من قوله: (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا ..)

وقوله تبارك وتعالى: وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا [الفتح:21] أي: وغنيمة أخرى، وفتحًا آخر معينًا لم تكونوا تقدرون عليها، قد يسرها الله عليكم، وأحاط بها لكم، فإنه تعالى يرزق عباده المتقين له من حيث لا يحتسبون. وقد اختلف المفسرون في هذه الغنيمة ما المراد بها فقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: هي خيبر، وهذا على قوله في قوله : فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ إنها صلح الحديبية، وقاله الضحاك، وابن إسحاق، وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم، وقال قتادة: هي مكة، واختاره ابن جرير.
الشيخ: يعني فتح مكة، كله واقع، لعل هذا الصلح يسر لهم فتح خيبر، وغنائم خيبر، ثم فتح مكة كلها تيسرت، والحمد لله.
وقال ابن أبي ليلى، والحسن البصري: هي فارس، والروم، وقال مجاهد: هي كل فتح وغنيمة إلى يوم القيامة.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة عن سماك الحنفي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا قال: هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم.
وقوله تعالى: وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا يقول مبشرًا لعباده المؤمنين، بأنه لو ناجزهم المشركون لنصر الله رسوله، وعباده المؤمنين عليهم، ولا نهزم جيش الكفر فارًا مدبرًا، لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا لأنهم محاربون لله، ولرسوله، ولحزبه المؤمنين.
ثم قال تبارك وتعالى: سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا أي: هذه سنة الله، وعادته في خلقه، ما تقابل الكفر والإيمان في موطن فيصل إلا نصر الله الإيمان على الكفر، فرفع الحق، ووضع الباطل، كما فعل تعالى يوم بدر بأوليائه المؤمنين، نصرهم على أعدائه من المشركين، مع قلة عدد المسلمين وعددهم، وكثرة المشركين وعددهم.
الشيخ: يوم بدر، ويوم الأحزاب، ويوم فتح مكة، كل هذا من نصره وتأييده جل وعلا، كما قال تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر:51]، يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:52] وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ۝ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ۝ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173]، وإن ابتلاهم ببعض الأحيان، قد يبتليهم بعض الأشياء، كما جرى يوم أحد بسبب إخلال أهل الموقف، قد يبتليهم بالضراء، ولكن العاقبة للمتقين، جعل العاقبة لهم، ويسر لهم أمورهم، ونصرهم عليهم يوم الأحزاب، ويوم فتح مكة، وصارت العاقبة للمتقين فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49].
وقوله : وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا هذا امتنان من الله تعالى على عباده المؤمنين حين كف أيدي المشركين عنهم فلم يصل إليهم منهم سوء، وكف أيدي المؤمنين عن المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، بل صان كلا من الفريقين، وأوجد بينهم صلحًا فيه خيرة للمؤمنين، وعاقبة لهم في الدنيا، والآخرة.
الشيخ: ولهذا سماه الله فتحًا، صلح الحديبية كان المسلمون ألفًا وأربعمائة، أو ألفًا وخمسمائة، والمشركون كثيرون، والله أوقع بينهم الصلح حتى يأمن الناس، ويتقوّى المؤمنون، ويتسنى لهم الهجرة، وتأمن الطرق، كان رحمة من الله، وفتحًا من الله جل وعلا، كف أيدي هؤلاء، وأيدي هؤلاء.
وقد تقدم في حديث سلمة بن الأكوع حين جاءوا بأولئك السبعين الأسارى، فأوثقوهم بين يدي رسول الله ﷺ فنظر إليهم فقال: أرسلوهم يكن لهم بدء الفجور، وثناؤه قال: وفي ذلك أنزل الله : وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ الآية.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله ﷺ، وأصحابه ثمانون رجلًا من أهل مكة بالسلاح، من قبل جبل التنعيم، يريدون غرة رسول الله ﷺ فدعا عليهم فأخذوا. قال عفان: فعفا عنهم، ونزلت هذه الآية: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ورواه مسلم، وأبو داود في سننه، والترمذي، والنسائي في التفسير من سننيهما من طرق عن حماد بن سلمة به.
