12 الفصل الأول: في ذكر طرفي النهار

 
قال الحافظ ابنُ القيم رحمه الله تعالى: (الفصل الأول: في ذكر طرفي النهار:
وهما بين الصبح وطلوع الشمس، وما بين العصر والغروب.
قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ۝ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41، 42] والأصيل: قال الجوهري: هو الوقت بعد العصر إلى المغرب، وجمعه: أصل وآصال وأصائل، كأنه جمع  أصيلة، قال الشاعر:
لعمري لأنت البيت أكرم أهله وأقعد في أفيائه بالأصائل
ويُجمع أيضًا على أصلان، مثل: بعير وبُعران، ثم صغَّروا الجمع فقالوا: أصيلان، ثم أبدلوا من النون لامًا فقالوا: أصيلال، قال الشاعر:
وقفتُ فيها أصيلالًا أُسائلها أعيت جوابًا وما بالربع من أحد
وقال تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ [غافر:55]، فالإبكار: أول النهار، والعشي: آخره، وقال تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق:39]، وهذا تفسير ما جاء في الأحاديث: من قال كذا وكذا حين يُصبح وحين يُمسي، أن المراد به قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وأنَّ محل هذه الأذكار بعد الصبح وبعد العصر.
وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: مَن قال حين يُصبح وحين يُمسي: سبحان الله وبحمده مئة مرة لم يأتِ أحدٌ يوم القيامة بأفضلَ مما جاء به، إلا أحدٌ قال مثل ما قال أو زاد عليه.
وفي "صحيحه" أيضًا عن ابن مسعودٍ قال: كان نبيُّ الله ﷺ إذا أمسى قال: أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، ربّ أسألك خيرَ ما في هذه الليلة، وخيرَ ما بعدها، وأعوذ بك من شرِّ ما في هذه الليلة، وشرِّ ما بعدها، ربّ أعوذ بك من الكسل وسُوء الكِبَر، ربّ أعوذ بك من عذابٍ في النار وعذابٍ في القبر، وإذا أصبح قال ذلك أيضًا: أصبحنا وأصبح الملكُ لله.
وفي "السنن" عن عبدالله بن خبيبٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: قل، قلت: يا رسول الله، ما أقول؟ قال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين حين تُمسي وحين تُصبح ثلاث مراتٍ تكفيك من كلِّ شيءٍ. قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وفي الترمذي أيضًا عن أبي هريرة : أن النبي ﷺ كان يُعلِّم أصحابَه يقول: إذا أصبح أحدُكم فليقل: اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور، وإذا أمسى فليقل: اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصير. قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ).
الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث مع الآيات الكريمات كلها تدل على شرعية الأذكار أول النهار وآخره، فيُستحب للمؤمن أن يبدأ نهاره بالذكر، ويختمه بالذكر، فيُمسي ذاكرًا، ويُصبح ذاكرًا؛ لقوله جل وعلا: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق:39]، ولقوله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ۝ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41، 42].
فالمؤمن يشتغل بذكر الله بكرةً وأصيلًا، بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد طلوعها، كلّ هذا بكرةً، كله ضُحًى، وهكذا بعد الظهر، والعشي: آخر النهار بعد العصر، وقبل الغروب، وأول الليل، كلها أوقات ذكر ودعاء وتسبيح وتقديس.
ويقول النبيُّ ﷺ: مَن قال حين يُصبح وحين يُمسي: سبحان الله وبحمده -وفي رواية أبي داود: سبحان الله العظيم وبحمده- مئة مرة لم يأتِ أحدٌ بأفضلَ مما جاء به إلا رجلٌ عمل مثل عمله أو أكثر، وقال عليه الصلاة والسلام: كلمتان حبيتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، وقال عليه الصلاة والسلام: مَن قال في يومٍ مئة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، كانت له عدل عشر رقاب -يعني: يُعتقها- وكتب الله له مئة حسنةٍ، ومحا عنه مئة سيئةٍ، وكان في حرزٍ من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضلَ مما جاء به إلا رجلٌ عمل أكثر من عمله.
