02 من قوله: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ )

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ۝ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ۝ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ۝ بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ ۝ وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ ۝ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ۝ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ۝ وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ۝ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ۝ وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:26-35].

يقول تعالى مخبرًا عن عبده ورسوله وخليله إمام الحنفاء ووالد من بعث بعده من الأنبياء الذي تنتسب إليه قريش في نسبها ومذهبها أنه تبرأ من أبيه وقومه في عبادتهم الأوثان، فقال: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ۝ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ۝ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ أي: هذه الكلمة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأوثان، وهي لا إله إلا الله، أي جعلها دائمة في ذريته، يقتدي به فيها من هداه الله تعالى من ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أي إليها.

قال عكرمة، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، والسدي، وغيرهم في قوله : وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ يعني لا إله إلا الله، لا يزال في ذريته من يقولها، وروي نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال ابن زيد: كلمة الإسلام، وهو يرجع إلى ما قاله الجماعة.

الشيخ: كأن المعنى أنه أوصاهم بها، وهم يتواصون بها، ولا يزال فيهم، ولكنها في آخر الزمان قلت فيهم، وأطبقوا على الكفر بالله والضلال إلا النادر، كزيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، وجماعة قليلة بقي فيهم هذا الشيء، والله المستعان.

ثم قال جل وعلا: بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ يعني المشركين، وَآبَاءَهُمْ أي: فتطاول عليهم العمر في ضلالهم حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ أي: بين الرسالة، والنذارة، وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ أي: كابروه، وعاندوه، ودفعوا بالصدور والرَّاح، كفرًا وحسدا وبغيا، وقالوا أي كالمعترضين على الذي أنزله تعالى وتقدس: لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أي: هلا كان إنزال هذا القرآن على رجل عظيم كبير في أعينهم من القريتين؟ يعنون مكة، والطائف.
قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وعِكْرِمَةُ، ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وقَتَادَةُ، والسُّدِّيُّ، وابْنُ زَيْدٍ، وقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ واحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِذَلِكَ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وعُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ.
وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، والضَّحَّاكِ، والسُّدِّيِّ: يَعْنُونَ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، ومَسْعُودَ بْنَ عَمْرٍو الثَّقَفِيَّ. وعَنْ مُجَاهِدٍ: يعنون عُمَيْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وعَنْهُ أيضا أنهم يعنون عتبة بن ربيعة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: جبارا من جبابرة قريش، وعنه رضي الله عنهما أَنَّهُمْ يَعْنُونَ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وحَبِيبَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثَّقَفِيَّ، وعَنْ مُجَاهِدٍ: يَعْنُونَ عتبة بن ربيعة بمكة، وابن عبد يا ليل بِالطَّائِفِ. وقَالَ السُّدِّيُّ: عَنَوْا بِذَلِكَ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وكِنَانَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثَّقَفِيَّ. والظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ رَجُلٌ كَبِيرٌ مِنْ أَيِّ البلدتين كان.

الشيخ: يعني كان عندهم في جماله، وجاهه، ونحو ذلك، لجهلهم وضلالهم، ظنوا أن هذا هو الذي ينبغي، ولم ينظروا إلى الأخلاق، والصدق، والأمانة، إنما نظروا إلى المال، والشرف الدنيوي، والرياسة لجهلهم.

.........

قال الله تبارك وتعالى رَادًّا عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الِاعْتِرَاضِ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ [الزخرف:32] أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ مَرْدُودًا إِلَيْهِمْ. بَلْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، واللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجَعَلُ رِسَالَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُنْزِلُهَا إِلَّا عَلَى أَزْكَى الْخَلْقِ قَلْبًا، ونَفْسًا، وأَشْرَفِهِمْ بَيْتًا، وأَطْهَرِهِمْ أصلا.

