خطورة تعظيم قبور الصالحين

لا شك أن هذا الموضوع الذي طرقه المشايخ وتكلموا فيه موضوع مهم، والناس في حاجة دائمًا إلى بيان ما شرع الله في ذلك، وما نهى الله عنه في ذلك، حتى يكون الناس على بصيرة، وأمور القبور الناس قد ابتلوا فيها من قديم الزمان، من عهد نوح عليه الصلاة والسلام، فقد وقعت الفتنة في الموتى والغلو فيهم في زمن أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، ثم لم يزل الناس يقع منهم ما يقع من الفتن في القبور والغلو فيها والشرك بأهلها إلى يومنا هذا، فإن زمن نوح عليه الصلاة والسلام كان الناس على هدى، من عهد آدم إلى زمن نوح كانوا على الإسلام، قال ابن عباس: "عشرة قرون".

ثم إن الناس وقعوا في الشرك بعد ذلك، بسبب الغلو، مات فيهم خمسة من الصالحين يقال لهم: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسرًا، فعظم عليهم ذلك، واشتد فيهم المصيبة؛ لموت هؤلاء الأخيار بينهم، فجاءهم الشيطان وزين لهم أن يصوروا صورهم، وأن ينصبوها في مجالسهم، وقالوا: هذا تذكار تذكرون عبادتهم وأحوالهم الطيبة فلا تنسوهم، وتجتهدوا في العبادة كما اجتهدوا، فأتاهم في قالب النصح، وقالب الخير، وقالب التذكير بطاعة الله، والخبيث له مقاصد أخرى، له مقاصد فيمن بعدهم، أو فيهم في آخر زمانهم، وعند طول الأمد فإنه اعتقد أن هؤلاء إذا طال بهم الأمد سوف يتغير حالهم، وسوف يتغير اعتقادهم بهذه الصور، أو من يأتي من بعدهم من ذرياتهم، فوقع كما اعتقد الخبيث، وكما ظن لما طال الأمد عبدوهم من دون الله، أو عبدهم ذرياتهم من دون الله، كما ذكر العلماء رحمة الله عليهم، وأنزل الله فيهم قوله جل وعلا: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ۝ وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا [نوح:23-24]، بين الله أنهم أضلوا كثيرًا بسبب الشيطان وتزيينه، فعبد الصالحون من دون الله، واستغيث بهم، وعظمت قبورهم، وبني عليها إلى غير ذلك، حتى بعث الله نبيه خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام فبين للناس ما فعله من قبلهم، وما فعله اليهود والنصارى مع الأنبياء في هذا الصدد، فقال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، وأخبرهم أن ما تفعله النصارى أيضًا في شأن أمواتها كما روته أم حبيبة وأم سلمة فيما روتا للنبي ﷺ من قصة الكنيسة التي رأتاها في أرض الحبشة، قال فيها عليه الصلاة والسلام: كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا يعني: النصارى وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله، بين أن النصارى كان من عادتهم البناء على قبور صالحيهم، ووضع الصور على تلك القبور، ثم أخبر أنهم شرار الخلق عند الله بسبب ذلك بسبب هذه البناء وهذه التصاوير التي يضعونها على القبور.