01 من قوله: (حم، عسق، كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ..)

بسم الله الرحمن الرحيم
 حم ۝ عسق ۝ كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۝ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ۝ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۝ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ [الشورى:1-6].
قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة. وقد روى ابن جرير هاهنا أثرًا غريبًا عجيبًا منكرًا فقال: أخبرنا أحمد بن زهير، حدثنا عبدالوهاب نجدة الحوطي، حدثنا أبو المغيرة عبدالقدوس بن الحجاج، عن أرطاة بن المنذر، قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال له، وعنده حذيفة بن اليمان : أخبرني عن تفسير قول الله تعالى: حم ۝ عسق قال: فأطرق ثم أعرض عنه، ثم كرر مقالته، فأعرض عنه فلم يجبه بشيء، وكره مقالته، ثم كررها الثالثة، فلم يحر إليه شيئًا، فقال له حذيفة : أنا أنبئك بها قد عرفت لم كرهها؟ نزلت في رجل من أهل بيته يقال له: عبدالإله، وعبدالله ينزل على نهر من أنهار المشرق تبنى عليه مدينتان يشق النهر بينهما شقا، فإذا أذن الله تبارك وتعالى في زوال ملكهم، وانقطاع دولتهم، ومدتهم بعث الله على إحداهما نارا ليلا فتصبح سوداء مظلمة قد احترقت كأنها لم تكن مكانها، وتصبح صاحبتها متعجبة كيف أفلتت؟ فما هو إلا بياض يومها ذلك حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد منهم، ثم يخسف الله بها وبهم جميعا فذلك قوله تعالى: حم ۝ عسق [الشورى:1-2] يعني عزيمة من الله تعالى، وفتنة، وقضاء، حم عين: يعني عدلًا منه، سين: يعني سيكون، ق: يعني، واقع بهاتين المدينتين.
وأغرب منه ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في الجزء الثاني من مسند ابن عباس ، وعن أبي ذر عن النبي ﷺ في ذلك، ولكن إسناده ضعيف جدًا، ومنقطع، فإنه قال: حدثنا أبو طالب عبدالجبار بن عاصم، حدثنا أبو عبدالله الحسن بن يحيى الخشني الدمشقي، عن أبي معاوية قال: صعد عمر بن الخطاب المنبر فقال: أيها الناس هل سمع منكم أحد رسول الله ﷺ يفسر حم ۝ عسق  فوثب ابن عباس فقال: أنا، قال: حم اسم من أسماء الله تعالى، قال: فعين؟ قال: عاين المولون عذاب يوم بدر، قال: فسين؟ قال: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا [الشورى:227] أي: منقلب ينقلبون، قال: فقاف؟ فسكت فقام أبو ذر ففسر كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: قاف قارعة من السماء تغشى الناس.
الشيخ: المقصود أن الحديثين لا صحة لهما، الحديث الأخير هذا معضل، والأول في سنده نظر.
شف أحمد بن زهير، وأرطأة بن المنذر.
وقوله : كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي: كما أنزل إليك هذا القرآن كذلك أنزل الكتب والصحف على الأنبياء قبلك. وقوله تعالى: اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي: في انتقامه الحكيم في أقواله وأفعاله.
قال الإمام مالك رحمه الله، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: أن الحارث بن هشام سأل رسول الله ﷺ فقال: يا رسول، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله ﷺ: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانا يأتيني الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول قالت عائشة رضي الله عنها: فلقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ﷺ ليتفصد عرقًا. أخرجاه في الصحيحين، ولفظه للبخاري.
وقد رواه الطبراني عن عبدالله ابن الإمام أحمد عن أبيه عن عامر بن صالح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها عن الحارث بن هشام أنه سأل رسول الله ﷺ كيف ينزل عليك الوحي؟ فقال ﷺ: مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت ما قاله وقال: وهو أشده علي قال: وأحيانا يأتيني الملك فيتمثل لي فيكلمني فأعي ما يقول.