ثم قال مُبَيِّنًا أَنَّهُ قَدْ فَاوَتَ بَيْنَ خَلْقِهِ فِيمَا أَعْطَاهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ، والْأَرْزَاقِ، والْعُقُولِ، والْفُهُومِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْقُوَى الظَّاهِرَةِ، والْبَاطِنَةِ، فَقَالَ: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الآية. وقوله جلت عظمته: لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا قِيلَ مَعْنَاهُ: لِيُسَخِّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْأَعْمَالِ لِاحْتِيَاجِ هَذَا إِلَى هَذَا، وهَذَا إِلَى هَذَا، قَالَهُ السُّدِّيُّ وغَيْرُهُ. وقَالَ قَتَادَةُ، والضَّحَّاكُ: لِيَمْلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْأَولى. ثُمَّ قال : وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ أَيْ رَحْمَةُ اللَّهِ بِخَلْقِهِ خَيْرٌ لَهُمْ مِمَّا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْأَمْوَالِ، ومتاع الحياة الدنيا.

ثم قال : وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً أَيْ لَوْلَا أَنْ يَعْتَقِدَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الْجَهَلَةِ أَنَّ إِعْطَاءَنَا الْمَالَ دَلِيلٌ عَلَى مَحَبَّتِنَا لِمَنْ أَعْطَيْنَاهُ فَيَجْتَمِعُوا عَلَى الْكُفْرِ لِأَجْلِ الْمَالِ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، والْحَسَنِ، وقَتَادَةَ، والسُّدِّيِّ، وغَيْرِهِمْ، لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ أَيْ سَلَالِمَ، ودَرَجًا مِنْ فِضَّةٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، ومُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ، والسُّدِّيُّ، وابْنُ زَيْدٍ، وغَيْرُهُمْ.

الشيخ: لولا أن يكون هذا سببًا لاجتماعهم على الباطل لجعلنا هذا للكفار؛ لأنه لا قيمة له، الدنيا لا قيمة لها، ولكن لو جعل هذا لأهل الدنيا يمتعوا بهذه الأموال لكفر الناس كلهم، فلله الحكمة ، ولهذا جعلهم طبقات، وفاوت بينهم، يبتلي هذا بالفقر، وهذا بالغنى، والعكس؛ لحكمة بالغة  وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ [الفرقان:20].

 عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ أَيْ يَصْعَدُونَ، وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا أَيْ أغلاقًا على أبوابهم، وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ أَيْ جَمِيعُ ذَلِكَ يَكُونُ فِضَّةً، وَزُخْرُفًا أَيْ وذَهَبًا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وقَتَادَةُ، والسُّدِّيُّ، وابْنُ زيد.

الشيخ: يعني الزخرف من أسماء الذهب، يعني أنها لا قيمة لها، الذهب والفضة كله فان زائل لا قيمة له، لكن لو أعطيناه الكفار ومتعناهم به وكل من أسلم لا يعطى لكفر الناس، فمن حكمة الله قسم بينهم معيشتهم، وجعل بعضهم فوق بعض، هذا غني، وهذا فقير، وهذا متوسط، وهذا كذا لحكمة بالغة .

ثم قال تبارك وتعالى: وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَيْ إِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ الزَّائِلَةِ الْحَقِيرَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

الشيخ: إن هنا بمعنى (ما)، وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ يعني: وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا، يعني ليس له قيمة، وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يعني: وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا لا قيمة له زائل.

أَيْ يجعلُ لَهُمْ بِحَسَنَاتِهِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا مَآكِلَ، ومَشَارِبَ ليوافوا الآخرة، وليس لهم عند الله تبارك وتعالى حَسَنَةً يَجْزِيهِمْ بِهَا كَمَا ورَدَ بِهِ الْحَدِيثُ الصحيح.

وورد فِي حَدِيثٍ آخَرَ لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى مِنْهَا كَافِرًا شَرْبَةَ مَاءٍ أَسْنَدَهُ الْبَغَوِيُّ مِنْ رِوَايَةِ زَكَرِيَّا بْنِ مَنْظُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فَذَكَرَهُ. ورَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ لو عدلت الدنيا عند الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا أَعْطَى كَافِرًا مِنْهَا شَيْئًا.

