لقاء سماحته مع مجلة (تكبير) الباكستانية

[هذا جواب الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، على الأسئلة المقدمة من الأستاذ صلاح الدين رئيس تحرير مجلة (تكبير) الباكستانية].

السؤال الأول: ما هي المقترحات لديكم لإنقاذ الأمة الإسلامية من الخلافات والعنصرية والتمذهب وكيف يمكن أن توحد الأمة من جديد؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله محمد وآله وأصحابه وبعد: فاقتراحي في هذا الموضوع المهم هو دعوة الأمم جميعا إلى توحيد الله والإخلاص له والتمسك بشريعته والحذر مما خالفها. وهذا هو الذي يجمع الأمة على الحق ويزيل الخلاف والتعصب للمذاهب. والمقصود دعوة المسلمين أن يستقيموا على دين الله، وأن يحافظوا على شريعته، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، وبهذا تتحد صفوفهم وتتوحد كلمتهم ويكونون جسدا واحدا وبناء واحدا ومعسكرا واحدا ضد أعدائهم. أما إذا تعصب كل واحد لمذهبه أو لشيخه أو لما يرى مما يخالف فيه سلف الأمة فإن هذا هو الذي يؤدي إلى الفرقة.
فالواجب على علماء الإسلام وعلى دعاة المسلمين وعلى ولاة الأمر أن يتكاتفوا جميعا لدعوة الناس جميعا إلى الحق والتمسك به والاستقامة عليه، وأن يكون هدف الجميع طاعة الله ورسوله والالتفاف حول كتاب الله وسنة رسوله ﷺ والحذر مما يخالف ذلك. فهذا هو الطريق الأوحد لجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفهم ونصرهم على عدوهم، والله ولي التوفيق.

السؤال الثاني: ما هي الإجراءات التي يجب أن تتخذ بخصوص غير المسلمين الموجودين في المجتمعات الإسلامية للمحافظة على الكيان الإسلامي والحضارة الإسلامية والأخلاق الإسلامية ؟
الجواب: الطريق لهذا والسبيل إليه هو دعوة غير المسلمين إلى الخير والهدى، وأن يفسر لهم ما جاء به الرسول ﷺ من الهدى ودين الحق بالأسلوب الذي يفهمونه وبيان محاسن الإسلام، لهم لعلهم يدخلون في دين الله، ولعلهم يخرجون من ظلمات الشرك والجهل والظلم إلى نور التوحيد والإيمان وعدالة الإسلام، فمن قبل الحق واستقام على دين الله فالحمد لله وإلا أمكن إبعاده إلى بلاد الكفرة إذا كان ليس من أهل الوطن، وإن كان منهم أمكن أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل إن كان ليس من أهل الكتاب ولا من المجوس، وإن كان من المجوس أو من أهل الكتاب تؤخذ منهم الجزية ويبقى في صغار وذل حتى يدخل في دين الله ويسلم الناس من شره ويعرفونه.
هذا أسلم طريق للخلاص من شر الكفار المخالطين، مع العناية بدعوتهم إلى الله وتبصيرهم بدينه بالأساليب الحسنة وإيضاح محاسن الإسلام لهم، وإنصافهم وإعطائهم حقوقهم التي لهم على المسلمين لعلهم يقبلون الحق ويخرجون مما هم فيه من الباطل إلى دين الحق والهدى والسعادة. هذا مع قدرة المسلمين، فإن عجز المسلمون عن هذا فعليهم أن يتقوا الله وأن يستقيموا ويتحرزوا من شر أعدائهم، وأن يجتهدوا في دعوتهم إلى الله وفي البعد عن الاختلاط بهم ومصادقتهم والأنس بهم والتشبه بأحوالهم، حتى يسلموا من مكائدهم وحتى لا يخدعوهم بما هم عليه من الباطل، والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق.
وهذا كله في غير الجزيرة العربية، أما في الجزيرة العربية فالواجب أن يمنعوا من دخولها، وأن لا يبقوا فيها؛ لأن الرسول ﷺ نهى عن بقائهم فيها وأمر أن لا يبقى فيها إلا الإسلام، وأن لا يجتمع فيها دينان وأمر بإخراج اليهود والنصارى وغيرهم من الجزيرة فلا يدخلوها إلا لحاجة عارضة ثم يخرجون، كما أذن عمر للتجار أن يدخلوا في مدد محددة ثم يرجعوا إلى بلادهم، وكما أقر النبي ﷺ اليهود على العمل في خيبر لما احتيح إليهم ثم أجلاهم عمر.
فالحاصل أن الجزيرة العربية لا يجوز أن يقر فيها دينان؛ لأنها معقل الإسلام ومنبع الإسلام فلا يجوز أن يقر فيها المشركون إلا بصفة مؤقتة لحاجة يراها ولي الأمر، كما فعل عمر في التجار، وكما فعل النبي ﷺ مع أهل خيبر حتى استغنى عنهم المسلمون فأجلاهم عمر رضي الله عنه.
ويجب على الرعية في الجزيرة العربية أن يساعدوا ولي الأمر، وأن يجتهدوا مع ولي الأمر في عدم جلب المشركين وعدم التعاقد معهم وعدم استعمالهم في أي عمل، وأن يستغنى عنهم بالعمال المسلمين فإن في ذلك كفاية وأن يختار من المسلمين من هم أولى في أخلاقهم ودينهم؛ لأن بعض المسلمين قد يكون مسلما بالاسم لا بالحقيقة، فينبغي للذي يستورد العمال أن ينظر وأن يتأمل العمال الطيبين من المسلمين دون غيرهم، والله المستعان.