وكان يُعلِّم أصحابَه إذا أصبحوا وإذا أمسوا أن يقول أحدُهم عند الصباح: أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم إني أسألك خيرَ هذا اليوم، وخير ما فيه، وخيرَ ما بعده، وأعوذ بك من شرِّ هذا اليوم، وشرِّ ما فيه، وشرِّ ما بعده، ربّ إني أعوذ بك من الكسل، وأعوذ بك من سُوء الكبر، وأعوذ بك من عذابٍ في النار، وعذابٍ في القبر، وإذا أمسى يقول مثل ذلك: أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، اللهم إني أسألك خير هذه الليلة، وخير ما فيها، وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شرِّها، وشرِّ ما فيها، وشرِّ ما بعدها، ربّ إني أعوذ بك من الكسل، وأعوذ بك من سوء الكبر، وأعوذ بك من عذابٍ في النار، وعذابٍ في القبر.
وهكذا يُعلِّم أصحابَه إذا أصبحوا أن يقول أحدهم: اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور، وعند المساء يقول: اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصير، هذه الأذكار يعملها المؤمن، علَّمه إياه النبيُّ عليه الصلاة والسلام، فينبغي للمؤمن أن يُكثر منها ويُحافظ عليها.
وهكذا قراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين حين يُصبح وحين يُمسي -بعد الفجر وبعد المغرب- ثلاث مراتٍ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثلاث مراتٍ؛ لحديث عبدالله بن خبيبٍ: قلها ثلاث مراتٍ تكفيك من كلِّ شيءٍ. وهكذا آية الكرسي بعد كل صلاةٍ.
كل هذه مُستحبَّة، فيُشرع للمؤمن أن يُحافظ عليها، وإذا أكثر من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير في جميع الليل والنهار فهذا خيرٌ عظيمٌ؛ لأن الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [الأحزاب:41]، ويقول النبي ﷺ: سبق المُفَرِّدون قيل: يا رسول الله، مَا المفردون؟ قال: الذَّاكرون الله كثيرًا والذَّاكرات، والله لما عدَّد صفات المؤمنين قال: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ .. ختمها بقوله: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35].
نسأل الله للجميع التوفيق.

الأسئلة:

س: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تُقال بعد الصلاة أو مطلقًا؟
ج: تُقال مرةً واحدةً بعد الظهر والعصر وبعد العشاء، وثلاث مرات بعد المغرب والفجر، هذا أفضل، أول النهار وأول الليل، إن قالها بعد الصلاة كفته، وإن قالها قبل الصلاة كفته، وهكذا بعد المغرب أو قبيل المغرب، كله طيب.
س: ذكرها ثلاث مرات هل تكون من أذكار الصَّلوات أم من أذكار الصباح والمساء؟
ج: من أذكار الصباح والمساء، ومن أذكار ما بعد الصلاة.
س: بالنسبة لدعاء: اللهم بك أصبحنا يُقال: بعد النهوض من النوم، أو بعد صلاة الفجر؟
ج: بعد الصبح، بعد صلاة الفجر، أو بعد طلوع الشمس، كله طيب.
س: وأذكار المساء؟
ج: بعد العصر أو بعد المغرب، كله طيب، لكن قبل الغروب أحسن، قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فيختم نهاره بالخير، ويبدأه بالخير.
س: قوله: حسبي الله لا إله إلا هو سبع مرات؟
ج: الحديث ضعيف.
 
قال الحافظ ابنُ القيم رحمه الله تعالى في ذكر طرفي النهار، وهما بين الصبح وطلوع الشمس، وما بين العصر والغروب:
(وفي "صحيح البخاري" عن شداد بن أوس، عن النبي ﷺ قال: سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شرِّ ما صنعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت. مَن قالها حين يُمسي فمات من ليلته دخل الجنة، ومَن قالها حين يُصبِح فمات من يومه دخل الجنة.
وفي الترمذي عن أبي هريرة : أن أبا بكر الصديق قال لرسول الله ﷺ: مُرني بشيء أقوله إذا أصبحتُ وإذا أمسيتُ، قال: قل: اللهم عالم الغيب والشَّهادة، فاطر السّموات والأرض، ربَّ كل شيءٍ ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شرِّ نفسي، وشرِّ الشيطان وشركه، وأن نقترف سوءًا على أنفسنا، أو نجُرّه إلى مسلمٍ. قله إذا أصبحتَ، وإذا أمسيتَ، وإذا أخذتَ مضجعك. قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وفي الترمذي أيضًا عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله ﷺ: ما من عبدٍ يقول في صباح كل يومٍ ومساء كل ليلةٍ: بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات، فيضره شيء. وقال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وفيه أيضًا عن ثوبان وغيره: أنَّ رسول الله ﷺ قال: مَن قال حين يُمسي وإذا أصبح: رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ ﷺ نبيًّا، كان حقًّا على الله أن يُرضيه. وقال: حديث حسن صحيح).