الشيخ: كما قال الله جل وعلا: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ، هذا وقع للنبي ﷺ الثلاث، يأتيه الوحي تارة كصلصلة الجرس، وهو أشده عليه يسمعه، ويصغي إليه، وهو ثقيل عليه كما قال جل وعلا: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل:5]، وتارة يأتيه الملك فيكلمه جبرائيل تارة في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وتارة في صورة غيره فيكلمه، وتارة يكلمه الله، وهو القليل، كما كلمه الله في فرض الصلوات، فرضها عليه مشافهة من غير واسطة، وكما كلم موسى، فهذه أنواع الوحي الثلاثة: تارة يسمعه كصلصلة الجرس بواسطة هذا الملك، وتارة يحضر الملك بنفسه، وتارة يكلم الله الرسول نفسه.
س: رؤياه في المنام، وحي؟
الشيخ: هذه تدخل في جنس الصلصلة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمرو بن الوليد، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: سألت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله هل تحس بالوحي؟ فقال رسول الله ﷺ: أسمع صلاصل، ثم أسكت عند ذلك فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تقبض تفرد به أحمد، وقد ذكرنا كيفية إتيان الوحي إلى رسول الله ﷺ في أول شرح البخاري بما أغنى عن إعادته هاهنا، ولله الحمد والمنة.
وقوله تبارك وتعالى: لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أي: الجميع عبيد له، وملك له، تحت قهره وتصريفه.
الطالب: أرطاة بن المنذر بن الأسود الألهاني -بفتح الهمزة- أبو عدي الحمصي، ثقة من السادسة، مات سنة ثلاث وستين. (بخ د س ق).
الشيخ: منقطع، أرطاة عمن؟
الطالب: أرطاة بن المنذر قال: جاء رجل.
الشيخ: هذا صار منقطع، ذكر في التقريب أنه لم يدرك الصحابة، من أتباع التابعين فيكون منقطع. شوف عبدالوهاب بن نجدة.
الطالب: عبدالوهاب بن نجدة -بفتح النون، وسكون الجيم- الحوطي -بفتح المهملة بعدها واو ساكنة- أبو محمد ثقة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وثلاثين. (د س).
الشيخ: المقصود أن أحمد بن زهير المؤلف حكم عليه بأنه منكر، وهذا فيه علة الانقطاع، وإلا ففيه غرابة النسج.
وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ كقوله تعالى: الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23]، والآيات في هذا كثيرة.
وقوله : تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما، والضحاك، وقتادة، والسدي، وكعب الأحبار أي فرقا من العظمة.
الشيخ: يعني خوفًا من الله.
وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ كقوله جل وعلا: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا [غافر:7]، وقوله : أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ إعلام بذلك، وتنويه به.
وقوله : وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ يعني المشركين اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ أي: شهيد على أعمالهم يحصيها، ويعدها عدا، وسيجزيهم بها أوفر الجزاء وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ أي: إنما أنت نذير، والله على كل شيء وكيل.
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ۝ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [الشورى:7-8].
يقول تعالى: وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا أي: واضحًا جليًا بينًا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى، وهي مكة، وَمَنْ حَوْلَهَا أي: من سائر البلاد شرقًا وغربًا، وسميت مكة أم القرى؛ لأنها أشرف من سائر البلاد لأدلة كثيرة مذكورة في مواضعها، ومن أوجز ذلك وأدله ما قال الإمام أحمد: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، حدثنا أبو سلمة بن عبدالرحمن قال: أن عبدالله بن عدي بن الحمراء الزهري أخبره أنه سمع رسول الله ﷺ يقول وهو واقف بالحزورة في سوق مكة: والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت هكذا رواية الترمذي، والنسائي، وابن ماجه من حديث الزهري به، وقال الترمذي: حسن صحيح.
الشيخ: حط نسخة: أحب أرض الله إليّ. تراجع الأصول إن شاء الله.
شف عبدالله بن عدي بن حمراء في المكبرين الأسماء المكبرة.
س: ما صحة حديث الحزورة؟
الشيخ: الحديث صحيح.
س: ما معنى الحزورة؟
الشيخ: محل معروف في باب الحزورة من أبواب مكة.
وقوله : وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ، وهو يوم القيامة يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، وقوله تعالى: لَا رَيْبَ فِيهِ أي لا شك في وقوعه، وأنه كائن لا محالة.
وقوله جل وعلا: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ كقوله تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ أي: يغبن أهل الجنة أهل النار.
