الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه. أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه المحاضرة المباركة لفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ريان، وقد أحسن جزاه الله خيرًا وأفاد إخوانه فيما يتعلق باحتفال الموالد، ولا ريب أن ما ذكره في ذلك هو الحق، وأن هذه الموالد التي ابتدعها الناس منكرة، ولا أساس لها في الشريعة، وقد كتبنا وكتب غيرنا في هذا رسائل من قديم الزمان، كتب العلماء وبينوا بدعة هذه الموالد، وممن أحدثها غير ملك إربل أحدثها أيضًا الرافضة، أحدثها ملوك المغرب ومصر في القرن الرابع وما بعده بنو عبيدالقداح الفاطميون، أحدثوا خمسة موالد في القرن الرابع، كما ذكر ذلك صاحب الإبداع في مضار الابتداع، ذكر أنهم أحدثوا موالد لعلي ، والحسن، والحسين، وفاطمة، وحاكمهم، ثم تبعه كثير من الناس في ذلك، وهي مخترعة ليس لها أساس، ولم يفعلها رسول الله ﷺ، ولا أصحابه، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون الثلاثة المفضلة، وإنما حدث بعد ذلك، والخير كله في اتباع الرسول ﷺ، وأصحابه، والسلف الصالح، والشر كله في البدع والمحدثات.
وأما درس السيرة فبإمكان أهل العلم تدريس السيرة كما يدرس غيرها، تدرس السيرة من دون احتفالات، تدرس في الصباح وفي المساء، وفي المدارس وفي غير ذلك، تدريس السيرة بحمد الله ميسر، وليس في ذلك بحمد الله محظور، بل ذلك قربة وطاعة كما تدرس العلوم الأخرى في الحديث والفقه وغير ذلك.
وأما البدع فهي من أعظم ما يضر المسلمين ويفرقهم، والشيطان يدعو إليها ويحببها؛ لأن أهل البدع يرون أنهم على حق، فلا يتوبون، فلهذا صارت البدعة أحب إلى الشيطان من المعصية؛ لأن المبتدع يرى أنه على حق؛ فلا يتوب، بل يصر على بدعته، والعاصي قد يتوب؛ لأنه يعرف أنه مخطئ، وأنه غلطان، فقد يتوب، وقد لا يتوب، ويبادر بالتوبة.
فأعظم الذنوب الشرك بالله، ثم تليه البدعة، ثم بقية المعاصي الكبار، ثم صغائر الذنوب، فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا البدع صغيرها وكبيرها، وقليلها وكثيرها، وأن يلزموا السنة، ويستقيموا عليها. رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وأعاذن الله وإياكم من البدع صغيرها وكبيرها، ورزق المسلمين الاستقامة.