الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه؛ نبينا وإمامنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الله جل وعلا إنما خلق الخلق ليُعبَد وحده لا شريك له، لم يخلقهم عبثًا ولا سدى، وإنما خلقهم لأمر عظيم، خلقهم ليعبدوه ويعظموه، وينقادوا لشرعه، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58].
وهذه العبادة التي خلقوا لها قد أمرهم بها كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، قال تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا [النساء:36]، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ - وأمر ربك - أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ [الإسراء:23]، قال الله : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5].
قد أرسل الرسل بهذا عليهم الصلاة والسلام قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل:36]، قال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[الأنبياء:25]. هذه هي العبادة، وهذه هي الحكمة التي من أجلها خلق الجن والإنس، وهذه هي الغاية التي من أجلها خلق الثقلان؛ ليعبدوا الله، وليعظموه، وينقادوا إلى شرعه، ويتبعوا رسله، لم يخلقهم سدى ولا عبثًا، وليس في حاجة إليهم سبحانه هو الغني بذاته عن كل ما سواه، قال : يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ [فاطر:15-16]، قال الله جل وعلا: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص:27].
لم يخلقهما باطلًا، بل خلقهما لحكمة عظيمة، وقد أنكر على من حسب ذلك وظنه، قال: أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36]؛ يعني: معطلًا ومهملًا، كلا لم يترك سدى، بل أمر ونهي، وقال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115]؛ أنكر عليهم هذا الحسبان، وأنه سبحانه إنما خلقهم ليعبدوه، لم يخلقهم عبثًا ولا سدى.
وهذه العبادة يجب على المكلفين أن يتعلموها ويعرفوها، هذه العبادة التي أنت مخلوق لها يا عبدالله، عليك أن تعرفها بأدلتها؛ حتى تعبدالله على بصيرة، فأنت مأمور بأن تتعلم، قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ[محمد:19]، قال تعالى: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12].
هذا هو الواجب على كل مكلف أن يتعلمه، وأن يتفقه في الدين، يقول النبي ﷺ: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، ويقول ﷺ: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب، أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس؛ فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان؛ لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ قال عليه الصلاة والسلام: فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم.
مثل الأرض الطيبة التي أمسكت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وأمسكت الماء فنفع الله بها الناس، هؤلاء هم علماء المسلمين؛ حملوا العلم ففقهوا في الدين، حملوا العلم ونقلوه إلى الناس؛ ففقهوا فيه وأوصلوه إلى الناس.
علماء الحق هم مثل الأرض الطيبة التي قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وأمسكت الماء حتى شرب منه الناس، وسقوا وزرعوا.
وأغلب الخلق كالقيعان؛ التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ؛ لم ينتفعوا بما بعث الله به الرسل، قال تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وقال تعالى: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ [الأنعام:116]، وقال : وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20]
هذه حال أكثر الخلق، أعرضوا عن دين الله، وعن ما جاءت به الرسل، وعن ما خلقوا له، فأشبهوا الأنعام كما قال الله تعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44] فلا يليق بالمؤمن، ولا يليق بالعاقل أن يتشبه بالأنعام، بل يتفهم ويتعلم، ويتفقه في الدين؛ حتى يعرف ما أوجب الله عليه وما حرم الله عليه؛ ليحذر مشابهة الأنعام من الإبل والبقر والغنم ونحوها، بل يتعلم ويتفقه في الدين، ويسأل، قال تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النحل:43].
فأنت مأمور بأن تتفقه في الدين وتتعلم؛ حتى تعلم ما أوجب الله عليك وما حرم عليك، حتى تعرف العبادة التي أنت مخلوق لها، وهذه العبادة هي الإسلام، هي دين الإسلام، هي الإيمان والهدى، هي طاعة الله ورسوله، هي البر والتقوى، هذه هي العبادة التي بينها سبحانه في مواضع أخرى، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران:19]، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ [النساء:136]، وقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ[النساء:1]، وقال: وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23]، وقال: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة:189]، وقال: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار:13].
فعلم بهذا أن هذه العبادة التي أنت مخلوق لها -يا عبدالله- هي الإسلام، وهي الإيمان والهدى، وهي طاعة الله ورسوله، وهي البر والتقوى.
وحقيقة الأمر أن العبادة هي: التوحيد لله، والإخلاص له، وأداء فرائضه وترك محارمه، والوقوف عند حدوده، هذه هي العبادة التي أنت مخلوق لها، وأنت مأمور بها، وبعث الله بها الرسل، وأنزل بها الكتاب كما قال جل وعلا: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خبير ألا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ [هود:1، 2]، وقال تعالى: تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعبد الله مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:1-3]، وقال تعالى: وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155].
فالواجب على جميع المكلفين من الرجال والنساء؛ من الجن والإنس، من العرب والعجم، أن يتعلموا دين الله، ويتفقهوا في هذه العبادة التي خلقوا لها، وهي: الإسلام، وهي الإيمان والهدى، وهي توحيد الله وطاعته، عليهم أن يتفقهوا ويتعلموا من طريق القرآن الكريم والسنة المطهرة، فالقرآن هو أصل كل خير، وهو أصدق كتاب وأعظم كتاب وأشرف كتاب.
فالواجب التفقه فيه والتدبر والتعلم، قال تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]، قال جل وعلا: هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ [إبراهيم:52]، وقال : وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام:155]، وقال تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [ص:29]، قال تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ [الأنعام:19].
