طلب العلم من أهم المهمات والتفقه في الدين من أهم الواجبات، فلا يكون داعية ولا يكون له الأجر العظيم والفائدة الكبرى إلا إذا تعلم، إذا تبصر، إذا كان على بينة في دينه، يدعو إلى الله على علم على بصيرة، يأمر على علم، وينهى عن علم لا عن دعوى وجهالة، لا عن جرأة على الله وعلى دينه بغير بصيرة، قال بعض السلف: "أجرأ الناس على الفتيا أجرأهم على النار"، وهكذا أجرأ الناس على العلم والدعوة إلى الله على غير علم على غير بصيرة أجرأهم على النار، لا بد أن تدعو إلى الله على علم، لا بد أن تكون عندك حكمة، عندك بصيرة فيما تدعو إليه، إن تكلمت في الصلاة تكلمت عن علم، وإن تكلمت في الزكاة تكلمت عن علم، وإن تكلمت في المعاملات تكلمت عن علم، تكلمت في الصيام كذلك عن علم، في الحج عن علم، في الربا في النكاح في الطلاق في الخصومات في غير ذلك في الدماء تكلم عن علم، والعلم ما هو؟ العلم قال الله قال رسوله، ما هو بالعلم سواليف زيد وعمرو، العلم قال الله وقال رسوله، إما من القرآن وإما من السنة هذا العلم، وبعد ذلك كلام أهل العلم، كلام الصحابة أصحاب النبي ﷺ، ثم كلام من بعدهم الذين تفقهوا في دين الله، فإن كلامهم يبصر ويعين ويدل ويرشد، كلام العلماء يرشد العلماء فإذا تكلم العالم المتبصر أرشد غيره ودل غيره على أصول هذا العلم من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فقد يكون غافلًا عن حديث عن آية عن معناها فيرشده العالم الآخر، ويقول له: هذه الآية تدل على كذا وكذا، وهذا الحديث يدل على كذا وكذا، كان العالم الآخر غافلًا عن هذا الشيء ما انتبه عليه، وهكذا العالم الثالث والرابع والخامس والعاشر، هذا يستفيد من الآية خمسة أحكام، والآخر يستفيد عشرة، والآخر تفيده الآية أكثر من ذلك، وهكذا الحديث، الناس يتفاوتون في علمهم وفهمهم وما رزقهم الله جل وعلا من البصيرة، والمقصود من هذا أن الدعوة إلى الله أمرها مهم في كل زمان وفي كل مكان، لكن في هذا الوقت وقت غربة الإسلام اليوم وكثرة العالم وانتشار الدنيا بينهم الدنيا الآن انتشرت واتصل الناس بعضهم ببعض وصارت الدنيا كأنها مدينة واحدة بسبب هذه الآلات الجديدة: الإذاعات، والتلفونات، والتلفاز، والصحافة، وغير ذلك من الأدوات التي قربت بين الناس، واختلطوا وامتزجوا الآن، امتزج الصالح بالطالح، والعالم بالجاهل، والكافر بالمسلم، وصارت الأخطار عظيمة، وكان الناس متميزون، أولًا المسلمون على حدة والكفارة على حدة، وقل من يسافر منهم إلى بلاد الكفار، أو يجتمع بهم، أما اليوم حصلت الخلطة العظيمة، وامتزج الناس، واختلطوا بالنصارى، واختلطوا بالوثنين والملاحدة، ومن لا دين له، اختلطوا في شركات وفي غير ذلك، وسافروا إليهم في بلدانهم؛ لأسباب فاسدة، أو لأسباب أخرى ضرورية أو لغير ذلك، هذه الخلطة تحتاج إلى علم، تحتاج إلى علم وبصيرة حتى يتباعد الإنسان عما لا ينبغي، وحتى يأخذ ما ينبغي، وحتى يرشد إخوانه إلى أسباب النجاة، وحتى يحذر أسباب الهلاك، ومن أقبل على كتاب الله القرآن تدبره وأكثر من تلاوته يرزق علمًا عظيمًا ويهدى إلى صراط مستقيم، كذلك من عني بالسنة بأحاديث رسول الله ﷺ بالمطالعة والمراجعة مثل رياض الصالحين ومثل بلوغ المرام مثل عمدة الحديث مثل منتقى الأخبار وغيرها من كتب الحديث المعروفة المفيدة العظيمة يستفيد علمًا كثيرًا، هكذا كتب العقيدة التي بها العلم بأصل الدين، كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمة الله عليه، مثل فتح المجيد لحفيده الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله، مثل تيسير العزيز الحميد لحفيده أيضا سليمان بن عبدالله، مثل كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب ابن القيم رحمة الله عليهم، ومثل الكتب الأخرى التي ظهر فيها التحقيق والعلم النافع والبصيرة، مثل تفسير ابن كثير، وتفسير البغوي، وتفسير ابن جرير، إلى غير ذلك من الكتب المفيدة، فمن راجع هذه الكتب المفيدة واعتنى بها وهو طالب علم وتذاكر مع إخوانه أهل العلم يستفيد خيرًا كثيرًا، لكن إذا شغل عن ذلك بمشاغل أخرى بالبيع والشراء بالتجارة بالسواليف والمجالس التي ليس فيها فائدة يحرم العلم، وهكذا العامة إذا رزقوا البصيرة إذا كان العامي في قلبه حياة يريد الخير تدبر القرآن قرأ في القرآن إما نظرًا وإما حفظًا حسب ما أعطاه الله، يتدبر