وقال أحمد أيضًا: حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا الحسين بن واقد، حدثنا ثابت البناني، عن عبدالله بن مغفل المزني قال: كنا مع رسول الله ﷺ في أصل الشجرة التي قال الله تعالى في القرآن، وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله ﷺ، وعلي بن أبي طالب . وسهيل بن عمرو بين يديه فقال رسول الله ﷺ لعلي : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فأخذ سهيل بيده، وقال: ما نعرف الرحمن الرحيم، اكتب في قضيتنا ما نعرف فقال: اكتب باسمك اللهم-، وكتب- هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة فأمسك سهيل بن عمرو بيده، وقال: لقد ظلمناك إن كنت رسوله، اكتب في قضيتنا ما نعرف، فقال: اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابًا عليهم السلاح، فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم رسول الله ﷺ، فأخذ الله تعالى بأسماعهم، فقمنا إليهم، فأخذناهم، فقال رسول الله ﷺ: هل جئتم في عهد أحد؟ أو هل جعل لكم أحدًا أمانا؟ فقالوا: لا، فخلى سبيلهم فأنزل الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ الآية، رواه النسائي من حديث حسين بن واقد به.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا يعقوب القمي، حدثنا جعفر عن ابن أبزى قال: لما خرج النبي ﷺ بالهدي، وانتهى إلى ذي الحليفة قال له عمر : يا نبي الله، تدخل على قوم لك حربٌ بغير سلاح، ولا كراع؟ قال: فبعث ﷺ إلى المدينة فلم يدع فيها كراعًا، ولا سلاحًا إلا حمله، فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل فسار حتى أتى منى، فنزل بمنى، فأتاه عينه أن عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليك في خمسمائة، فقال لخالد بن الوليد : «يا خالد هذا ابن عمك قد أتاك في الخيل»، فقال خالد : أنا سيف الله، وسيف رسوله، فيومئذ سمي سيف الله، فقال: يا رسول الله ابعثني أين شئت، فبعثه على خيل، فلقي عكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، ثم عاد في الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، ثم عاد في الثالثة فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، فأنزل الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ إلى قوله تعالى: عَذَابًا أَلِيمًا قال فكف الله النبي ﷺ عنهم من بعد أن أظفره عليهم؛ لبقايا من المسلمين كانوا أبقوا فيها، كراهية أن تطأهم الخيل.
ورواه ابن أبي حاتم عن ابن أبزى بنحوه، وهذا السياق فيه نظر فإنه لا يجوز أن يكون عام الحديبية، لأن خالدًا لم يكن أسلم، بل قد كان طليعة للمشركين يومئذ، كما ثبت في الصحيح، ولا يجوز أن يكون في عمرة القضاء؛ لأنهم قاضوه على أن يأتي في العام القابل فيعتمر، ويقيم بمكة ثلاثة أيام، ولما قدم ﷺ لم يمانعوه، ولا حاربوه، ولا قاتلوه.
الشيخ: المقصود أن هذا الخبر ضعيف، ابن حميد ضعيف، شيخ المؤلف شيخ ابن جرير، خبر ضعيف من وجوه كثيرة: من جهة خالد ما أسلم إلا بعد ذلك، ومن جهة قوله نزل بمنى، وإنما نزل في الحديبية ما نزل في منى، المقصود أنه خبر ضعيف، وسياقه غريب، وليس بشيء، وإنما الصواب أنه ﷺ جاء للعمرة فقط ما جاء للقتال، ولا جلب الخيل، والسلاح، وإنما جاء للعمرة، فلما صدوه جاء صلح الحديبية لما حرنت ناقته، قال: ما ذاك لها بخلق، ثم قال: لا يسألونني من خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبتهم إليها، فقاضاهم في الحديبية، على وضع الحرب عشر سنين، وكان خالد مع الكفار ذاك الوقت، وكان النزول في الحديبية لا في منى، ولم يجلب الخيل والكراع من المدينة، إنما جاء للعمرة، ما جاء للقتال، فالمقصود أن السياق هذا غلط من ابن حميد، أو غيره.
س: هل الحديبية الآن تعتبر من مكة بنص الآية؟
الشيخ: محتمل لأجل قربها، والله أعلم، ويحتمل أن هذه قضية أخرى.
فإن قيل: فيكون يوم الفتح؟ فالجواب: ولا يجوز أن يكون يوم الفتح؛ لأنه لم يسق عام الفتح هديًا، وإنما جاء محاربًا مقاتلًا في جيش عرمرم، فهذا السياق فيه خلل، وقد وقع فيه شيء فليتأمل، والله أعلم.
وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن عكرمة مولى ابن عباس قال: إن قريشًا بعثوا أربعين رجلًا منهم، أو خمسين، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله ﷺ ليصيبوا من أصحابه أحدًا، فأخذوا أخذا، فأتي بهم رسول الله ﷺ فعفا عنهم، وخلى سبيلهم، وقد كانوا رموا إلى عسكر رسول الله ﷺ بالحجارة، والنبل. قال ابن إسحاق: وفي ذلك أنزل الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ الآية. وقال قتادة: ذكر لنا أن رجلًا يقال له: ابن زنيم، اطلع على الثنية من الحديبية، فرماه المشركون بسهم فقتلوه، فبعث رسول الله ﷺ خيلًا فأتوه باثني عشر من الكفار، فقال لهم: هل لكم علي عهد؟ هل لكم علي ذمة؟ قالوا: لا، فأرسلهم، وأنزل الله تعالى في ذلك: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ الآية.
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ۝ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الفتح:25، 26].
يقول تعالى مخبرًا عن الكفار من مشركي العرب من قريش، ومن مالأهم على نصرتهم على رسول الله ﷺ هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: هم الكفار دون غيرهم، وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أي: وأنتم أحق به، وأنتم أهله في نفس الأمر، وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ أي: وصدوا الهدي أن يصل إلى محله، وهذا من بغيهم وعنادهم، وكان الهدي سبعين بدنة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وقوله : وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ أي: بين أظهرهم ممن يكتم إيمانه، ويخفيه منهم خيفة على أنفسهم من قومهم، لكنا سلطناكم عليهم فقتلتموهم، وأبدتم خضراءهم، ولكن بين أفنائهم من المؤمنين والمؤمنات أقوام لا تعرفونهم حالة القتل، ولهذا قال تعالى: لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ أي: إثم وغرامة، بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ أي: يؤخر عقوبتهم ليخلص من بين أظهرهم المؤمنين، وليرجع كثير منهم إلى الإسلام، ثم قال تبارك وتعالى: لَوْ تَزَيَّلُوا أي: لو تميز الكفار من المؤمنين الذين بين أظهرهم لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا أي: لسلطناكم عليهم فقتلتموهم قتلًا ذريعًا.
قال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، حدثنا عبدالرحمن بن أبي عباد المكي، حدثنا عبدالرحمن بن عبدالله بن سعد مولى بني هاشم، حدثنا حجر بن خلف قال: سمعت عبدالله بن عوف يقول: سمعت جنيد بن سبع يقول: قاتلت رسول الله ﷺ أول النهار كافرًا، وقاتلت معه آخر النهار مسلمًا، وفينا نزلت وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ قال: كنا تسعة نفر: سبعة رجال، وامرأتين، ثم رواه من طريق أخرى عن محمد بن عباد المكي به، وقال فيه عن أبي جمعة جنيد بن سبع فذكره، والصواب أبو جعفر حبيب بن سباع، ورواه ابن أبي حاتم من حديث حجر بن خلف به: وقال: كنا ثلاثة رجال، وتسع نسوة، وفينا نزلت، وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ.
وقال ابن أبي حاتم، حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري. حدثنا عبدالله بن عثمان بن جبلة، عن أبي حمزة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا يقول: لو تزيل الكفار من المؤمنين لعذبهم الله عذابًا أليمًا بقتلهم إياهم.
وقوله : إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وذلك حين أبوا أن يكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم.
س: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: هم الكفار دون غيرهم؟
الشيخ: في محلها في مكة، يعني أصلها في مكة..
س: متى سمي خالد بسيف الله؟
الشيخ: الظاهر أنه سمي يوم غزوة مؤتة.
س: سيف الله، أو سيف رسول الله ﷺ؟
الشيخ: سيف الله نصر الله به المسلمين يوم مؤتة لما قتل زيد بن حارثة وجعفر، وعبدالله بن رواحة، وتولاها ، وصلح الناس عليه، ونفع الله به المسلمين، ونصرهم به.
وقوله : إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وذلك حين أبوا أن يكتبوا: بسم الله الرحمن الرحيم، وأبوا أن يكتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ وهي قول: «لا إله إلا الله»، كما قال ابن جرير، وعبدالله ابن الإمام أحمد. حدثنا الحسن بن قزعة أبو علي البصري حدثنا سفيان بن حبيب، حدثنا شعبة، عن ثوير.
الشيخ: انظر ثوير.
الطالب: ثوير –مصغر ثور- ابن أبي بخيتة مولى أم هاني، وقيل: مولى زوجها جعدة أبي الجهم... عن أبيه سعد بن علاقة، وابن عمر، وعنه شبعة، وإسرائيل، قال الدارقطني: متروك، وقال أبو حاتم: ضعيف. (الترمذي).
طالب آخر: ثور بن يزيد بن زياد... لأول اسم أبيه، أبو خالد العبسي، ثقة ثبت إلا أنه يرى القدر.
