بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله، وخليله وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا الندوة المباركة التي تولاها أصحاب الفضيلة: الشيخ حمد شريف، والشيخ عبد الرحمن الدرويش، والشيخ صالح الأطرم، فيما يتعلق بمعاشرة الزوج للزوجة، والزوجة لزوجها، وحق كل من الصنفين على الآخر، وقد أجاد المشايخ وأفادوا، وأوضحوا ما ينبغي إيضاحه، فجزاهم الله خيرًا، وضاعف مثوبتهم، وزادنا وإياكم وإياهم علمًا وهدى وتوفيقًا.
لا شك أن هذه المسألة التي طرقها المشايخ مسألة مهمة، والحاجة ماسة إلى الإفاضة فيها، والعناية بها، وقد بذلوا ما فيه الخير الكثير، والفائدة العظيمة، فنسأل الله أن ينفعنا جميعًا بما علمنا وسمعنا، وأن يجزيهم خيرًا.
ومما ينبغي الانتباه له أن الله جل وعلا وجه الأوامر للرجال؛ لأن الرجل هو صاحب السلطة، وله السلطان والسيطرة على المرأة، والظلم في الغالب قد يكون منه لها، فمن حكمة الله ومن رحمته سبحانه ومن تعظيمه لهذا الأمر وجه إلى الرجال الأوامر، قال جل وعلا: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، وقال: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: استوصوا بالنساء خيرًا، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فإنهن عوان عندكم، عوان يعنى: أسيرات، فهن أسيرات عند الأزواج، والغالب عليهن الضعف بين يدي الزوج، والعجز عن المقاومة، هذا هو الغالب، ومن طبيعة الزوج في الغالب السيطرة عليها واحتقارها، وأن يطلب الحق له كاملًا دائمًا، وهذا من أعظم الأسباب لانفصام العرى، وسوء الحال بين الزوجين، والواجب على كل الإنصاف من نفسه، وأن يجتهد في أداء الحق الذي عليه، الله جل وعلا أوصى بهن لما قد عرف من ضعفهن، وقلة صبرهن، واعوجاج أخلاقهن، فلهذا أوصى الله بهن وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، وأوصى بهن الرسول ﷺ: استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل، فاستوصوا بالنساء خيرًا.
ومن ضعفهن واعوجاجهن كما قاله النبي ﷺ: أنك لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئًا يعني لا يناسبها قالت: ما رأيت منك خيرًا قط، هذه من طبيعتها إلا من عصم الله، إلا من عافاه الله وقال عليه الصلاة والسلام -ذات يوم وهو يخطبهن-: تصدقن وأكثرن من الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقالت له امرأة منهن: يا رسول الله! لم؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن، وتكفرن العشير يعني: الزوج، لو أحسن إلى أحداكن الدهر، ثم رأت منه شيئًا قالت: ما رأيت منك خيرًا قط. وهنّ سريعات الغضب، سريعات الانفعال، سريعات التأثر، وهل هناك أحد أعظم من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو سيد الخلق سيد بني آدم، ومع ذلك لاقى منهن ما لاقى، وأصابه من ذلك ما أصابه من الزوجات، حتى أنزل الله الأمر بتخييرهن بين البقاء معه وإرادة الآخرة، وبين أن يفارقهن في قوله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:28-29]، فخيرهن فاخترن الله ورسوله رضي الله عنهن وأرضاهن، واستقامت الأحوال بعد ذلك، وتأدبن.
المقصود أنهن ضعيفات، ناقصات عقل ودين، لكن مع هذا كيدهن عظيم إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف:28]، ولهن تصرفات غريبات، فالمطلوب من الزوج أن يكون فوق المستوى، وأن يكون عنده عناية وبصيرة بهذه الأحوال، حتى لا يقدم على ما لا ينبغي من فصم عرى النكاح، والمسارعة إلى الطلاق، لما يرى ويشاهد، أو يسمع من سوء الأخلاق منهن، بل يفكر هو أولًا في عمله معها، وأدائه حقها، وإنصافه لها، ثم مع ذلك يصبر على ما قد يقع من سوء خلقها، وسوء تصرفها، والغالب أنه إذا أدى الحق الذي عليه وأحسن التصرف وأحسن الخلق فإن الله جل وعلا يهديه لها، ويكفيه شرها.
