03 من قوله: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..)

وقوله : وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا أي: ومن يعمل حسنة نزد له فيها حسنًا أي: أجرًا وثوابًا، كقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40]، وقال بعض السلف: إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن جزاء السيئة السيئة بعدها. وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ أي: يغفر الكثير من السيئات، ويكثر القليل من الحسنات، فيستر ويغفر ويضاعف فيشكر، وقوله جل وعلا: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ أي لو افتريت عليه كذبًا كما يزعم هؤلاء الجاهلون يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ أي: لطبع على قلبك وسلبك ما كان آتاك من القرآن، كقوله : وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ۝ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ۝ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ۝ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ [الحاقة:44-47] أي: لانتقمنا منه أشد الانتقام، وما قدر أحد من الناس أن يحجز عنه.
وقوله جلت عظمته: وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ ليس معطوفًا على قوله: يَخْتِمْ فيكون مجزومًا، بل هو مرفوع على الابتداء، قاله ابن جرير، قال: وحذفت من كتابته الواو في رسم مصحف الإمام، كما حذفت في قوله: سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ [العلق:18]، وقوله تعالى: وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ [الإسراء:11]، وقوله وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ معطوف على وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ أي: يحققه ويثبته ويبينه ويوضحه بِكَلِمَاتِهِ، أي بحججه وبراهينه، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أي: بما تكنه الضمائر وتنطوي عليه السرائر.
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ۝ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۝ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ۝ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى:25-28].
يقول تعالى ممتنًا على عباده بقبول توبتهم إليه إذا تابوا ورجعوا إليه أنه من كرمه وحلمه أن يعفو ويصفح ويستر ويغفر، وكقوله : وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:110]، وقد ثبت في صحيح مسلم رحمه الله عليه، حيث قال: حدثنا محمد بن الصباح وزهير بن حرب قالا: حدثنا عمر بن يونس، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا إسحاق بن أبي طلحة، حدثني أنس بن مالك، وهو عمه . قال: قال رسول الله ﷺ: لله تعالى أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كانت راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح. وقد ثبت أيضا في الصحيح من رواية عبدالله بن مسعود نحوه.
وقال عبدالرزاق عن معمر، عن الزهري في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، إن أبا هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لله أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته في المكان الذي يخاف أن يقتله فيه العطش، وقال همام بن الحارث: سئل ابن مسعود عن الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها؟ قال: لا بأس به، وقرأ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ الآية، رواه ابن جرير.
الشيخ: يعني إذا تاب وتابت، فالحمد لله له أن يتزوجها.
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث شريح القاضي، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعي، عن همام فذكره.
الشيخ: ومن هذا قوله جل وعلا: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]، ويقول ﷺ: التوبة تهدم ما كان قبلها، التائب من الذنب كمن لا ذنب له كل هذا من رحمة الله جل وعلا، فقد يبتلى العبد بالذنب، ثم يمن الله عليه بالتوبة، وقد تكون حاله أحسن بعد ذلك، وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]، وآدم لما تاب الله عليه كانت حاله أحسن بعد ذلك، ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:122].
س:........
الشيخ: شريك دائمًا بفتح الشين، وشريح دائمًا بضم الشين.
س: بالنسبة للزاني بالمرأة لا يجبر عليها إلا إذا هو أراد، وهي أرادت بعد التوبة؟
الشيخ: لا ما يجبر، إذا تابا وأراد أن يخطبها لا بأس.
س: .......
الشيخ: يقام عليهم الحد إذا ثبت، أما فيما بينهم وبين الله وما درى عنهم أحد إذا تابا فالحمد لله، أما إذا ثبت الحد يقام الحد، إذا كان جلد يقام الحد، وبعد التوبة له أن يتزوجها.
........
الشيخ: أيش يقول عندك؟
الطالب: ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث شريح القاضي عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم النخعي عن همام فذكره. يقول وفي نسخة الشعب: شريك القاضي بالكاف.
الشيخ: محتمل.
 وقوله : وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ أي يقبل التوبة في المستقبل، ويعفو عن السيئات في الماضي، وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ أي: هو عالم بجميع ما فعلتم وصنعتم وقلتم، ومع هذا يتوب على من تاب إليه.