القرآن يعيد الآية مرة بعد مرة يكررها، أيش معناها، كررها تأمل أيش معناها، وإذا تأمل يظهر له الخير العظيم، وهذا واضح، بعض المواضع تحتاج إلى مزيد علم من العلماء، لكن إذا كرر وتأمل وقلبه حاضر يستفيد علمًا عظيمًا، يستفيد خيرًا كثيرًا مثل قوله جل وعلا: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] هذه الآية إذا رددها عرف أن في كتاب الله الهداية، وأنه يهدي الطريق القويم والصراط المستقيم، كذلك إذا قرأ قوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71] هذه الآية واضحة ما تحتاج إلى تفسير، ولا إلى كلام آخرين، كل من قرأها وعنده قلب حي عنده علم باللغة العربية يستفيد من هذه الآية، وما أشبه ذلك وأغلب القرآن، هكذا أغلب القرآن وأكثره واضح لمن تدبر وتعقل، ثم في إمكان طالب العلم أيضًا أن يستفيد من كلام أهل العلم وشرحهم وإيضاحهم، والعامي يستفيد مما يسمع في الحلقات العلمية في إذاعة القرآن من علم وفوائد، فيما يذاع من فوائد في نور على الدرب يفيد طالب العلم يفيد العامة أيضًا، فهذه الكلمات التي تلقى في نور على الدرب في الليالي السبع في جميع الليالي مستمرة هذه فيها علم عظيم، فيها فوائد للعامة وطلبة العلم، فيها خير كثير إذا أصغى إليها طالب العلم، إذا أصغى إليها المسلم ليستفيد، وهكذا إذا تدبر القرآن ممن يقرأه في إذاعة القرآن وفي غيرها إذا تدبر وتعقل استفاد خيرًا كثيرًا، إذا أخذ المصحف في الأوقات المناسبة ليس فيها شغل لقلبه قلبه مستريح يتدبر ويتعقل بعد صلاة الفجر بعد العشاء في أوقات مناسبة يتدبر ويتعقل أو يدرس القرآن مع أخ له يتدارسان هذا يقرأ وهذا يقرأ ثم هذا يقرأ ثم هذا يقرأ ويتذاكران في بعض الآيات فيكون معه شيء من الكتب مثل تفسير الجلالين ومثل بعض الكتب الأخرى كل واحد يستفيد من الآخر، بالمذاكرة ولاسيما إذا كان لديهما شيء من العلم فإن الفائدة تكون أعظم.
والمقصود من هذا أن الدعوة إلى الله جل وعلا واجبة ومهمة، وإذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، ومن أهم خصال الدعاة أن يكونوا صبر عندهم صبر على الأذى، وعندهم احتساب وإخلاص لله ، وأن يكونوا عاملين بدعوتهم تظهر عليهم آثار العمل بعلمهم، أهل تقوى وأهل إيمان واحتساب الأجر، حتى لا ينبذهم من يدعونه إلى الله، ويقول: أنتم فعلتم وأنتم تفعلون وأنتم وأنتم فلا ينتفع بعلمهم.
ومن أمثلة الكفاية مثل إنسان في قرية من أهل العلم في قرية صغيرة قد علمهم وأرشدهم وهم يحضرون دروسه ويحضرون مواعظه وتذكيره فهذا قد حصل به الكفاية، فإذا كان هناك طلبة علم في قرية زيادة ينتقلون إلى قرى أخرى يعلمون فيها؛ لأن هذا قد كفى والحمد لله، فينتقل هؤلاء الذين عندهم علم إلى القرى الأخرى التي ما فيها أحد حتى يعلم مثلما علم هذا، وإذا كانت المدينة كبيرة ينبغي أن يكون في جوانبها من أهل العلم من يرشد ويعلم، هذا في الشمال هذا في الجنوب هذا في الغرب وهذا في الشرق وفي وسطها من يعلم حتى تكون الفائدة عامة وكثيرة وميسورة لمن أرادها من المسلمين في ذلك البلد، وهكذا إذا كانت البلاد التي حوله فيها من يكفي احتسب وسافر إلى جهات أخرى ليس فيها عالم يدعو إلى الله؛ ليعلم ويرشد، وكذلك إذا سافر إلى المسلمين في البلاد الخارجية الذين هم بين الكفار أقليات بين الكفار يسافر إليهم ويحتسب، وإذا أراد أن يعان على ذلك فهناك من يعينه بحمد الله على هذا الخير، إذا أراد أن يعان على الدعوة فهناك من يعينه وهم مستعدون لإعانته وإعطائه من الكتاب ما تعينه على ذلك ومن المال أيضًا، فيكون عنده نية صالحة واحتساب حتى ينتقل من بلاد إلى بلاد ومن أقلية إلى أقلية ينفعهم ويعلمهم ويرشدهم؛ لأنهم على خطر بين الكفار على خطر تجد بين الكفار ألفًا أو ألفين في ملايين الكفار، نسأل الله السلامة والعافية، هذا خطر عظيم وهم ليس لهم حيلة لا يستطيعون أن يهاجروا من بلادهم، وليس عندهم من المال ما يعينهم على التنقل من هنا إلى هنا، ومن هنا إلى هنا، أغلب فقراء غالب الأقليات عندهم من الفقر والحاجة والجهل ما لا حد له، فهم في حاجة إلى أن يأتيهم علماء من بلاد المسلمين أهل احتساب وأهل نية صالحة يعلمونهم ويرشدونهم ويوجهونهم ويحذرونهم مما يسبب هلاكهم واختلاطهم بالكفرة وأن يضيعوا في الكفرة ويضيعوا بينهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.