الشيخ: هذا هو الغبن العظيم، هذا هو الغبن الذي ما فوقه غبن -نسأل الله العافية-، أن يساق هؤلاء إلى النار، وهؤلاء إلى الجنة، فرق عظيم، أهل النار قد غبنوا أعظم غبن، وأخبث غبن، ليس له نهاية، نسأل الله العافية، نعوذ بالله!.
وكقوله : إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ۝ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ۝ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هود:103-105]
قال الإمام أحمد، حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا ليث، حدثني أبو قبيل المعافري، عن شُفي الأصبحي، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله ﷺ، وفي يده كتابان فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟، قال: قلنا: لا، إلا أن تخبرنا يا رسول الله. قال ﷺ للذي في يمينه: هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم، وقبائلهم -ثم أجمل على آخرهم- لا يزاد فيهم، ولا ينقص منهم أبدا- ثم قال ﷺ للذي في يساره: هذا كتاب أهل النار بأسمائهم، وأسماء آبائهم، وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم، ولا ينقص منهم أبدًا فقال أصحاب رسول الله ﷺ: فلأي شيء نعمل إن كان هذا الأمر قد فرغ منه، فقال رسول الله ﷺ: سددوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة، وإن عمل أي عمل، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار، وإن عمل أي عمل، ثم قال ﷺ بيده فقبضها ثم قال: فرغ ربكم من العباد -ثم قال باليمنى فنبذ بها فقال: فريق في الجنة-، ونبذ باليسرى، وقال-: فريق في السعير، وهكذا رواه الترمذي، والنسائي جميعًا عن قتيبة عن الليث بن سعد، وبكر بن مضر كلاهما عن أبي قبيل عن شُفي بن ماتع الأصبحي عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما به.
وقال الترمذي حسن صحيح غريب، وساقه البغوي في تفسيره من طريق بشر بن بكر عن سعيد بن عثمان عن أبي الزاهرية عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي ﷺ فذكره بنحوه، وعنده زيادات منها -ثم قال: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، عدل من الله -، ورواه ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن عبدالله بن صالح كاتب الليث، عن الليث به، ورواه ابن جرير، عن يونس، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي قبيل، عن شُفي عن رجل من الصحابة فذكره.
 ثم روي عن يونس، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، وحيوة بن شريح، عن يحيى بن أبي أسيد؛ أن أبا فراس حدثه: أنه سمع عبدالله بن عمرو يقول: إن الله تعالى لما خلق آدم نفضه نفض المزود، وأخرج منه كل ذريته، فخرج أمثال النغف، فقبضهم قبضتين، ثم قال: شقي، وسعيد، ثم ألقاهما، ثم قبضهما فقال: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، وهذا الموقوف أشبه بالصواب، والله أعلم.
الطالب: عبدالله بن عدي بن الحمراء الزهري، قيل: إنه ثقفي، حالف بني زهرة صحابي له حديث في فضل مكة. (ت س ق).
الشيخ: طيب.
الطالب: روى عنه أبو سلمة، ومحمد بن جبير بن مطعم.
الشيخ: طيب.
الطالب: عبدالله بن عدي الأنصاري صحابي آخر روى عنه عبيدالله بن عدي بن الخيار، تمييز.
الشيخ: طيب، نعم.
س: ........
الشيخ: محل تأمل فيه أبو قبيل، لكن له شواهد، أبو قبيل فيه نظر، شف أبو قبيل، لكن له شواهد ذكر المؤلف أن له شواهد، والمعنى صحيح مثل ما قال الله جل وعلا: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، ومثل ما جاء في حديث ابن مسعود أن العبد يكتب أجله، ورزقه، وعمله، وشقي أو سعيد. ومثل ما قال ﷺ: إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء، وهذا أمر معلوم، ولما أخبر في حجة الوداع في حديث جابر قالوا: ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له!. وقال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار النصوص متواترة في هذا، والقرآن دال على ذلك.
الطالب: حزورة كقسورة، الناقة المقبلة، المدللة، والرابية الصغيرة.
الشيخ: يحتمل، بس باب الكرامة ما أشار شيء، ما ذكر مكة؟
الطالب: ما ذكر.