ثم قال : وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ أَيْ هِيَ لَهُمْ خَاصَّةً لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا أَحَدٌ غَيْرُهُمْ.

الشيخ: لتقواهم لله، لما اتقوه وعظموا أمره ونهيه وأطاعوه جعل الجنة لهم، والدنيا لا قيمة لها، والله المستعان.

سؤال: درجة الحديث هذا يا شيخ؟

الشيخ: يحتاج تأمل، زمعة بن صالح ضعيف، لكن يحتاج تأمل، والذي يغلب على ظني أن له طرقًا أخرى جيدة لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرًا شربة ماء، الله المستعان.

ولِهَذَا لما قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ صَعِدَ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْمَشْرُبَةِ لَمَّا آلَى ﷺ من نسائه فرآه عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ بِجَنْبِهِ، فَابْتَدَرَتْ عَيْنَاهُ بِالْبُكَاءِ، وقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كِسْرَى وقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ، وأَنْتَ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ، وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ متكئا فجلس، وقال: أو فيّ شاك أنت يا ابن الخطاب؟ ثم قال ﷺ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا، وفِي رِوَايَةٍ: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا ولَنَا الْآخِرَةُ.

وفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا وغَيْرِهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ، والْفِضَّةِ، ولَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، ولَنَا فِي الْآخِرَةِ، وإِنَّمَا خَوَّلَهُمُ الله تعالى في الدنيا لحقارتهم كَمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ، وابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى مِنْهَا كَافِرًا شَرْبَةَ مَاءٍ أبدًا قال الترمذي: حسن صحيح.

وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ۝ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ۝ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ۝ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ۝ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ۝ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ۝ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ ۝ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ۝ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ۝ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف:36-45].

يَقُولُ تَعَالَى: وَمَنْ يَعْشُ أَيْ يَتَعَامَى، ويَتَغَافَلُ، ويُعْرِضُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ، والْعَشَا فِي الْعَيْنِ ضَعْفُ بَصَرِهَا، والْمُرَادُ هَاهُنَا عَشَا الْبَصِيرَةِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ كقوله تَعَالَى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النِّسَاءِ:115] الآية، وكَقَوْلِهِ: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصَّفِّ:5]، وكقوله جل جلاله: وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ [فصلت:25] الآية.

الشيخ: وهذا وعيد عظيم يدل على أن من غفل عن ذكر الله وأعرض فهو معرض لاستيلاء الشيطان عليه، وتوليه إياه، حتى يصده عن الهدى، فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وأن يكون على يقظة، وانتباه، واستقامة على ذكر الله جل وعلا، من طاعته، وترك معصيته، والإكثار من ذكره، واستغفاره، لا يغفل، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي ﷺ يذكر الله على كل أحيانه، وفي الآية الأخرى يقول: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا [الجن:17]، فالمؤمن لا يغفل بقلبه ولسانه، قلبه ذاكر، ولسانه ذاكر، وجوارحه ذاكرة، يكون مع الله جل وعلا في جميع الأوقات، تارة بقلبه، وتارة بلسانه، وتارة بعمله، تارة بالجميع، لا يغفل حتى لا يبتلى بالشيطان، حتى لا يسلط عليه أعداء الله.

ولهذا قال تبارك وتعالى هَاهُنَا: وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ۝ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا [الزخرف:37-38] أَيْ هَذَا الَّذِي تَغَافَلَ عَنِ الْهُدَى.

الشيخ: وإنهم يعني الشياطين عبر بالجمع؛ لأن الشيطان إشارة إلى جنس الشيطان، نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا يعني شياطين الإنس، والجن، فإذا قيض له الشياطين صدوه عن السبيل، صدوه عن الحق، نسأل الله العافية.

