طاعة الأمراء في معصية الله

وسمعتم أن طاعة الأمراء وغير الأمراء في المعصية عبادة لهم، وسمعتم أيضا قوله ﷺ: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم الحديث، أن هذا نوع من العبادة، وينبغي أن تعلموا أن العبادة قسمان: عبادة لغير الله كبرى يحصل بها الشرك الأكبر، وعبادة صغرى يحصل بها الشرك الأصغر، فتحصل بها المعصية، فالطاعة لغير الله في المعاصي جريمة، ولكنها قسمان: إن أطاع غير الله مستحلًا لذلك زاعمًا أنه يصوغ له أن يطيع غير الله في المعاصي صارت ردة ومنكرًا أكبر، وشركًا أكبر، وكفرًا أكبر، وإن أطاع غير الله في المعصية لكن يعلم أنه مخطئ ويعلم أنه عاصي صارت معصية وليست ردة ولا كفرًا أكبر، هذا التفصيل يجب أن يعرف كما بينه أهل العلم، والرسول ﷺ قال: إنما الطاعة في المعروف وقال الله لنبيه: وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [الممتحنة:12]، وقال عليه الصلاة والسلام: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، فالذي يطيع الأمراء أو يطيع العلماء أو يطيع الزوجة أو يطيع أباه أو صديقه في المعاصي قد أتى جريمة، وهذا من أسباب تأخر المسلمين، ومن تسليط الأعداء عليهم أيضًا، ولكن إذا أطاع الأمراء ونحوهم في المعاصي غير مستحل كان ذلك معصية، وكان ذلك خطأ كبيرًا، وعليه التوبة إلى الله والرجوع إلى الله، ولكن لا يكون ردة، فإن أطاعه في ذلك مستحلًا يرى أن طاعتهم جائزة ولو خالفوا أمر الله، ولو خالفوا شرع الله، هذا هو الردة وهذا هو الذي جاء فيه حديث عدي بن حاتم، ويروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه لما قرأ قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31] قال له عدي بن حاتم -وكان نصرانيًا-: يا رسول الله لسنا نعبدهم، قال: أليس يحلون ما حرم الله فتتبعونهم؟ ويحرمون ما أحل الله فتتبعونهم؟ قلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم. يعني كانوا يستحلون ذلك، قال السدي رحمه الله التابعي الجليل: "استنصحوا الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم"، المعنى: أنهم استحلوا ما حرم الله تقليدًا لشيوخهم وكبرائهم، استحلوه وجعلوه حلالًا وحرموا ما أحل الله وجعلوه حرامًا لهؤلاء الشيوخ أخذًا برأيهم وهم يعلمون أنهم قد خالفوا شرع الله، وقد خالفوا دين الله، ولكنهم لا يبالون، يرون أنهم يطيعونهم، وإن خالفوا شرع الله ودين الله فمن فعل هذا صار ردة نعوذ بالله من ذلك،، وصار كفرًا أكبر، وهكذا حديث تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي وإن لم يعطى سخط، صار رضاه وغضبه لهذه الدراهم، وهذه الملابس، فمن كان رضاه وغضبه للدنيا فقد عبدها، لكن هذه العبادة قد تكون صغرى، وقد تكون صغرى، فإذا عبدها غير مستحل لما حرم الله ولكنه يرضى لها ويغضب لها وهو يعبد الله ويؤدي حق الله هذا نقص في إيمانه، ونقص في دينه ومعصية؛ لأنه صار يرضى لها ويغضب، فلهذا نسب إليه أنه عبدها، فإن ما استهوى الإنسان واستولى عليه وجعله يرضى له ويغضب له يكون عبدًا له، ومن عشق امرأة أو أحب متاعا يرضى له ويغضب له صار عبدًا له، لكن إذا استحل ذلك استحل أن يرضى ويغضب لغير الله ويرى أن هذا جائز وأنه لا بأس أن يغضب لغير الله ولو اسخط الله صار ردة عن الإسلام نعوذ بالله، أما إذا فعل ذلك ويعلم أنه معصية ولكن غلبه الهوى غلبه الشح حتى صار هذا من ديدنه وهو يعلم أنه مخطئ وأنه عاصي صارت هذه من جملة المعاصي، وصار نقصًا في إيمانه، ونقصًا في دينه.