الشيخ: تراجع النهاية.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبدالصمد، حدثنا حماد يعني ابن سلمة، أخبرنا الجريري، عن أبي نضرة قال: أن رجلًا من أصحاب النبي ﷺ يقال له: أبو عبدالله، دخل عليه أصحابه يعني يزورونه، فوجدوه يبكي، فقالوا له: ما يبكيك؟ ألم يقل لك رسول الله ﷺ: خذ من شاربك ثم أقره حتى تلقاني.
الشيخ: ثم أقره يعني أن أجله قريب، بعد موت النبي ﷺ.
 قال: بلى، ولكن سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله تعالى قبض بيمينه قبضة، وأخرى باليد الأخرى قال: هذه لهذه، وهذه لهذه، ولا أبالي فلا أدري في أي: القبضتين أنا، وأحاديث القدر في الصحاح، والسنن، والمسانيد كثيرة جدًا، منها حديث علي، وابن مسعود، وعائشة، وجماعة جمة أجمعين.
الشيخ: عندك أقره؟ صلحتها؟ حط نسخة عندكم أوفره، والذي ما عنده أقره يحط نسخة أقره المعنى، واحد أوفره، وأقره، والمعنى والله أعلم أن لحاقك بي قريب، إن صح الخبر، سنده لا بأس به، أعد السند.
الطالب: وقال الإمام أحمد: حدثنا عبدالصمد، حدثنا حماد -يعني ابن سلمة-، أخبرنا الجريري، عن أبي نضرة قال...
الشيخ: هذا جيد، معناه أنه سريع الموت بعد النبي ﷺ.
وقوله تبارك وتعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً أي: إما على الهداية أو على الضلالة، ولكنه تعالى فاوت بينهم، فهدى من يشاء إلى الحق، وأضل من يشاء عنه، وله الحكمة، والحجة البالغة، ولهذا قال : وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ.
الشيخ: كما قال الله جل وعلا: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام:35] الله المستعان، سبحانه له الحكمة البالغة جل وعلا.
وقال ابن جرير: حدثني يونس، أخبرنا أهيب، أخبرني الحارث، عن عمرو بن أبي سويد أنه حدثه، عن ابن حجيرة أنه بلغه أن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا رب خلقك الذين خلقتهم جعلت منهم فريقًا في الجنة وفريقًا في النار لو ما أدخلتهم كلهم الجنة، فقال: يا موسى ارفع ذرعك، فرفع، قال: قد رفعت، قال: ارفع فرفع، فلم يترك شيئا، قال: يا رب، قد رفعت، قال: ارفع، قال: قد رفعت إلا ما لا خير فيه، قال: كذلك أدخل خلقي كلهم الجنة إلا ما لا خير فيه.
الطالب: إلا ما لا خير فيه؟
الشيخ: يعني العورة، كشف العورة، وهم الأكثرون، نسأل الله العافية.
الطالب: قال: هو حيي بن هانئ بن ناضر -بضاد معجمة- المعافري، أبو قبيل -بفتح القاف- المصري، عن عقبة بن عمرو، قال: والصواب عامر، عن عقبة بن عامر وعبدالله بن عمرو وعنه يزيد بن أبي حبيب، ويحيى بن أيوب، والليث، وثقه ابن معين، وغيره، قال ابن يونس: توفي سنة ثمانية عشرة ومائة، روى عنه البخاري في خلق أفعال العباد، وأبو داود في القدر، والترمذي والنسائي، وابن ماجه في التفسير.
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۝ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ۝ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ۝ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ  [الشورى:9-12].
يقول تعالى منكرًا على المشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله، ومخبرًا أنه هو الولي الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده، فإنه هو القادر على إحياء الموتى، وهو على كل شيء قدير، ثم قال : وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ أي: مهما اختلفتم فيه من الأمور -وهذا عام في جميع الأشياء- فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ أي: هو الحاكم فيه بكتابه، وسنة نبيه ﷺ، كقوله جل وعلا: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59].
الشيخ: المقصود من هذا أن الله جل وعلا هو المستحق للعبادة، فاتخاذهم الأولياء من دونه من أقبح الغلط، ومن أقبح الجرائم، ولهذا لا ذنب أعظم عند الله من ذنب الشرك، وجريمة الشرك، وأهل الشرك هم أضل الناس عن الهدى، فالواجب على العاقل أن ينتبه، وأن يحذر، وأن يعبد الله وحده، وأن يحذر صرف العبادة لغيره، فهو الولي، وهو الذي يحيي الموتى، وهو على كل شيء قدير سبحانه، وهو الذي يحكم بين عباده، ويجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.
