ولي تعليق على هذه الندوة ينحصر في ثلاثة أشياء: الشيء الأول ذكر أحد الشيخين حديث الأعمى وأن الرسول ﷺ أمر بعض زوجاته يحتجبن من ابن أم مكتوم لأنه أعمى، وقال: ألستما تبصرانه، وأمرهما بالاحتجاب، وهذا قد غلط فيه كثير من الناس، ليس هذا بأول من ذكر هذا الشيء، والحديث ضعيف وليس بصحيح، وإن صححه الترمذي رحمه الله وتساهل، فإن الترمذي له أشياء تساهل فيها رحمه الله، والحديث ضعيف؛ لأنه من أفراد نبهان مولى أم سلمة، وهو مجهول الحال، ولم يوثق ممن يعتبر، فهو حديث ضعيف عند أهل العلم، ويدل على ضعفه أيضًا ما ثبت في الصحيح صحيح مسلم من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أنها طلقها زوجها أبو حفص ابن المغيرة فأمرها النبي أن تعتد عند ابن أم مكتوم الأعمى، وقال: إنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده فلا يراك، فدل ذلك على أن وضع الثياب عند الأعمى وعدم التستر وعدم التحجب أمر جائز، وثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد وغيره أن النبي عليه السلام قال: إنما جعل الاستئذان من أجل النظر، فالاستئذان إنما جعل من أجل النظر؛ لأن الناظر ينظر العورات، والأعمى لا ينظر العورات، فلا يجب الاحتجاب عنه، وإنما يبقى غض البصر للرجال والنساء، فالرجال مأمورون بغض البصر عما حرم الله، والنساء مأمورات بغض البصر عما حرم الله، أما الاحتجاب فإنما يكون عن النظر عمن ينظر ومن يبصر لا عن الأعمى.
وقال بعض أهل العلم على تقدير صحة حديث الأعمى إنما هذا خاص بأمهات المؤمنين جمعًا بينه وبين حديث فاطمة بنت قيس في قصة جلوسها عند ابن أم مكتوم وأنها تضع ثيابها عنده، وليس هذا بصحيح، فإن أمهات المؤمنين كغيرهن، بل هن أزكى المؤمنات وأولى المؤمنات بالامتثال، فالحديث ضعيف وليس خاصًا بأمهات المؤمنين، فالأمر عام، وإنما الاحتجاب من أجل البصر لا عن الأعمى، فالحديث الذي أشار إليه أحد الشيخين ضعيف فليعلم ذلك.