فلا بد من تحمل، ولا بد من صبر، ولا بد من حساب للنفس، حتى يسلم من بعض الشرور، وحتى يكون ذلك أقرب إلى هدوء الأحوال، واستمرار العشرة أطول وأطول، ولا يطمع بأنهن يكن له سليمات طيبات، وناصحات من كل الوجوه، ولا يغضبنه، لا يطمع في هذا، هذا لا يطمع فيه، ما حصل هذا للنبي عليه الصلاة والسلام، فكيف بغيره؟ لا بد من عوج، ولا بد من نقص، ولا بد من إغضابهن له، ولا بد من سوء التصرف، لكن يتحمل وليعاشر بالمعروف ويجتهد في أداء الحق الذي عليه، ومع ذلك يطيب الكلام، ويحسن المقابلة، ويتحمل الصبر، ويقابل الإساءة بالإحسان، يقابل الكلام السيء بالكلام الطيب، وإذا دعت الحاجة إلى ما بينه الله من التأديب كما سمعتم في قوله جل وعلا: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34].
فالإنسان قد يعلو عليها ويضربها بغير حق، ويسيء عشرتها هذا غلط، فالله فوق ذلك إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34] أشار بهذا سبحانه إلى أن الله فوقه وأعلى منه ، وهو أحق بأن يراعى جل وعلا، ويخاف ، فلا يجوز لك أن تعلو عليها بالضرب والظلم والإساءة؛ لأنها ضعيفة، ولأنها أسيرة لديك، بل عليك أن تنصف من نفسك، وأن تعاشر بالمعروف، وأن تعلم يقينًا أنه لا بد من نقص فيها، ولا بد من سوء خلق، ولا بد من سوء تصرف، فتحمل هذا حسب الطاقة والإمكان، واعمل ما ينبغي إذا دعت الحاجة إليه من وعظ وتذكير، ومن هجر، ومن ضرب غير مبرح، ضرب خفيف لا يضرها، ولا يزيد الطين بلة في سوء العشرة، وتذكر الأخيار قبلك، والصالحين قبلك، وعلى رأسهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ففيه أسوة، فقد حصل له ما حصل، وصبر عليه الصلاة والسلام حتى خيرهن بعد ذلك.
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن سخط منها خلقًا رضي منها خلقًا آخر، يعني: لا يبغضها بالكلية، لا يفركها لا يبغضها من كل الوجوه، بل إذا سخط منها خلقًا فلا بد أن يرضى منها خلقًا آخر، إذا كانت مؤمنة إذا كانت طيبة فلا بد أن تكون لها أخلاق طيبة، فليعالج هذه بهذه، وليصبر على الأخلاق السيئة ويعالجها بالحكمة من أجل الأخلاق الطيبة التي فيها، يعني تشفع الأخلاق الطيبة لها بأخلاقها المنحرفة، حتى يعالجها بإحسان، وحتى يتحملها بإحسان، وقد رأينا كثيرًا من أسباب الطلاق والفرقة تنتج عن عدم صبر الرجل، وعدم تحمله، تقول كلمة .... تفسد عليه فلا يتحمل، فتقول: طلقني، فلا يتحمل يبادر بالطلاق.
وليعلم أنها أمانة عنده، وأنها أسيرة عنده، فيفكر في هذا أنها أمانة، وأنها أسيرة، فينبغي له أن يعاملها بما ينبغي من حسن المعاملة للأسرى، وحسن المعاملة في أداء الأمانة، وهي أم أولاده، لها شأن فلا بد من صبر، ولا بد من إحسان، وإذا رأى منها إحسانًا قابل الإحسان بالإحسان، وشكرها على الإحسان، ولم يغبطها، المقصود أن ينصفها من نفسه ولهذا قال سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228].
كما أن لك حقوقًا فهي كذلك لها حقوق، لكن بعض الأزواج لسوء الخلق وللجهل يطلب كل شيء، ولا يبذل شيئًا، يطلب كل شيء منها، ولا يعطيها شيئًا، ولا يبالي بها، ولا ينصفها، وهذا من ضعف الإيمان، وقلة البصيرة، والله يقول: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]، فكثير من الأزواج يريد هذه الدرجة ولا يلتفت إلى بقية الأشياء التي لها، والواجب على المؤمن الإنصاف دائمًا، والحذر من الظلم، والله يقول جل وعلا: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [الفرقان:19] ويقول النبي ﷺ: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل.
فالمقصود أن الواجب العدل والإنصاف، وتحري الحق، وعليها هي أيضًا أن تنصف، وأن تعدل وأن تتقي الله، وأن تعرف حق زوجها، وأن تبادر إلى أدائه بطيب نفس، وإخلاص، وكلام طيب، وحسن معاشرة، وبشاشة، وطيب وجه، هكذا يجب عليها وعليه، كل واحد منهما عليه ذلك، وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، ولكن أنت مخاطب أولًا أنت أقدر وأنت أقوى، ولهذا قال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].
ثم توعدها في قول النبي ﷺ: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح وفي اللفظ الآخر: كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها، كان الذي في السماء ساخطًا عليها هذا يعم، يعني الله جل وعلا والملائكة تسخط عليها حتى يرضى عنها زوجها إذا عصته بغير حق.