الشيخ: المقصود من هذا أن الواجب على المؤمنين التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق، فهكذا شأن الأخلاء من أهل الإيمان يتناصحون، ويتواصون بالحق حتى ينفع هذا هذا، وهذا هذا، فالإنسان قد يغفل، قد يبتلى بقرين السوء، قد يبتلى بمعصية يقع فيها، فإذا أرشده أخوه ونصحه تنبه بتوفيق الله، وانتبه، فلا ينبغي للمؤمن أن يتساهل بهذا الأمر يقول الله سبحانه: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، ويقول سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، ويقول النبي ﷺ: الدين النصيحة فهكذا المؤمن يلاحظ إخوانه وأحبابه وأهل بيته وزملاءه وغيرهم بالنصيحة، والوصية، والتوجيه إلى الخير بالرفق، وانتهاز الفرصة، وتحري الأوقات المناسبة، والكلام الطيب، والأسلوب الحسن يرجو ما عند الله من المثوبة.
س: رجل تقي ويحب عاصي، هل يعتبر آثم مثله؟
الشيخ: فيه تفصيل، هذا المحبة قد تكون لها أسباب، إن كان يحبه لأجل المعصية فقد رضي بالمعصية، وإن كان يحبه لقرابة أو لأنه جواد سخي ينفق ويحسن أو لأسباب أخرى فهذا حب خاص، ليس محبة عامة، فالواجب أن يبغضه لله، وأن يحبه على قدر ما عنده من الخير، والقلب يتحمل هذا، وهذا يتبعض، يكون فيه حب من وجه، وبغض من وجه، وإن كان كافرًا أبغضه كل البغض، وإن كان عاصيًا أبغضه من جهة المعصية، وأحبه من جهة ما فيه من الإيمان، والخير، والهدى، والأعمال الطيبة.
فَقَالَ: الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ أَيْ: آمَنَتْ قُلُوبُهُمْ، وبَوَاطِنُهُمْ، وانْقَادَتْ لِشَرْعِ اللَّهِ جَوَارِحُهُمْ وظَوَاهِرُهُمْ، قَالَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ النَّاسَ حِينَ يُبْعَثُونَ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْهُمْ إلا فزع فينادي مناد: يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ فَيَرْجُوهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ، قَالَ: فَيُتْبِعُهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ قَالَ: فَيَيْأَسُ النَّاسُ مِنْهَا غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ.
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ، أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ أَيْ: نُظَرَاؤُكُمْ، تُحْبَرُونَ أي: تتنعمون، وتسعدون، وقد تقدم تفسيرها فِي سُورَةِ الرُّومِ. يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ أَيْ: زَبَادِيِّ آنِيَةِ الطَّعَامِ، وَأَكْوَابٍ وهِيَ آنِيَةُ الشَّرَابِ، أَيْ مِنْ ذَهَبٍ لَا خَرَاطِيمَ لها، ولا عرى، وَفِيهَا مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُسُ، وقَرَأَ بَعْضُهُمْ: تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ، وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ أي: طيب الطعام، والرِّيحِ، وحُسْنَ الْمَنْظَرِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا معمر، أخبرني إسماعيل بن أبي سعيد قال: إن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، وأَسْفَلَهُمْ دَرَجَةً لَرَجُلٌ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَعْدَهُ أَحَدٌ، يُفْسَحُ لَهُ فِي بَصَرِهِ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ فِي قُصُورٍ مِنْ ذَهَبٍ، وخِيَامٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا مَعْمُورٌ يُغَدَّى عَلَيْهِ، ويُرَاحُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ صَحْفَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، لَيْسَ فِيهَا صَحْفَةٌ إِلَّا فِيهَا لَوْنٌ لَيْسَ فِي الْأُخْرَى مِثْلُهُ، شَهْوَتُهُ فِي آخِرِهَا كشهوته في أولها، ولو نَزَلَ بِهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْأَرْضِ لَوَسِعَ عَلَيْهِمْ مِمَّا أُعْطِيَ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِمَّا أُوتِيَ شَيْئًا.
الشيخ: هذا مرسل، وما في القرآن كاف، لهم فيها ما يطلبون، ولهم ما يشتهون.