فأنت -يا عبدالله- مأمور بتدبر القرآن والتفقه في القرآن والتعلم؛ حتى تعرف ما أوجب الله عليك وما حرم الله عليك، وأنت -أيضًا- مأمور باتباع السنة وتعظيمها، والتفقه فيها، وهي: حديث الرسول ﷺ، ما ثبت عنه ﷺ من أقواله وأفعاله وتقريراته، أنت مأمور بها، وهي الحكمة، والله أنزل على نبيه ﷺ الكتاب والحكمة، وهي: السنة، قال تعالى: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [النساء:80]، وقال سبحانه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا [الحشر:7]، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، قال تعالى: أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ [النساء:59]، فأنت -يا عبدالله- مأمور بطاعة الله وطاعة رسوله، ولا سبيل إلى هذا إلا بالتفقه والتعلم؛ حتى تعرف ما يجب عليك وما يحرم عليك، وما شرعه الله لك وما نهاك عنه؛ لتعبد ربك على بصيرة، وأعظم ذلك، وأساس ذلك: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، هاتان الشهاداتان هما أصل الدين، هما أساس الملة، وأول شيء دعا إليه الرسول هو توحيد الله جل وعلا.
أول ما دعت الرسل إليه: توحيد الله، أن يقول العباد: لا إله إلا الله، وأول شيء دعا به نبينا ﷺ قومه أن يقولوا: لا إله إلا الله، وأن يؤمنوا به ويصدقوه، فهاتان الشهادتان هما أصل الدين، هما أساس الملة، أن تشهد أن لا إله إلا الله صدقًا من قلبك، والمعنى: أنه لا معبود بحق إلا الله، وأن تشهد أن محمدًا رسول الله، محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب هو رسول الله حقًّا، وأن تشهد على علم، عن يقين وعن صدق أنه رسول الله، هاتان الشهادتان هما أصل الدين، هما أساس الملة، فلا إسلام ولا إيمان ولا تقوى ولا بر إلا بهاتين الشهادتين، لابد أن يقولها على علم وعن يقين وعن صدق.
أما إذا قالها عن غير صدق صار منافقًا، فالمنافقون الذين قال الله فيهم سبحانه: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء:145]، لم يقولوها عن صدق، فالمنافق قالها بلسانه وكذبها بقلبه.
فعليك أن تخالف المنافقين، وأن تشهد شهادة جازمة عن علم ويقين وصدق: أنه لا إله إلا الله؛ أي لا معبود بحق إلا الله، وأن محمدًا هو عبدالله ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق إلى الناس أجمعين، كما قال سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158] وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [سبأ:28]، وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، وقال جل وعلا: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1] فأنت يا عبدالله مأمور بأداء هاتين الشهادتين؛ عن صدق وإخلاص وعن عمل بمقتضاهما؛ من توحيد الله، والإخلاص له، والإيمان به، وتخصيصه بالعبادة على الطريقة والمنهج الذي جاء به رسوله ﷺ.
فالعمل لابد فيه من شرطين:
أحدهما: الإخلاص لله.
والثاني: الموافقة لشريعة رسوله ﷺ.
كل عبادة لابد فيها من هذا؛ من صلاة وحج وصوم وغير ذلك، عليك أن تخلصها لله، وعليك أن تكون فيها متابعًا لما جاء به رسوله ﷺ: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].
ومكث النبي ﷺ في قومه عشر سنين في مكة، يدعوهم إلى هذه الكلمة؛ إلى توحيد الله والإيمان برسوله، قبل فرض الصلاة وغيرها بقول: يا قومي قولوا لا إله إلا الله، وتوبوا إليه[1]، في هذه البلدة يدعو قريشًا وغيرهم أن يقولوا: لا إله إلا الله، فآمن القليل، واستكبر الأكثرون، ثم فرض الله عليهم الصلوات الخمس في مكة قبل الهجرة، فصلاها في مكة ثلاث سنين، ثم هاجر إلى المدينة عليه الصلاة والسلام؛ وبهذا يعلم المكلف، يعلم العاقل، أن هذا الدين يحتاج إلى التعلم والتفقه في الدين، وأن الدعوة لا تنفع إلا بهذا، لابد من علم ويقين وصدق، فدعوة الإسلام ودعوة الإيمان دعوة التوحيد ودعوة المتابعة، لا تنفع إلا بعلم وعمل.
فعليك أن تعلم وأن تفقه في الدين، وأن تعمل بقول النبي ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله[2]، ويقول: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها[3].
وحقها: أداء فرائض الله وترك محارمه، هذا حق لا إله إلا الله، الصلاة الزكاة الحج الصيام، فِعلُ كل ما أمر الله به، وترك ما نهى عنه، كل ذلك من حق لا إله إلا الله. وقد بين ﷺ أركان الإسلام أنها خمسة، وهي أركانه الظاهرة، فقال: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت[4].
هذه هي أركان الإسلام الظاهرة، وكل أعمال الدين داخلة في الإسلام، كلها تابعة لهذه الأركان؛ من الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك المعاصي، وغير هذا بما أمر الله به كله داخل في الإسلام، لكن أركانه الظاهرة خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، والصلوات الخمس، والزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت.
وبين ﷺ أركان الإيمان لّما سأله جبرائيل عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره[5]، فهذه أركان الإيمان، أركان الدين الباطنة ستة:
الإيمان بالله: وأنه ربك ومعبودك الحق -رب العالمين- الخلاق العليم.
