باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام
وقوله تعالى: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا [الحج:78].
عن الحارث الأشعري ، عن النبي ﷺ أنه قال: آمركم بخمسٍ الله أمرني بهنَّ: السَّمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة؛ فإنه مَن فارق الجماعةَ قيد شبرٍ فقد خلع ربقةَ الإسلام من عنقه، إلا أن يُراجع، ومَن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثى جهنم، فقال رجلٌ: يا رسول الله، وإن صلَّى وصام؟ قال: وإن صلَّى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سمَّاكم المسلمين والمؤمنين عباد الله رواه أحمد، والترمذيُّ وقال: حديث حسن صحيح.
الشيخ: وهذا يحذر من دعوى الجاهلية: يا أهل فلان، يا أهل فلان، لا، يا أهل التوحيد، يا أهل الإيمان، كلهم إخوة، إذا جاءت الحربُ لا ينتسب يقول: يا فلان، يا قحطان، يا بني كذا، يا بني كذا. لا، هم شيء واحد، المسلمون شيء واحد، ولا يحتجّ بدعوى الجاهلية؛ ولهذا لما قال: يا للمُهاجرين، وقال الآخر: يا للأنصار، قال ﷺ: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟!
فالواجب الدَّعوة بالإسلام، أيها الإخوة، أيها المسلمون، أيها المؤمنون، هكذا عند الاستغاثة والحثِّ يحثُّهم على القتال باسم الإسلام، باسم الإيمان.
وفي الصحيح: مَن فارق الجماعةَ شبرًا فميتته جاهلية، وفيه: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟!
قال أبو العباس: كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسبٍ أو بلدٍ أو جنسٍ أو مذهبٍ أو طريقةٍ فهو من عزاء الجاهلية.
الشيخ: أبو العباس يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والمقصود أنَّ الدَّعاوى التي بغير الإسلام: يا أهل مكة، يا أهل الطائف، يا أهل نجد، هذه من دعوى الجاهلية، يقول: أيها المؤمنون، أيها الإخوة، يا أنصار الله، يا عباد الله، هكذا.
الشيخ: وهذا هو الواجب، هذا الذي يحثُّهم ويُحرك القلوبَ، فعند لقاء العدو يحثُّهم على اللِّقاء والصبر بدعوى الإيمان، بدعوى الإسلام: أيها المسلمون، يا عباد الله، أيها المسلمون، يا أنصار الله. هكذا يُشجعهم ويحثُّهم بالاسم العام.
باب وجوب الدُّخول في الإسلام كله وترك ما سواه
وقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208].
وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ [النساء:60].
وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159].
الشيخ: وهذا هو الواجب: الدخول في الإسلام كله، ما هو ببعضه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً يعني: في الإسلام، ويقول: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ، ويقول: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا [النساء:150- 151].
فالواجب الدخول في الإسلام كله، يعني: الواجب أن يلتزم المسلمُ بالإسلام كله: صلاةً، وزكاةً، وصيامًا، وحجًّا، وجهادًا، ما يقول: فقط أنا أُصلي ولا أُزكي، أُزكي ولا أصوم، لا، يجب أن يلتزم بالإسلام كله.
قال ابنُ عباسٍ في قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]: "تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسود وجوه أهل البدعة والاختلاف".
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله ﷺ: ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النَّعل بالنَّعل، حتى إن كان منهم مَن أتى أمَّه علانيةً كان في أمتي مَن يصنع ذلك، وإنَّ بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق هذه الأمةُ على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: مَن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي.
وليتأمل المؤمنُ الذي يرجو لقاءَ الله كلامَ الصَّادق الصَّدوق في هذا المقام، خصوصًا قوله: ما أنا عليه وأصحابي.
الشيخ: يعني: الذي يلزم الحقَّ، ويستقيم على ما سار عليه الصحابةُ وأتباعهم بإحسانٍ، وليحذر أقوالَ أهل البدع والفرقة والاختلاف.
ثنتان وسبعون كلهم في النار: ما بين كافرٍ، وبين مُبتدعٍ، وبين فاسقٍ، لكن أهل السنة هم الذين ساروا على نهج الصحابة، واستقاموا على الدِّين، هؤلاء لهم الجنة والكرامة، أما بقية الفرق ففيهم الكافر، وفيهم المبتدع، وفيهم المخالف للشرع الذي لم يلتزم بالحقِّ.
يا لها من موعظةٍ لو وافقت من القلوب حياةً!
رواه الترمذي، ورواه أيضًا من حديث أبي هريرة وصحَّحه، لكن ليس فيه ذكر النار، وهو في حديث معاوية عند أحمد وأبي داود، وفيه أنه: سيخرج من أمتي قومٌ تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكَلبُ بصاحبه، فلا يبقى منه عرقٌ ولا مفصلٌ إلا دخله، وتقدم قوله: ومُبتغٍ في الإسلام سنةً جاهليةً.
الشيخ: يعني: يجب الحذر على المسلمين أن يبتدعوا في الدِّين، أو يُدخلوا في الإسلام سنةَ الجاهلية، بل يجب أن يلتزموا بالإسلام الذي جاء به المصطفى عليه الصلاة والسلام، وأن يتعاونوا في هذا، ويتواصوا بهذا، فيُؤدوا ما شرع الله، ويبتعدوا عمَّا حرَّمه، ويحذروا البدع والمعاصي.