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذه الأحاديث فيما يتعلَّق بأذكار الصباح والمساء، وقد جاء في ذلك أذكار كثيرة، ودلَّ كتابُ الله على شرعية ذلك، كما قال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ۝ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41- 42]، وقال جل وعلا: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ۝ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ [ق:39، 40].
والذكر مشروعٌ للمؤمن في جميع الأوقات، ولكن في أول النهار وأول الليل يتأكَّد ذلك، حتى يختم نهارَه بالذكر، ويبدأ ليله بالذكر، ويبدأ نهاره بالذكر.
ومن ذلك سيد الاستغفار، يعني: أفضل الاستغفار، وهو: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شرِّ ما صنعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت أبوء يعني: أعترف وأُقِرّ.
فهذا الدعاء العظيم -سيد الاستغفار- إذا قاله العبدُ صباحًا صدقًا من قلبه ومات دخل الجنة، وإن قاله مساءً صدقًا من قلبه ومات دخل الجنة، فهو فضلٌ عظيمٌ، فينبغي للمؤمن أن يُحافظ على هذا الذكر العظيم وعلى الاستغفار.
كذلك ما علَّمه النبيُّ ﷺ للصديق: اللهم عالم الغيب والشهادة، فاطر السموات والأرض، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شرِّ نفسي، ومن شرِّ الشيطان وشركه، وأعوذ بك أن أقترف على نفسي سوءًا، أو أجره إلى مسلم يقوله صباحًا ومساءً وعند النوم.
وكلها أحاديث صحيحة يُستحب للمؤمن أن يقول هذا حين يُصبح، وحين يمسي، وحين النوم.
وهكذا حديث عثمان : بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات صباحًا ومساءً، تكفيه من كل شيءٍ، وهي حصنٌ حصين ينبغي للمؤمن أن يأتي به، وقد رواه أحمد أيضًا بإسنادٍ صحيحٍ، كما رواه الترمذي رحمه الله.
كذلك: رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ رسولًا يقوله في الصباح والمساء، ويقوله عند الشَّهادتين في الأذان، وفي الحديث الآخر: ذاق طعمَ الإيمان مَن رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ رسولًا، وفي الحديث الآخر: مَن قالها ثلاث مراتٍ حين يُصبح وحين يُمسي دخل الجنة، فينبغي للمؤمن أن يستعمل هذا الذكر.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: أذكار الصباح تُحدّ بوقتٍ إلى الزوال؟
ج: قبل طلوع الشمس وبعدها كله صباح حتى تزول الشمس، وبعد الزوال كله عشيٌّ وكله أصيلٌ، لكن أذكار المساء تُقال بعد العصر أحسن؛ لأنَّ الله قال: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق:39] يعني: قبل طلوع الشمس وقبل الغروب يكون آكد في بدء النهار وبدء الليل.
س: قوله: وأن نقترف سوءًا على أنفسنا ألا يدل على الجمع؟
ج: جاء هذا وهذا، جاء في روايةٍ: وأن أقترف على نفسي سوءًا، أو أجرّه إلى مسلم.
س: وإن قاله بالجمع؟
ج: إن قاله بالجمع فلا بأس، لكن إذا قال: على نفسي يكون عن نفسه، وإن قال: على أنفسنا يكون هو والمسلمين.
س: ما معنى قوله: أو أجرّه إلى مسلم؟
ج: يعني: يجرّ السوء، فهو يستعيذ بالله أن يجرّ سوءًا إلى مسلمٍ، فلا يجرّ عليه غيبةً ولا نميمةً ولا ضربًا ولا أخذَ مالٍ، ولا غير ذلك.
س: سيد الاستغفار بالنسبة للمرأة، هل تقول: اللهم إني أمتُك؟
ج: يصدق عليها أنها عبدة بنت عبدٍ، وإذا قالت: أمتك مثلًا يكون طيبًا.
 
قال الحافظ ابنُ القيم رحمه الله تعالى في ذكر طرفي النهار، وهما بين الصبح وطلوع الشمس وما بين العصر والغروب:
(وفي الترمذي أيضًا عن أنس : أن رسول الله ﷺ قال: مَن قال حين يُصبح أو يُمسي: اللهم إني أصبحتُ أشهدك، وأشهد حملةَ عرشك، وملائكتك، وجميع خلقك، أنك أنت الله لا إله إلا أنت، وأن محمدًا عبدك ورسولك، أعتق الله ربعَه من النار، ومَن قالها مرتين أعتق الله نصفَه من النار، ومَن قالها ثلاثًا أعتق الله ثلاثةَ أرباعه من النار، ومَن قالها أربعًا أعتقه الله من النار.