السؤال الثالث: إن المسلمين القادمين إلى الحرمين الشريفين يشعرون بقلق واضطراب عندما يرون أن تدفق غير المسلمين إلى هذه البلاد في ازدياد مستمر، فهل أنتم نبهتم الحكومة على هذه الأخطار؟
الجواب: نعم قد شعر المسلمون بخطر من هؤلاء المشركين، وقد نبه ولي الأمر على أنه يجب تطهير الجزيرة من الكفرة والعناية بعدم دخولهم فيها وعدم إقامتهم فيها، وقد وافق ولي الأمر على التقليل منهم ووعد وفقه الله بالعناية التامة بهذا الشأن، وأن لا يستقدم إلا من تدعو الضرورة أو الحاجة الشديدة إليهم.
فأسأل الله له التوفيق والإعانة على كل خير.

السؤال الرابع: ما هي المسئوليات التي تجب علينا نحو الجهاد الإسلامي في أفغانستان، وما هي الجهود التي قمتم بها في هذا الصدد حتى الآن؟
الجواب: لا ريب أن الجهاد في أفغانستان جهاد إسلامي يجب أن يشجع ويدعم من المسلمين جميعا؛ لأنهم مسلمون يقاتلون عدوا شرسا خبيثا من أكفر الكفرة وأرذلهم، ومن أقواهم فيما يتعلق بالقدرة الحسية فليس هناك تكافؤ بين القوتين، ولكن نصر الله وتأييده لإخواننا المجاهدين، فالواجب على أهل الإسلام جميعا أن يساعدوهم وأن يعينوهم بالمال والنفس والرأي والشفاعة وكل ما يعد دعما لهم وإعانة، هذا هو الواجب على المسلمين جميعا، وقد قامت الدولة وفقها الله بتشجيع الشعب السعودي على مساعدتهم، وقد حصل من ذلك مساعدات كثيرة للمجاهدين عن طريق الشعب وغيره، ولا نزال مستمرين في هذا الأمر مع إخواننا في هذه المملكة والدولة وفقها الله تشجع الشعب على ذلك وتعين على إيصال هذه المساعدات إلى المجاهدين والمهاجرين؛ لأنهم بحاجة شديدة إلى ذلك.
وهذا حق على الجميع، نسأل الله أن يعيننا على الاستمرار وأن ينصر إخواننا وأن يعينهم على ما فيه نجاتهم وسعادتهم ونصرهم على عدوهم، وأن يذل أعداء الإسلام أينما كانوا، وأن يكبتهم وأن يعين عليهم، وأن يضاعف أجر كل من ساعدهم، إنه خير مسئول.