أَيْ هَذَا الَّذِي تَغَافَلَ عَنِ الْهُدَى نُقَيِّضُ لَهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يُضِلُّهُ، ويَهْدِيهِ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ. فَإِذَا وافى الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَتَبَرَّمُ بِالشَّيْطَانِ الَّذِي وكِّلَ بِهِ قالَ: يَا لَيْتَ بَيْنِي وبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ، وقَرَأَ بَعْضُهُمْ حَتَّى إِذَا جَاءَانَا يَعْنِي الْقَرِينَ، والْمُقَارِنَ.

قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُعِثَ مِنْ قَبْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شفَعَ بِيَدِهِ شيطان فلم يفارقه حتى يصيرهما الله تبارك وتعالى إلى النار، فذلك حين يقول: يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ، والْمُرَادُ بالمشرقين هاهنا هُوَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ، وإِنَّمَا اسْتُعْمِلَ هَاهُنَا تَغْلِيبًا كَمَا يُقَالُ: الْقَمَرَانِ، والْعُمَرَانُ، والْأَبَوَانِ، قاله ابن جرير، وغيره.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ أَيْ لَا يغني عنكم اجْتِمَاعُكُمْ فِي النَّارِ، واشْتِرَاكُكُمْ فِي الْعَذَابِ الْأَلِيمِ.

وقوله جلت عظمته: أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ أَيْ لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْكَ إِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ، ولَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ، ولَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، ويُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وهُوَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ فِي ذَلِكَ.

الشيخ: ولهذا قال تعالى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]، وإنما عليه البلاغ والبيان، هكذا أتباع الرسل، العلماء الدعاة ليس عليهم إلا البيان، والدعوة إلى الحق، والنصيحة، والوصية.

ثُمَّ قال تعالى: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أَيْ لَا بُدَّ أَنْ نَنْتَقِمَ مِنْهُمْ، ونُعَاقِبَهُمْ، ولَوْ ذَهَبْتَ أَنْتَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ أَيْ نَحْنُ قَادِرُونَ عَلَى هَذَا، وعلى هذا، ولم يقبض اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ ﷺ حَتَّى أَقَرَّ عَيْنَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ، وحَكَّمَهُ فِي نَوَاصِيهِمْ.

الشيخ: كما جرى يوم بدر، ويوم خيبر، ويوم الأحزاب، ويوم الفتح، والحمد لله، ويوم حنين، كلها من نصر الله وتأييده، وابتلاهم يوم أحد لما له من الحكمة جل وعلا.

ومَلَّكَهُ مَا تَضَمَّنَتْهُ صَيَاصِيهِمْ! هَذَا مَعْنَى قَوْلِ السُّدِّيُّ، واخْتَارَهُ ابْنِ جَرِيرٍ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: تَلَا قَتَادَةُ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ فَقَالَ: ذَهَبَ النَّبِيُّ ﷺ وبَقِيَتِ النِّقْمَةُ، ولن يري الله تبارك وتعالى نَبِيَّهُ ﷺ فِي أُمَّتِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ حَتَّى مَضَى، ولَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قط إلا وقد رأى الْعُقُوبَةَ فِي أُمَّتِهِ إِلَّا نَبِيَّكُمْ ﷺ. قَالَ: وذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أُرِيَ مَا يُصِيبُ أُمَّتَهُ مِنْ بَعْدِهِ فَمَا رُئِيَ ضَاحِكًا مُنْبَسِطًا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ، وذُكِرَ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ، ثُمَّ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ نَحْوَ ذَلِكَ أَيْضًا، وفِي الْحَدِيثِ النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أتى أصحابي ما يوعدون.

ثم قال : فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أَيْ خُذْ بِالْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ عَلَى قَلْبِكَ، فَإِنَّهُ هُوَ الْحَقُّ، ومَا يَهْدِي إِلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ الْمُفْضِي إِلَى صِرَاطِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ.

الشيخ: العقوبات الخاصة وقعت في عهده ﷺ، وأراه الله ذلك، وأقر عينه، والعقوبات العامة كفاه الله ذلك، ولم يشهدها، ووقعت بعد كما جرى يوم فتنة علي ومعاوية، وما جرى بعد ذلك من الفتن، فالله أقره عينه بنصره على أعداء الله يوم بدر، ويوم الأحزاب، ويوم خيبر، ويوم الفتح، أقر الله عينه، وأراه فيهم ما يسره، ففي بدر عوقبوا، وفي خيبر عوقبوا، وفي الفتح هداهم الله وأسلموا، هذه من نعم الله العظيمة.