وفي "سنن أبي داود" عن عبدالله بن غنام: أن رسول الله ﷺ قال: مَن قال حين يُصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمةٍ، أو بأحدٍ من خلقك، فمنك وحدك لا شريكَ لك، لك الحمد، ولك الشكر. فقد أدى شُكر يومه، ومَن قال مثل ذلك حين يُمسي فقد أدَّى شكرَ ليلته.
وفي "السنن" و"صحيح الحاكم" عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن النبيُّ ﷺ يدع هؤلاء الكلمات حين يُمسي وحين يُصبح: اللهم إني أسألك العافيةَ في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفوَ والعافيةَ في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي. قال وكيع: يعني: الخسف.
وعن طلق بن حبيبٍ قال: جاء رجلٌ إلى أبي الدرداء فقال: يا أبا الدرداء، قد احترق بيتُك! فقال: ما احترق، لم يكن الله ليفعل ذلك؛ لكلماتٍ سمعتهن من رسول الله ﷺ مَن قالها أول النهار لم تُصبه مصيبةٌ حتى يُمسي، ومَن قالها آخر النهار لم تُصبه مصيبةٌ حتى يُصبح: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، عليك توكلتُ، وأنت ربّ العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حولَ ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعلم أنَّ الله على كل شيءٍ قدير، وأنَّ الله قد أحاط بكلِّ شيءٍ علمًا، اللهم إني أعوذ بك من شرِّ نفسي ومن شرِّ كل دابَّةٍ أنت آخذٌ بناصيتها، إنَّ ربي على صراطٍ مستقيم).

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق باللُّجوء إلى الله، والثناء عليه سبحانه وتعالى بما هو أهله، والله يُحب من عباده أن يُثنوا عليه ويحمدوه ويشكروه، ولهذا قال ﷺ: أحبُّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وقال ﷺ: الباقيات الصَّالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقال ﷺ: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، كلها يُبيِّن أنه سبحانه يُحب الثناء، ويُحب الحمد.
ومن هذا: هذه الأحاديث، حديث: مَن قال حين يُصبح: اللهم إني أصبحتُ أشهدك، وأشهد ملائكتك، وحملة عرشك، وجميعَ خلقك، أنك أنت الله لا إله إلا أنت، وحدك لا شريكَ لك، وأنَّ محمدًا عبدك ورسولك، أعتق الله ربعَه من النار، وإذا كرَّرها مرتين نصفَه من النار، ثلاثًا ثلاثة أرباعه، أربعًا أربعة أرباعه. يعني: ذلك اليوم، كما في الرواية الأخرى: ذلك اليوم، وفي هذا استحباب هذا الثناء، وهو حديثٌ لا بأس به، إسناده جيد، يدل على أنه لا بأسَ بهذا الثناء، وأنه حسنٌ، مطلوبٌ.
اللهم إني أصبحتُ أشهدك، وأشهد ملائكتك، وحملة عرشك، وجميع خلقك، أنك أنت الله لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمدًا عبدك ورسولك ﷺ، فهذا فيه ثناء على الله جل وعلا، ومن أسباب العتق من النار.
كذلك: اللهم ما أصبح بي من نعمةٍ، أو بأحدٍ من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، هذا أيضًا من أسباب أداء الشكر: مَن قالها صباحًا فقد أدَّى شكر ذلك اليوم، ومن قالها مساءً فقد أدَّى شكر تلك الليلة.
فينبغي للمؤمن الإكثار من هذه الأذكار التي فيها الثناء على الله جل وعلا.
هكذا حديث أبي الدرداء، وإن كان في سنده ضعف، لكن فيه ثناء على الله: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، عليك توكلتُ، وأنت ربّ العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعلم أنَّ الله على كل شيءٍ قدير، وأنَّ الله قد أحاط بكلِّ شيءٍ علمًا، اللهم إني أعوذ بك من شرِّ نفسي، ومن شرِّ كل دابَّةٍ ربي آخذٌ بناصيتها، إنَّ ربي على صراطٍ مستقيمٍ.
هذا الذكر من أسباب الحفظ والسلامة والوقاية، وفي سنده ضعف، لكن فيه ثناء على الله وتمجيدًا له سبحانه وتعالى.