الشيخ: نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
الشيخ: وهذا حديث ضعيف، الحارث الأعور هذا ليس بشيء، يروي عن علي، لأن الحارث هذا ساقط، ثم لو صح فهو قد يقال له حكم الرفع، وقد يتلقاه عن بني إسرائيل محتمل، قد يكون تلقي عن بني إسرائيل.
س: علي ممن تلقى عن بني إسرائيل؟
الشيخ: جاء أنه قد يروي بعض الإسرائيليات، ما عندي فيه يقين، لكن غالب ظني أنه ممن يحكي عنهم مثل ابن عباس، وعبد الله بن عمرو، وآخرون.
الشيخ: شهر فيه ضعف، أو له أوهام، ويكفي قوله تعالى: يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ [يس:57].
وقوله تعالى: وَأَنْتُمْ فِيهَا أَيْ: فِي الْجَنَّةِ خَالِدُونَ أَيْ: لَا تَخْرُجُونَ مِنْهَا، ولَا تَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا، ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ عَلَى وجْهِ التَّفَضُّلِ، والِامْتِنَانِ، وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَيْ: أَعْمَالُكُمُ الصَّالِحَةُ كَانَتْ سَبَبًا لِشُمُولِ رَحْمَةِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ، فَإِنَّهُ لَا يُدْخِلُ أَحَدًا عَمَلُهُ الجنة، ولكن برحمة الله وفضله، وإنما الدرجات ينال تفاوتها بحسب الأعمال الصَّالِحَاتِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ المقري، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ يَعْنِي الصَّفَّارَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كُلُّ أَهْلِ النَّارِ يَرَى مَنْزِلَهُ من الجنة حَسْرَةً، فيكون له فَيَقُولُ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [الزُّمَرِ:57]، وكُلُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَرَى مَنْزِلَهُ مِنَ النَّارِ فَيَقُولُ: وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43] فيكون لَهُ شُكْرًا قَالَ: وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا ولَهُ مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ، ومَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَالْكَافِرُ يَرِثُ الْمُؤْمِنَ مَنْزِلَهُ مِنَ النَّارِ، والْمُؤْمِنُ يَرِثُ الْكَافِرَ مَنْزِلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، وقوله تعالى: لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ أَيْ: مِنْ جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ، مِنْهَا تَأْكُلُونَ أَيْ: مهما اخترتم، وأردتم.
ولما ذكر الطعام والشراب ذكر بعده الفاكهة لتتم النعمة، والغبطة، والله تعالى أعلم.
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:74-80].
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى حَالَ السُّعَدَاءِ ثَنَّى بِذِكْرِ الْأَشْقِيَاءِ فَقَالَ: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ.
الشيخ: وهذه سنته سبحانه يذكر الفريقين ترغيبًا وترهيبًا في مواضع كثيرة من كتاب الله جل وعلا، ليرغب المؤمن في الثبات على الحق، ويدعو غيره إلى الثبات على الحق، وليحذر المكلف والمؤمن وغيره من الشر وأهله، قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ [الحجر:45-46]، بعدما ذكر أهل النار، وقال: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر:49-50]، وقال سبحانه: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14]، وهكذا يذكر هؤلاء وهؤلاء، تحريضًا للمؤمنين على الثبات والاستقامة، وتحذيرًا لغيرهم من البلاء، والبقاء على الباطل، والحذر مما هم فيه من الباطل، والله المستعان، والمجرم هو الذي تعاطى الإجرام من الكفر والمعاصي، أعظم الإجرام الكفر بالله، ودون ذلك بقية المعاصي كلها جرائم، الزنا جريمة، السرقة جريمة، والعقوق جريمة، وشرب الخمر جريمة، وهكذا، لكن أعظم الإجرام هو الشرك الأكبر، إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [الزخرف:74-75]، يعني الكفرة، المراد هنا الكفار، نسأل الله العافية، ضد المؤمنين.
الشيخ: وهذا وصف الكفرة، والعاصي ليس بآيس، لكن الكافر هو الآيس، ليس له إلا النار أبد الآباد، نسأل الله العافية، كما قال جل وعلا في كتابه العظيم: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة:37]، كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167]، ويقول سبحانه: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء:97]، فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [النبأ:30]، نسأل الله العافية.
الشيخ: يعني أن الله بلغهم، وأنذرهم، وأمرهم، ونهاهم، وأرسل الرسل فما ظلمهم، وأعطاهم العقول، والاختيارات، والإرادة، فأقدموا على الباطل، وآثروا الهوى، والشيطان.