س: أبو ثور، أو ابن ثور؟

الشيخ: أبو ثور ما أدرك معمر، لعله ابن ثور، ابن ثور متأخر في عهد المؤلف، حط عليه إشارة.

هُوَ الْحَقُّ الْمُفْضِي إِلَى صِرَاطِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ الْمُوصِلِ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ، والْخَيْرِ الدَّائِمِ الْمُقِيمِ.

الشيخ: وهذا هو الواجب على الأمة كلها أن تستمسك بالحق الذي جاء به، وأن تستقيم عليه حتى الموت، هذا هو الواجب عليها، وهو صراط الله المستقيم القرآن، والسنة.

ثُمَّ قال جل جلاله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ قِيلَ مَعْنَاهُ: لَشَرَفٌ لك، ولقومك، قاله ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ومُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ، والسُّدِّيُّ، وابْنُ زَيْدٍ، واخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، ولَمْ يَحْكِ سِوَاهُ، وأَوْرَدَ الْترمذي هَاهُنَا حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ معاوية قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لَا يُنَازِعُهُمْ فِيهِ أَحَدٌ إلا أكبه الله تعالى عَلَى وجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، ومعناه أَنَّهُ شَرَفٌ لَهُمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أُنْزِلَ بَلُغَتِهِمْ، فَهُمْ أَفْهَمُ النَّاسِ لَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا أَقْوَمَ النَّاسِ بِهِ، وأَعْمَلَهُمْ بِمُقْتَضَاهُ، وهَكَذَا كَانَ خِيَارُهُمْ، وصَفْوَتُهُمْ مِنَ الْخُلَّصِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، ومَنْ شَابَهَهُمْ، وتَابَعَهُمْ، وقِيلَ مَعْنَاهُ: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ أَيْ لَتَذْكِيرٌ لَكَ، ولِقَوْمِكَ، وتَخْصِيصُهُمْ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي مَنْ سِوَاهُمْ، كقوله تعالى: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [الأنبياء:10]، وكقوله تبارك وتعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214]، وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ أَيْ عَنْ هَذَا الْقُرْآنِ.

الشيخ: والآية عامة، فهو ذكر لهم، وشرف لهم، أنزله الله بلغتهم، وهو شرف لهم أيضاً ولغيرهم إذا عملوا به، واستقاموا عليه، ومن أعرض عنه فله الهلاك والويل، نسأل الله العافية.

س: طريقة ابن كثير يورد حديثا في السنن، كما يقول رواه البخاري، مع أن الأولى يذكره في الصحيح؟

الشيخ: هذا تساهل منه.

وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ أَيْ عَنْ هَذَا الْقُرْآنِ، وكَيْفَ كُنْتُمْ فِي العمل به، والاستجابة له.

وقوله : وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ أَيْ جَمِيعُ الرُّسُلِ دَعَوْا إِلَى مَا دَعَوْتَ النَّاسَ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد، كقوله جلت عظمته: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النَّحْلِ:36] قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك رُسُلَنَا وهَكَذَا حَكَاهُ قَتَادَةُ، والضَّحَّاكُ، والسُّدِّيُّ عَنِ ابن مسعود ، وهَذَا كَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَا تِلَاوَةٌ، واللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: واسألهم ليلة الإسراء، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جُمِعُوا لَهُ، واخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ الْأَوَّلَ، واللَّهُ أعلم.

الشيخ: يعني أتباعهم، ويحتمل أن المعنى يعني أن اسأل الرسل الذين قصصنا عليك أخبارهم، يعني اسأل ما عندك من كتاب الله فإن الرسل بينت لك أخبارهم فسؤالهم تلاوة قصصهم الدالة على أنهم دعوا إلى الله، وأخلصوا له العبادة، فإذا تأملت قصصهم عرفت أنهم دعوا إلى توحيد الله لا إلى الشرك بالله.

