وذكر أيضًا من الأسباب التي سلط بها الأعداء مع الأسباب المتقدمة مع الجهل والتقليد الأعمى والجدل بغير حق والتشاغل بالجدل والأشياء التي هي عقيمة في المعنى عما ينبغي وعما يجب، وكذلك المعاصي والمخالفات التي ابتلي بها الكثير من المسلمين، كذلك أيضًا سبب آخر وهو الغفلة: الغفلة عن الله، والغفلة عن دينه، والغفلة عما يجب على الإنسان لله ولعباده، والغفلة أيضًا عن مكايد الأعداء، وعما يصرون عليه ضد المسلمين، وعما يولونه لنوابهم وإرسالياتهم ومؤسساتهم في الطب وفي المدارس وفي غير ذلك، فإنهم جادون كل الجد في إدخال الشر على المسلمين من طرق شتى، من طريق الإرساليات، ومن طريق المدارس، ومن طريق الإذاعات والصحافة، ومن طريق المستشفيات والمستوصفات، ومن كل طريق لهم فيها دعاة، ولهم فيها رسل يوجهون المسلمون إلى الشر، ويكيدون لهم أنواع الكيد، والغفلة التي ابتلي بها الكثير من المسلمين ولاسيما القادة والزعماء الذين يتبعهم غيرهم حتى ضاعت عليهم أسماعهم وأبصارهم وعقولهم فما استعملوها فيما يرضي الله، بل كان وجودها في حقهم كعدمها.
هذه الأسباب وغيرها من الأسباب التي وقعت في المسلمين أو وقع فيها المسلمون هي التي جعلت الأعداء يتسلطون عليهم ويملون عليهم ما يريدون، ويستعبدونهم فيما يشاءون، حتى فرقوهم شذر مذر، وحتى استولوا على بلادهم وتحصلوا على خيراتها، واستخدموا المسلمين فيما يشاءون إلا من شاء ربك، وإلا من هدى سبحانه وتعالى، ولا ريب أن الأسماع والأبصار والعقول أدوات طيعة لأصحابها، فإن استعملت في الخير نفعت، وإن استعملت في الشر ضرت، والغافل قد يستعملها في الشر وهو لا يدري، الغافل الذي قد شغل نفسه بما يضره قد شغل بالشهوات قد شغل بالحظ العاجل، قد شغل بطرق بقائه على كرسي بقائه أميرًا أو شيخًا للقبيلة، أو حاكمًا للبلاد، أو رئيس الجمهورية، أو رئيس وزراء، أو وزيرًا في كذا، شغله بهذه الأشياء وشغله بوسائل تثبيتها وشغله بالدفاع عنها قد يضيع عليه سمعه وبصره وقلبه، فيكون مشغولًا بغير الله، يكون مشغولًا بغير طاعة الله، مشغولًا بما يضره ولا ينفعه، فلهذا قال جل وعلا: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179]، صاروا كالأنعام؛ لأن شغلهم شغل أنعام في شهواتهم وحاجاتهم فيما يتعلق ببطونهم وفروجهم ومساكنهم ومراكبهم وأشباه ذلك.