والإيمان بالملائكة: وأنهم عباد الله، خلقهم الله من النور، فهم في طاعته، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون عليهم الصلاة والسلام وساداتهم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، وجبرائيل: هو السفير بين الله وبين الرسل.
ويلي الإيمان بهم الإيمان بالكتب: كتب الله المنزلة للأنبياء، الله أنزل كتبًا على الأنبياء لتؤمنوا بها، وأن الله أنزل كتبًا تدعو إلى توحيده وطاعته، منها: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، والقرآن أشرفها وأعظمها، وهو خاتمتها، أنزله الله على خاتم الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام.
وهكذا تؤمن بالرسل كلهم: عليك أن تؤمن بأن الله أرسل الرسل إلى العباد؛ يدعونهم إلى توحيد الله، يدعونهم إلى طاعة الله ورسله، وأولهم نوح، أرسله الله إلى الأرض بعدما وقع فيها الشرك، وقبله آدم عليه الصلاة والسلام أرسل إلى ذريته يدعوهم إلى توحيد الله وطاعة الله، ثم لما وقع الشرك أرسل الله نوحًا إلى قومه، فهو أول رسول بعدما وقع الشرك لأهل الأرض.
وهكذا هود وصالح ولوط وشعيب وموسى وهارون وعيسى، وغيرهم، وداود وسليمان؛ رسلًا أرسلهم الله مبشرين ومنذرين، دعوتهم واحدة: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل:36]، دعوتهم واحدة، يدعون إلى توحيد الله وطاعة الله، وينهون عن الشرك بالله عز وجل.
وتؤمن: باليوم الآخر أيضًا: وهو: البعث بعد الموت. لابد من قيامة، لابد من بعث بعد الموت، هذه الدار -دار الغرور- ليست دار إقامة، ولا دار متاع، بل دار غرور: وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185]، بعدها الموت وبعدها الجزاء والحساب.
فأنت -يا عبدالله- أمامك أمر عظيم، أمامك اليوم الآخر، أمامك الجزاء والحساب، والجنة والنار، وأنت مخلوق في هذه الدار لتعد العدة للانتقال إلى دار النعيم، فعليك أن تعد العدة لذلك، واحذر أن تعد العدة لدار الهوان؛ للجحيم؛ دار النعيم أعدها الله للمتقين، ودار الجحيم أعدها الله للكافرين.
وهذه الدار هي دار العمل، هي المزرعة، والآخرة هي دار الجزاء، فاليوم الآخر يوم البعث والنشور، يبعث الناس من قبورهم ومن كل مكان؛ من بطون البحار، ومن كل مكان، فيجمعهم الله جل وعلا كما قال تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [التغابن:9]، ويقول جل وعلا: وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ[يونس:53]؛ يعني البعث بعد الموت، فيجمع الله الخلائق؛ جنهم وإنسهم، عربهم وعجمهم، ذكورهم وإناثهم، يجمعهم الله في صعيد واحد، ويجازيهم بأعمالهم ويحاسبون؛ هذا يثقل ميزانه وهذا يخف ميزانه، وهذا يعطى كتابه بيمينه، وهذا يعطى كتابه بشماله. فأنت -يا عبدالله- على خطر، فالواجب الإعداد لهذا اليوم، والإعداد هو: تقوى الله، وطاعة الله ورسوله، وتوحيد الله والإيمان به، واتباع الرسول عليه الصلاة والسلام هذا هو الإعداد؛ العدة: تقوى الله وطاعته، واتباع رسوله والانقياد لشرعه.
ثم الركن السادس وهو: الإيمان بالقدر: أن تؤمن بأقدار الله، وأن الله علم الأشياء كلها وقدرها سبحانه: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ[الحج:70]، مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا [الحديد:22]، ويقول النبي ﷺ: إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماء والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء[6]، تؤمن بالقدر، وأن الله قدر الأشياء، وعلم ما الناس عاملون؛ علم أهل الجنة، وأهل النار؛ فاحذر يا أخي التساهل، واحذر الإعراض والغفلة، واستحضر وقوفهم بين يدي الله وأنت ملاقٍ ربك، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق:6].
أنت ملاق ربك فاستعد لهذا اللقاء؛ بتوحيد الله وطاعته، واتباع شريعته، وتعظيم أمره ونهيه وتذكر قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وتذكر أنك ملاقٍ ربك، وأنك مجاز بعملك؛ إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، فلا تغفل، ولا تتبع الهوى، ولا تطع الشيطان، احرص أن تكون من القليل الناجين، واحذر أن تكون من الكثير الهالكين: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20]، وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، لابد من جد ونشاط، وصدق وصبر ومصابرة، وضراعة إلى الله، لتفزع إلى الله، وتسأله أن يعينك، وأن يمنحك التوفيق، وأن يهديك صراطه المستقيم، أنت في أشد الضرورة إلى ربك، ليس الأمر بيدك، الأمر بيد الله، قال تعالى: لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء [البقرة:272]، إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء [القصص:56].
الهداية؛ هداية التوفيق، وقبول الحق، هذه بيد الله ، ليس بيد أحد من الناس، أما هداية البلاغ والبيان، فهذه بيد الرسل وأتباعهم.