هكذا الحديث الرابع: حديث ابن عمر: أن النبي ﷺ كان يقول في الصباح والمساء: اللهم إني أسألك العافيةً في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفوَ والعافيةَ في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واحفظني من بين يَدَيَّ، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي، هذا تعوُّذٌ عظيمٌ ينبغي العناية به في الصباح والمساء، فكله لجوءٌ إلى الله، وتعوُّذٌ به سبحانه وتعالى، وطلبٌ للعافية من كل شرٍّ، والله سبحانه قادرٌ على كل شيءٍ.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة تُقال بعد المغرب أو بعد العشاء؟
ج: في الليل: مَن قالها في ليلةٍ كفتاه، بعد المغرب أو بعد العشاء، كله طيب.
س: الفاتحة من أذكار الصباح والمساء؟
ج: ما أعلم فيها حديثًا صحيحًا، وهي أعظم سورةٍ في القرآن.
س: هل يجوز للمسلم أن يقول لأخيه في شيءٍ اختلفا فيه: أبغضك في الله؟
ج: إذا كان عنده معاصٍ وبدعٍ يبغضه على قدر معاصيه، يبغضه في الله على قدر معاصيه الظاهرة، ويُحبه على قدر إسلامه وإيمانه.
س: يعني: يُمكن أن يقول له: أبغضُك في الله؟
ج: يقول له: أُحبُّك في الله لإسلامك، وأبغضُك في الله لمعاصيك الظَّاهرة.
 
قال الحافظ ابنُ القيم رحمه الله تعالى في أذكار النوم:
(في "الصحيحين" أن حذيفة قال: كان رسول الله ﷺ إذا أراد أن ينام قال: باسمك اللهم أموت وأحيا، وإذا استيقظَ من منامه قال: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النُّشور.
وفي "الصحيحين" أيضًا عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ كان إذا أوى إلى فراشه كلَّ ليلةٍ جمع كفَّيه، ثم نفث فيهما يقرأ فيهما: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات.
وفي "صحيح البخاري" عن أبي هريرة : أنه أتاه آتٍ يحثو من الصَّدقة، وكان قد جعله النبيُّ ﷺ عليها ليلةً بعد ليلةٍ، فلما كان في الليلة الثالثة قال: لأرفعنّك إلى رسول الله ﷺ، قال: دعني أُعلمك كلماتٍ ينفعك الله بهن -وكان أحرص شيءٍ على الخير- فقال: إذا أويتَ إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] حتى ختمها، فإنَّه لا يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطانٌ حتى تُصبح. فقال النبيُّ ﷺ: صدقك وهو كذوبٌ.
وقد روى الإمامُ أحمد نحو هذه القصة في "مسنده" أنها جرت لأبي الدرداء، ورواها الطبرانيُّ في "معجمه" أنها جرت لأُبي بن كعب.
وفي "الصحيحين" عن أبي مسعود الأنصاري، عن النبي ﷺ قال: مَن قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلةٍ كفتاه، والصحيح أن معناها: كفتاه من شرِّ ما يُؤذيه، وقيل: كفتاه من قيام الليل، وليس بشيءٍ.
وقال عليُّ بن أبي طالب: ما كنتُ أرى أحدًا يعقل وينام قبل أن يقرأ الآيات الثلاث الأواخر من سورة البقرة).

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالأذكار الشرعية عند النوم واليقظة، فإنَّ الرسول ﷺ بعثه الله بالآداب الشرعية في نومه ويقظته، وفي صومه وفطره، وفي سفره وإقامته، وفي جميع أحواله عليه الصلاة والسلام، فالله جل وعلا علَّمه الآداب الشرعية، وأرشد إليها الأمة، كما قال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وقال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21].
وكان النبيُّ ﷺ إذا أوى إلى فراشه قال: اللهم باسمك نموت ونحيا يعني: باسم الله موت الإنسان وحياته، فهو بيد الله جل وعلا، ولهذا يقول: اللهم باسمك نموت ونحيا.
والنوم نوعٌ من الموت، واليقظة نوعٌ من الحياة، فالحياة حياتان: حياة اليقظة من النوم، وحياة الآخرة، والموت كذلك: الموت الذي ينقل من هذه الدار، الذي كتبه الله على بني آدم، والموت الثاني: موت النوم، فالله جل وعلا بيده هذا وهذا سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42]، وقال جل وعلا: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ [الأنعام:60] يتوفاهم بالليل أي: بالنوم.