فالواجب على المكلف أن يعبد الله وحده الذي خلقه، وأوجده من العدم، وغذاه بالنعم أن يخصه بالعبادة، والطاعة، وترك معصيته، ومخالفة أمره ، وهو الذي بيده الضر، والنفع، والحياة، والموت، والخير، وضده؛ فالواجب محبته، وموالاته، وطاعة أمره، وترك نهيه ، وما اختلف الناس فيه وجب رده إلى الله ورسوله، ما اختلف الناس وتنازعوا فيه وجب فيه الرد إلى الله ورسوله، ولهذا قال جل وعلا: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ، فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، هذا هو الواجب على المكلفين، وفيه نجاتهم، وسلامتهم، وعصمتهم، وسعادتهم في الدنيا والآخرة.

ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي أي: الحاكم في كل شيء عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ أي: أرجع في جميع الأمور.
وقوله : فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أي: خالقهما وما بينهما، جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا أي: من جنسكم وشكلكم منة عليكم وتفضلا، جعل من جنسكم ذكرًا وأنثى، وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا أي: وخلق لكم من الأنعام ثمانية أزواج.
وقوله تبارك وتعالى: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ أي: يخلقكم فيه، أي في ذلك الخلق على هذه الصفة، لا يزال يذرؤكم فيه ذكورًا وإناثًا، خلقًا من بعد خلق، وجيلًا بعد جيل، ونسلًا بعد نسل من الناس، والأنعام، وقال البغوي رحمه الله: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ أي: في الرحم، وقيل: في البطن، وقيل: في هذا الوجه من الخلقة. قال مجاهد نسلًا بعد نسل من الناس والأنعام، وقيل في بمعنى الباء أي: يذرؤكم به.
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ أي: ليس كخالق الأزواج كلها شيء؛ لأنه الفرد الصمد الذي لا نظير له وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
الشيخ: وهذا حث، وتحريض على شكره نعمه الذي أنعم عليك، وجعل منكم الأزواج ذكرًا وأنثى، يميل إليها الذكر، ويستمتع بها، ويحصل النسل، وتكثر الأمة، وهكذا الأنعام جعل ذكرًا وأنثى، تتناسل، وينتفع العباد بها، إلى أن يقضي الله أمره من هذا العالم فضلاً منه وإحسانًا، إبل، بقر، غنم، صيود، طيور، إلى غير ذلك مما خلق للعباد من النعم، وأنبت لهم الثمار الزروع، والحبوب، ليعيشوا في هذه الدار حتى تنتهي آجالهم، كل هذا بفضله وإحسانه؛ ليشكروه، ويقيموا بحقه، ويدعوا ما نهاهم عنه ، فمن شكر لنفسه، ومن كفر فعليها، ولهذا قال جل وعلا: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر:7] فهو الغني الحميد عن عباده، فأعمالهم لهم، إن أحسنوا فلأنفسهم، وإن أساؤوا فعليها، والله جل وعلا هو الغني الحميد، ولكن من رحمته وفضله وإحسانه خلق لكم ما فيه نفعكم، ونهاكم عما يضركم، وأرشدكم إلى أسباب النجاة، وحذركم من أسباب الهلاك، وأرسل الرسل وأنزل الكتب للإيضاح، والبيان.
وقوله تعالى: لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ تقدم تفسيره في سورة الزمر، وحاصل ذلك أنه المتصرف الحاكم فيهما يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ، ويقدر أي: يوسع على من يشاء، ويضيق على من يشاء، وله الحكمة والعدل التام إنه بكل شيء عليم.
الشيخ: والمقاليد المفاتيح، مفاتيح الأشياء بيده، يبسط الرزق لمن يشاء، ويقتر على من يشاء، يجعل هذه المزرعة نافعة، ومفيدة، ومبروكة، والأخرى بضد ذلك، هذا الحيوان نافع مفيد، والآخر بضد ذلك، إلى غير ذلك، بيده مفاتيح كل شيء هو الخلاق الرزاق، بيده الضر والنفع، والعطاء والمنع .
