ مُتعمدًا فليتبوأ مقعده من النار، يقول ﷺ: مَن قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار، وفي اللفظ الآخر: مَن قال عليَّ ما لم أقل يلج النارَ، وذلك من أكبر الكبائر؛ أن يكذب على الرسول ﷺ كما يفعل الكذَّابون، وقال بعضُ أهل العلم أنه يكفر بذلك، نسأل الله العافية، فالواجب الحذر، وإذا شكَّ في الحديث ولم يعلم صحته يقول: يُروى. لا يجزم حتى لا يقع في هذا المحظور. وفَّق الله الجميع.
كتَاب السَّلام
131- باب فضل السلام والأمر بإفشائه
قَالَ الله تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27].
وقال تَعَالَى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً [النور:61].
وقال تَعَالَى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86].
وقال تَعَالَى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ [الذاريات:24- 25].
1/844- وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ رَجُلًا سَألَ رسول الله ﷺ: أيُّ الإسلام خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِم الطَّعَامَ، وَتَقْرأُ السَّلام عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ مُتَّفَقٌ عليه.
2/845- وعن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ ﷺ قال: لما خَلَقَ الله تعالى آدَمَ ﷺ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولئِكَ، نَفَر مِنَ المَلائكة جُلُوسٌ، فاسْتَمعْ ما يُحَيُّونَكَ، فَإنَّها تَحيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِك، فَقَالَ: السَّلام عَلَيْكُمْ، فقالوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَزادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ متفقٌ عَلَيْهِ.
3/846- وعن أَبي عُمارة البراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما قَالَ: أمرنا رسولُ الله ﷺ بِسَبْعٍ: بِعِيادَةِ المرِيضِ، وَاتِّباع الجَنائز، وَتَشْميت العَاطس، ونصرِ الضَّعِيف، وَعَوْن المَظْلُومِ، وإفْشاءِ السَّلام، وإبرارِ المُقْسِمِ. متفقٌ عَلَيْهِ، هَذَا لفظ إحدى روايات البخاري.
الشيخ: هذه الآيات الكريمات والأحاديث النبوية كلها تتعلق بالسلام وفضله والترغيب فيه، والسلام تحية المسلمين، وفيه إيناس للمسلم عليه، وفيه أيضًا تآلف وتعارف ودعوة للسلام، وهو ضد الهجران، وضد الوحشة، وضد التقاطع؛ ولهذا شرعه الله لما فيه من الخير العظيم وتقريب القلوب وإزالة الشحناء والعداوة والتَّهاجر، والتآلف بين المسلمين والتَّحابب.
يقول جلَّ وعلا في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27]، فالاستئناس في الاستئذان، ثم يُسلم: السلام عليكم، السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إذا دخل من غير سلامٍ كان ذلك من أعظم الجفاء، وربما أفسد على أهل البيت دهشةً واستنكارًا، فهو علامة الأمان، وعلامة الخير، وعلامة المحبة، وعلامة الإيناس والتآلف، قال تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ [النور:61] يعني: سلموا على أهلكم، أنفسكم يعني: يُسلم بعضكم على بعضٍ، مثل قوله جلَّ وعلا: وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [الحجرات:11] يعني: لا يلمز بعضُكم بعضًا: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:29] يعني: لا يقتل بعضُكم بعضًا.
وقال جلَّ وعلا: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، فالمسلَّم عليه إما أن يردَّ، وذلك واجب، وإما أن يزيد، وهو أفضل، والزيادة إذا قال: السلام عليكم، يقول: وعليكم السلام ورحمة الله، يزيد، أو: ورحمة الله وبركاته، هذا أفضل؛ لأنه زاد خيرًا ودعوة.
وهكذا الملائكة لما سلَّم عليهم آدم زادوه، فإنَّ الله لما خلق آدم ونفخ فيه الروح وتمَّ خلقه قال له: اذهب إلى أولئك الملائكة فسلِّم عليهم، واسمع ما يُحيونك، فإنها تحيَّتك وتحيَّة ذريتك. فذهب إليهم وسلَّم قال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله، هذا هو الأفضل، كما قال تعالى: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا، فالتحية بالأحسن أفضل وأولى.
ويأتي في الحديث أنه لما دخل رجلٌ وسلَّم وقال: السلام عليكم، قال النبي ﷺ: عشر، ردَّ عليه وقال: عشر، فلما جاء الآخر وسلَّم وقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه وقال: عشرون، وجاء ثالثٌ وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فردَّ عليه وقال: ثلاثون، يعني: الأول له عشر حسنات، والثاني عشرون حسنة، والثالث ثلاثون؛ لأنَّ الحسنة بعشر أمثالها.
