النكاح الثاني من الأنكحة التي حرمها الله وقد وقع فيها بعض الناس: نكاح التحليل، وهو نكاح يفعله من حرمت عليه زوجته بالطلاق بالطلقة الأخيرة الثالثة، بعض الناس لضعف إيمانه وقلة خوفه من الله يتفق مع شخص آخر ليتزوجها، فإذا دخل بها ووطئها فارقها حتى يعود إليها زوجها الأول، وهذا هو النكاح الذي يسمى نكاح التحليل، وقد ثبت عن رسول الله ﷺ أنه لعن المحلل والمحلل له، فالمحلل هو التيس المستعار هو الزوج الذي يطلب لتحليلها، والمحلل له هو الزوج الأول المطلق، فهذا نكاح باطل وحرام إذا اتفقا عليه بالتواطؤ وبالشرط اللفظي أو بالكتابة، كل ذلك محرم للأحاديث التي جاءت في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن المحلل والمحلل له، جاء في ذلك عدة أحاديث من حديث ابن مسعود وأبي هريرة وغيرهما، وفي لفظ يروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ألا أنبئكم بالتيس المستعار؟، قلنا: بلى يا رسول الله! قال: هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له سمي تيسًا مستعارًا؛ لأنه جيء به للضراب ليس زوجًا، وإنما جيء به ليدخل بها مرة يجامعها مرة ثم يفارقها؛ لأن الله قال: فَإِنْ طَلَّقَهَا آخر الثلاث فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، فهذا المطلق الطلقة الثالثة لما رأى أنه لا حيلة له إلا بزوج وهو يريدها وتريده زين لهما الشيطان هذا العمل السيء، وهو الاتفاق مع شخص يسمى المحلل، ويعطونه ما شاء الله من المال، فترضى به الزوجة رضاء مؤقتًا ليحلها لزوجها، ولا تنظر في حاله ولا نسبه ولا أهليته في الغالب؛ لأنه لا يهمهم إلا أن يدخل عليها مرة ثم يخرج وينتهي الأمر؛ ليحلها للزوج الأول، وهذا من أقبح الباطل، ومن أعظم الفساد، وهو زنا في المعنى؛ لأنه ما تزوجها لتكون زوجة لتعفه لتبقى لديه لتحصنه ليرجو منها وجود الذرية لا، إنما جاء تيسًا مستعارًا ليحلها لمن قبله بوطء مرة واحدة، ثم يفارقها وينتهي منها، هذا هو المحلل، ونكاحه باطل، وليس بشرعي، ولا يحلها للزوج الأول، إذا علم هذا فإنه يستحق أن يؤدب ويعزر التعزير البليغ الذي يردعه وأمثاله، وهذه الزوجة لا تحل بذلك، بل يعزر أيضًا المحلل، وهي كذلك إذا كانت راضية، كلهم يعزرون لهذا العمل السيء؛ لأنه نكاح فاسد، نكاح خبيث، نكاح منكر ومعصية، فوجب أن يعزر القائمون به، المحلل والمحللة والمحلل أيضا كلهم، والمرأة إذا كانت راضية وعالمة بهذا الشيء فهي أيضًا تستحق التعزير والتأديب لرضاها بالمعصية أو مواطأتها عليها.
فلو أراد أن يبقى عندها لم تحل له ما دام نكحها بهذه النية، وبهذا القصد، فإنه نكاح فاسد، ولم تحل له، ولا تحل للزوج الأول؛ لأن هذا ليس بزوج والله قال: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، وهذا تيس مستعار وليس بزوج شرعي فلا يحلها للزوج الأول.