الهداية بمعنى البلاغ والبيان هذه بيد الرسل، فالرسل هم الهداة إلى صراط الله المستقيم، قال تعالى عن نبيه ﷺ: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الشورى:52]؛ يعني: تدل وترشد الناس، وهكذا العلماء والدعاة، يرشدون ويهدون إلى الصراط المستقيم؛ بالبلاغ بالبيان والدعوة والإرشاد، أما الهداية بمعنى: التوفيق والرضا بالحق وقبوله، فهذه بيد الله هو الذي يهدي من يشاء ويوفق من يشاء؛ فاضرع إلى الله دائمًا، واسأله أن يهديك إلى صراطه المستقيم، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يمنحك التوفيق لكل ما يرضيه، وأن يعيذك من شر نفسك وهواك وشيطانك، هو الذي يهدي من يشاء، بيده الهداية، بيده التوفيق.
فاضرع إليه دائمًا، واسأله دائمًا في جميع الأوقات، وفي سجودك، وفي آخر الصلاة، وفي جوف الليل، وفي آخر الليل، يقول النبي ﷺ: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ فأكثروا الدعاء[7].
فالدعاء في السجود يرجى قبوله، فينبغي لك -يا عبدالله- أن تجتهد في الدعاء في سجودك، ولما علم أصحابه التحيات عليه الصلاة والسلام قال : ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعوه[8]، وقال ﷺ: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى ينفجر الفجر[9]، ينزل نزولًا يليق بجلاله، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، نزولًا لا يعلم كيفيته إلا هو كما أنه استوى على العرش استواء يليق بجلاله، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، قال تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فهو سبحانه فوق العرش، وعلمه في كل مكان، وينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة كما يشاء، حتى يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟.
وفي اللفظ الآخر: هل من داع فيستجاب له؟ هل من تائب فيتاب عليه؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ حتى ينفجر الفجر[10]فاضرع إلى الله يا أخي في هذه الأوقات، اضرع إلى ربك واسأله من فضله؛ في سجودك، وفي جوف الليل، وفي آخر الليل، وفي آخر الصلاة.
اضرع إلى الله واسأله التوفيق والهداية، واسأله أن يعلمك ما ينفعك، وأن يعيذك من شر شيطانك ونفسك الأمارة بالسوء، وأن يثبتك على الحق والإيمان، اضرع إلى الله دائمًا فإنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء؛ فاجتهد في الدعاء، والله يقول سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ[البقرة:186]، ويقول سبحانه: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].
فأنت مأمور بالدعاء، وموعود بالإجابة، فأحسن ظنك بربك، واضرع إليه دائمًا في كل وقت؛ في بيتك، وفي الطريق، وفي المسجد، في الصلاة، وفي غير ذلك، وتحرّى أوقات الإجابة لعله يستجب لك؛ كوقت السجود في آخر الليل، في جوف الليل، في آخر الصلاة، في آخر ساعة من يوم الجمعة، وأنت تنتظر الصلاة، وقت جلوس الإمام على المنبر يوم الجمعة إلى أن تقضى الصلاة، كل هذه من أوقات الإجابة، فأنت تنوي وتلتمس أوقات الإجابة، وفي كل وقت، تدعو ربك في كل وقت، ترجوه، تحسن الظن به ، لا تملّ الدعاء مع الجد مع طاعة الله، مع المسارعة إلى ما يرضيه، مع الحذر من مساخطه جل وعلا.
هذا هو الواجب على جميع المكلفين؛ من الجن والإنس، من الرجال والنساء،، الواجب على الجميع الاستقامة على طاعة الله، الاستقامة على أداء ما أوجب الله، وعلى ترك ما حرم الله، والحذر مما يغضب الله قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]؛ يعني: ثبتوا على الحق حتى الموت: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ [فصلت:30- 32].
هذا جزاء أهل الاستقامة، أهل الثبات على الحق، قالوا وعملوا، بخلاف من يقول ولا يعمل، فقد ذمهم الله، وتوعدهم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3]، ويقول سبحانه: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [البقرة:44].
خطر عظيم، فالواجب على العاقل، على المكلف، على كل رجل وامرأة، على الجميع، الرجال والنساء، على الجن والإنس: الصدق في القول والعمل، الثبات على الحق والاستقامة عليه حتى الموت.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ومن مضلات الفتن.
كما نسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولِّي عليهم خيارهم، ويصلح قادتهم.
كما نسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا في هذه المملكة لكل خير، وأن ينصر بهم الحق، وأن يكثر أعوانهم على الخير، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يجعلنا وإياهم وإياكم من الهداة المهتدين. إنه سميع قريب.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله؛ نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان[11].
فإن الله جل وعلا إنما خلق الخلق ليُعبَد وحده لا شريك له، لم يخلقهم عبثًا ولا سدى، وإنما خلقهم لأمر عظيم، خلقهم ليعبدوه ويعظموه، وينقادوا لشرعه، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58].
وهذه العبادة التي خلقوا لها قد أمرهم بها كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، قال تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا [النساء:36]، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ - وأمر ربك - أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ [الإسراء:23]، قال الله : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5].
قد أرسل الرسل بهذا عليهم الصلاة والسلام قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل:36]، قال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[الأنبياء:25]. هذه هي العبادة، وهذه هي الحكمة التي من أجلها خلق الجن والإنس، وهذه هي الغاية التي من أجلها خلق الثقلان؛ ليعبدوا الله، وليعظموه، وينقادوا إلى شرعه، ويتبعوا رسله، لم يخلقهم سدى ولا عبثًا، وليس في حاجة إليهم سبحانه هو الغني بذاته عن كل ما سواه، قال : يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ [فاطر:15-16]، قال الله جل وعلا: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص:27].