والحديث الثالث حديث البراء بن عازبٍ الأنصاري وعن أبيه: قال أنَّ الرسول ﷺ أمرهم بسبعٍ، أي: بسبع خصال، والمسلمون لهم حقوق كثيرة أكثر من السبع، خصال الخير كثيرة، لكن هذه منها: أمرهم بعيادة المريض، من حقِّ المسلم على أخيه أن يعوده إذا مرض؛ لما فيه من الحفاوة به، والحرص على معرفة سلامته، ومُواساته فيما أصابه، فعيادة المريض فيها خير كثير، وهي تُؤثر على المريض، وتُريح باله، ويرى أنَّ إخوانه يحرصون عليه، والحرص على زيارته.
واتِّباع الجنائز كذلك فيها مواعظ للصلاة والدفن، فاتباع الجنازة حتى يُصلَّى عليها، حتى تُوارى في قبرها، هذا فيه فضل كبير، فيه تذكر للموت، وترغيب في الاستعداد له، ومواساة لأهل الميت، وتعزية لهم.
وكذلك تشميت العاطس إذا حمد الله، يقول: يرحمك الله، وهو يقول: يهديكم الله ويُصلح بالكم، أما إذا لم يحمد لا يُشمت، إذا كان عطس وقال: الحمد لله، يقول: يرحمك الله، وهو يقول: يهديكم الله ويُصلح بالكم.
الرابعة: إبرار القسم، وفي روايةٍ: المقسم، إذا أقسم عليك أخوك تبرّ قسمه، مثل: يقول: والله تشرب هذا الفنجان، والله أنك تتغدى عندنا اليوم، أو تتعشى، إذا تيسر لك إبرار قسمه تبرّ قسمه أو تعتذر إليه بما يسر خاطره.
الخامسة: نصر المظلوم والضعيف، وأنه ينصره بالشفاعة، بالكلام الطيب، بغير هذا من وجوه النصر: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسلمه يعني: لا يخذله، بل ينصره بالطرق الشرعية.
والسادسة: إجابة الداعي: إذا دعاك أخوك تُجيب دعوته لوليمة عرسٍ أو غيرها، إذا كانت الدَّعوة ليس فيها محظور، ليس فيها منكر تُجيب دعوته، أما إذا كان يستحق الهجر لإظهاره المعاصي، أو الدَّعوة فيها منكر: كشرب الخمر ونحو ذلك؛ فلا تُجاب دعوته، إذا كان سليمًا يُجاب، يقول ﷺ: إذا دُعي أحدكم فليُجِب، ويقول ﷺ: مَن لم يُجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله، وإجابة الدعوة فيها أيضًا تآلف وتعاون على الخير، ومواساة وإيناس لأخيه، وأسباب للتَّزاور، إذا زرته زارك، وإذا أجبت دعوته أجاب دعوتك، فيحصل بهذا من الألف والتَّحاب والتَّعارف الشيء الكثير.
السابعة: إفشاء السلام: كونه يُفشي السلام، لا يكون مُتكبِّرًا ولا جافيًا، بل إذا مرَّ على إخوانه سلَّم، وإذا سلَّموا عليه ردَّ، هكذا السنة، يقول ﷺ: أولى الناس بالله مَن بدأهم بالسلام، ويقول ﷺ: والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنةَ حتى تُؤمنوا، ولا تُؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتُموه تحاببتُم؟ أفشوا السلام بينكم، فإفشاء السلام من أسباب التَّحاب والتواصل والتَّزاور والتَّعارف، ويقول ﷺ: أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلامٍ هذه خصال الخير، هكذا برّ الوالدين، وصلة الرحم، كلها من خصال الخير، ومن مكارم الأخلاق: إكرام الضيف، فالمؤمن ينظر في خصال الخير وأعمال الخير فيأخذ منها بنصيبٍ ويجتهد. وفَّق الله الجميع.
4/847- وعن أَبي هريرةَ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله ﷺ: لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤمِنوا حَتى تحَابُّوا، أَوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُم؟ أَفْشُوا السَّلام بَيْنَكُم رواه مسلم.
