كتاب فضل الإسلام 1

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

باب فضل الإسلام

وقول الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3].

وقوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ الآية [يونس:104].

وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحديد:28].

وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله ﷺ قال: مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجلٍ استأجر أُجراء، فقال: مَن يعمل لي من غدوةٍ إلى نصف النهار على قيراطٍ؟ فعملت اليهود. ثم قال: مَن يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراطٍ؟ فعملت النصارى. ثم قال: مَن يعمل لي من صلاة العصر إلى أن تغيب الشمسُ على قيراطين؟ فأنتم هم. فغضبت اليهودُ والنصارى وقالوا: ما لنا أكثر عملًا وأقلّ أجرًا؟! قال: هل نقصتكم من حقِّكم شيئًا؟ قالوا: لا. قال: ذلك فضلي أُوتيه مَن أشاء.

وفيه أيضًا عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: أضلَّ اللهُ عن الجمعة مَن كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وللنَّصارى يوم الأحد، فجاء اللهُ بنا فهدانا ليوم الجمعة، وكذلك هم تبعٌ لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة.

وفيه تعليقًا عن النبي ﷺ أنه قال: أحب الدِّين إلى الله الحنيفية السَّمحة انتهى.

وعن أُبي بن كعبٍ قال: "عليكم بالسَّبيل والسنة، فإنه ليس مِن عبدٍ على سبيلٍ وسنةٍ ذكر الرحمنَ ففاضت عيناه من خشية الله فتمسّه النار، وليس من عبدٍ على سبيلٍ وسنةٍ ذكر الرحمن فاقشعر جلده من مخافة الله إلا كان كمثل شجرةٍ يبس ورقها إلا تحاتت عنه ذنوبه كما تحات عن هذه الشجرة ورقُها، وإنَّ اقتصادًا في سنةٍ خيرٌ من اجتهادٍ في خلاف سبيلٍ وسنةٍ".

وعن أبي الدَّرداء قال: "يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم، كيف يغبنون سهر الحمقى وصومهم؟ مثقال ذرةٍ من برٍّ مع تقوى ويقينٍ أعظم وأفضل وأرجح من عبادة المغترين".

الشيخ: والمقصود من هذا أنَّ الله جعل الإسلامَ هو دين الله الذي به السَّعادة والنَّجاة، وأنَّ العبد إذا تمسَّك به واستقام عليه له الجنة والكرامة، وأنَّ اجتهادات العبد في صلاةٍ أو صومٍ أو غير ذلك على غير السنة لا ينفعه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ [المائدة:3]، وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85].

فالواجب على جميع المكلَّفين: التَّمسك بالإسلام، والاجتهاد في طاعة الله، وهذا هو طريق النَّجاة، وهذا هو طريق السَّعادة، فالاقتصاد في الإسلام والسَّير عليه بالقليل خيرٌ من اجتهادٍ كثيرٍ في غير إسلامٍ، وفي غير سنةٍ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

باب وجوب الإسلام

وقول الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].

وقوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19].

وقوله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153].

قال مجاهد: السُّبل: البدع والشُّبهات.

وعن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ رسول الله ﷺ قال: مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ أخرجاه.

وفي لفظٍ: مَن عمل عملًا ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ.

وللبخاري عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: كل أمتي يدخلون الجنةَ إلا مَن أبى، قيل: ومَن يأبى؟ قال: مَن أطاعني دخل الجنةَ، ومَن عصاني فقد أبى.

وفي الصحيح عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال: أبغض الناس إلى الله ثلاثة: مُلحد في الحرم، ومُبتغ في الإسلام سنةً جاهليةً، ومطلب دم امرئٍ مسلمٍ بغير حقٍّ ليهريق دمه رواه البخاري.

الشيخ: والشَّاهد قوله: مُبتغٍ في الإسلام سنةً جاهليةً، وأنَّ الواجب على العبد التَّمسك بالإسلام، والحذر من سنن الجاهلية، فالعمل في الإسلام ولو قلَّ هو الذي ينفع، أما الاجتهاد في غير الإسلام وفي غير سنةٍ يضرّ ولا ينفع.

فالواجب على جميع المكلَّفين: التمسك بالإسلام، والتَّقيد بدين الله، والسير عليه في كل شيءٍ؛ إخلاصًا لله، ومتابعةً للرسول ﷺ.

قال ابنُ تيمية: قوله: سنة جاهلية يندرج فيها كل جاهليةٍ مُطلقة أو مُقيدة، أي: في شخصٍ دون شخصٍ: كتابية أو وثنية أو غيرهما، من كل مخالفةٍ لما جاء به المرسلون.

وفي الصحيح عن حُذيفة قال: "يا معشر القراء، استقيموا، فقد سبقتم سبقًا بعيدًا، فإن أخذتم يمينًا وشمالًا لقد ضللتُم ضلالًا بعيدًا".

الشيخ: ومعنى "استقيموا" يعني: على الطريق، القراء يعني: العلماء، وطلبة العلم، يعني: استقيموا على دين الله، فإذا استقام العبدُ فقد سبق سبقًا بعيدًا، وإن حاد يمينًا وشمالًا فقد ضلَّ ضلالًا بعيدًا.

فالواجب التَّمسك بما شرعه الله، والحذر مما ذمَّ الله: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، فكونوا على الطريق ولو مُقتصدًا، ولو مع الأبرار مُقتصدين خيرٌ من كونه يسلك الطرق المنحرفة عن الهدى؛ لأنها تُضله وتُبعده عن الله ، بل صاحب الهدى وإن ظلم نفسَه ببعض المعاصي على طريق النَّجاة، لكن مَن سار على غير الإسلام وابتغى في الإسلام سنةً جاهليةً هو في طريق هلاك، نسأل الله العافية.

وعن محمد بن وضَّاح: أنه كان يدخل المسجد، فيقف على الحلق فيقول: .. فذكره، وقال: أنبأنا ابن عيينة، عن مجالد، عن الشَّعبي، عن مسروقٍ قال: قال عبدالله -يعني: ابن مسعودٍ- "ليس عام إلا والذي بعده شرٌّ منه، لا أقول: عام أمطر من عامٍ، ولا عام أخصب من عامٍ، ولا أمير خيرٌ من أميرٍ، لكن ذهاب عُلمائكم وخياركم، ثم يحدث أقوامٌ يقيسون الأمور بآرائهم؛ فيهدم الإسلام ويثلم".