طالب آخر: ثور بن يزيد الكلائي أبو خالد الحمصي، أحد الحفاظ الأثبات العلماء، عن خالد بن معدان، وعطاء، وطيفة، وعنه الثوري وعيسى بن يونس، وابن المبارك، قال ابن معين: ما رأيت شاميًا أوثق منه، قال أحمد: كان يرى القدر، تكلم فيه جماعة بسبب ذلك، ولم يكن فيه شيء سوى القدرية.
الشيخ: فيه ثالث؟
الطالب: لا
الشيخ: صوابه ثوير.
عن أبيه، عن الطفيل، يعني ابن أبي بن كعب، عن أبيه ، أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى قال: لا إله إلا الله وكذا رواه الترمذي عن الحسن بن قزعة، وقال غريب لا نعرفه إلا من حديثه، وسألت أبا زرعة عنه فلم يعرفه إلا من هذا الوجه.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبدالله بن صالح، حدثني الليث، حدثني عبدالرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله ﷺ قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله  وأنزل الله في كتابه، وذكر قومًا فقال: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ [الصافات:35].
وقال الله جل ثناؤه: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله، فاستكبروا عنها، واستكبر عنها المشركون يوم الحديبية، فكاتبهم رسول الله ﷺ على قضية المدة، وكذا رواه بهذه الزيادات ابن جرير من حديث الزهري، والظاهر أنها مدرجة من كلام الزهري، والله أعلم.
الشيخ: والمقصود أن الله وفق عباده المؤمنين لكلمة التقوى، كلمة لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وكل كلمة أتى بها الحق خلافًا للجاهلية الذين لما قال لهم هذا ما قضى عليه محمد رسول الله قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قتلناك، اكتب محمد بن عبدالله، ولما قال: بسم الله الرحمن الرحيم، قالوا: ما نعرف الرحمن، اكتب باسمك اللهم، هذا من جهلهم، والمسلمون ألزمهم الله كلمة التقوى، واستقاموا عليها، وقالوها، واطمأنوا إليها، وهداهم الله بها.
وقال مجاهد: كلمة التقوى الإخلاص، وقال عطاء بن أبي رباح: هي «لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير».
الشيخ: كلمة التقوى تعم، كلمة جنس تعم لا إله إلا الله، وتعم بسم الله الرحمن الرحيم، وتعم هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، كل كلمة حق تدخل في كلمة التقوى، وكان المسلمون أولى بها.
وقاله يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن المسور، وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى قال: «لا إله إلا الله، وحده لا شريك له»، وقال الثوري عن سلمة بن كهيل، عن عباية بن ربعي، عن علي ، وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى قال: «لا إله إلا الله، والله أكبر»، وكذا قال ابن عمر رضي الله عنهما، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى قال: يقول: شهادة أن لا إله إلا الله، وهي رأس كل تقوى.
وقال سعيد بن جبير، وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى قال: «لا إله إلا الله، والجهاد في سبيله»، وقال عطاء الخراساني: هي «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وقال عبدالله بن المبارك عن معمر عن الزهري، وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى قال: «بسم الله الرحمن الرحيم». وقال قتادة، وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى قال: «لا إله إلا الله»، وكانوا أحق من يستحق الخير ممن يستحق الشر، وقد قال النسائي: حدثنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا شبابة بن سوار عن أبي رزين عن عبدالله بن العلاء.
الشيخ: المعروف عبدالله بن العلاء بن زبر بالزاي، والباء، والراء.
الطالب: عندنا كذلك زبر.
الشيخ: هذا الصواب عبدالله بن العلاء بن زبر.
ابن زبر عن بسر بن عبيد الله عن أبي بن كعب .
الطالب: عن أبي إدريس عن أبي كعب.
الشيخ: حط عليه إشارة عن أبي إدريس يراجع النسائي، حط نسخة بين بسر، شف ترجمة بسر، أبي مات قديمًا، شف مولد بسر.
أنه كان يقرأ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام، فبلغ ذلك عمر فأغلظ له فقال: إنك لتعلم أني كنت أدخل على رسول الله ﷺ فيعلمني مما علمه الله تعالى، فقال عمر : بل أنت رجل عندك علم، وقرآن، فاقرأ، وعلم مما علمك الله تعالى، ورسوله.
الطالب: بسر بن عبيد الله الحضرمي الشامي الحافظ، عن رويفع بن ثابت، وعبدالله بن حوالة، وعمرو بن عبسة، وأبو زيد بن واقف، وثور بن يزيد، وعبدالله بن العلاء بن زبر، قال مروان بن محمد: زبر... الجماعة).
الشيخ: عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس، ماشي.