فالسنة للمؤمن عندما يأوي إلى فراشه أن يقول: اللهم باسمك أحيا وأموت، مثلما كان النبيُّ عليه الصلاة والسلام يقول، وإذا استيقظ يقول: الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور، فقد كان النبي ﷺ يقول هذا إذا استيقظ، يقول: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور، وكان يقول عند النوم: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك، فيبدأ بالاضطجاع على جنبه الأيمن -هذه السنة- ويقول: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك، اللهم باسمك أحيا وأموت، وجاء عنه ﷺ أنه كان يقول أيضًا: اللهم باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكتَ نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصَّالحين، هذا مُستحبٌّ أيضًا عندما يأوي إلى فراشه.
وكان ﷺ إذا أوى إلى فراشه أيضًا يجمع كفيه ويقرأ فيهما: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين ثلاث مرات، يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ برأسه ووجهه وما أقبل من جسده ثلاث مرات، ينفث في كفيه ويقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ويمسح على رأسه ووجهه وصدره، يفعل ذلك ثلاث مرات، وأرشد الأمة عليه الصلاة والسلام إلى أنَّ مَن قرأ آية الكرسي لا يزال معه من الله حافظٌ، ولا يقربه شيطانٌ حتى يُصبح إذا قالها عند النوم.
وكان أصل ذلك: أن أبا هريرة كان يحرس صدقةَ الفطر، فما تجمع منها عند النبي ﷺ كان أبو هريرة يحرسه، فجاءه الشيطان في صورة إنسانٍ ليأخذ من التمر سرقةً، فأمسكه أبو هريرة، فقال: دعني، أنا ضعيف، أنا فقير، عندي عيال. فرحمه أبو هريرة، وقال: لا أعود. فلما أصبح أبو هريرة وأتى النبيَّ ﷺ كان الوحيُ قد أتى من السماء بقصة هذا الشيطان، فقال له النبيُّ ﷺ: يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك؟ يعني: الرجل الذي جاءك البارحة. قال: يا رسول الله، زعم أنه فقير، وأنَّ عليه عيالًا، فرحمته. قال: كذب وسيعود، قال أبو هريرة: فعلمتُ أنه سيعود لقول النبي ﷺ أنه سيعود؛ فرصدتُه. وفي الليلة الثانية جاء يحثو من الطعام، فأمسكه أبو هريرة، فقال له مثل قوله الأول: أنا فقير، أنا مسكين، عندي عيال، ارحمني، ما أعود. قال: فرحمته. فتركه وأخذ بعض التمر، فلما أصبح جاء أبو هريرة، فقال النبيُّ ﷺ: يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك؟ قال: زعم أنه فقير، وأنه ذو عيال، فرحمته. قال: كذب وسيعود، قال أبو هريرة: فعلمتُ أنه سيعود. فرصده في الليلة الثالثة، فجاء يحثو، فأمسكه أبو هريرة وقال: إنك تقول أنك لا تعود وتعود، وهذه الثالثة؛ لأرفعنَّك إلى رسول الله ﷺ. فقال: يا أبا هريرة، دعني أُعلِّمك كلماتٍ ينفعك الله بها، إذا قلتَها عند النوم ما يزال معك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطانٌ حتى تُصبح. إذا علَّمتُك هذه دعني، وكانوا أحرص الناس على الخير –يعني: الصحابة- يحبون الفائدة والعلم، فلما قال له ذلك قال: علمني. قال: آية الكرسي: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] إلى آخرها، إذا أويتَ إلى فراشك فاقرأها؛ فإنه لا يزال معك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطانٌ حتى تُصبح. يعني: إذا قرأت هذه الآية الكريمة آية الكرسي: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ إلى آخرها، إلى قوله سبحانه: وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، قال: فإنه لا يزال معك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطانٌ حتى تُصبح. وهذه الآية أعظم آيةٍ في القرآن، كما أنَّ الفاتحة أعظم سورةٍ وأفضل سورةٍ في القرآن، فلما أصبح أبو هريرة أتى النبيَّ ﷺ، فأخبره بقصة هذا السارق، فقال النبيُّ ﷺ: صدقك وهو كذوبٌ، يعني: صدقك في قوله أنَّ مَن قرأ هذه الآية لا يزال عليه من الله حافظٌ، ولا يقربه شيطانٌ، وهو كذوبٌ في شئونه كلها.
فهذا يُفيد أنَّ الشيطان قد يصدق لمصلحته، وقد يُحدِّث بأحاديث صدقٍ لمصلحته.
ويفيد فضل هذه الآية، وأنه تُستحب قراءتها عند النوم، وأنها من أسباب الحفظ والسلامة إذا قالها عند النوم حتى يُصبح.