لم يخلقهما باطلًا، بل خلقهما لحكمة عظيمة، وقد أنكر على من حسب ذلك وظنه، قال: أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36]؛ يعني: معطلًا ومهملًا، كلا لم يترك سدى، بل أمر ونهي، وقال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115]؛ أنكر عليهم هذا الحسبان، وأنه سبحانه إنما خلقهم ليعبدوه، لم يخلقهم عبثًا ولا سدى.
وهذه العبادة يجب على المكلفين أن يتعلموها ويعرفوها، هذه العبادة التي أنت مخلوق لها يا عبدالله، عليك أن تعرفها بأدلتها؛ حتى تعبدالله على بصيرة، فأنت مأمور بأن تتعلم، قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ[محمد:19]، قال تعالى: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12].
هذا هو الواجب على كل مكلف أن يتعلمه، وأن يتفقه في الدين، يقول النبي ﷺ: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، ويقول ﷺ: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب، أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس؛ فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان؛ لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ قال عليه الصلاة والسلام: فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم.
مثل الأرض الطيبة التي أمسكت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وأمسكت الماء فنفع الله بها الناس، هؤلاء هم علماء المسلمين؛ حملوا العلم ففقهوا في الدين، حملوا العلم ونقلوه إلى الناس؛ ففقهوا فيه وأوصلوه إلى الناس.
علماء الحق هم مثل الأرض الطيبة التي قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وأمسكت الماء حتى شرب منه الناس، وسقوا وزرعوا.
وأغلب الخلق كالقيعان؛ التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ؛ لم ينتفعوا بما بعث الله به الرسل، قال تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وقال تعالى: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ [الأنعام:116]، وقال : وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20]
هذه حال أكثر الخلق، أعرضوا عن دين الله، وعن ما جاءت به الرسل، وعن ما خلقوا له، فأشبهوا الأنعام كما قال الله تعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44] فلا يليق بالمؤمن، ولا يليق بالعاقل أن يتشبه بالأنعام، بل يتفهم ويتعلم، ويتفقه في الدين؛ حتى يعرف ما أوجب الله عليه وما حرم الله عليه؛ ليحذر مشابهة الأنعام من الإبل والبقر والغنم ونحوها، بل يتعلم ويتفقه في الدين، ويسأل، قال تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النحل:43].
فأنت مأمور بأن تتفقه في الدين وتتعلم؛ حتى تعلم ما أوجب الله عليك وما حرم عليك، حتى تعرف العبادة التي أنت مخلوق لها، وهذه العبادة هي الإسلام، هي دين الإسلام، هي الإيمان والهدى، هي طاعة الله ورسوله، هي البر والتقوى، هذه هي العبادة التي بينها سبحانه في مواضع أخرى، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران:19]، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ [النساء:136]، وقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ[النساء:1]، وقال: وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23]، وقال: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة:189]، وقال: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار:13].
فعلم بهذا أن هذه العبادة التي أنت مخلوق لها -يا عبدالله- هي الإسلام، وهي الإيمان والهدى، وهي طاعة الله ورسوله، وهي البر والتقوى.
وحقيقة الأمر أن العبادة هي: التوحيد لله، والإخلاص له، وأداء فرائضه وترك محارمه، والوقوف عند حدوده، هذه هي العبادة التي أنت مخلوق لها، وأنت مأمور بها، وبعث الله بها الرسل، وأنزل بها الكتاب كما قال جل وعلا: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خبير ألا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ [هود:1، 2]، وقال تعالى: تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعبد الله مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:1-3]، وقال تعالى: وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155].
فالواجب على جميع المكلفين من الرجال والنساء؛ من الجن والإنس، من العرب والعجم، أن يتعلموا دين الله، ويتفقهوا في هذه العبادة التي خلقوا لها، وهي: الإسلام، وهي الإيمان والهدى، وهي توحيد الله وطاعته، عليهم أن يتفقهوا ويتعلموا من طريق القرآن الكريم والسنة المطهرة، فالقرآن هو أصل كل خير، وهو أصدق كتاب وأعظم كتاب وأشرف كتاب.
فالواجب التفقه فيه والتدبر والتعلم، قال تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]، قال جل وعلا: هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ [إبراهيم:52]، وقال : وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام:155]، وقال تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [ص:29]، قال تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ [الأنعام:19].
فأنت -يا عبدالله- مأمور بتدبر القرآن والتفقه في القرآن والتعلم؛ حتى تعرف ما أوجب الله عليك وما حرم الله عليك، وأنت -أيضًا- مأمور باتباع السنة وتعظيمها، والتفقه فيها، وهي: حديث الرسول ﷺ، ما ثبت عنه ﷺ من أقواله وأفعاله وتقريراته، أنت مأمور بها، وهي الحكمة، والله أنزل على نبيه ﷺ الكتاب والحكمة، وهي: السنة، قال تعالى: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [النساء:80]، وقال سبحانه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا [الحشر:7]، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، قال تعالى: أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ [النساء:59]، فأنت -يا عبدالله- مأمور بطاعة الله وطاعة رسوله، ولا سبيل إلى هذا إلا بالتفقه والتعلم؛ حتى تعرف ما يجب عليك وما يحرم عليك، وما شرعه الله لك وما نهاك عنه؛ لتعبد ربك على بصيرة، وأعظم ذلك، وأساس ذلك: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، هاتان الشهاداتان هما أصل الدين، هما أساس الملة، وأول شيء دعا إليه الرسول هو توحيد الله جل وعلا.