وقوله تعالى: وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قال السدي: يعني يستجيب لهم، وكذا قال ابن جرير: معناه يستجيب لهم الدعاء لأنفسهم ولأصحابهم وإخوانهم، وحكاه عن بعض النحاة، وأنه جعلها كقوله : فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ [آل عمران:195]، ثم روى هو وابن أبي حاتم من حديث الأعمش عن شقيق بن سلمة، عن سلمة بن سبرة قال: خطبنا معاذ بالشام، فقال: أنتم المؤمنون وأنتم أهل الجنة، والله إني لأرجو أن يدخل الله تعالى من تسبون من فارس والروم الجنة، وذلك بأن أحدكم إذا عمل له -يعني أحدهم عملا- قال: أحسنت رحمك الله، أحسنت بارك الله فيك، ثم قرأ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ.
س:.......
الشيخ: بدعائهم لهم وبتوجيههم وإرشادهم لهم قد يهديهم الله بأسبابهم.
وحكى ابن جرير عن بعض أهل العربية أنه جعل قوله: وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا كقوله الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ [الزمر:18] أي: هم الذين يستجيبون للحق ويتبعونه كقوله تبارك وتعالى: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ [الأنعام:36]، والمعنى الأول أظهر لقوله تعالى: وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ أي: يستجيب دعاءهم ويزيدهم فوق ذلك. ولهذا قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن المصفى، حدثنا بقية، حدثنا إسماعيل بن عبدالله الكندي، حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن عبدالله قال: قال رسول الله ﷺ في قوله تعالى: وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ قال: الشفاعة لمن وجبت له النار ممن صنع إليهم معروفًا في الدنيا، وقال قتادة عن إبراهيم النخعي اللخمي في قوله : وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قال: يشفعون في إخوانهم وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ قال: يشفعون في إخوان إخوانهم.
الشيخ: والآية عامة في الاستجابة لهم ويزيدهم من فضله مما لا يحصيه إلا الله جل وعلا، وهو سبحانه يستجيب لعباده المؤمنين ودعواتهم ويستجيب لشفاعتهم لإخوانهم، فهذا من فضله وجوده وكرمه ، وهذا فيه حث على الدعاء والشفاعة بالخير والإحسان إلى عباد الله، وأن الله جل وعلا يزيد المؤمنين بهذه الأعمال فضلًا إلى فضلهم وخيرًا إلى خيرهم.
س:........
الشيخ: على ظاهره، يعني يستجيب دعاءهم وشفاعاتهم سبحانه.
وقوله : وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيد لما ذكر المؤمنين وما لهم من الثواب الجزيل؛ ذكر الكافرين وما لهم عنده يوم القيامة من العذاب الشديد الموجع المؤلم يوم معادهم وحسابهم.
وقوله تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ أي: لو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق لحملهم ذلك على البغي والطغيان من بعضهم على بعض أشرًا وبطرًا.
وقال قتادة: كان يقال خير العيش ما لا يلهيك ولا يطغيك، وذكر قتادة حديث: إنما أخاف عليكم ما يخرج الله تعالى من زهرة الحياة الدنيا وسؤال السائل: أيأتي الخير بالشر؟
الحديث. وقوله : وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِير أي: ولكن يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم، وهو أعلم بذلك، فيغني من يستحق الغنى، ويفقر من يستحق الفقر، كما جاء في الحديث المروي إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه.
س: الحديث هذا صحيح؟
الشيخ: لا، من آثار الإسرائيليين، من الآثار التي ما يعرف لها عن سندها، مما يحكى في الترغيب والترهيب؛ ولكن معناه صحيح، فهو سبحانه يغني من يشاء لحكمة، ويفقر من يشاء لحكمه، سبحانه هو الغني الحميد، وهو الحكيم العليم جل وعلا.
وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا أي: من بعد إياس الناس من نزول المطر ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه كقوله : وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ [الروم:49] وقوله : وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ أي: يعم بها الوجود على أهل ذلك القطر وتلك الناحية.
قال قتادة: ذكر لنا أن رجلًا قال لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين قُحط المطر وقنط الناس. فقال عمر : مطرتم، ثم قرأ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ أي: هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، وهو المحمود العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله.
الشيخ: له الحكمة البالغة ، هو العليم بأحوال عباده، ولهذا قال جل وعلا: وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا [الفرقان:50] فهو المصرف لهذا الغيث وللأرزاق كما يشاء ، وله الحكمة البالغة في إغناء هذا وإفقار هذا، وجعل هذا بين الغنى والفقر إلى غير ذلك، له الحكمة البالغة ، ولولا هذا ما تميز الناس، لو كانوا على طريقة واحدة ما تميزوا، ولكن جعلهم الله طبقات حتى يتميز الناس، هذا غني يجود ويحسن، وهذا غني يبخل، وهذا فقير يصبر، وهذا فقير لا يصبر، يتفاوت الناس في أعمالهم وفي أجورهم وفي إثمهم.