وهكذا الآيتان من آخر سورة البقرة، مَن قرأهما في ليلةٍ كفتاه، يعني: كفتاه من كلِّ سوءٍ، يعني: حفظه الله بهما من كل سوءٍ، وهما: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ [البقرة:285] إلى آخر السورة، فتُستحب قراءتهما في كل ليلةٍ؛ لما في قراءتهما من الفائدة التي بيَّنها النبيُّ عليه الصلاة والسلام: مَن قرأهما في ليلةٍ كفتاه يعني: كفتاه من الشر، يعني: حفظه الله بهما، وهذا فضلٌ عظيمٌ مع عملٍ يسيرٍ، فلا بد أن يأتي الإنسانُ بهذا مخلصًا لله، مصدِّقًا لنبيه عليه الصلاة والسلام، يرجو من الله أن يُحقق له ما قاله النبيُّ عليه الصلاة والسلام.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: بالنسبة للأطفال في قراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين، هل يجمع كفيه ويقرأ ثم يمسح على الأطفال؟
ج: لا، يقول لهم مثلما قال النبيُّ ﷺ: أُعيذكما بكلمات الله التامَّة من كلِّ شيطانٍ وهامَّةٍ، كان النبيُّ عليه الصلاة والسلام يُعوِّذ الحسنَ والحسينَ يقول: أُعيذكما بكلمات الله التامَّة من كل شيطانٍ وهامَّةٍ، ومن كلِّ عينٍ لامَّةٍ، ويكفي.
س: بعض الناس ينام على بطنه واعتاد على ذلك، فهل يأثم؟
ج: لا، ما ينبغي له، النبيُّ ﷺ أنكر على مَن فعل ذلك، فالإنسان ينام على جنبه أو مُستلقيًا، ولا ينام على بطنه.
س: لو مرض الأبُ أو الأم هل يقرأ عليهما؟
ج: طيّب، أو على ولده، ما في شيء.
س: هل يُؤخذ من فعل أبي هريرة أن الحارس إذا كان مُستأمنًا على أموال المسلمين فله الحقّ في إعطاء الفقير من المال بعض الشيء؟
ج: ما دام للفقراء فله أن يفعل مثلما فعل أبو هريرة، إذا كان ما يُعطيه شيئًا يسيرًا فلا يقدح ذلك في مقصود الأمانة، فالنبي ﷺ ما أنكر على أبي هريرة.
س: بعضهم يقول: إن أبا هريرة انتفع بالجنِّ أو الشيطان، وأنه يجوز لنا أن ننتفع بالجن الآن، فكيف الرد على هذه الشّبهة؟
ج: يحتجون بأيِّ شيءٍ؟! فأبو هريرة ما درى أنه جنيٌّ إلا بإخبار النبي ﷺ.
س: النفث يكون قبل القراءة أو بعد القراءة؟
ج: بعد القراءة.
س: إذا نفثتُ ونمتُ واستيقظتُ أُعيد النفثَ ثانيةً أو تكفي مرةً واحدةً؟
ج: يكفي الأول.
 
قال الحافظ ابنُ القيم رحمه الله تعالى في أذكار النوم:
(وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: إذا قام أحدُكم عن فراشه ثم رجع إليه فلينفضه بصنفة إزاره ثلاث مرات، فإنَّه لا يدري ما خلفه عليه بعده، وإذا اضطجع فليقل: باسمك اللهم ربي وضعتُ جنبي، وبك أرفعه، فإن أمسكتَ نفسي فارحمها، وإن أرسلتَها فاحفظها بما تحفظ به عبادَك الصَّالحين.
وفي "الصحيحين" عنه، عن النبي ﷺ: إذا استيقظ أحدُكم من نومه فليقل: الحمد لله الذي عافاني في جسدي، وردَّ عليَّ روحي، وأذن لي بذكره.
وقد تقدَّم حديث عليٍّ ووصية النبي ﷺ له ولفاطمة رضي الله تعالى عنهما: أن يُسبِّحا إذا أخذا مضاجعهما للنوم ثلاثًا وثلاثين، ويحمدا ثلاثًا وثلاثين، ويُكبِّرا أربعًا وثلاثين، وقال: هو خيرٌ لكما من خادمٍ.
وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله روحه: "بلغنا أنَّه مَن حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياءٌ فيما يُعانيه من شغلٍ وغيره".