أول ما دعت الرسل إليه: توحيد الله، أن يقول العباد: لا إله إلا الله، وأول شيء دعا به نبينا ﷺ قومه أن يقولوا: لا إله إلا الله، وأن يؤمنوا به ويصدقوه، فهاتان الشهادتان هما أصل الدين، هما أساس الملة، أن تشهد أن لا إله إلا الله صدقًا من قلبك، والمعنى: أنه لا معبود بحق إلا الله، وأن تشهد أن محمدًا رسول الله، محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب هو رسول الله حقًّا، وأن تشهد على علم، عن يقين وعن صدق أنه رسول الله، هاتان الشهادتان هما أصل الدين، هما أساس الملة، فلا إسلام ولا إيمان ولا تقوى ولا بر إلا بهاتين الشهادتين، لابد أن يقولها على علم وعن يقين وعن صدق.
أما إذا قالها عن غير صدق صار منافقًا، فالمنافقون الذين قال الله فيهم سبحانه: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء:145]، لم يقولوها عن صدق، فالمنافق قالها بلسانه وكذبها بقلبه.
فعليك أن تخالف المنافقين، وأن تشهد شهادة جازمة عن علم ويقين وصدق: أنه لا إله إلا الله؛ أي لا معبود بحق إلا الله، وأن محمدًا هو عبدالله ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق إلى الناس أجمعين، كما قال سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158] وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [سبأ:28]، وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، وقال جل وعلا: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1] فأنت يا عبدالله مأمور بأداء هاتين الشهادتين؛ عن صدق وإخلاص وعن عمل بمقتضاهما؛ من توحيد الله، والإخلاص له، والإيمان به، وتخصيصه بالعبادة على الطريقة والمنهج الذي جاء به رسوله ﷺ.
فالعمل لابد فيه من شرطين:
أحدهما: الإخلاص لله.
والثاني: الموافقة لشريعة رسوله ﷺ.
كل عبادة لابد فيها من هذا؛ من صلاة وحج وصوم وغير ذلك، عليك أن تخلصها لله، وعليك أن تكون فيها متابعًا لما جاء به رسوله ﷺ: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].
ومكث النبي ﷺ في قومه عشر سنين في مكة، يدعوهم إلى هذه الكلمة؛ إلى توحيد الله والإيمان برسوله، قبل فرض الصلاة وغيرها بقول: يا قومي قولوا لا إله إلا الله، وتوبوا إليه[1]، في هذه البلدة يدعو قريشًا وغيرهم أن يقولوا: لا إله إلا الله، فآمن القليل، واستكبر الأكثرون، ثم فرض الله عليهم الصلوات الخمس في مكة قبل الهجرة، فصلاها في مكة ثلاث سنين، ثم هاجر إلى المدينة عليه الصلاة والسلام؛ وبهذا يعلم المكلف، يعلم العاقل، أن هذا الدين يحتاج إلى التعلم والتفقه في الدين، وأن الدعوة لا تنفع إلا بهذا، لابد من علم ويقين وصدق، فدعوة الإسلام ودعوة الإيمان دعوة التوحيد ودعوة المتابعة، لا تنفع إلا بعلم وعمل.
فعليك أن تعلم وأن تفقه في الدين، وأن تعمل بقول النبي ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله[2]، ويقول: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها[3].
وحقها: أداء فرائض الله وترك محارمه، هذا حق لا إله إلا الله، الصلاة الزكاة الحج الصيام، فِعلُ كل ما أمر الله به، وترك ما نهى عنه، كل ذلك من حق لا إله إلا الله. وقد بين ﷺ أركان الإسلام أنها خمسة، وهي أركانه الظاهرة، فقال: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت[4].
هذه هي أركان الإسلام الظاهرة، وكل أعمال الدين داخلة في الإسلام، كلها تابعة لهذه الأركان؛ من الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك المعاصي، وغير هذا بما أمر الله به كله داخل في الإسلام، لكن أركانه الظاهرة خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، والصلوات الخمس، والزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت.
وبين ﷺ أركان الإيمان لّما سأله جبرائيل عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره[5]، فهذه أركان الإيمان، أركان الدين الباطنة ستة:
الإيمان بالله: وأنه ربك ومعبودك الحق -رب العالمين- الخلاق العليم.
والإيمان بالملائكة: وأنهم عباد الله، خلقهم الله من النور، فهم في طاعته، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون عليهم الصلاة والسلام وساداتهم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، وجبرائيل: هو السفير بين الله وبين الرسل.
ويلي الإيمان بهم الإيمان بالكتب: كتب الله المنزلة للأنبياء، الله أنزل كتبًا على الأنبياء لتؤمنوا بها، وأن الله أنزل كتبًا تدعو إلى توحيده وطاعته، منها: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، والقرآن أشرفها وأعظمها، وهو خاتمتها، أنزله الله على خاتم الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام.