5/848- وعن أَبي يوسف عبدالله بن سلام قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يقول: يَا أيُّهَا النَّاسُ، أفْشُوا السَّلام، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا والنَّاس نيامٌ؛ تَدْخُلوا الجَنَّة بِسَلامٍ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
6/849- وعن الطُّفَيْل بن أُبَيِّ بن كعبٍ: أنَّه كَانَ يأتي عبدالله بن عمر فيغدو مَعَهُ إِلَى السُّوقِ, قَالَ: فإذَا غَدَوْنَا إِلَى السُّوقِ لَمْ يَمُرَّ عَبدُالله عَلَى سَقَّاطٍ وَلا صَاحِبِ بيعَةٍ وَلا مسكينٍ وَلا أحَدٍ إِلَّا سَلَّم عَليه، قَالَ الطُّفَيلُ: فَجِئْتُ عبدالله بنَ عُمرَ يَوْمًا فاستَتْبَعَني إِلَى السُّوقِ، فقُلْتُ لَهُ: ما تَصْنَعُ بالسوق وأنْتَ لا تَقِفُ عَلى البَيْع، وَلا تَسْألُ عَن السِّلَعِ، وَلا تَسُومُ بِهَا، وَلا تَجلسُ في مَجَالِسِ السُّوقِ؟! وأقولُ: اجْلِسْ بِنَا ههُنا نَتَحدَّث، فَقَالَ: يَا أَبَا بطنٍ -وَكانَ الطُّفَيلُ ذَا بَطْنٍ- إنَّما نَغْدُو مِنْ أجْلِ السَّلام، فنُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَقِيناهُ. رواه مالك في "المُوطَّأ" بإسنادٍ صحيحٍ.
الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة في بيان فضل السلام وشرعيته والترغيب فيه، منه قوله ﷺ لما سُئل: أي الإسلام خير؟ قال: تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على مَن عرفتَ ومَن لم تعرف، فإفشاء السلام من الأمور التي شرعها الله وأمر بها، وهي من أسباب التآلف والتحاب في الله والتَّعارف، ومن أسباب عدم التَّهاجر والشحناء ..... قوله جلَّ وعلا: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، وقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27]، وقوله جلَّ وعلا: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً [النور:61] يعني: فيُسلم بعضُكم على بعضٍ، إذا دخل بيتًا يُسلم على أهله.
وفي هذا يقول ﷺ: لا تدخلوا الجنةَ حتى تُؤمنوا، وفي اللفظ الآخر الإقسام: والذي نفسي بيده من حديث الزبير لا تدخلوا الجنةَ حتى تُؤمنوا، ولا تُؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتُموه تحاببتُم؟ أفشوا السلامَ بينكم، هذا يدل على أن إفشاء السلام من أسباب التَّحاب في الله، ومن أسباب كمال الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله، وإفشاء السلام، كل هذا من أسباب كمال الإيمان، ومن أسباب صفاء القلوب وعدم الشحناء والعداوة والتهاجر؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ، يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، خير المتهاجرين الذي يبدأ بالسلام.
ويقول عليه الصلاة والسلام: أولى الناس بالله مَن بدأهم بالسلام، وفي حديث عبدالله بن سلام الإسرائيلي ، عن النبي ﷺ أنه قال: أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنةَ بسلامٍ، هذا من الأخلاق الفاضلة: إفشاء السلام، وإطعام الطعام، وصلة الأرحام، والصلاة في الليل، والتَّهجد في الليل، كل هذه خصال عظيمة.
وتقدم حديث البراء: أن النبي ﷺ أمرهم بسبعٍ، منها: إفشاء السلام؛ لأنَّ إفشاء السلام من الخصال التي دعا إليها المصطفى وحبَّذها ورغَّب فيها.
والحديث الثالث: أثر ابن عمر موقوف عليه، ابن عمر هو عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، إذا أُطلق ابن عمر فهو عبدالله بن عمر، وإلا فله أولاد آخرون، لكن أفضلهم عبدالله وأكبرهم، كان يخرج إلى السوق ويمر على الناس ويُسلم، فقال له الطفيل بن أُبي: يا أبا عبدالرحمن، لو جلسنا هنا نتحدث، قال: إنما نذهب للسوق من أجل السلام، نُسلم على مَن لقينا. فيدل على شرعية السلام على مَن يلقاه .....، وأن السنة للمؤمن إفشاء السلام، وإذا خرج إلى الأسواق بهذه النية الصالحة فيُفشي السلام، ويُسلم على مَن لقي من المؤمنين، فهو مأجور بذلك؛ لأنَّ الله شرع له إفشاء السلام، وفي إفشائه تعليم الجاهل، وتذكير الناسي؛ حتى يتأدَّب الناسُ ويتعلَّموا، إذا رأوا من آبائهم وإخوانهم وكبارهم العناية بالسلام تعلَّموا ذلك واعتادوه، وصار سجيةً لهم؛ تأسيًا بآبائهم وكبارهم. وفَّق الله الجميع.