والمقصود أن الأيتام والمساكين لهما حق على المسلمين، فجدير بالمسلمين ألا يغفلوا عنهما، وأن يعنوا بهما، واليتيم قد يكون له ولي وقد يتولاه من يحسن في ماله وقد يتولاه من يجمع له المال من يلطف به، لكن أولئك الفقراء الكثيرون الذين ليس لهم من يتولاهم ويحسن إليهم جديرون أيضًا بأن يرعوا ويحسن إليهم من الزكاة وغيرها وأن يعطف عليهم من إخوانهم، فرحمة المسكين والعطف عليه من أفضل القربات، والله يقول جل وعلا في كتابه الكريم عن أهل البر: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ [البقرة:177] فجعل هؤلاء هم أهل التقوى هم أهل الصدق بسبب إحسانهم وعنايتهم بهؤلاء الضعفاء، ثم الإحسان إليهم يزيد صاحبه خيرًا ويزيده فضلًا، والله جل وعلا يخلف عليه مع الأجر العظيم كما قال : وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39].
ويقول النبي ﷺ عن الله أنه قال سبحانه: يا ابن آدم أنفق ينفق عليك، وصح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: ما من يوم يصبح فيه الناس إلا وينزل الله فيه ملكين: أحدهما يقول: اللهم أعط منفقا خلفًا، والثاني يقول: اللهم أعط ممسكا تلفا فالإنفاق على المساكين ورحمتهم واللطف بهم ومواساتهم من أعظم القربات ومن أفضل الطاعات، والمحسن موعود بالأجر العظيم مع الخلف مع خلف ما أنفق وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا [المزمل:20] مع ما قال سبحانه: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39].
ثم هذه الصدقة يتقبلها الرب بيمينه، التمرة الواحدة يتقبلها بيمينه جل وعلا ويربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه، وهو فصيله، حتى تكون مثل الجبل إذا كانت من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب ، وفي قوله : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [البقرة:220] ما يوجه أولياء اليتامى إلى ما هو الأصلح، ولأن المقصود الإصلاح لهم وعمل ما فيه الخير لهم فولي اليتيم مفوض في هذا الأمر من جهة الله أنه يعمل ما هو الأصلح، كما يعمل لنفسه، ويجتهد لنفسه فيما هو أصلح، فيجتهد لليتيم أو ما هو أعظم، ذلك حتى يكون بريء الذمة، قد أدى الأمانة وأحسن إلى هذا الفقير، وفي الحديث الصحيح: من لا يرحم لا يرحم، الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، هذا وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعًا لما يرضيه، وأن يسلك بنا صراطه المستقيم جميعًا، ويجعلنا وإياكم ممن يرحم ويحسن ويجود ويتكرم على عباد الله المحاويج والفقراء والمساكين من الأيتام وغيرهم، وأن يرزقنا الاستقامة على أمره والبذل في سبيله.