فالواجب على العاقل الثقة به، والاعتماد عليه، والأخذ بالأسباب التي شرعها، وأباحها، والحذر من الأسباب التي منعها .
س: إنشاء بعض المحاكم، واللجان التخصصية التي تعتمد على الأنظمة، والقوانين؟
الشيخ: ما يجوز إيجاد المحاكم القانونية، هذا منكر، استباحة الكفر ردة عن الإسلام، نسأل الله العافية، الواجب على الحاكم عمل النظم التي تعين على تنفيذ الشرع، وتساعد القاضي على معرفة الحق، وتعينه على إيصال الحق إلى أهله، هذا مأمور به، مأمور الإنسان أن يعمل في اجتهاده في قضائه في فتواه في بيعه وشرائه، يعمل الطرق التي تعينه على المهمة.
س: من يرفض المثول أمام هذه المحاكم؟
الشيخ: إذا كان للحكم عليه أن يرفض، أما إذا كان لأمر آخر لاستفسار أو سؤال، أو شيء يحتاج إليه لا يمتنع، أما الحكم لا.
س: هل يطلق الفرد على الله؟
الشيخ: ما أعلم، لكن هو فرد، لا شريك له سبحانه، لكن ما أعلم شيئًا في النصوص، ما أذكر شيئًا، لكن هو الإله الفرد الصمد ، لا شريك له، ولا مثل له جل وعلا.
س: هل من صفات الله القديم؟
الشيخ: هو موصوف بالقدم الكامل، لكن لم يرد في أسمائه الحسنى، ولكن له القدم الكامل، الذي ليس قبله شيء، وهو الأول والآخر بمعنى الأول يعني.
س: ما ورد في الحديث: وسلطانك القديم؟
الشيخ: وسلطانك القديم، ورد في حديث عن عبدالله بن عمرو صحيح، لكن ما ورد في الأسماء، وصف السلطان نعم.
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ۝ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ [الشورى:13، 14].
يقول تعالى لهذه الأمة: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ فذكر أول الرسل بعد آدم ، وهو نوح ، وآخرهم محمد ﷺ. ثم ذكر من بين ذلك من أولي العزم، وهم: إبراهيم، وموسى، وعيسى ابن مريم عليهم السلام، وهذه الآية انتظمت ذكر الخمسة كما اشتملت آية الأحزاب عليهم في قوله تبارك وتعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب:7] الآية.
والدين الذي جاءت به الرسل كلهم هو عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]. وفي الحديث: نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد أي: القدر المشترك بينهم هو عبادة الله وحده لا شريك له، وإن اختلفت شرائعهم، ومناهجهم كقوله : لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48].
الشيخ: وقال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] فدينهم واحد، عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه، بعث الرسل جميعًا، خلق الخلق جميعًا ليعبدوا الله وحده: بعبادتهم، وخوفهم، ورجائهم، وصلاتهم، وصومهم، وغير ذلك، العبادة لله وحده، أما الشرائع فهي متنوعة، الصلوات، والصوم، وغير هذا من الشرائع لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [الْمَائِدَةِ:48]، وأكملها وأعظمها شريعة محمد عليه الصلاة والسلام، شريعته أكمل الشرائع الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3].
ولهذا قال تعالى هاهنا: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ أي: وصى الله تعالى جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالائتلاف والجماعة، ونهاهم عن الافتراق والاختلاف.
وقوله : كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ أي شق عليهم وأنكروا ما تدعوهم إليه يا محمد من التوحيد، ثم قال : اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ أي: هو الذي يقدر الهداية لمن يستحقها، ويكتب الضلالة على من آثرها على طريق الرشد، ولهذا قال تبارك وتعالى: وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ أي: إنما كان مخالفتهم للحق بعد بلوغه إليهم، وقيام الحجة عليهم، وما حملهم على ذلك إلا البغي، والعناد، والمشاقة.
 ثم قال : وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أي: لولا الكلمة السابقة من الله تعالى بإنظار العباد بإقامة حسابهم إلى يوم المعاد لعجل عليهم العقوبة في الدنيا سريعًا.