وقد يتحيل الإنسان كما سمعتم يفعل أشياء لحصوله على الزيادة باسم آخر غير اسم الربا، باسم آخر وحيلة أخرى، كمسألة العينة كما سمعتم، والعينة من أخذ العين بالدين، فيكون له حاجة إلى عشرين ألفًا وهو يعلم أنه إذا أخذ عشرين ألفًا بخمسة عشر ألف هذا ربا صريح ومنكر عليه، فيتحيل على هذا ويقول: أشتري منك مثلًا سيارة بعشرين ألفًا، ثم أردها عليك بخمسة عشر ألفًا، فالمعنى أنه أعطى خمسة عشر بعشرين، فيتفقان على هذا هذه السيارة مثلًا أو ..... أو السكر أو كذا، فالمحتاج يشتري هذا إلى أجل بثمن معلوم يشتري السيارة إلى أجل معلوم ...... السكر إلى أجل معلوم بثمن معلوم ثم يرده على الذي باعه عليه بدراهم منقودة حاضرة أقل من تلك، فيكون حين فعل أنه اشترى دراهم نقدها بدراهم مؤجلة أكثر منها، وهذا باع دراهم منقودة بدراهم مؤجلة أكثر منها، فيكون هناك حيلة الربا كحيلة اليهود فيما فعلوا في أنهم أذابوا الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، وقالوا: ما أكلنا شحمًا وإنما أكلنا دراهم، وما بعنا شحمًا وإنما بعنا ثوبًا، ولما حرم عليهم الصيد في يوم السبت نصبوا الشباك يوم الجمعة فأمسكت لهم الصيود يوم السبت، ثم أخذوها من الشباك يوم الأحد، وقالوا: إنما صدنا يوم الأحد، وهم صادوا يوم الأحد صادوا بالشباك فيخادعون الله كما يخادعون الصبيان.
قال أيوب السختياني رحمه الله من التابعين: أما إنهم لو أتوا الأمر من وجهه لكان أسهل، ولكنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، ولهذا جاء فيهم اللعنة والوعيد الشديد نعوذ بالله من ذلك.
فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا الربا بأنواعه، وأن يبتعدوا عن أنواعه كلها، سواء كان ربا فضل أو ربا نسيئة، وليأتوا الأمور من أبوابها ويتعاملوا بالبيع الشرعي والبيع إلى الأجل الشرعي، وإذا اشترى سلعة إلى أجل ليبيعها على الناس ويستفيد من ثمنها لحاجته فلا بأس بهذا ويسميه الناس الوعدة، ويسمونها أيضا التورق .....، وغالب الناس العامة يسميها الوعدة وهو أن يشتري سلعًا أو سلعة واحدة إلى أجل ثم يبيعها بالسوق ليتزوج بثمنها أو ليقضي دينًا أو ليبني بيتًا أو لأسباب أخرى، فيشتري سيارة إلى أجل ثم يبيعها على غير من باعها عليه يبيعها على الناس بدراهم منقودة ليتزوج أو ليكمل عمارة بيته أو ليقضي دينًا عليه أو لأسباب أخرى يفعل ذلك، فهذه على الصحيح لا حرج فيها، القول المختار أنه لا حرج في ذلك؛ لأنها من المداينة الداخلة في قوله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، هذه من المداينة ومن البيع إلى أجل الذي أباحه الله، وأجازه أهل العلم بالإجماع، فهذه صورة من الصور تدخل في العموم فيها آية وفيها اتفاق للناس ومصلحة للناس فلا يبيعها على من اشتراها منه، فهذا هو الربا وهذه هي العينة، ولكن يبيعها على الناس، يشتريها من زيد ولا يبيعها عليه ولا على وكيله، يبيعها على الناس الآخرين وينتفع بثمنها في زواجه أو تعمير بيته أو نفقة بيته أو قضاء دينه أو نحو ذلك.