قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ الآية [النحل:125]، ذكر سبحانه مراتب الدَّعوة، وجعلها ثلاثة أقسام بحسب حال المدعو:
فإنه إما أن يكون طالبًا للحقِّ، محبًّا له، مُؤثرًا له على غيره إذا عرفه، فهذا يُدعى بالحكمة، ولا يحتاج إلى موعظةٍ وجدالٍ.
الشيخ: بالحكمة يعني: بالعلم، بالأدلة الشرعية ويكفي؛ لأنه طالب للحقِّ، مريد للحقِّ، فيكفي أن تُذكر له الأدلة، وهي الحكمة، الأدلة الشَّرعية التي بيَّنها الله جلَّ وعلا في المسألة التي دُعي إليها.
وإما أن يكون مُشتغلًا بضدِّ الحقِّ، لكن لو عرفه آثره واتَّبعه، فهذا يحتاج إلى الموعظة بالتَّرغيب والترهيب.
وإما أن يكون مُعاندًا مُعارضًا، فهذا يُجادل بالتي هي أحسن، فإن رجع وإلا انتقل معه إلى الجلاد إن أمكن.
الشيخ: وهذه حال الناس، حال الناس أقسام ثلاثة:
قسم قابل للحقِّ، يريده، فهذا بالحكمة، قال الله، قال رسوله، ويتحرى الأوقات المناسبة، فهذا من الحكمة أيضًا.
القسم الثاني: إنسان عنده شواغل، وعنده شبهات، فهذا يُدعا بالموعظة الحسنة.
الثالث: عنده مجادلة وشُبه، يُجادل بها، فهذا يُجادل بالتي هي أحسن والرفق حتى يظهر له الحقّ، وحتى يُنيب إلى الحقِّ، فإن عاند انتقل معه إلى ما يجب من إقامة الحدود وتأديبه، كما قال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46]، مَن ظلم يُنتقل معه من الجدال بالتي هي أحسن إلى التَّأديب.
الشيخ: "أول" خبر مقدم، و"شهادة" اسم يكون مُؤخر، ويجوز العكس: أن يكون "أول" مبتدأ، ويكون "شهادة" خبرًا مُؤخَّرًا.
فليكن أولَ ما تدعوهم إليه شهادةُ أن لا إله إلا الله، وفي روايةٍ: إلى أن يُوحِّدوا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم خمس صلواتٍ في كل يومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم صدقةً تُؤخذ من أغنيائهم وتُرد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائمَ أموالهم، واتَّقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب أخرجاه.
قال الحافظُ رحمه الله: كان بعثُ معاذٍ إلى اليمن سنة عشرٍ قبل حجّ النبيِّ ﷺ، كما ذكره المصنفُ -يعني: البخاري- في أواخر المغازي.
وقيل: كان ذلك في آخر سنة تسعٍ عند مُنصرفه ﷺ من تبوك.
رواه الواقدي بإسناده إلى كعب بن مالك، وأخرجه ابنُ سعد في "الطبقات" عنه، واتَّفقوا على أنه لم يزل على اليمن إلى أن قدم في خلافة أبي بكر ، ثم توجه إلى الشام فمات بها.
قال شيخُ الإسلام رحمه الله: ومن فضائل معاذٍ أنه ﷺ بعثه إلى اليمن مُبَلِّغًا عنه، ومُفَقِّهًا، ومُعَلِّمًا، وحاكمًا.
الشيخ: يعني جمع هذا كله لمعاذٍ: أمير، وحاكم، وداعية إلى الله، ومُرشد، إلى اليمن. وهكذا بعث أبا موسى، وبعث عليًّا؛ لأنَّ اليمن واسع، فبعث كل واحدٍ إلى جهةٍ من الجهات .
س: ..............؟
ج: جاء في الحديث هذا، لكن ما أعرف حالَ سنده.
قوله: إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب قال القرطبيُّ: يعني به اليهود والنصارى؛ لأنهم كانوا في اليمن أكثر من مُشركي العرب، أو أغلب، وإنما نبَّهه على ذلك ليتهيأ لمناظرتهم.
وقال الحافظُ: هو كالتَّوطئة للوصية بجمع همَّته عليها.
قوله: فليكن أولَ ما تدعوهم إليه شهادةُ أن لا إله إلا الله "شهادة" رُفع على أنه اسم "يكون" مؤخر.
الشيخ: اسم "يكن": فليكن أولَ ما تدعوهم إليه شهادةُ، يكون "أول" خبرها مُقدَّم، و"شهادة" اسمها مُؤخَّر، على ما ذكر الشَّارحُ.
رفع على أنه اسم "يكن" مُؤخَّر، و"أول" خبرها مُقدَّم، ويجوز العكس.
قوله: "وفي روايةٍ: إلى أن يُوحِّدوا الله" هذه الرواية ثابتة في كتاب "التوحيد" من "صحيح البخاري"، وأشار المصنفُ بذكر هذه الرواية على التَّنبيه على معنى شهادة أن لا إله إلا الله، فإنَّ معناها توحيد الله بالعبادة، ونفي عبادة ما سواه.
وفي روايةٍ: فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، وذلك هو الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله، كما قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا [البقرة:256]، والعروة الوثقى هي: لا إله إلا الله. وفي رواية البخاري.
الشيخ: المقصود من هذا كله أنه يدعوهم إلى توحيد الله.