الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإن الله جل وعلا شرع لعباده النكاح، وحرم عليهم السفاح، وحرم أيضا أنكحة فاسدة كانت تعتاد في الجاهلية، وبعضها شرع في الإسلام، ثم نسخ، أما النكاح الشرعي الذي هو ضد السفاح وهو النكاح الذي يكون عن رضا من المرأة وعن واسطة الولي وبواسطة الإعلان الشاهدين وغير هذا من الإعلان فهذا هو النكاح الشرعي الباقي الذي قال الله فيه جل وعلا: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32]، وقال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء، وقال عليه الصلاة والسلام: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، وفي لفظ: الأنبياء يوم القيامة، وقال: تنكح المرأة لأربع: لجمالها ولمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك، وقال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، وفي لفظ: فساد عريض، والأحاديث في المعنى في الحث على النكاح، وفي الترغيب فيه كثيرة، والقرآن الكريم كذلك دل على شرعية النكاح ورغب فيه فقال: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا [النساء:3]، يعني ألا تجوروا، والله سبحانه شرع لنا النكاح لما فيه من إعفاف الفروج، ولما فيه من تكثير الأمة، فإن الأمة إذا لم يكن هناك نكاح انقرضت، ولكن من رحمة الله أن شرع النكاح، وجعلت في الرجل الميل إلى المرأة، وجعل في المرأة الميل إلى الرجل، وكتب بينهما ما كتب من وجود الذرية، حتى يبقى هذا النسل وتبقى هذه الأمة إلى الأمد الذي حده الله ، وشرع للأمة التمسك بما بعث الله به أنبيائه من عهد آدم إلى يومنا هذا، شرع النكاح وشرع التمسك بما خلقوا له من دين الله وعبادته سبحانه وتعالى، حتى لا يزال في الأرض من يعبد الله ويتقيه ويكثر من ذكره سبحانه ويطيع أوامره وينتهي عن نواهيه، وجعل لهذه الدنيا أمدًا تنتهي إليه، فإذا جاء الأمد قامت القيامة وانتهى أمر هذا العالم، وصار الناس إلى الدار الأخرى وهي الجنة، أو النار على حسب أعمالهم، فمن كان من أهل الإحسان في هذه الدار من أهل طاعة الله ورسوله صار إلى دار النعيم والكرامة وإلى دار الإحسان وهي الجنة، ومن كان في هذه الدار من أهل الانحراف والفساد وطاعة الشيطان وعصيان الرحمن صار إلى دار الهوان ودار العذاب والنكال وهي النار، نعوذ بالله من ذلك.
وشرع في النكاح أمورًا منها أن تكون المرأة والرجل خاليين من الموانع صالحين للزواج، كأن يكونا مسلمين، أو كافرين، أو الزوج مسلمًا والمرأة كتابية من اليهود والنصارى المحصنات، فإنه يكون النكاح هكذا إما مسلمان أو كافران أو مسلم وكتابية محصنة من اليهود والنصارى، فإذا اختل الأمر صار هناك مانع، إذا كان الزوج مسلمًا والمرأة غير كتابية ولا مسلمة وثنية مجوسية شيوعية لم يصح النكاح كذلك، لا بد أيضًا من كون المرأة خالية من الموانع، ليست في عدة، ولا في عصمة نكاح، بل تكون خالية مطلقة أو متوفى عنها قد انتهت من العدة أو لم تتزوج أصلًا، ثم هناك أيضًا موانع أخرى من القرابة والرضاعة والمصاهرة تكون سليمة من ذلك، والرجل سليما من ذلك ليس بينهما ما يحرم النكاح لا قرابة مثل كونها أخته أو عمته أو خالته أو بنت أخيه أو ما أشبه ذلك من الرضاع أو من النسب، ولا كونها أيضا محرمة بالمصاهرة كأن تكون بنت زوجته المدخول بها أو أم زوجته أو جدتها فلا يجوز له نكاحها، فإذا صار الزوجان خاليين من الموانع وتوافرت الشروط الشرعية من رضا الزوجين الزوج والزوجة، الزوج بالمرأة والمرأة بالزوج، إلا ما استثني من حال صغر المرأة إذا زوجها أبوها في حال صغرها كما دون التسع واختار لها الزوج الصالح فهذا يجوز إذا كانت دون التسع إذا اختار أبوها لها الزوج الصالح، كما زوج الصديق عائشة رضي الله عنها النبي ﷺ وهي صغيرة بنت ست أو سبع سنين بغير مشورتها؛ لأنها صغيرة جدًا، أما إذا بلغت تسع سنين فأكثر فإنها تستشار وتخبر وإذنها صماتها، يعني سكوتها هذا إذا كانت بكرًا، أما الثيب فلا بد من نطقها، ولا بد من مؤامرتها حتى تنطق وحتى تصرح بالرضا، ولا بد أيضًا من وجود الولي ووجود الشاهدين، فإذا توافرت الشروط في الزوج والزوجة وما يجب بذلك صح النكاح، وصار نكاحا شرعيًا بشرط أن يكون هذا النكاح من الرغبة لا للتحليل ولا مؤقتا بوقت، فيتزوجها راغبًا فيها يريد الاستمتاع بها والبقاء معها ليعفها وتعفه، ولما يسر الله من الأولاد والمصالح الأخرى.