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ ۝ وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ۝ وَقَالُوا يَاأَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ۝ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ [الزخرف:46-50].

يقول تعالى مخبرا عن عَبْدِهِ ورَسُولِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ ابْتَعَثَهُ إِلَى فِرْعَوْنَ، ومَلَأهِ مِنَ الْأُمَرَاءِ، والْوُزَرَاءِ، والْقَادَةِ، والْأَتْبَاعِ، والرَّعَايَا مِنَ الْقِبْطِ، وبَنِي إِسْرَائِيلَ، يَدْعُوهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، ويَنْهَاهُمْ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، وأَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُ آيَاتٍ عِظَامًا: كَيَدِهِ، وعَصَاهُ، ومَا أَرْسَلَ مَعَهُ مِنَ الطُّوفَانِ، والْجَرَادِ، والْقُمَّلِ، والضَّفَادِعِ، والدَّمِ، ومِنْ نَقْصِ الزُّرُوعِ، والْأَنْفُسِ، والثَّمَرَاتِ، ومَعَ هَذَا كُلِّهِ اسْتَكْبَرُوا عَنِ اتِّبَاعِهَا، والِانْقِيَادِ لَهَا، وكَذَّبُوهَا، وسَخِرُوا مِنْهَا، وضَحِكُوا مِمَّنْ جَاءَهُمْ بِهَا.

الشيخ: وكما قال جل وعلا: وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ [يونس:101]، إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ ۝ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [يونس:96-97] هكذا فعل الله بفرعون، وقومه مع الآيات العظيمة الواضحة استكبروا حتى أهلكهم الله في البحر فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق، وفي النار ما هو أشد من ذلك أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، نسأل الله العافية.

 وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا [الزخرف:46]، ومَعَ هَذَا مَا رَجَعُوا عَنْ غَيِّهِمْ، وضَلَالِهِمْ، وجَهْلِهِمْ، وخَبَالِهِمْ، وكُلَّمَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ مِنْ هذه الآيات يضرعون إلى موسى عليه الصلاة والسلام، ويَتَلَطَّفُونَ لَهُ فِي الْعِبَارَةِ بِقَوْلِهِمْ: يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ أَيِ الْعَالِمُ، قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَكَانَ عُلَمَاءُ زَمَانِهِمْ هُمُ السَّحَرَةَ، ولَمْ يَكُنِ السِّحْرُ في زمانهم مذمومًا عندهم، فَلَيْسَ هَذَا مِنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ الِانْتِقَاصِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَالَ حَالَ ضَرُورَةٍ مِنْهُمْ إِلَيْهِ لَا تُنَاسِبُ ذَلِكَ، وإِنَّمَا هُوَ تَعْظِيمٌ فِي زَعْمِهِمْ، فَفِي كُلِّ مَرَّةٍ يَعِدُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إن كشف عنهم هذا أن يؤمنوا به، ويُرْسِلُوا مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وفِي كُلِّ مَرَّةٍ ينكثون ما عاهدوا عليه، وهذا كقوله تبارك وتعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ۝ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ۝ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ [الأعراف:133- 135].

الشيخ: نسأل الله العافية فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ [الأعراف:136] هكذا جزاؤهم المعجل، الله أكبر.

س: المقصود بقوله تعالى: وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا هل بعد العصا، واليد أكبر منها؟

الشيخ: هذا الترتيب يحتاج إلى نظر.

وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ۝ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ۝ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ۝ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ۝ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ۝ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ [الزخرف:51-56].