وفي "سنن أبي داود" عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن النبي ﷺ كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خدِّه، ثم يقول: اللهم قني عذابَك يوم تبعث عبادك ثلاث مرات، قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ.
وفي "صحيح مسلم" عن أنسٍ: أن النبي ﷺ كان إذا أوى إلى فراشه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافيَ له ولا مُؤوي.
وفي "صحيحه" أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه أمر رجلًا إذا أخذ مضجعَه أن يقول: اللهم أنت خلقت نفسي، وأنت تتوفَّاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتَها فاحفظها، وإن أمتَّها فاغفر لها، اللهم إني أسألك العافية. قال ابنُ عمر: سمعتهنَّ من رسول الله ﷺ).

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أمَّا بعد: فهذه الأحاديث كالتي قبلها في أذكار النوم واليقظة، والمؤمن يُستحب له أن يتأدَّب بالآداب الشرعية عند نومه وفي يقظته؛ لأنَّ الشريعة الإسلامية جاءت بالآداب الشرعية في النوم واليقظة، وفي الصباح والمساء، وعند الأكل والشرب، وعند اللقاء، إلى غير ذلك، فالمؤمن يتحرَّى الآداب الشرعية في جميع شئونه، ومن ذلك تحريها عند النوم، فقد تقدم أنه يضطجع على جنبه الأيمن -هذا هو الأفضل- وأن يكون على طهارةٍ، ويقول: باسمك ربي وضعتُ جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكتَ نفسي فارحمها، وإن أرسلتَها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصَّالحين، ويقول: اللهم باسمك أحيا وأموت، كل هذا عند النوم، اللهم باسمك ربي وضعتُ جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكتَ نفسي فارحمها، وإن أرسلتَها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين، الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافيَ له ولا مُؤوي، كثير من الناس ليس له كافٍ أو مُؤوٍ، لكن المسلم كفاه الله وآواه.
ويقول أيضًا: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك كما في حديث حفصة.
فعند النوم يضطجع على شقه الأيمن، ويتوسَّد يده اليمنى، ويقول: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ثلاث مرات.
وفي حديث أنسٍ: اللهم أنت خلقتَ نفسي، وأنت تتوفَّاها، لك محياها ومماتها، فإن أحييتَها فاحفظها، وإن أمتَّها فاغفر لها، اللهم إني أسألك العافية.
كل هذا من الآداب الشرعية، والأرواح كلها بيد الله جل وعلا، بيده قبضها وإرسالها، ومحياها ومماتها، كما قال : اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42] هذا معنى الحديث: اللهم أنت خلقتَ نفسي، وأنت تتوفَّاها، لك محياها ومماتها، فإن أحييتَها فارحمها، وإن قبضتها فاغفر لها، اللهم إني أسألك العافية.
وهكذا كونه يلاحظ فراشه وينفضه بطرف ثوبه أو بغيره من الأشياء ثلاث مرات؛ فإنَّه لا يدري ماذا خلفه فيه، هذا من باب الحيطة الشرعية.
كذلك إذا استيقظ يقول: الحمد لله الذي ردَّ عليَّ روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره هذا من الأذكار الشرعية.
وعند النوم يُستحب أيضًا أن يقول ما أوصى به النبيُّ ﷺ عليًّا وفاطمة، فقد أوصاهما عند النوم بالتسبيح والتحميد والتكبير، جاءت فاطمةُ إلى النبي ﷺ تطلب خادمًا؛ لأنَّها قد أتعبها عملُ البيت وعمل الرحى، فلم تجد عنده خادمًا، وأوصاها قال: قولا عند النوم: سبحان الله ثلاثًا وثلاثين، والحمد لله ثلاثًا وثلاثين، والله أكبر أربعًا وثلاثين، فهو خيرٌ لكما من خادمٍ، قالت فاطمة: "فاستعملتُ هذا فلم أجد تعبًا بعد ذلك"، فالتسبيح والتحميد والتكبير من أسباب القوة والنشاط في الأعمال، فالعامل في بنائه وفي مزرعته وفي غير ذلك إذا استعمل التسبيحَ والتحميدَ والتكبيرَ والتهليلَ كان عونًا له على أعماله، يجد بهذا نشاطًا وقوةً في عمله، وهكذا عند النوم يقول: "سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر" ثلاثًا وثلاثين مرة، ويزيد تكبيرةً في التكبير ليكون أربعًا وثلاثين، فيكمل مئةً عند النوم.
هكذا أرشد النبيُّ ﷺ فاطمة وعليًّا رضي الله عنهما.
وفَّق الله الجميع.