السؤال الخامس: ما هي الطرق الناجحة لديكم للقيام بالدعوة إلى الله في هذا العصر؟
الجواب: أنجح الطرق في هذا العصر وأنفعها استعمال وسائل الإعلام، لأنها ناجحة وهي سلاح ذو حدين. فإذا استعملت هذه الوسائل في الدعوة إلى الله وإرشاد الناس إلى ما جاء به الرسول ﷺ من طريق الإذاعة والصحافة والتلفاز فهذا شيء كبير ينفع الله به الأمة أينما كانت، وينفع الله به غير المسلمين أيضا حتى يفهموا الإسلام وحتى يعقلوه ويعرفوا محاسنه ويعرفوا أنه طريق النجاح في الدنيا والآخرة.
والواجب على الدعاة وعلى حكام المسلمين أن يساهموا في هذا بكل ما يستطيعون، من طريق الإذاعة، ومن طريق الصحافة، ومن طريق التلفاز ومن طريق الخطابة في المحافل، ومن طريق الخطابة في الجمعة وغير الجمعة، وغير ذلك من الطرق التي يمكن إيصال الحق بها إلى الناس وبجميع اللغات المستعملة حتى تصل الدعوة والنصيحة إلى جميع العالم بلغاتهم.
هذا هو الواجب على جميع القادرين من العلماء وحكام المسلمين والدعاة إلى الله عز وجل، حتى يصل البلاغ إلى كافة العالم في جميع أنحاء المعمورة باللغات التي يستعملها الناس. وهذا هو البلاغ الذي أمر الله به، قال الله سبحانه وتعالى لنبيه: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67] فالرسول ﷺ عليه البلاغ وهكذا الرسل جميعا عليهم البلاغ - صلوات الله وسلامه عليهم، وعلى أتباع الرسل أن يبلغوا، قال النبي ﷺ: بلغوا عني ولو آية[1] وكان إذا خطب الناس يقول: فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع.
فعلى جميع الأمة حكاما وعلماء وتجارا وغيرهم أن يبلغوا عن الله وعن رسوله ﷺ هذا الدين، وأن يشرحوه للناس بشتى اللغات الحية المستعملة بأساليب واضحة، وأن يشرحوا محاسن الإسلام وحكمه وفوائده وحقيقته حتى يعرفه أعداؤه وحتى يعرفه الجاهلون فيه، وحتى يعرفه الراغبون فيه، والله ولي التوفيق.
وختاما لهذا اللقاء فإني أنصح إخواني المسلمين في باكستان وفي بنجلاديش وفي كل مكان، أن يتقوا الله ويعملوا بشرعه وأن يعملوا بما أوجب الله عليهم، وأن يدعوا ما حرم الله عليهم أينما كانوا، وأن يحذروا الشرك بالله قليله وكثيره دقيقه وجليله وأن يخلصوا لله العبادة في جميع الأحوال، وأن يحذروا ما وقع فيه كثير من الناس من التعلق بالأموات والاستغاثة بهم، سواء كانوا من الأنبياء أو الأولياء أو غيرهم، كما أحذرهم من التعلق بالأشجار أو الأحجار أو الأصنام أو غيرها من الجمادات؛ لأن العبادة حق الله وحده ليس له فيها شريك، كما قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] الآية. وقال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] ويقول سبحانه: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]
فالواجب على جميع الثقلين أن يخصوا الله بالعبادة دون كل ما سواه، وأن يؤدوا حقه الذي فرض عليهم من الصلاة وغيرها، وأن يحذروا ما حرم الله عليهم، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه، وأن يتعاونوا على البر والتقوى أينما كانوا، وأن يتفقهوا في دين الله، وأن يجتهدوا في تلاوة القرآن الكريم والتدبر لمعانيه والتعقل والعمل بما فيه؛ لأنه كتاب الله فيه الهدى والنور. قال النبي ﷺ في حجة الوداع: إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به: كتاب الله والله يقول: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] ويقول سبحانه: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44]
فالواجب على المسلمين جميعا أن يتعقلوه ويتدبروه ويعملوا به. وهكذا سنة النبي ﷺ يجب العناية بها وحفظ ما تيسر منها والعمل بها وتفسير ما أشكل من القرآن بالسنة الصحيحة عن رسول الله ﷺ، فإنها الوحي الثاني والأصل الثاني من أصول الشريعة التي يجب أن يرجع إليها في كل ما أشكل من كتاب الله وفي كل ما أشكل من الأحكام.
هذه وصيتي لجميع المسلمين، وأن لا تشغلهم الدنيا وشهواتها عن آخرتهم، بل يجب عليهم أن يستعينوا بالدنيا على الآخرة، وأن يجعلوا الدنيا مطية للآخرة حتى ينجحوا ويربحوا ويفلحوا، والله ولي التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان[2].

  1. رواه البخاري في الصحيح.
  2. نشر في مجلة البحوث الإسلامية، العدد الثامن عشر 3/ 4/ 5/ 6/ 1407هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 2/ 448).