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ فِرْعَوْنَ، وتَمَرُّدِهِ، وعُتُوِّهِ، وكُفْرِهِ، وعِنَادِهِ، أَنَّهُ جَمَعَ قَوْمَهُ فَنَادَى فِيهِمْ مُتَبَجِّحًا مُفْتَخِرًا بِمُلْكِ مِصْرَ، وتَصَرُّفِهِ فِيهَا: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي قَالَ قَتَادَةُ: قَدْ كَانَتْ لَهُمْ جنات، وأَنْهَارُ مَاءٍ أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَيْ أَفَلَا تَرَوْنَ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْعَظْمَةِ، والْمُلْكِ، يَعْنِي ومُوسَى وأَتْبَاعُهُ فُقَرَاءُ ضُعَفَاءُ، وهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَحَشَرَ فَنَادَى ۝ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ۝ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى [النَّازِعَاتِ:23- 25].

وَقَوْلُهُ: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ قَالَ السُّدِّيُّ: يَقُولُ بَلْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ، وهَكَذَا قَالَ بَعْضُ نُحَاةِ الْبَصْرَةِ: إِنَّ أَمْ هَاهُنَا بِمَعْنَى بَلْ، ويُؤَيِّدُ هَذَا مَا حَكَاهُ الْفَرَّاءُ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ قَرَأَهَا "أَمَا أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ" قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ولَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ لَكَانَ مَعْنَاهَا صَحِيحًا واضِحًا، ولَكِنَّهَا خِلَافُ قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ فَإِنَّهُمْ قَرَءُوا "أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ" عَلَى الِاسْتِفْهَامِ.

[قُلْتُ]: وعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فإنما يعني فرعون لعنه الله بذلك أنه خير من موسى عليه الصلاة والسلام، وقَدْ كَذَبَ فِي قَوْلِهِ هَذَا كَذِبًا بَيِّنًا واضِحًا، فَعَلَيْهِ لِعَائِنُ اللَّهِ الْمُتَتَابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. ويَعْنِي بِقَوْلِهِ: مَهِينٌ كَمَا قَالَ سُفْيَانُ: حقير، وقال قتادة، والسدي: يعني ضعيف. وقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَعْنِي لَا مُلْكَ لَهُ، ولَا سُلْطَانَ، ولَا مَالَ، وَلَا يَكَادُ يُبِينُ يَعْنِي لَا يَكَادُ يُفْصِحُ عَنْ كَلَامِهِ فَهُوَ عيي حصر.

قال السدي: وَلَا يَكَادُ يُبِينُ أَيْ لَا يَكَادُ يُفْهِمُ. وقَالَ قَتَادَةُ، والسُّدِّيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ: يَعْنِي عَيِيَّ اللِّسَانِ، وقَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي فِي لِسَانِهِ شَيْءٌ مِنَ الْجَمْرَةِ حِينَ وضَعَهَا فِي فِيهِ، وهُوَ صَغِيرٌ، وهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِرْعَوْنُ لَعَنَهُ اللَّهُ كَذِبٌ، واخْتِلَاقٌ، وإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى هَذَا الْكُفْرُ، والْعِنَادُ، وهو ما ينظر إلى موسى عليه الصلاة والسلام بِعَيْنٍ كَافِرَةٍ شَقِيَّةٍ، وقَدْ كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السلام من الجلالة، والعظمة، والبهاء في صورة يبهر أبصار ذوي الْأَلْبَابِ.

الشيخ: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي [طه:27] كانت بموسى بعض العقدة حلها الله، وأعطاه الله سؤله.

وَقَوْلُهُ: مَهِينٌ كَذِبٌ. بَلْ هُوَ الْمَهِينُ الحقير خلقة، وخلقا، ودينا.

الشيخ: يعني فرعون بل هو المهين.