فَكَذَّبُوا، وعَصَوْا، فَجُوزُوا بِذَلِكَ جَزَاءً وفَاقًا، ومَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.
ونادَوْا يا مالِكُ وهُوَ خَازِنُ النَّارِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عمر بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقرأ على المنبر: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ أَيْ: لِيَقْبِضْ أَرْوَاحَنَا فَيُرِيحَنَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا [فاطر:36].
الشيخ: يعني يتمنون الموت ويطلبون الموت لما هم فيه من العذاب، نسأل الله العافية والسلامة، يطلبون أن يموتوا في النار حتى يستريحوا من هذا العذاب، وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ يعني ليمتنا قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ نسأل الله العافية فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [النبأ:30]، نسأل الله العافية.
الطالب: عندنا عن عمرو عن عطاء.
.......
الشيخ: الظاهر أنها عن عمرو عن عطاء، حط عليه إشارة، يراجع البخاري، الظاهر أنه عمرو، يعني عمرو بن دينار، الخلاصة، والتقريب.
.......
الأقرب أنه عمرو بن دينار، ساقطة عن بدل ابن، تصحفت عن إلى ابن، التصحيف هذا كثير في عن، وابن.
الطالب: البخاري أحسن الله إليك قال: باب وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قال: حدثنا حجاج بن منهال، قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه.
الشيخ: بس هذا هو، صلحوها عن عطاء، ابن غلط، عن عمرو عن عطاء.
وقال : وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى [الْأَعْلَى:11- 13] فَلَمَّا سَأَلُوا أَنْ يَمُوتُوا أَجَابَهُمْ مَالِكٌ: قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَكَثَ أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، أَيْ: لَا خُرُوجَ لَكُمْ مِنْهَا، ولَا مَحِيدَ لَكُمْ عَنْهَا، ثُمَّ ذَكَرَ سَبَبَ شِقْوَتِهِمْ، وهُوَ مُخَالَفَتُهُمْ لِلْحَقِّ، ومُعَانَدَتُهُمْ لَهُ فَقَالَ: لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ أَيْ: بَيَّنَّاهُ لَكُمْ، ووَضَّحْنَاهُ، وفَسَّرْنَاهُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ أَيْ: ولَكِنْ كَانَتْ سَجَايَاكُمْ لَا تَقْبَلُهُ، ولَا تُقْبِلُ عَلَيْهِ، وإِنَّمَا تَنْقَادُ لِلْبَاطِلِ وتُعَظِّمُهُ، وتَصِدُّ عَنِ الْحَقِّ وتَأْبَاهُ، وتُبْغِضُ أَهْلَهُ، فَعُودُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِالْمَلَامَةِ، وانْدَمُوا حيث لا تنفعكم الندامة.
ثم قال تبارك وتعالى: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ قَالَ مُجَاهِدٌ: أَرَادُوا كَيْدَ شَرٍّ، فَكِدْنَاهُمْ، وهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [النَّمْلِ:50]، وذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَتَحَيَّلُونَ فِي رَدِّ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ بحيل، ومكر يسلكونه، فكادهم الله تعالى، ورَدَّ وبَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، ولِهَذَا قَالَ: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ أَيْ: سَرَّهُمْ وعَلَانِيَتَهُمْ، بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ أَيْ: نَحْنُ نَعْلَمُ مَا هُمْ عَلَيْهِ، والْمَلَائِكَةُ أَيْضًا يكتبون أعمالهم صغيرها، وكبيرها.
قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الزخرف:81-89].
يَقُولُ تَعَالَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ أَيْ: لَوْ فُرِضَ هَذَا لَعَبَدْتُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنِّي عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِهِ مُطِيعٌ لِجَمِيعِ مَا يَأْمُرُنِي بِهِ لَيْسَ عِنْدِي اسْتِكْبَارٌ، ولَا إِبَاءٌ عَنْ عِبَادَتِهِ، فلو فرض هذا لكان هَذَا، ولَكِنْ هَذَا مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّهِ تَعَالَى.
الشيخ: وهو لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:3] جل وعلا.
الشيخ: وقال تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22] كل هذا مستحيل، والله أكبر.
وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ أَيِ: الْآنِفِينَ، ومِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، والْبُخَارِيُّ، حَكَاهُ فَقَالَ، ويُقَالُ: أَوَّلُ الْعَابِدِينَ الْجَاحِدِينَ، مِنْ عَبِدَ يَعْبَدُ.
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ لِهَذَا الْقَوْلِ مِنَ الشَّوَاهِدِ مَا رَوَاهُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنِ ابْنِ وهب، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَبِي قُسَيْطٍ عَنْ بَعَجَةَ بْنِ بدرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ امْرَأَةً مِنْهُمْ دَخَلَتْ عَلَى زَوْجِهَا، وهُوَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَيْضًا، فَوَلَدَتْ لَهُ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَذَكَرَ ذَلِكَ زَوْجُهَا لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، فَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُرْجَمَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فقال: إن الله تعالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ، وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15]، وقال : وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [لقمان:14] قال: فو الله مَا عَبَدَ عُثْمَانُ أَنْ بَعْثَ إِلَيْهَا تُرَدُّ، قَالَ يُونُسُ: قَالَ ابْنُ وهب: عبد استنكف. وقال الشاعر: [الطويل]
مَتَى مَا يَشَأْ ذُو الْوُدِّ يَصْرِمْ خَلِيلَهُ | ويَعْبَدُ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ ظَالِمًا |
وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ كَيْفَ يَلْتَئِمُ مَعَ الشَّرْطِ فَيَكُونَ تَقْدِيرُهُ إِنْ كَانَ هَذَا فَأَنَا مُمْتَنِعٌ مِنْهُ؟ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ.
الشيخ: الصواب الأول، إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ يعني العابدين بذلك بالإقرار والإذعان، ما هو بأول المستنكرين، لا يتلاءم مع المقام.
اللَّهُمَّ إِلَّا أن يقال: أن إِنْ لَيْسَتْ شَرْطًا، وإِنَّمَا هِيَ نَافِيَةٌ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ لِلرَّحْمَنِ ولَدٌ، فَأَنَا أَوَّلُ الشَّاهِدِينَ.
وَقَالَ قتادة هي كلمة من كلام العرب، إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ أَيْ: إِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَلَا يَنْبَغِي، وقَالَ أَبُو صَخْرٍ: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ أَيْ: فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ عَبَدَهُ بِأَنْ لَا ولَدَ لَهُ، وأَوَّلُ مَنْ وحَّدَهُ، وكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وقَالَ مُجَاهِدٌ: فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ أَيْ: أَوَّلُ مَنْ عَبَدَهُ ووَحَّدَهُ، وكَذَّبَكُمْ، وقَالَ الْبُخَارِيُّ: فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ الْآنِفِينَ، وهُمَا لُغَتَانِ، رَجُلٌ عَابِدٌ، وعَبِدٌ، والْأَوَّلُ أَقْرَبُ عَلَى أنه شرط وجزاء، ولكن هو ممتنع، وقال السدي: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لَهُ ولَدٌ كُنْتُ أول من عبده بأن له ولدًا، ولكن لَا ولَدَ لَهُ، وهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ، ورَدَّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ إِنْ نَافِيَةٌ. ولهذا قال تعالى: سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ أَيْ: تَعَالَى وتَقَدَّسَ وتَنَزَّهَ خَالِقُ الْأَشْيَاءِ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ، فَإِنَّهُ فَرْدٌ أَحَدٌ صَمَدٌ، لَا نَظِيرَ لَهُ، ولَا كُفْءَ لَهُ، فَلَا ولَدَ له.
الشيخ: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ [الأنعام:101] لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4].
الشيخ: وهذا وعيد، وهو بلغهم وأنذرهم لكنه من باب التهديد، نسأل الله العافية.
أَيْ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ كَيْفَ يَكُونُ مَصِيرُهُمْ، ومَآلُهُمْ، وحَالُهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وقوله تبارك وتعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ أَيْ: هُوَ إِلَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، وإِلَهُ من في الأرض يعبده أهلها، وكُلُّهُمْ خَاضِعُونَ لَهُ أَذِلَّاءُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ، وهذه الآية كقوله : وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الْأَنْعَامِ:3].
الشيخ: سبحانه يعني هو المدعو الله في السماء والأرض، وهو إله للسماء، وإله للأرض، وهو إله الجميع، وهو فوق العرش سبحانه، فوق جميع الخلق سبحانه.