وهكذا تؤمن بالرسل كلهم: عليك أن تؤمن بأن الله أرسل الرسل إلى العباد؛ يدعونهم إلى توحيد الله، يدعونهم إلى طاعة الله ورسله، وأولهم نوح، أرسله الله إلى الأرض بعدما وقع فيها الشرك، وقبله آدم عليه الصلاة والسلام أرسل إلى ذريته يدعوهم إلى توحيد الله وطاعة الله، ثم لما وقع الشرك أرسل الله نوحًا إلى قومه، فهو أول رسول بعدما وقع الشرك لأهل الأرض.
وهكذا هود وصالح ولوط وشعيب وموسى وهارون وعيسى، وغيرهم، وداود وسليمان؛ رسلًا أرسلهم الله مبشرين ومنذرين، دعوتهم واحدة: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل:36]، دعوتهم واحدة، يدعون إلى توحيد الله وطاعة الله، وينهون عن الشرك بالله عز وجل.
وتؤمن: باليوم الآخر أيضًا: وهو: البعث بعد الموت. لابد من قيامة، لابد من بعث بعد الموت، هذه الدار -دار الغرور- ليست دار إقامة، ولا دار متاع، بل دار غرور: وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185]، بعدها الموت وبعدها الجزاء والحساب.
فأنت -يا عبدالله- أمامك أمر عظيم، أمامك اليوم الآخر، أمامك الجزاء والحساب، والجنة والنار، وأنت مخلوق في هذه الدار لتعد العدة للانتقال إلى دار النعيم، فعليك أن تعد العدة لذلك، واحذر أن تعد العدة لدار الهوان؛ للجحيم؛ دار النعيم أعدها الله للمتقين، ودار الجحيم أعدها الله للكافرين.
وهذه الدار هي دار العمل، هي المزرعة، والآخرة هي دار الجزاء، فاليوم الآخر يوم البعث والنشور، يبعث الناس من قبورهم ومن كل مكان؛ من بطون البحار، ومن كل مكان، فيجمعهم الله جل وعلا كما قال تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [التغابن:9]، ويقول جل وعلا: وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ[يونس:53]؛ يعني البعث بعد الموت، فيجمع الله الخلائق؛ جنهم وإنسهم، عربهم وعجمهم، ذكورهم وإناثهم، يجمعهم الله في صعيد واحد، ويجازيهم بأعمالهم ويحاسبون؛ هذا يثقل ميزانه وهذا يخف ميزانه، وهذا يعطى كتابه بيمينه، وهذا يعطى كتابه بشماله. فأنت -يا عبدالله- على خطر، فالواجب الإعداد لهذا اليوم، والإعداد هو: تقوى الله، وطاعة الله ورسوله، وتوحيد الله والإيمان به، واتباع الرسول عليه الصلاة والسلام هذا هو الإعداد؛ العدة: تقوى الله وطاعته، واتباع رسوله والانقياد لشرعه.
ثم الركن السادس وهو: الإيمان بالقدر: أن تؤمن بأقدار الله، وأن الله علم الأشياء كلها وقدرها سبحانه: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ[الحج:70]، مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا [الحديد:22]، ويقول النبي ﷺ: إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماء والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء[6]، تؤمن بالقدر، وأن الله قدر الأشياء، وعلم ما الناس عاملون؛ علم أهل الجنة، وأهل النار؛ فاحذر يا أخي التساهل، واحذر الإعراض والغفلة، واستحضر وقوفهم بين يدي الله وأنت ملاقٍ ربك، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق:6].
أنت ملاق ربك فاستعد لهذا اللقاء؛ بتوحيد الله وطاعته، واتباع شريعته، وتعظيم أمره ونهيه وتذكر قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وتذكر أنك ملاقٍ ربك، وأنك مجاز بعملك؛ إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، فلا تغفل، ولا تتبع الهوى، ولا تطع الشيطان، احرص أن تكون من القليل الناجين، واحذر أن تكون من الكثير الهالكين: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20]، وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، لابد من جد ونشاط، وصدق وصبر ومصابرة، وضراعة إلى الله، لتفزع إلى الله، وتسأله أن يعينك، وأن يمنحك التوفيق، وأن يهديك صراطه المستقيم، أنت في أشد الضرورة إلى ربك، ليس الأمر بيدك، الأمر بيد الله، قال تعالى: لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء [البقرة:272]، إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء [القصص:56].
الهداية؛ هداية التوفيق، وقبول الحق، هذه بيد الله ، ليس بيد أحد من الناس، أما هداية البلاغ والبيان، فهذه بيد الرسل وأتباعهم.
الهداية بمعنى البلاغ والبيان هذه بيد الرسل، فالرسل هم الهداة إلى صراط الله المستقيم، قال تعالى عن نبيه ﷺ: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الشورى:52]؛ يعني: تدل وترشد الناس، وهكذا العلماء والدعاة، يرشدون ويهدون إلى الصراط المستقيم؛ بالبلاغ بالبيان والدعوة والإرشاد، أما الهداية بمعنى: التوفيق والرضا بالحق وقبوله، فهذه بيد الله هو الذي يهدي من يشاء ويوفق من يشاء؛ فاضرع إلى الله دائمًا، واسأله أن يهديك إلى صراطه المستقيم، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يمنحك التوفيق لكل ما يرضيه، وأن يعيذك من شر نفسك وهواك وشيطانك، هو الذي يهدي من يشاء، بيده الهداية، بيده التوفيق.