وموسى هو الشريف الرئيس الصَّادِقُ الْبَارُّ الرَّاشِدُ. وقَوْلُهُ: وَلَا يَكَادُ يُبِينُ افْتِرَاءٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ وإِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ لِسَانَهُ فِي حَالِ صِغَرِهِ شَيْءٌ مِنْ جِهَةِ تِلْكَ الْجَمْرَةِ، فَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَحُلَّ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِهِ لِيَفْقَهُوا قَوْلَهُ، وقد استجاب الله تبارك وتعالى له ذلك في قوله: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى [طه:36]، وبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَقِيَ شَيْءٌ لَمْ يَسْأَلْ إِزَالَتَهُ، كَمَا قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وإِنَّمَا سَأَلَ زَوَالَ مَا يَحْصُلُ مَعَهُ الْإِبْلَاغُ، والْإِفْهَامُ، فَالْأَشْيَاءُ الْخِلْقِيَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ لَا يُعَابُ بِهَا، ولَا يُذَمُّ عَلَيْهَا، وفِرْعَوْنُ وإِنْ كَانَ يَفْهَمُ، ولَهُ عَقْلٌ، فَهُوَ يَدْرِي هَذَا، وإِنَّمَا أَرَادَ التَّرْوِيجَ عَلَى رَعِيَّتِهِ، فَإِنَّهُمْ كانوا جهلة أغبياء، وهكذا قوله: فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وهِيَ مَا يُجْعَلُ فِي الْأَيْدِي مِنَ الْحُلِيِّ.

قال ابن عباس رضي الله عنهما وقَتَادَةُ وغَيْرُ واحِدٍ: أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ أَيْ يَكْتَنِفُونَهُ خِدْمَةً لَهُ، ويَشْهَدُونَ بِتَصْدِيقِهِ، نَظَرَ إِلَى الشَّكْلِ الظَّاهِرِ، ولَمْ يَفْهَمِ السِّرَّ الْمَعْنَوِيَّ الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ مِمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ لَوْ كَانَ يفهم.

الشيخ: مع ما أعطاه الله من الآيات الباهرات لكنه جحد، والمكابرة، فقد أعطاه الله من الآيات ما هو فوق هذا بكثير، وما قيمة الأسورة من الذهب؟ وما قيمة الفصاحة؟ المنافقون من أفصح الناس لكن لما هو المكابرة، والعناد، نسأل الله العافية.

ولِهَذَا قَالَ تَعَالَى: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ أَيِ اسْتَخَفَّ عُقُولَهُمْ فَدَعَاهُمْ إِلَى الضَّلَالَةِ فَاسْتَجَابُوا لَهُ، إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس رضي الله عنهما: آسَفُونا أَسْخَطُونَا، وقَالَ الضَّحَّاكُ عَنْهُ: أَغْضَبُونَا وهَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، ومُجَاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وقَتَادَةُ، والسُّدِّيُّ، وغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ أَخِي ابْنِ وهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمِّي، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مسلم التجيبي، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ تبارك وتعالى يعطي العبد ما يشاء، وهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ اسْتِدْرَاجٌ منه له ثم تلا ﷺ: فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ، وحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: كنت عند عبد الله ، فَذُكِرَ عِنْدَهُ مَوْتُ الْفَجْأَةِ، فَقَالَ: تَخْفِيفٌ عَلَى المؤمن، وحسرة على الكافر، ثم قرأ : فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ، وقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : وجَدْتُ النِّقْمَةَ مَعَ الْغَفْلَةِ، يَعْنِي قَوْلَهُ تبارك وتعالى: فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ، وقَوْلُهُ : فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: سَلَفًا لِمِثْلِ مَنْ عَمِلَ بِعَمَلِهِمْ. وقَالَ هُوَ ومجاهد: وَمَثَلًا أي عبرة لمن بعدهم، والله الموفق للصواب، وإليه المراجع، والمآب.

الشيخ: لا إله إلا هو، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يملي ولا يغفل، أملى لهم كثيرًا، ثم أخذهم سبحانه أخذ عزيز مقتدر.

س: أيجب بعد شيء؟

الشيخ: يعني رحمة للمؤمن حيث سلم من تعب الأمراض، والمشقة.

س: قوله: أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ، هل هو يؤمن بالملائكة؟

الشيخ: مقتضى هذا أنهم إذا حضروا من السماء يدل على صحة ما قال، وإلا هو ما يؤمن بالله، ولا بالملائكة، مكابر، عناد بس من أجل المكابرة.

.......