س: تفسير تبارك: استقر؟
الشيخ: يعني استقر له الكمال، تبارك هو الكامل في كل شيء سبحانه، يعني بلغ الكمال في كل شيء، البركة والكمال في كل شيء .
وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ أَيْ: لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَيْ: فَيُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ أَيْ: مِنَ الْأَصْنَامِ والْأَوْثَانِ، الشَّفَاعَةَ أَيْ: لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الشَّفَاعَةِ لَهُمْ، إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ: لَكِنْ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ عَلَى بَصِيرَةٍ وعِلْمٍ فَإِنَّهُ تَنْفَعُ شَفَاعَتُهُ عنده بإذنه له.
ثم قال : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ أَيْ: ولَئِنْ سَأَلْتَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ الْعَابِدِينَ مَعَهُ غَيْرَهُ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ أَيْ: هُمْ يَعْتَرِفُونَ أَنَّهُ الْخَالِقُ لِلْأَشْيَاءِ جَمِيعِهَا، وحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي ذَلِكَ، ومَعَ هَذَا يَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، ولَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، فَهُمْ فِي ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ، والسَّفَاهَةِ، وسَخَافَةِ الْعَقْلِ.
الشيخ: وهم أقروا بها، ولكن على غير بصيرة، أقروا أن الله ربهم، وخالقهم، وخالق السماوات والأرض، ولكن على غير بصيرة، لم يستفيدوا منها، وإلا فهذا الذي هو ربهم، وخالقهم هو المستحق أن يعبد، ويعظم، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزمر:38]، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ، قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ [يونس:31] أفلا تتقون الإشراك به ودعوة غيره مع أنكم تعرفون أنه رازقكم، وخالقكم، ومدبر أموركم؟! لكنه الجهل العظيم، نسأل الله العافية، وعدم النظر، والتقليد الأعمى، نسأل الله العافية.
ولهذا قال تعالى: فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ.
وقوله جل وعلا: وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ أي: وقال محمد ﷺ، قِيلُهُ أَيْ شَكَا إِلَى رَبِّهِ شَكْوَاهُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ.
الشيخ: يعني عنده علم الساعة، وعنده علم ....... محمد يعلم هذا، ويعلم هذا.
كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى في الآية الأخرى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الْفُرْقَانِ:30]، وهذا الذي قلناه هو قول ابن مسعود ، ومجاهد، وقتادة، وعليه فسر ابن جَرِيرٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابن مسعود : وقالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ وقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قوله: وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ [الزخرف:88] قال: يؤثرّ الله قول مُحَمَّدٌ ﷺ. وقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ قَوْلُ نَبِيِّكُمْ ﷺ يَشْكُو قَوْمَهُ إِلَى رَبِّهِ .
ثُمَّ حَكَى ابْنُ جَرِيرٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: وَقِيلِهِ يَا رَبِّ قِرَاءَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا النَّصْبُ، ولَهَا تَوْجِيهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ معطوف على قوله تبارك وتعالى: نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ، والثَّانِي أَنْ يُقَدَّرَ فِعْلٌ، وقَالَ قِيلَهُ، والثَّانِيَةُ الْخَفْضُ، وقِيلِهِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ تقديره: وعلم قيله.
وقوله تعالى: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ أَيِ: الْمُشْرِكِينَ، وَقُلْ سَلَامٌ أَيْ: لَا تُجَاوِبْهُمْ بِمِثْلِ مَا يُخَاطِبُونَكَ بِهِ مِنَ الْكَلَامِ السَّيِّئِ، ولَكِنْ تَأَلَّفْهُمْ، واصْفَحْ عَنْهُمْ فِعْلًا وقولًا، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ هذا تهديد من الله تَعَالَى لَهُمْ، ولِهَذَا أَحَلَّ بِهِمْ بَأْسَهُ الَّذِي لَا يُرَدُّ، وأَعْلَى دِينَهُ، وكَلِمَتَهُ، وشَرَعَ بَعْدَ ذَلِكَ الْجِهَادَ، والْجِلَادَ.
الشيخ: وهكذا أمر الرسل أن يصفحوا، وأن يصبروا على الأذى، وأن يبلغوا الرسالات بالصبر ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46]، وَدَعْ أَذَاهُمْ [الأحزاب:48] فالمقصود البلاغ، والبيان حتى تبرأ الذمة، ويحصل البلاغ والبيان، والله عنده جل وعلا الجزاء والعقاب .