فاضرع إليه دائمًا، واسأله دائمًا في جميع الأوقات، وفي سجودك، وفي آخر الصلاة، وفي جوف الليل، وفي آخر الليل، يقول النبي ﷺ: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ فأكثروا الدعاء[7].
فالدعاء في السجود يرجى قبوله، فينبغي لك -يا عبدالله- أن تجتهد في الدعاء في سجودك، ولما علم أصحابه التحيات عليه الصلاة والسلام قال : ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعوه[8]، وقال ﷺ: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى ينفجر الفجر[9]، ينزل نزولًا يليق بجلاله، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، نزولًا لا يعلم كيفيته إلا هو كما أنه استوى على العرش استواء يليق بجلاله، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، قال تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فهو سبحانه فوق العرش، وعلمه في كل مكان، وينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة كما يشاء، حتى يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟.
وفي اللفظ الآخر: هل من داع فيستجاب له؟ هل من تائب فيتاب عليه؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ حتى ينفجر الفجر[10]فاضرع إلى الله يا أخي في هذه الأوقات، اضرع إلى ربك واسأله من فضله؛ في سجودك، وفي جوف الليل، وفي آخر الليل، وفي آخر الصلاة.
اضرع إلى الله واسأله التوفيق والهداية، واسأله أن يعلمك ما ينفعك، وأن يعيذك من شر شيطانك ونفسك الأمارة بالسوء، وأن يثبتك على الحق والإيمان، اضرع إلى الله دائمًا فإنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء؛ فاجتهد في الدعاء، والله يقول سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ[البقرة:186]، ويقول سبحانه: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].
فأنت مأمور بالدعاء، وموعود بالإجابة، فأحسن ظنك بربك، واضرع إليه دائمًا في كل وقت؛ في بيتك، وفي الطريق، وفي المسجد، في الصلاة، وفي غير ذلك، وتحرّى أوقات الإجابة لعله يستجب لك؛ كوقت السجود في آخر الليل، في جوف الليل، في آخر الصلاة، في آخر ساعة من يوم الجمعة، وأنت تنتظر الصلاة، وقت جلوس الإمام على المنبر يوم الجمعة إلى أن تقضى الصلاة، كل هذه من أوقات الإجابة، فأنت تنوي وتلتمس أوقات الإجابة، وفي كل وقت، تدعو ربك في كل وقت، ترجوه، تحسن الظن به ، لا تملّ الدعاء مع الجد مع طاعة الله، مع المسارعة إلى ما يرضيه، مع الحذر من مساخطه جل وعلا.
هذا هو الواجب على جميع المكلفين؛ من الجن والإنس، من الرجال والنساء،، الواجب على الجميع الاستقامة على طاعة الله، الاستقامة على أداء ما أوجب الله، وعلى ترك ما حرم الله، والحذر مما يغضب الله قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]؛ يعني: ثبتوا على الحق حتى الموت: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ [فصلت:30- 32].
هذا جزاء أهل الاستقامة، أهل الثبات على الحق، قالوا وعملوا، بخلاف من يقول ولا يعمل، فقد ذمهم الله، وتوعدهم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3]، ويقول سبحانه: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [البقرة:44].
خطر عظيم، فالواجب على العاقل، على المكلف، على كل رجل وامرأة، على الجميع، الرجال والنساء، على الجن والإنس: الصدق في القول والعمل، الثبات على الحق والاستقامة عليه حتى الموت.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ومن مضلات الفتن.
كما نسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولِّي عليهم خيارهم، ويصلح قادتهم.
كما نسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا في هذه المملكة لكل خير، وأن ينصر بهم الحق، وأن يكثر أعوانهم على الخير، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يجعلنا وإياهم وإياكم من الهداة المهتدين. إنه سميع قريب.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله؛ نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان[11].
- أخرجه أحمد برقم: 15448 (مسند المكيين)، باب (حديث ربيعة بن عباد الديلي رضي الله عنه ولفظه: " يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ").
- أخرجه البخاري برقم: 24 (كتاب الإيمان)، باب (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم)، ومسلم برقم: 29 (كتاب الإيمان)، باب (الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله).
- أخرجه مسلم برقم: 33 (كتاب الإيمان)، باب (الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله).
- أخرجه البخاري برقم: 7 (كتاب الإيمان)، باب (بني الإسلام على خمس)، ومسلم برقم: 22 (كتاب الإيمان)، باب (بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام).
- أخرجه مسلم من حديث عمر المشهور برقم: 9 (كتاب الإيمان)، باب (بيان الإيمان والإسلام والإحسان).
- أخرجه مسلم برقم: 4797 (كتاب القدر)، باب (حجاج آدم وموسى عليهما السلام).
- أخرجه مسلم برقم: 744 (كتاب الصلاة)، باب (ما يقال في الركوع والسجود).
- أخرجه البخاري برقم: 791 (كتاب الأذان)، باب (ما يتخير من الدعاء بعد التشهد)، ومسلم برقم: 609 (كتاب الصلاة)، باب (التشهد في الصلاة).
- أخرجه البخاري برقم: 1077 (كتاب الجمعة)، باب (الدعاء في الصلاة في آخر الليل)، ومسلم برقم: 1261 (كتاب صلاة المسافرين وقصرها)، باب (الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة).
- أخرجه مسلم برقم: 1265 (كتاب صلاة المسافرين وقصرها)، باب (الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل).
- دروس ألقاها سماحته في المسجد الحرام بتاريخ 25/ 12/ 1418هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 23/ 314).