هكذا يجب على أهل الإسلام أن يستقيموا ويتعاونوا على البرِّ والتقوى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر]، أما أن يتفرَّقوا: هذا يقول: آخذ بهذا، وهذا يقول: آخذ بهذا، هذا لا يجوز، هذا دين الجاهلية، نسأل الله العافية.
باب ما جاء أنَّ البدعة أشدُّ من الكبائر
لقوله: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
الشيخ: والمعنى أنَّ البدعة أكبر من الكبائر؛ لأنها تَنَقُّصٌ للإسلام، وإحداثٌ في الإسلام، وتهمةٌ للإسلام بالنَّقص؛ فلهذا يبتدع ويزيد، أما المعاصي فهي اتِّباع للهوى، وطاعة للشيطان، فهي أسهل من البدعة، وصاحبها قد يتوب ويُسارع وقد يتَّعظ، أما صاحب البدعة فيرى أنه مصيبٌ فلا يتوب، يرى أنه مُصيب، وأنه مجتهد؛ فيستمر في البدعة، نعوذ بالله، ويرى الدِّين ناقصٌ، وهو في حاجةٍ إلى بدعته؛ فلهذا صار أمر البدعة أشدَّ وأخطر من المعصية.
قال الله في أهل المعاصي: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:116]، أهل المعاصي تحت المشيئة، أما أهل البدع فشرُّهم عظيم، وخطرهم كبير؛ لأنَّ بدعتهم معناها: التَّنقص للإسلام، وأنه يحتاج إلى هذه البدعة، ويرى صاحبُها أنه محقٌّ، ويستمر عليها، ويبقى عليها، ويُجادل عنها، نسأل الله العافية.
وقوله: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:144].
وقوله تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [النحل:25].
الشيخ: يعني: عليه مثل أوزار مَن تبعه في بدعته، نسأل الله العافية.
الشيخ: لعظم بدعتهم؛ لأنهم شبَّهوا على الناس، اجتهدوا في القراءة والصلاة حتى قال النبيُّ: يحقر أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم، وقراءَته مع قراءتهم، ثم حملوا على المسلمين وقتلوهم، وهذا من جرأتهم الخبيثة، وقتلوا عليًّا، وقتلوا عمرو بن خارجة، وقتلوا جمًّا غفيرًا، كله ببدعتهم وضلالهم، حتى أعان اللهُ عليًّا عليهم وقتلهم.
فالخوارج شرُّهم عظيم؛ لأنهم يرون أنهم مُصيبون في قتلهم العُصاة من الأمراء وغير الأمراء، هذا من جهلهم وضلالهم؛ ولهذا قال فيهم ﷺ: أينما لقيتُموهم فاقتلوهم، فإنَّ في قتلهم خيرًا لمن قتلهم، وقال: لئن أدركتُهم لأقتلنَّهم قتل عادٍ.
س: البدعة ما تدخل تحت المشيئة؟
ج: ..... متوعد أهلها بالنار، والعياذ بالله، إلا أن يتوبوا، نسأل الله العافية، ولكن إذا كانت دون الشِّرك يُرجا لصاحبها؛ لأنها في المعنى، تدخل في المعنى من جهة المعاصي، لكنها غير داخلةٍ في قوله: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:116] في الجملة، لكن إذا كان المبتدعُ بدعته دون الشِّرك فهي لها حكم المعاصي من جهة أنه لا يُخلد في النار إذا دخل النار.
الشيخ: يعني: الأمراء وإن جاروا وظلموا ما داموا مُلتزمين بالإسلام لا يجوز جهادهم، ولكن يُنصحون، أما إذا أتوا كفرًا بواحًا وجب جهادهم على مَن قدر، إذا كانت هناك قوة تقدر فعلت.
الشيخ: وهذا معناه يعني: أحياها وأظهرها، ما هو بالبدعة، هذا معناه: إحياء السنة وإظهارها؛ لأنَّ أصل الحديث أنه ﷺ رأى قومًا فُقراء مُجتابي النِّمار، فلمَّا رأى فقرهم خطب الناسَ وحثَّهم على الصدقة ورغَّبهم فيها، قال: تصدَّق رجلٌ من درهمه، من ديناره، من صاع برِّه، من صاع شعيره، من صاع تمره إلى آخره، فجاء واحدٌ من الصَّحابة بصرةٍ -يعني: فضة- كادت يده تعجز عنها لهؤلاء الفقراء، فلما رأوه تتابع الناسُ في الصَّدقة، وجاءوا هذا بثيابٍ وهذا بطعامٍ، فلما رأى النبيُّ ﷺ تتابع الناس، ورأى كومين من طعامٍ ومن ثيابٍ، قال: مَن سنَّ في الإسلام سنةً حسنةً كان له أجرها .. إلى آخره.
س: الذي يُثني على أهل البدع ويمدحهم هل يلحق بهم؟
ج: نعم، ما في شكّ، مَن أثنى عليهم ومدحهم فهو داعٍ لهم، يدعو لهم، هذا من دُعاتهم، نسأل الله العافية.